قال قائد الثورة المعظّم، آیة الله الخامنئی فی خطابه الأخیر خلال لقائه بمسؤولی هیئة الحج والعمرة، فیما یتعلق بحدیثهم حول ما یجب عمله للحج، قال "أحد القضایا هو موضوع الصهاینة. أی أن آفة الصهیونیة على العالم الإسلامی الیوم هی آفة متواصلة ومستمرة. فالصهیونیة کانت على الدوام کارثة، حتى قبل تشکیل النظام الصهیونی المزیف. فی ذلک الوقت، کان الرأسمالیون الصهاینة کارثة على الجمیع فی العالم، لکنها الآن کارثة على العالم الإسلامی على وجه الخصوص یجب الکشف عن هذا، یجب أن یقال؛ الآن بأی طریقة تعرفونها، وبأی طریقة ممکنة".
النصّ الکامل لکلمة الإمام الخامنئی فی اللقاء الذی جمعه بتاریخ ٨/٦/٢٠٢٢ مع القیّمین على شؤون الحجّ فی حسینیّة الإمام الخمینیّ (قده). وفی کلمته شدّد قائد الثورة الإسلامیّة على کون الحجّ مظهر الاتحاد للأمّة الإسلامیّة داعیاً إلى الترکیز على نقاط الاشتراک واجتناب التفرقة، وطالب سماحته الحکومة المضیفة للحجّ بضمان أمن الحجّاج والعمل وفق مصالح الأمّة الإسلامیّة، کما اعتبر سماحته الصهیونیّة بلاء للعالم الإسلامیّ وأنّ الدول المطبّعة مع هذا الکیان المزیّف لن تجنی سوى الضرر.
مما لا شک فیه أن المؤتمر العالمی للحج هو المظهر التام والعلنی للسلوک الدینی ووحدة المسلمین فی کافة المجالات. ولا تستطیع أی مناسک أو عبادة کالحج، أن تحفّز القوى الراقدة للأمة الإسلامیة للمضی فی طریق احیاء القیم الإسلامیة ومحاربة الآفات والأعداء اللدودین. من ناحیة أخرى، یمکن القول بحزم ویقین بأن الدعاة الحقیقیین للوحدة والتضامن الإسلامی هم المؤمنون المخلصون الذین الی جانب ممارسة العبادة والتحلی بالأخلاق جعلوا الجهاد بالأموال والأنفس قدوتهم و اسلوبهم الدائم ولم یشعروا ابدا بالخوف من الاعداء رغم کثرة عدتهم وأعدادهم.
الإسلام خمسة أرکان، آخرها حج بیت الله الحرام لمن استطاع إلیه سبیلا، ولا یصح إسلام المرء إن لم ینوی الحج مرة واحدة على الأقل فی عمرة عند استطاعته لذلک، والحج ملتقى للمسلمین من کل المذاهب والأعراق طالما أن الإسلام یجمعهم. فالحج هو ذلک المؤتمر الإسلامی الأکبر الذی یتجدد فی کل عام فی أقدس بقاع الله فی الأرض، وهو طریق واضحة للوحدة والجامعة الإسلامیة إذا شاء الحکام وساعدوا علیه واستغلوا إمکانیاته وطاقاته الخیرة الکبرى، إذ هو العبادة الجماعیة الحسیة المتمیزة فی الإسلام بهذا الوصف، فمناسکه وشعائره کلها مفروضة الأداء بصفة جماعیة فی حد ذاتها، أو لأن وقتها محدود فی أیام معلومة معینة، وهی قائمة أساسا على التجمع والتکتل والتعارف والتآلف، وکل جماعة تؤم البیت الحرام وتفید من منجزات الحج، تکون خیر رسل لأقوامها تبلغهم ما یجب علیهم، وتبعثهم على إنجاز ما یلزم، ومع الزمن یتصل حبل الجماعة وتتضافر جهودها فی بناء الوحدة والأجیال القادمة بتکرار مناسبات الحج کل عام...
یعتبر الحج إحدی الفرص المناسبة والقیمة للتطرق الی القضیة الفلسطینیة، وعلى المسلمین-انطلاقا من شعورهم بالواجب- أن ینتهزوا هذه الفرصة الثمینة وأن یتخذوا خطوات جادة فی مجال تنسیق وتوجیه الآلیات والأمکانیات الفعالة الکفیلة لحل هذه القضیة. فالقضیة الفلسطینیة قد جرحت قلوب المسلمین فی جمیع أنحاء العالم منذ أکثر من سبعة عقود ورسمت دورًا دمویًا فی صحیفة العالم الإسلامی.ویمکننا فی هذا الصدد، طرح العدید من القضایا الرئیسیة کعناوین فکریة، وطبعا ینبغی تقدیم حل عملی وتنفیذی لکل منها،. ومن الواضح فی هذا الصدد هو أن المثقفین والنخب السیاسیة یعتبرون المسؤولین الاوائل فی عملیة حل القضیة الفلسطینیة. لکن القضایا التی یمکن طرحها کموضوع رئیسی واساسی لهذا الموضوع هی کما یلی:
أَود فی بدایة کلمتی أن اعبر عن سعادتی بلقاء حضراتکم الیوم و مشارکتی فی هذا المؤتمر العلمی الذی یناقش واحده من القضایا الاسلامیة التی تهم عالمنا المعاصر و هی قضیة الوحدة الاسلامیة و التی أصبحت جزء لا یتجزء من عوامل وعناصر التنمیة و الرقی فی بلادنا الاسلامیة و أرجو أن یخرج بنتائج طیبة و بخاصة فی تثقیف امتنا الاسلامیة و یساهم فی التقدم نحو الحضارة الاسلامیة الجدیدة التی اعلن فکرتها الامام آیه العظمی السید علی الخامنئی حفظه المولی کما اننی انتهز الفرصة و اتقدم بجزیل التقدیر و الامتنان لمشارکتکم البنائه فی هذا الموتمر و خاصة للباحثین والعلماء الذین نستفید من محاضراتهم القیمة و الشکر الجزیل للذین ساهموا فی عقد هذا الموتمر و بذلوا جهوداً مشکورة ثمینة من أجل ایصال صوت الحق الی العالم کله من هذا المنبر و من هذا المکان المقدس الذی وصفه الله تعالی بانه «قیاما للناس».
﴿أَوَ لَم یَرَوا أَنّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً﴾. من مهام الحج تحقیق السلام فی العلاقات الاجتماعیة، وتوفیر فرصة نموذجیة للسلام فی العلاقات فیما بین الناس، فی فترة الإِحرام فی الحج، وتوفیر رقعة نموذجیة من الأرض; لتمکین السلام فی العلاقات الاجتماعیة هی رقعة الحرم.
ولکی نعرف موقع السلام فی هذه الرحلة، لا بدّ من أن نستعرض المراحل الأساسیة فیها بإیجاز شدید، بالقدر الذی نستطیع أن نتعرف فیه على مواقع السلام فی هذه الرحلة الإِلهیة. الحج رحلة الأنا والذات إلى الله على الطریقة الإِبراهیمیة أو اختزال لهذه الرحلة الشاقة التی قطعها من قبل أبونا إبراهیم علیه السلام، على الطریقة الرمزیة التی تعتمدها فریضة الحج بصورة واضحة. هذه الرحلة تبدأ مهمتها من المیقات، وتنتهی بطواف النساء وطواف الوداع والآن نشیر بإجمال إلى الأشواط الرئیسة التی یقطعها الحاج فی هذه المرحلة من الأنا إلى الله تعالى.
لقد رسم لنا القرآن الکریم معالم حضاریة سامیة، قوامها رفض الشرک بالله العظیم، والنهی عن الظلم، ومنع الاعتداء، والوقوف بوجه استعباد الناس من قبل بعضهم البعض.. هذه الحضارة التی بشر بها الاسلام، لا تزال حلماً یتمناه کل انسان. على الرغم من ان الموجة التی احدثتها رسالة السماء فی اول انطلاقتها، وفی فجر بعثتها؛ هذه الموجة اعطت البشریة المزید من التقدم والرقی والتکامل فی مختلف ابعاد حیاتها. فیا ترى این هذه الحضارة، وهل یمکن ان تتحقق مرة اخرى؟ بادئ ذی بدء؛ لا یصح القول ان هذه الحضارة مستحیلة التحقق. لماذا؟ لأنها لو کانت مستحیلة فعلا لما بشر بها الاسلام، وما خلدها القرآن فی آیاته، وما اعلن عنها رسول الله صلى الله علیه وآله لأجیال المسلمین. وفی هذا برهان کاف لإمکانیة عودة هذه الحضارة من جدید، اذا ما توفرت شروطها فی أی عصر وای مصر.
أیّة دعوة أشرف من هذه الدعوة ؟ وأیّ نداء أقدس من هذا النداء ؟ وأیّة نعمة أوفر من هذه النعمة، أجل لا شیء أسبغ من هذه الرحمة الإلهیة على العبد حینما یدعوه سبحانه وتعالى إلى ضیافته فیغمره بفضله ویأمنه فی بیته، وطوبى للعبد وهو ینعم بهذه الآلاء عندما یجیب هذه الدعوة فی قدومه من فج عمیق ملبیاً نداء الحق تعالى ومستجیباً لأمره یبتغی بذلک القربة إلیه والمنزلة لدیه والمغفرة منه فی البیت الحرام الذی جعله الله مثابة للناس وأمناً مبارکة وهدى للعالمین.