الحجّ مظهر الوحدة الإسلامیة ولتعززوا هذه الوحدة بکلّ ما تستطیعون | ||||
PDF (4428 K) | ||||
بسم الله الرحمن الرحیم والحمد لله رب العالمین، والصلاة والسلام على سیدنا محمد وآله الطاهرین، ولا سیما بقیة الله فی الأرضین، أرواحنا فداه. أهلاً وسهلا ًبکم، أیها الإخوة والأخوات الأعزاء المسؤولون عن هذه الحرکة الإلهیة والإسلامیة للحج هذه السنة. لقد کانت بشرى عظیمة أنه بعد توقف دام عامین، فتحَ الله المتعالی هذا الباب مرة أخرى أمام الزوار الإیرانیین والمشتاقین الإیرانیین وسائر الإخوة من البلدان الأخرى. إنها الدعوة الإلهیة التی تفتح لکم الباب وتشرّع لکم الطریق. هذا لیس لطفاً من أحد. إنه القبول لاشتیاقکم، أنتم والحجّاجَ الکرام، من رب العالمین. أسأل الله أن یکون حجُّکم جیداً إن شاء الله، وأن یعود الحجّاج کافة بالصحة والعافیة والأمن واستجابة الدعاء وکسب التفضّلات الإلهیة، وبأیادٍ مملوءة، إن شاء الله. کما أشکر هذین الأخوین العزیزین على کلمتَیْهما، والخطوات التی ذکرا أنه تم إنجازها هی خطوات قیّمة. أودّ أن أقول بضع کلمات عن الحجّ. الحجّ برنامج إلهی مُدبَّر. البرامج الإلهیة جمیعها مُدبَّرة، لکن هذا البرنامج یختلف عن البرامج الأخرى کلّها بما یمتلکه من زوایا وممیّزات ونطاق. هذا یدل على الإحاطة العلمیة لحضرة الحق – جلّت عظمته – بوجود الإنسان وبقلبه وباحتیاجاته. لیس الإنسان کشخص [بل] المجتمع البشری، ولیس ذلک فی جیل واحد [بل] على مدى الأجیال المتمادیة. هذه الإحاطة العلمیة جعلت الله المتعالی یضع هذا البرنامج فی تصرّف البشر بما یتناسب مع احتیاجاتهم ومختلف زوایا هذه الحاجات، ویتیح فرصة الاستفادة منه لأفراد البشر. الحجّ هو مثل هذا البرنامج. لذلک، تلاحظون أن الله المتعالی فی سورة المائدة بعد أن یذکرَ بعض أحکام الحجّ، یقول: {ذَلِکَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ یَعْلَمُ مَا فِی السَّمَاوَاتِ وَمَا فِی الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِکُلِّ شَیْءٍ عَلِیمٌ (٩٧)}. هذه الأمور التی أوجبناها علیکم، وهذه الکعبة وهذا «الْهَدْی» وهذه «الْقَلَائِد» ونحوها هی من أجل أن تُدرکوا ویصیر لدیکم علمٌ بالإحاطة العلمیة للخالق، وتعرفوا کیف أن الله المتعالی على درایة بأسرار حیاتکم وتفاصیلها، وأنه یضع الأحکام بناءً علیها. حسناً، کیف نعرف؟ بالتدبّر، أیْ لیس الأمر على هذا النحو، أن ینظر الإنسان هکذا فتتّضح له کلّ الأمور. لا، علیه أن یفکر ویتأمّل ویتدبّر، وأن یستخدم المعرفة والفکر لیفهم أثرَ هذا الهدی الذی یُضحّی به هناک، وهذا الطواف الذی یجری، وهذا الوقوف فی عرفات أو المشعر ونحو ذلک، فی حیاة البشر. فالحجّ هو مثل هذا البرنامج، إذْ جعله الله المتعالی مع علمه بزوایا الاحتیاجات البشریة، وحدد هذا البرنامج للبشر بهذه الفروع والتفاصیل کافة، وعلى نحو مستمر أیضاً. فهو لیس على نحو أن یکون فی سنة وسنة لا. لا؛ إنه موجود باستمرار فی هذه السنین کافة، وسیکون هذا البرنامج موجوداً – إن شاء الله – إلى أبد الدهر وسیستمر. حسناً، إذا کان لدینا التدبر اللازم فی هذا الصدد، فحینئذٍ سنُدرک کم هی استفادة الإنسان من الحجّ، وما النطاق العظیم الذی تشمله هذه الاستفادة فی حیاة الإنسان. لقد بیّن القرآن الکریم بجملة قصیرة حول الحجّ کلَّ الحکمة من الحجّ تقریباً، وإذا استطعنا أن نتأمل ونستفید من أقوال المعصومین (ع) والتدبر فی القرآن، یمکن فهم أشیاء کثیرة من هذه الکلمة الواحدة، إذْ یقول فی سورة المائدة: {جَعَلَ اللَّهُ الْکَعْبَةَ الْبَیْتَ الْحَرَامَ قِیَامًا لِلنَّاسِ} (المائدة، ٩٧). [بالطبع] لیست الکعبة فقط [بل] الشهر الحرام والهدی والقلائد ونحوها – إذْ یرید أن یذکر مجموعة الحجّ ولیس خصوص الکعبة الشریفة – وهذه الأشیاء کلّها من أجل ماذا؟ «قیاماً للناس». «قیام» هنا لیس بالمعنى المصدری. أهل اللغة وأهل التفسیر یفسرون معنى «قیام»، ویقولون إن «قیام» هنا یعنی «ما یقوم به الشیء» [أی] العمود. یرتکز البناء على عمود. هذا یسمونه «قیاماً». ذلک العمود هو «قیام». هنا یقول الله المتعالی الحجّ عمود حیاة البشر. هذا مهمّ جداً... إنه: {قیاماً للناس}؛ إنه للنّاس ولیس لی ولکم وللفرد ولهذا وذاک، وتلک المجموعة من الأفراد، وعدد من جیلٍ ما، وجماعة ومجموعة ما. إنه للنّاس وللبشریة، إنه قیام للبشر. استخدمت کلمة «قیام» هذه مرتین فی القرآن. وردت «قیام» مرتین فی القرآن: إحداها عن الثروة الوطنیة: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَکُمُ الَّتِی جَعَلَ اللَّهُ لَکُمْ قِیَامًا} (النساء، ٥). هذه هنا فقط. لقد جعل الله المتعالی الأموال والمال فی المجتمع والثروة وسیلة لقیام المجتمع، وحقیقة الأمر کذلک. من دون المال والثروة، لا یستطیع المجتمع أن یتحرک. إنه بحاجة إلى ثروة ومال. إن البشر یحتاجون إلیهما من الناحیة المادیة. وواحدة هنا: {جَعَلَ اللَّهُ الْکَعْبَةَ الْبَیْتَ الْحَرَامَ قِیَامًا لِلنَّاسِ}؛ وهنا أیضاً القیام. حسناً، لیس للقیام هنا جانب مادی فقط. لدیه جانب مادی بالطبع: {لِیَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} (الحجّ، ٢٨). تشمل تلک المنافعُ المنافعَ المادیة، ولکن [تشمل] أکثر من ذلک أیضاً: المنافع المعنویة، والمنافع السلوکیة، والمنافع الأخلاقیة... وتعلیم نمط العیش؛ هذا هو الحجّ. ما تفعلونه فی الحجّ – فی أعمال الحجّ هذه، أی مجموع أعمال الحجّ – یعلّم الأجیالَ المتعاقبة والمترابطة کیف یجب أن یختاروا أرکان حیاتهم: فی مکانٍ ما الحرکة، وفی مکانٍ آخر السکون، وفی مکانٍ الاجتناب، وفی مکانٍ تعلیم التعایش أیضاً. واحدة من أهم القضایا فی الحجّ هی التعایش. یجب أن یتعایش هنا الأشخاص الذین لیس لدیهم أیّ معرفة ببعضهم بعضاً وهم من ثقافات وأماکن وألوان ولغات مختلفة. {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِی الحجّ} (البقرة، ١٩٧)؛ هذا یعنی أنه لا یحق لکم أن تتشاجروا مع بعضکم بعضاً [بل] تتعایشوا. أترون؟ إحدى قضایا [الحجّ] هی التعایش. ما هی مشکلات البشر فی العالم الآن ولیست مشکلات المسلمین فقط؟ إنهم لا یعرفون التعایش، ویتجبّرون، ویُسیئون بالکلام إلى بعضهم بعضاً، ویُضیّقون على بعضهم بعضاً، ویوجّهون ضربة إلى بعضهم بعضاً. الحجّ یعلّم التعایش. فی مدة محدودة، یُظهِرُ لکم أنموذجاً للتعایش، ویقول: هکذا یجب أن نعیش. مثال آخر هو تعلیم «بساطة العیش». فالإحرام هو مَظهر بساطة العیش. أی لا یوجد فی الإحرام أیّ ملابس إضافیة، ما یغطی جسمکم فقط. هذه هی بساطة العیش. لیس واجباً علیکم أن تلبسوا مثل هذا اللباس طوال حیاتکم وتعیشوا فی إحرام؛ لا، لکنه یرید أن یقول لکم: تعلّموا هذا. تعلّموا أنه یمکن العیش ببساطة وینبغی ترویج بساطة العیش. هذا أیضاً مثل الموضوع السابق، [أیْ] هو تعایشٌ. إذا نظرتم، فإن کثیراً من مصائب ومشکلات العالم هی بسبب هذا الجشع والأرستقراطیات وحبّ الترف وما إلى ذلک. یُنفق جزءٌ کبیرٌ من ثروة العالم على هذه الأشیاء فی کل مکان، وللأسف الحال نفسها فی بلدنا أیضاً – فی أماکن أخرى عشرات الأضعاف، یجری الإنفاق مئات الأضعاف على هذه الأشیاء – [لکن] هنا أنتم ملزمون بساطة العیش، فمیزة الحجّ أنه عندما یرید التعلیم یعلّم بهذه الطریقة. هذا یعنی أنه یجب أن یکون لدیکم هذا النحو من بساطة العیش فی هذه الأیام القلیلة. هذا أیضاً تعلیمٌ ونمط عیش. [النقطة التالیة] تمرین «الاجتناب والتوقّی». علینا اجتناب بعض الأشیاء فی الدنیا والحیاة. الإنسان حریص، ولا یعرف الاجتناب. الدرس هنا هو الاجتناب. یجب أن نجتنب... اجتناب مُحرمات الإحرام. کل ما یجب علیکم تجنّبه فی الإحرام هی أشیاء عادیة ولکن یجب أن تتجنّبوها. یجب أن تتعلموا ألّا تؤذوا حشرة إذا کانت على جسمکم. إنه عمل صعب جداً. علیکم أن تعتادوا ألّا تنظروا فی المرآة من أجل التزیُّن. علیکم أن تتعلموا هذا. هذا اجتناب غیر ممنوع فی الأوقات العادیة لکنه تعلیمٌ للاجتناب. تعلّموا الاجتناب. نتعلم أنه یجب اجتناب أشیاء فی الحیاة، فیجب أن نتمرن على هذا. هذا التمرین موجود فی الحجّ. انظروا کم هذه عناصر مهمة فی حیاة الإنسان، کل من التعایش وبساطة العیش، وأیضاً تمرین الاجتناب هذا. نقطة أخرى هی التمرین على «تجنب استخدام الأشیاء التی فی متناول أیدیکم». بعضنا على هذا النحو. فی النهایة نحن نراعی بعض الأمور، ولا نلمس ممتلکات شخص آخر وما إلى ذلک، لکن فی بعض الأحیان یصیر شیء ما تحت تصرّفنا – إنه بیت المال ویصیر تحت تصرّفنا – فنصنع تبریراً ما ونأخذ شیئاً من بیت المال هذا بطریقة ما وبتبریر ما. لقد جُعلَ شیء ما تحت تصرّفنا، وحین لم یکن تحت تصرّفنا فی السابق لم نکن نفعل هذا الفعل. هذه واحدة من البلایا. من بلایا حیاة البشر أنه حین یصیر شیء ما فی تصرّفه یصعب علیه تجنّبه ومواجهة هوى النفس تجاهه، مثل قضایا متنوعة. لنفترض مثلاً وجود العلاقة مع غیر المحرم والقضایا الجنسیة ونحو ذلک. ثمة شیء یُجعل تحت تصرفکم، یجب أن تعلموا أنه الآن وقد صار تحت تصرفکم فهذا لا یعنی أنه مباح. هذا ما یعلّمنا إیاه القرآن فی الحجّ: {یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لَیَبْلُوَنَّکُمُ اللَّهُ بِشَیْءٍ مِنَ الصَّیْدِ تَنَالُهُ أَیْدِیکُمْ وَرِمَاحُکُمْ} (المائدة، ٩٤). لأن الصید البری محرّم فی أیام الحجّ، تصیر الحیوانات فی المتناول بسهولة. هی تعلم أنها لن تُصطاد، فتأتی وتصیر تحت تصرّفکم. إذا کنتم تریدون اصطیاد هذا الغزال أو الماعز الجبلی فی الحالة العادیة، فقد یکون عملاً شاقاً للغایة، ولکن الآن، لا. الآن تطاله أیدیکم وتصل إلیه رماحکم [لکن] علیکم الاجتناب. {لَیَبْلُوَنَّکُمُ اللَّهُ}؛ یختبرکم الله المتعالی {بِشَیْءٍ مِنَ الصَّیْدِ}؛ بنحوٍ من الصید. طبعاً النقاش هو فی الصید غیر المحرّم. بعض أنواع الصید هی حرام فی الحالة العادیة لکن هذا یتعلق بالصید الذی لا یکون حراماً فی الحالة العادیة، وهو محرّم أثناء إحرام الحجّ. الله یختبرکم بهذه الوسیلة. هذا یعنی التمرین على أن تتعلّموا أنه عندما یکون شیء ما تحت تصرّفکم، لا تمدوا یدکم إلیه لمجرد أنْ لا أحد ملتفت ومنتبه. بالطبع هذه أمثلة، ویوجد کثیرٌ من قبیلها. لقد تحدثتُ کثیراً فی السنوات الماضیة عن الطواف والوقوف وما إلى ذلک، وآخرون تحدثوا أکثر منا وأفضل منا فی هذه المجالات. کنتُ أود أن أتحدث عن بعض هذه النقاط الموجزة. «قیاماً للناس» تعنی ذلک. الحیاة مرتکزة على الحجّ. کثیر من قضایا الحیاة الأساسیة والخطوط الرئیسیة لها ونمط العیش تتأتّى لکم من الحجّ، أی یمکنکم تعلّمها عبر التأمل والتدبر فی الحجّ والاهتمام بالحجّ. هذا لا یخص هذا الجیل، إنه للأجیال کلها. إنه موجود منذ ألف وأربعمئة عام ونیف، وبعد ذلک سیبقى لآلاف السنین أیضاً - بالفضل الإلهی - حتى قیام القیامة. هکذا هو الحجّ. وقد ذکرَ الله المتعالی هذه کلها بکلمة واحدة: {جَعَلَ اللَّهُ الْکَعْبَةَ الْبَیْتَ الْحَرَامَ قِیَامًا لِلنَّاسِ}. حسناً، اسمحوا لی أن أقدم بعض التوصیات إلى الحجّاج الأعزاء ومسؤولی الحجّ. أولاً أنتم – مسؤولو الحجّ – اعلموا جیّداً قدر هذا العمل. کل واحد منکم فی أی موقع کان سواء فی الممثلیة]ممثلیة الولی الفقیه فی بعثة الحجّ[، أو فی الإدارة ومنظمة الحجّ [والزیارة]، أو فی الإدارات المتعاونة: قطاع الصحة، أو قطاع الأمن، أو الهلال الأحمر، أو قسم الدعایة، أو الإذاعة والتلفزیون، والآخرون الذین یتعاونون... یجب أن یعلموا أنّهم یؤدّون عملاً مهماً، أی یشارکون فی أمر مهم. {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (المائدة، ٢). هذا برٌّ حقّاً، برٌّ وتقوى. حسناً، ماذا یعنی «أن نعرف قدر ذلک»؟ یعنی أن تفعلوا ذلک جیداً. ماذا یعنی أن تفعلوا ذلک جیداً؟ أولاً هذا یعنی أن تُنجزوا العمل بنیّة التقرّب إلى الله، فتفعلونه لأن الله المتعالی أراد ذلک. ثم اسعوا أیضاً أن تنفّذوا العمل – إن شاء الله – على أکمل وجه وبأسلوب مُتقن ومحکم وبإبداع. اعلموا قدر هذا العمل. إنّه قیّم للغایة. إن عملکم ذو قیمة حقّاً. توصیة [أخرى] إلى الحجّاج الکرام هی أن یعدّوا أنفسهم للاستفادة من هذه المساحة الروحیة. الإنسان لیس مستعدّاً دائماً. التفتوا! عندما نرید أن نصلی، یقولون لنا قبل ذلک إن علینا أن نتوضّأ ونؤدّی الأذان والإقامة. لا شیء من هذا جزءٌ من الصلاة لکنّه یُعدّنا للدخول إلى ساحة الصلاة المقدّسة، فهو یلیّن قلبنا. لا بدّ من الاستعداد. الحجّ الذی یکون دون استعداد من الممکن أن یکون قلیل الفائدة، وهناک إشارة إلى ذلک فی بعض أحکام الحجّ. مثلاً علیکم أن تحلقوا رؤوسکم فی السفر بدایة الحجّ. الحلق واجب. یُستحب أن تترکوا شعر رأسکم وقتاً دون أن تحلقوه حتى ینمو جیّداً ثم تحلقوه. هذا إعدادٌ للنفس من أجل الحجّ. عندما ینمو شعر الرأس، یصیر أکثر جمالاً ووسامةً وأفضل. [لذا] إن أجر التخلّی عنه أکبر. أعدّوا أنفسکم لهذه الأجواء بتلاوة القرآن، وبذِکر آیات الحجّ، وبالتوجّه إلى مفاهیم الحجّ، وبالشوق إلى الکعبة، وبالشوق إلى [زیارة] القبر المطهّر للرسول الأکرم (ص) وقبور الأولیاء المعصومین (ع)، الأمر الذی هو متمّم للحج. هذه ملاحظة، أی تهیئة النفس والقلب للدخول إلى الساحة المقدسة للحج. توصیة أخرى هی معرفة قدر کلّ لحظة من لحظات هذا السفر. بالطبع، لقد قلتُ مرات عدة من قبل إن التسوّق عیبٌ. بأیّ نیّةٍ تذهبون إلى التسوّق هذا عیب! نختلق الأعذار فنقول مثلاً: لا، هناک شیء ضروری على المرء [شراؤه]. لا، إنه لیس ضروریاً. بدلاً من أن تصرفوا أوقاتکم فی تلک الأسواق الإشکالیة – لا أرید الآن أن أستخدم تعابیر أکثر قساوة، رغم أنّ الموقف یتطلب تعابیر أکثر قساوة حقّاً – وبدلاً من قضاء الوقت فی تلک الأسواق وتلک المتاجر والمحلات التجاریة اذهبوا وصلّوا رکعتین فی المسجد الحرام لذاک الشخص الذی تریدون أن تشتروا له الهدیّة. اذهبوا وأدّوا الطواف حول الکعبة نیابةً عنه. اذهبوا وادعوا له هناک. اذهبوا واقرأوا له نصف صفحة من القرآن. هذه هی الهدیة الحقیقیة. ذاک الشیء الذی تشترونه هناک هدیة هو أغلى من المنتج المحلی، والمنتج المحلی أفضل منه فی أحیان کثیرة وأرخص أیضاً. اشتروه من هنا. إذا کنتم ترغبون فی شراء هدیّة لشخص ما – الهدیة جیدة، لا مشکلة فی ذلک – اشتروها هنا. لماذا تشترونها من هناک؟ هذه المساعدة لمن؟ بأی ثمن أیضاً؟ بأی ثمن روحی ومعنوی؟ هذا غیر الثمن المالی والمادی. إنها توصیة أیضاً. قضیة أخرى هی الوحدة، الوحدة [الإسلامیة]. الحجّ مظهرُ وحدة الأمة الإسلامیة. اسعوا ألّا تختل هذه الوحدة. اسعوا ألّا تختل هذه الوحدة. کان الأئمة (ع) یذهبون ویشارکون فی صلاة الجماعة التی یؤمّها شخص ما فی المسجد الحرام. کان الإمام الصادق (ع) یذهب ویشارک. کان یتعمّد أن یشارک وأن یروا ذلک. ما الهدف من هذا؟ لماذا ننسى هذه الکلمات؟ نکررها مئة مرّة [لکن] یرفع أحدهم صوته من تلک الناحیة حول مسألة السنّة والشیعة والخلافات والانقسامات. لماذا یفعلون ذلک؟ لماذا یعملون لمصلحة العدو؟ ألا یعلمون أنّ افتعال الخلافات خاصة بین الشیعة والسنة هو من فنون البریطانیین، وأن من العیوب والثغرات التی استخدمها البریطانیون دائماً الفجوة بین الشیعة والسنة؟ شیئاً فشیئاً قد تعلّم الآخرون أیضاً، والآن تلحظون أنّه فی مراکز الدراسات الأمریکیة – مراکز الدراسات السیاسیة وأمثال ذلک – وفی تحلیلاتهم التی یطرحونها [یقولون]: الأفراد الفلانیون شیعة، والأماکن الفلانیة شیعیة، والأماکن الفلانیة سنیّة. وصلتهم أیضاً [مسألة] الشیعة والسنة. لا تفعلوا ذلک! لا تفعلوا! فلتعیشوا معاً بأخوّة. نعم، هناک اختلاف فی الرأی، وهناک اختلاف فی الرأی حول المعتقدات والعقائد أیضاً لکن یوجد اشتراک فی الرأی. لدنیا هذه المشترکات کلها وهذه الأمور المشترکة کافة، فهل نضعها جمیعها جانباً ونذهب نحو الخلافات؟ لا تسمحوا بذلک! لا تسمحوا! نهى الإمام [الخمینی] (رض) الصلاة جماعةً فی القوافل. قال حینذاک: «لا تفعلوا». اذهبوا وصلّوا هناک. اذهبوا وصلّوا فی المسجد الحرام. هذا من أجل الوحدة. عزّزوا هذه الوحدة بکلّ ما تستطیعون. من الأمور التی یمکن أن تؤدی إلى الوحدة التواصل المُبیّن والجیّد. من الأمور التی یمکن أن تؤدی إلى الوحدة هی الاستفادة من هؤلاء القرّاء الموقّرین. سمعتُ أنّ عدداً من قرّاء القرآن سیذهبون مجدّداً هذا العام، بحمد الله. هذا عمل جیّد للغایة. لیذهب هؤلاء القرّاء ولیقرأوا، ولیستمتع المستمعون لکلام الله کما أستمتع کثیراً فی کلّ مرّة أستمع لقراءاتهم وتلاواتهم. هذا أحد الأمور التی تؤدّی إلى الوحدة. القرآن مدعاة الوحدة بین المسلمین ومثل هذه [الأعمال]. قضیّة أخرى هی قضیّة الصهاینة. إنّ بلاء الصهیونیّة الیوم بلاءٌ مباشر وفوری وملموس بالنسبة إلى العالم الإسلامیّ. لطالما کانوا بلاء، حتّى قبل تأسیس الحکومة المزیّفة للکیان الصّهیونیّ. آنذاک أیضاً کان أصحاب رؤوس الأموال الصهاینة حول العالم بلاء على الجمیع لکنّهم الآن بلاء على العالم الإسلامیّ خاصّة. لا بدّ من فضح هذا الأمر وقوله بأیّ أسلوب تجیدونه، وعلى أیّ نحو تقدرون علیه. هذه الحکومات، الحکومات العربیّة التی صافحت الصهاینة وقبّلوا وجنات بعضهم بعضاً واجتمعوا... وأمثال هذه الأمور، لن یجنوا أیّ فائدة من هذا العمل. لا شیء! لا یحمل هذا الأمر لهم سوى الضّرر. بدایةً شعوبهم معارضة، عرباً وغیر عرب، وقد تحدّثت عن العرب، لکنّ بعض غیر العرب أیضاً فعلوا العمل نفسه؛ شعوبهم معارضة. هؤلاء یجلسون هناک معاً ویحتسون القهوة وشعوبهم هنالک فی الأسفل ترفع القبضات وتطلق الشعارات. إذاً هذا مضرٌّ لهم. إضافة إلى ذلک، الکیانُ الصّهیونی یمتصّ هؤلاء، هو یستثمرهم وینتفع منهم. هؤلاء لیسوا ملتفتین ولا یدرکون ذلک. طبعاً سیدرکون هذا الأمر بعد مدّة ونأمل ألا یکون قد فات الأوان حینها. لا بدّ من فضح هذه الأمور. الأمر الوحید الذی یدفع هؤلاء وهذه الحکومات إلى فعل ذلک هو إرادة أمریکا. یسعون إلى العمل وفق إرادة أمریکا، فلأنّها ترغب فی هذا الأمر یعملون به، ولأنّ ضغوط أمریکا موجودة هم یعملون [ذلک]. من أجل هذا فقط، وإلّا فلا یحمل لهم فعلاً أیّ فائدة. نقطة أخرى هی قضیّة مسؤولیّة الحکومة المضیفة. هناک مسؤولیّات ثقیلة تقع على کاهلهم. مکّة لیست ملکاً لهم. مکّة للنّاس جمیعاً؛ {إِنَّ أَوَّلَ بَیتٍ وُضِعَ لِلنَّاس} (المائدة، ٩٦). وُضِعَ للنّاس؛ {سَواءً العاکِفُ فِیهِ وَالبادِ} (الحجّ، ٢٦). ذاک الذی یسکن هناک، وذاک الذی یأتی من الخارج، الجمیع متساوون. هی ملکٌ للجمیع، ولیست ملکاً لهذه الحکومة. فی النهایة هناک دولة لدیها الحاکمیة وتدیر الأمور هنالک. لذا علیها أن تتصرف لمصلحة العالم الإسلامی لا مصلحتها الخاصة. هذه الأمور التی نقلوها بشأن زیادة بعض التکالیف وأمثالها هی أعمال لا بدّ أن یعیدوا النّظر فیها، وأیضاً علیهم حفظ أمن الزوّار. إنّنی أطالب بجدیّة بحفظ أمن الزوّار من العالم الإسلامیّ جمیعاً، خاصّة أمن الزوّار الإیرانیّین. هم مسؤولون، مسؤولون عن صون هذا الأمن، وألا یسمحوا بتکرار الفجائع السابقة. نقطة أخیرة أیضاً هی أنکم – مسؤولی الحجّ – بإمکانکم أن تقصّروا مدّة [سفر] الحجّ. هذه من القضایا المهمّة حقّاً. الآن یستغرق الأمر عشرین یوماً ونیّفاً تقریباً. ابحثوا: هل یمکن عمل شیء ما؟ فی النهایة، لیس هناک عمل غیر ممکن. یجب أن تجدوا طریقة لذلک. ابحثوا وفتّشوا عن طریقة لتقصیر مدّة [سفر] الحجّ. حسناً، عندما تقصرون مدّة سفر الحجّ، قد یرغب شخص ما فی البقاء مدة أطول للزیارة أکثر فیبقى، ولکن إذا أراد أشخاص أن یعودوا أبکر، یمکنهم ذلک. تابعوا هذا الأمر، لیس الأمر سهلاً بالطبع. إنه عمل شاق. أعلم ذلک لکن فی الوقت نفسه یمکن متابعة ذلک والتفکیر فیه. أسأل الله المتعالی أن یوفّقکم جمیعاً – إن شاء الله – ویعینکم على أداء هذه المسؤولیة العظیمة والحساسة والمُهمة على أکمل وجه. والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته. | ||||
الإحصائيات مشاهدة: 478 تنزیل PDF: 182 |
||||