فلسفة تحدید الحجاب الهام شاه بسند | ||
لبیان فلسفة حدود الحجاب، ینبغی ان نتقصى القرأن الکریم والسنة الشریفة حیث ان الشارع الاسلامی وضع حدوداً للحجاب وحرّم کل مایعارض الدین والادب والخلق والانسانیة، واباح ما هو ضروری للمرأة، فالشارع الاسلامی المقدس لایسمح بتجاوز تلک الحدود، فلا إفراط ولا تفریط فی هذا الامر. فالبنت عند بلوغها سن التکلیف الشرعی یجب علیها، تغطیة رأسها وجمیع جسمها عدا الوجه والکفین کما جاء فی روایة عن الامام الصادق "علیه السلام" عما تظهر المراة من زینتها فقال: ((الوجه والکفین))[1] کما ان حدود التزیّن الذی سمح بها الاسلام للمرأة لاتتعدى حدود البیت، للزوج والمحارم، اما حدود الحجاب فی مقابل غیر المحارم والاجنبی فی نظر الآیات والروایات واقوال الفقهاء یکمن فی مسئلتین متضادتین: 1- وجوب تحفّظ المرأة وتستّرها من الاجنبی. 2- لابد من اشتراک المرأة فی المجتمع. وبیان هاتین المسئلتین یکون واضح فی کیفیة اللباس او الحجاب الذی ترتدیه المرأة المسلمة، فهناک حدود معینة وخاصة یسمح بها الشارع الاسلامی للمرأة ان تتمثل بها، فلباس المرأة فی الاسلام دال على معنى تعبّدی خاص. وحینما تلتزمه المرأة فهی تعبّر عن معنى، هذا المعنى یتعلق اساساً بطاعة الله سبحانه وتعالى. ولباس المرأة یجب ان یکون إمارة وعلامة على الورع والتقوى بحیث لا یفتن الآخرین. حدود الحجاب 1-استیعاب جمیع البدن الا ما استثنى منه: ((الوجه والکفین)) والاباحة بهذا التحدید تصور لنا مقدار حاجة المرأة لها فی معاملاتها مع الاخرین. 2-الا یکون الثوب نفسه زینة: قال تعالى: ((وَلا یُبْدِینَ زِینَتَهُنَّ))[2] 3- ان لا یکون الثوب رقیقا فعن امیر المؤمنین یقول: ((علیکم بالصفیق فان من رقّ ثوبه رقّ دینه))[3]. 4- ان یکون فضفاضاً غیر ضیق وغیر محدد ومجسّم لهیئة المرأة فاللباس الضیق لا یتناسب مع الایة الکریمة: ((ذلکم اطهر لقلوبکم وقلوبهن وان یستعففن خیر لهن ))[4] 5- یُحرم على المرأة ان تبرز عطرها ورائحتها الانثویة للرجال الغرباء، کأن تتجول فی الاسواق او تحضر الاجتماعات العامة بهذه الصورة، لان العطر الذی تتعطر به المرًة هو احد المثیرات التی تؤدی الى التقارب والعلاقة المحرمة بین الرجل والمراة. فاللباس یجب ان یکون خال من الطیب عند خروجها من المنزل. فعن رسول الله "صلى الله علیه واله وسلم": ((اذا استعطرت المرأة فمرّت على القوم لیجدوا ریحها فهی زانیة))[5]. کذلک حدیث اخر للرسول "صلى الله علیه واله وسلم": ((ای امراة تطیبت لغیر زوجها ثم خرجت من بیتها فهی تُلعن حتى ترجع الى بیتها متى ما رجعت))[6]. 6-یجوز للرجل الغریب سماع صوت المرأة الغریبة بشرط ان لایکون ذلک السماع بتلذذ، وان لا یکون سببا للوقوع فی الحرام. 7-ان لایکون لباس المرأة المسلمة یشبه لباس الرجال. عن علی "علیه السلام" قال: قال رسول الله "صلى الله علیه واله وسلم": ((لعن الله المتشبهین من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال))[7] فالمرأة المسلمة سیدة فی بیتها، تظهر زینتها لزوجها وأمام المحارم الذین یجوز ابداؤها امامهم، وأمام النساء المسلمات وفی الحدود المشروعة: ((للحجاب فی الشریعة ضوابط محددة ولیس متروکاً للعرف، ای ان تخفی المرأة جسدها ماعدى وجهها وکفیها ولیس لها الخروج بزینتها بشکل یحقق التبرّج، تبرج الجاهلیة الاولى، فلباس المرأة ینبغی ان لایکون مصداقاً للزینة، ولایکون تجسیداً للتبرج، ولایوحی بالاثارة، عند ذلک یمکن ان یقال ان الحجاب یتناسب مع الخط الشرعی له))[8]. ویستحب للمرأة فی الاسلام ان تأتی فی زینتها کل مایجعلها أنیقة، حسنة المظهر، طیّبة الرائحة فی حدود الحشمة والالتزام بما شرعه الله لها. فالاسلام حرص ان یضع الحدود بدقة على نواحی الفتنة فی المرأة وهو من اجل ذلک فرض إرتداء الحجاب للمرأة. هذه هی حدود الحجاب کما بیّناها، ولکن وللاسف نرى الکثیر ممن لا یلتزمن بها، فهن یرتدین الحجاب ولکن مع التبرج واظهار الزینة. وهذا ما یُسمى ب((حجاب الموضة))، فأزیاء الموضة قد اثّرت على البعض من النساء فأخذن یتزین بها فهن یحافظن على اناقتهن وانوثتهن بإسم التقدم والحضارة، ولذلک فهن لایراعین الحدود الواجب توفرها فی الحجاب الشرعی، والاسلام لا یحبّذ الحجاب المتموض الشائع فی هذه الایام، لانه حجاب مادی ولیس حجاب فی المعنى، فالمرأة المسلمة التی لاتعی مبادئ دینها ولاتفهم من أمور الشرع شیئاً، خصوصاً فی قضایا الحجاب والحشمة، فانها من الطبیعی ستستسلم لاغراءات الازیاء الغربیة الوافدة وتقتبس کل ماتراه من صنوف الازیاء المنافیة للعفة والحشمة بدعوى مجارات الموضة. فالمرأة التی شرفها الله بالاسلام، ورفع قدرها بالایمان وحدّد لها صفة لباسها واطار زینتها، یجب ان لاتتنازل عن ذلک وترفضه، وهی فی نفس الوقت تقبل بل وتفتخر بألبسة صنعتها أید علمانیة فاجرة، بدعوى الموضة والتمدن والحضارة. فیجب ان تتحطم امواج الموضة، وریاح الازیاء المتبرجة على صخرة إیمان راسخ للمرأة، والقناعة التامة بالحجاب الساتر، فحجاب الموضة مخالف للعفة والحیاء وقد جعل الله تعالى إلتزام الحجاب عنوان العفة. فعن امیر المؤمنین ((علیه السلام)): ((زکاة الجمال العفاف))[9]. فزکاة جمال المرأة حفظ حجابها وعفتها، حیث العفة والحیاء اساس لشخصیة المرأة المسلمة وجوهرها الحیوی وهو خیر ماتتزین به، لانه یحفظ لها کیانها وکرامتها، فالحجاب الحقیقی یعتبر کالستار الذی یحجب مفاتن المراة ویمنع إظهارها امام الرجل، لذا فهو یقف حائلاً من إثارة الرجل للمرأة. کذلک فهو حصن للمراة ووقایة لها من التعرض والتحرش من قبل الآخرین. فهی فی داخل الحجاب محصّنة وقادرة على حمایة نفسها. کما ان المرأة فی الاسلام لاترى کمالها فی تزیین بدنها کما تزین البضاعة وعرضها وبیعها، فعن الرسول "صلى الله علیه واله وسلم" فی وصف النساء فی جهنم: ((واما المعلقة بشعرها فهی لا تغطی شعرها من الرجال .. واما التی تأکل لحم جسدها فانها کانت تزیّن بدنها للناس))[10] والمرأة لابد لها وبدلاً من أن تبیع جسدها للناس، تبیع روحها لخالقها عن ایمان راسخ وقناعة تامة بالحجاب الساتر. فالمرأة المسلمة لابد لها من مراعاة شعائر الاسلام فی حفظ المجتمع والاسرة وذلک بالحفاظ على الحجاب الذی فرضه الله سبحانه وتعالى علیها. کیفیة الحجاب حدّد الاسلام الأحکام الخاصة بلباس المراة وزینتها فی المجتمع من غیر ان یحدّد لها شکل اللباس، کالعباءة او الجلباب مثلا، فلها ان تضع ملابسها على ای صیغة شاءت بشرط ان یضمن ستر جسد المرأة وشعرها عن الرجال الاجانب عدى الوجه والکفین، ویشترط فیه ان لایکون رقیقا یکشف عما تحته من الجسد وان لایکون اللباس مثیراً ومغریاً وملفتاً للنظر، یظهر زینة المرأة وجمالها. ولا شک ان الله سبحانه وتعالى أمر المؤمنات بالحجاب وإرتداء الجلباب صیانة لهن وحفظاً. وقد اختلف الفقهاء وأهل التأویل فی کیفیة هذا التستر: 1-روى ابن جریر وابو حیان عن ابن عباس (ره) انه قال: ((تلوی الجلباب فوق الجبین وتشده ثم تعطفه على الانف، وان ظهرت عیناها، لکنه یستر الصدر ومعظم الوجه))[11] 2-روی عن السدی فی کیفیته انه قال: ((تغطّی احدى عینیها وجبهتها، والشق الاخر الا العین)). 3-قال ابو حیان: ((وکذا عادة بلاد الاندلس لا یظهر من المرأة الا عینها الواحدة))[12] و((القول الفصل، فی الحجاب، انه لا یتقید بشکل مخصوص وزی معین، بل هو عبارة عن مطلق صورة یحصل بها التستر، ویدفع بها الأذى بأشکاله عن النساء، ویکون موافقاً لما نص على کیفیته الفقهاء الجامعون للشروط، لانه أصل من أصول الادب الاسلامی، واعظم حصن للعفة.))[13] فکیفیة حجاب المرأة المسلمة یعکس واقعها اذا کانت ملتزمة بالاحکام الشرعیة او غیر ملتزمة. فعن طریق حجابها تبیّن مدى تقواها. إذ ان لیس الحایک فی شمال افریقیا حجاباً شرعیا، ولیست العباءة العراقیة والمصریة بمفردها حجاباً شرعیاً، ولیست العباءة فی الجزیرة العربیة بما فیها السعودیة والخلیج الفارسی، حجابا شرعیا، ولیس التشادر الایرانی حجابا شرعیاً، بل ما کانت مواصفاته وکیفیته شرعیة بمعنى انه یغطی الرأس ویستر البدن ولایظهر المفاتن فهو حجاب شرعی. فلیس من مفهوم الحجاب ان تحتجب المرأة ذاتاً وفرداً من مجتمع، بل من مفهوم الحجاب ان تحتجب فتنتها. والا فما هی دلالة قوله تعالى: ((و لیضربن بخمرهن على جیوبهن)) لولم یکن هناک خروج للمرأة الى المجتمع لتمارس الدور المحدد لها، اذ کلٌ ووظیفته الخاصة به بما یلائم فطرته. وقد قال ابن عباس فی هذه الآیة: ((تغطّی شعرها وصدرها وترائبها وسوالفها))[14]. کذلک جاء فی مجمع البیان: ((أُمرن بإلقاء المقانع على صدورهن تغطیة لنحورهن))[15] فالآیة الکریمة هی شاملة للکیفیة الصحیحة للحجاب والستر. واما عن الاحادیث والروایات التی توضّح کیفیة الحجاب: عن الرسول "صلى الله علیه واله وسلم": ((یا أسماء ان المرأة اذا بلغت المحیض لم تصلح ان یرى منها الا هذا وهذا (واشار الى وجهه وکفیه) ))[16]. عن بعض الاصحاب عن الصادق "علیه السلام" قال :((قلت له: ما یحل للرجل من المرأة اذا لم یکن مَحْرما؟ قال الوجه والکفان والقدمان))[17]. "ولما کان الوجه اصل الزینة، ومصدر الجمال والفتنة، لذلک ستره ضروریا عن الاجانب، والذین قالوا ان الوجه لیس بعورة اشترطوا الا یکون علیه شیء من الزینة کالاصباغ والمساحیق التی تُوضع عادة للتجمّل، وبشرط أمن الفتنة، فاذا لم تُؤمن الفتنة فیحرم کشفه."[18] وهناک روایة لفاطمة الزهراء "علیها السلام"، تؤکّد عدم ستر الوجه : عن ابی جعفر عن جابر بن عبدالله الانصاری قال: ((خرج رسول الله "صلى الله علیه واله وسلم" یرید فاطمة "علیها السلام" وانا معه: فلما انتهینا الى الباب وضع یده علیه فدفعه، ثم قال: السلام علیکم، فقالت فاطمة: علیک السلام یا رسول الله. قال: أأدخل؟ قالت: ادخل یا رسول الله. قال أدخل انا ومن معی؟ فقالت: یا رسول الله، لیس علی قناع فقال: یا فاطمة خذی فضل ملحفتک فقنعی بها رأسک. ففعلت ثم قال: أأدخل؟ قالت: نعم یا رسول الله. قال: انا ومن معی؟ قالت: ومن معک. قال جابر: فدخل رسول الله ودخلت واذا وجه فاطمة أصفر کانه بطن جرادة، فقال رسول الله: مالی ارى وجهک اصفر؟ قالت: یا رسول الله، الجوع. فقال: اللهم مشبع الجوعة ودافع الضیعة أشبع فاطمة بنت محمد. قال جابر: فنظرت الى الدم ینحدر من قصاصها حتى عاد وجهها احمر، فما جاعت بعد ذلک الیوم))[19]. فی هذا الحدیث دلالة على ان الوجه ظاهر للزهراء "علیها السلام" وتغطیة الوجه غیر واجب على المرأة المسلمة فکیفیة الحجاب تکون کما یلی: 1-ان تغطی المرأة شعر رأسها وجسدها ومعالم بدنها بشکل کامل ما عدى الوجه والکفین بحیث لا یرى غیر المحارم من الرجال أجزاء جسم المرأة هذه، وذلک شرط ان لا یتضمن الوجه والکفان ای نوع من انواع الزینة والماکیاج، اما اذا کان وجه المرأة وکفّیها فیهما شیء من الزینة والماکیاج فلا یجوز لها الکشف عن وجهها ویدیها امام الرجل غیر المحرم (الاجنبی). 2-کذلک فی کیفیة الحجاب بالنسبة للمرأة المسلمة ان لایکون کاشفاً ای رقیقاً فیظهر اجزاء جسمها، وقد یکون اللباس او الجلباب غیر کاشف لکنه لضیقه الشدید یصف تفاصیل الجسم، فاللباس الشرعی للمرأة المسلمة لا یکون کاشفاً، ولا یکون واصفاً، کذلک ینبغی ان لایکون لافتاً فاتناً بحیث یجذب النظر الیها، فاللباس والزینة والقول والمشیة مما تظهر به نفسها للرجال وتُوجب لفت النظر الیها من فتنة الملابس التی تظهر زینتها ومفاتنها، ولاریب ان المرأة المسلمة لاتبرز مفاتن جسمها ومعالمه کی تثیر الرجال وتجلب انظارهم الیها. وهکذا ان المرأة لایمکنها ان تحافظ على عفتها وشرفها وکرامتها ومکانتها کأم وزوجة، الا اذا کانت محجّبة وقد إلتزمت بالحجاب الاسلامی وعملت بموجب ما جاء فی الآیة الکریمة التی ذکرناها انفا، واطاعت امر ربها وابرزت جمالها ومفاتنها امام زوجها الذی یجعل فی هذه الحالة وجوده وکیانه المتطلب یفیض من جمالها ونظراتها وابتسامتها. والمرأة التی لاتلتزم بالحجاب والعفة، تُغضب الله علیها وتجعل نفسها مُستحقة لعذابه وعقابه. 2 . المجلسی ، محمد ، البحار الانوار ، ج 104 ، ص 33 ، روایة 7 ، باب 33 [2]. سورة النور ، آیة 31 [3] . المجلسی ، محمد ، بحارالانوار ، ج83 ، ص 183 [4] . سورة النور ، آیة 61 [5] . پایندة ، ابولقاسم ، نهج الفصاحة ، 1324ه.ش ، ج 177 ، ص 34 [6] . وسائل الشیعة ، ج14 ، ص 114 ، اصول الکافی ، ج3 ، ص 74 4 . المجلسی ، محمد ، بحارالانوار ، ج 79 ، ص 64 1 . فضل الله ، محمدحسین ، دنیا المرأة ، ص 149 1 . آمدی ،عبدالواحدبن محمد ، غررالحکم و درر الکلام ، الطبعة الاولى ، مکتب الاعلام الاسلامی ، المحقق مصطفى الدارینی ، المجلد الرابع ـ ص 105 2 . عیون الاخبار، ص 184 ، وسائل الشیعة ، ج 14 ، ص 156 1 . ابی حیان ، الاندلس ، محمد بن یوسف ، البحر المحیط ، دار الکتب العلمیة ، بیروت ، 1442ه.ق ، 2001م ، ج 7 ، ص 250 2 . نفس المصدر 3 . العسیلی العاملی ، علی ، نعمة الحجاب فی الاسلام ، الطبعة الاولى ، الدار الاسلامیة ، 1408ه.ق ، 1988م ، ص59 1 . الطبرسی ، الفضل ، تفسیر مجمع البیان ، مؤسسة الاعلمی ، لبنان ، بیروت ، ج 27 ، ص 138 2 . نفس المصدر 3 . میزان الحکمة ، المجلد الحادی العشر ، ص 5294 4 . الکلینی ، محمد ، اصول کافی ، الطبعة الثانیة ، دار الکتب الاسلامیة ، قم ، 1388ه.ش ، المجلد الخامس ، ص 521 1 . الجزیری ، عبدالرحمن ، الفقه على المذاهب الاربعة ، دار احیاء التراث العربی ، ج 1 ، ص 192 2 . نفس المصدر ، ص 528 | ||
الإحصائيات مشاهدة: 3,009 |
||