المغرب.. فی إنتظار التغییر الحقیقی القادم | ||
المغرب.. فی إنتظار التغییر الحقیقی القادم نجاة علی
من المسلم به ان ما یحدث فی المغرب لا یخرج عن نطاق ما یحدث فی البلدان العربیة الاخرى، فما یحدث هناک هو إلا تتویج لتراکم عوامل ذاتیة وموضوعیة. یجب قراءة الأحداث الأخیرة کامتداد لتأریخ ما بعد الاستعمار فی ارتباطه مع واقع العولمة، خاصة ما یرتبط منه بمجال الاتصالات التی تجعل من العالم قریة صغیرة. لقد ظلت الشعوب العربیة، لفترة طویلة جدا، تحت هیمنة أنظمة جبریة ولیدة تأریخها، ومعززة بسیاسة ما بعد الاستعمار التی أرادت إرساء قواعد متینة لأنظمة دیکتاتوریة من أجل ضمان الاستفادة من ثروات المستعمرات السابقة. تلک کانت أفضل طریقة للانسحاب من أجل بقاء أفضل. إن الاستعمار بتمکینه تلک الأنظمة من قطعة من الکعکة، وفر على نفسه نفقات الحرب التی یستلزمها کل استعمار مسلح. المغرب لن یشکل استثناء فی العالم العربی یظن المراقبون لاول وهلة أن الوضع فی المغرب هادئ ومستقر، بدلیل أن السیاح غیروا وجهتهم نحوالمغرب. والضمانة لدیهم وجود ملکیة قائمة حسب هذا الزعم على شرعیة دینیة والانفتاح الدیمقراطی المزعوم الذی توج بإدماج الإسلامیین فی الحقل السیاسی. لکن نرى أن هذا الهدوء الظاهری قد یکون الهدوء الذی یسبق عاصفة تشبه تلک التی تهز العالم الإسلامی، لأمر بسیط هو أن الأسباب الکامنة للانتفاضة لیست سیاسیة بل اجتماعیة. فإذا کان بالإمکان رصد أسباب موضوعیة مرتبطة بالنظام المستبد، فإن السبب المباشر هو بالأساس اقتصادی واجتماعی. وهذه الاعتبارات تدفعنا إلى القول بأن المغرب لیس هادئا إلا لکونه یوجد فی بؤرة الإعصار. فأخصائیو المناخ یؤکدون أن هذه البؤرة هادئة تماما إلى أن ینتقل الإعصار إلى مکان آخر، مع العلم أن هذا الهدوء نسبی إذ أن قمع المطالب والاضطرابات بطریقة وحشیة عملیة شائعة فی المغرب منذ سنوات. وقد یتعلق الأمر بمقدمات تنقصها بعض التأرجحات المحتملة فی کل وقت. من کان یتوقع الأحداث الحالیة قبل شهر واحد فقط؟ نعتقد أنه فی المغرب کما فی أی بلد عربی توازنات سیاسیة اجتماعیة منخورة حتى النخاع، والتی یمکن أن تصل فی أی لحظة ما یسمى بنفاد الصبر والتحمل، والمغرب لا یمثل استثناء فی الأمر. التحول نحو الدیمقراطیة سیحدث طوعاً أو قسراً. فهل حان الوقت حان للحکم المغربی للتفکیر بجدیة فی رمی الدستور المغربی الحالی فی سلة المهملات، وإطلاق حملة تطهیر حقیقیة ضد شبکات المحسوبیة عبر إعادة الأملاک المغتصبة للشعب وإنشاء نظام قضائی لا یقوم على مبدإ الإفلات من العقاب وسیاسة الکیل بمکیالین. ولا یظنن المخزن أنه غیر محکوم بالتاریخ، فإذا کان هناک استثناء مغربی، فهناک أیضا أوجه شبه مؤکدة مع باقی البلدان العربیة المنهارة. النظام الملکی.. الى أین؟ لقد إستخدم الترهیب، الخداع السیاسی لإعطاء الانطباع بوجود تناوب حکومی واختلاق أحزاب تتکون من المقربین من القصر للتوهیم بوجود الدیمقراطیة. إنه یعتمد أیضاً على تجهیل مقنع للشعب بواسطة نظام تعلیمی وبیل یعتبر "جریمة ضد الإنسانیة"،حیث أنشأ نظام رشوة کلی یهدف إلى خلق مسالک موازیة للغنى الفاحش، وملء جیوب نخبة بطانة لا تزال تمتص دماء المغاربة دون خشیة العقاب. وکل ذلک بتأطیر من دعایة احترافیة تعمل على تقدیس شخص الملک وتحویله إلى نصف إله. إن منح الدستور، الذی لم یمنح فی الواقع للشعب ولکن لسلالته، کان الأداة الرئیسیة والتأمین النهائی للدیکتاتوریة الدائمة. إن البرنامج السیاسی الذی ورثه لخلفه هو "الاستمرار" مهما کان الثمن. لذا یسود الاعتقاد أن المغرب فی مأمن مادامت المؤسسة الملکیة تمتد لقرون ومادام الملک شاباً یرکب موجة سمعته کــ"ملک للفقراء" التی بناها النظام الوفی للتعالیم الملکیة الوراثیة. یعتقد المغاربة أن الجیش والشرطة دعامتان أساسیتان للنظام، وبما أن نسبة الأمیة تجعل من الشعب المغربی مرشحاً لمسلسل دیمقراطی محتمل. لکن هذه المعاییر یمکن أن تکنسها أخرى یتقاسموها مع العالم العربی. نعلم جمیعا أن الانتفاضات کانت عملا عفویا لشباب غاضب، کما أن للمغرب ترکیبة سکانیة مماثلة تماما للبلدان المعنیة. إن السبب الرئیسی لغضب الشباب راجع لعدة عوامل محلیة ودولیة، موضوعیة وذاتیة هی نفسها تماما بالنسبة للمغرب. دورالحرکة الإسلامیة فی الاحداث الشعوب العربیة کانت دائما تئن تحت نیر الأنظمة المستبدة، وذلک منذ دهور بعیدة. وقد أنشأت مرحلة ما بعد الاستعمار وضعیات معقدة وجعلت من کل الحکام أعداء لشعوبهم. تم قمع الثورات فی الدم ولا تزال. وفی المغرب کان القمع دمویاً منذ الاستقلال الشکلی، بدءا بالثورة الانفصالیة، إلى احتجاجات عام 1965 ومروراً بسحق الریف. أما احتجاجات الخبز فعملة شائعة فی مغرب حتى الیوم. لقد وضعت ثورة الشباب العربی حدا لقصة التخویف بالإسلامیین، ففی کل یوم یبرهن اضاء الحرکة الاسلامیة فی البلدان المعنیة على حکمتهم البالغة وتکیّفهم مع المعاییر الموضوعیة للظرف، إذ الأمر الدائم لدیهم هو قربهم من الشعب. فرغم أنه لم یتحدث أحد عن القرآن الدستور، کما تم ذلک بشکل ساذج فی الماضی، کان الجمیع یصلّون فی میدان التحریر وأصبحت الجمعات تمثل معالم معتبرة. کما أن صورة الأقباط المسیحیین الذین کانوا یحرسون المواطنین المسلمین أثناء أدائهم الصلاة أعاد النظر فی صورة الإسلام الذی یهدد الآخر. لقد أصبحت الصورة أکثر تعقیدا إلا بالنسبة للذین لا یریدون أن یفهموا حقیقة الأمور. فمن الذی لم یکن یعلم أن الارتشاء فی المغرب یمس أیضا المقربین من القصر؟ هل من المغاربة من لم یکن یعلم أن العقار فی المغرب خلق ملیاردیرات الإسمنت على شاکلة ملیادیرات المخدرات؟ من الذی لا یعلم أن الشعب لا یحصل سوى على الفتات؟ تـلک أسرار یعلمها الجمیع وهی اغتصاب الممتلکات العامة وعلى ثروات البلد. مراجعة الدستور المغربی هناک نص لعبد الکریم الخطابی، یعود لسنة 1962، هاجم فیه بقوة مفهوم "الدستور الممنوح". لقد حذر من هذه الخدعة الکبیرة، رافضا أن یمنح الشعب نصاً، یؤسس لاستلابه وخضوعه لأحد الأنظمة الأکثر استبداداً، عوض أن یضمن له الکرامة والحریة، فما أشبه الیوم بالبارحة. الدستور المغربی الیوم لم یعد ینفع معه تنقیح فقد عفا علیه الزمن فی عمومیاته وتفاصیله. لم یعد تجمیل الدستور هو الحل بل دفنه وإقباره.الشعب بحاجة إلى دستور منبثق عن السیادة الشعبیة، ولیس عن أمر ملکی. ماهیة النظام الملکی فی المغرب المعارضة المغربیة المسلمة لا تخص "النظام الملکی" فی المغرب فقط، بل هی ضد مفهوم "الملکیة الوراثیة"، التی تحرص فوق ذلک على أن تستمد مشروعیتها من القرآن، حیثما کانت، وفی أی زمان کانت. ولاریب أن المتتبع لرد فعل النظام المغربی على التحرکات والتظاهرات التی نظمتها حرکة 20 فبرایر، یفقد الأمل فی أیة إمکانیة للتعاطی الإیجابی مع مطالب الحرکة، فمنذ الیوم الاول لنشاط 20 فبرایر، دشن النظام حملة تشویه کبرى للحرکة ولأهدافها، مستغلا أحداث الشغب التی تغاضى عنها، والتی أعقبت المسیرات السلمیة لشباب الحرکة، ورافق تلک الحملة بتدخلات عنیفة لفض کل تظاهرة سلمیة تنظم بعد ذلک الیوم. وفی ظل ذلک التصعید الخطیر الذی کانت آخر مسلسلاته یوم 6 مارس الماضی، لم یکن الشعب المغربی یتوقع شیئا جدیا من ذلک الخطاب، خاصة أن الخطابات الملکیة عودته سلوک سیاسة النعامة بإنکار وجود أیة أزمة مهما بلغت درجة خطورتها فی البلاد، فالخطابات الملکیة على العموم کأنها تتحدث عن مغرب غیر الذی یعیش فیه، مغرب یعیش فی ظل الحریات والحقوق والحداثة والدیمقراطیة و... أضف إلى ذلک ما شئت من الشعارات التی لا یراها الشعب متحققة حتى فی أکثر البلدان انفتاحاً وتقدماً ! کانت الجماهیر تأمل أن یتحلى الخطاب الملکی بحظ ولو یسیر من الذکاء، لیعترف على الأقل بما یعانی ویشکو منه المواطنون من ترد اقتصادی واجتماعی وحقوقی، ولیلوح، ولو من باب التسکین، بوعود تبشر بالقطع مع الواقع البائس لفئة عریضة من الشعب المغربی. وفی واقع لقد تجاوز الخطاب الملکی کل التوقعات، ولکن للأسف لیس فی اتجاه التعاطی الإیجابی مع مطالب الحرکة، بل فی اتجاه تجاهل الحرکة برمتها، بحیث لم یکلف نفسه حتى عناء الإشارة إلیها، بل شکّل الخطاب استمراراً فی سیاسة التلمیع لصورة البلد وتجاهل الواقع، والتمجید والتنویه ب "المکتسبات التی یجنیها – البلد- جراء التوجیهات والتعلیمات الملکیة لمواصلة المسیرة نحو استکمال المسیرات الدیمقراطیة واللامرکزیة والتحدیث وضمان الحریات والحقوق..." لیأتی ما یعلن علیه الخطاب من "إصلاحات دستوریة فی إطار مسلسل الإصلاحات التی دشنها الملک منذ سنوات، والتی تجاوزت على أرض الواقع الدستور الحالی، وأصبحت تحتم إصلاحاً یستوعبها !!!" عدم جدوى الإصلاحات السیاسیة والدستوریة فی تأریخ الشعب المغربی مع الاستبداد، کانت کل الدساتیر ومشاریع التعدیلات الدستوریة تتم ضد إرادة الشعب واختیاراته، والإصلاحات الدستوریة التی أعلن عنها الملک فی خطابه لا تخرج عن السلوک الممل العام، سلوک التعلیمات والتعیینات والاستفراد بالقرار. وهذا أول الإشکالات. فهو بصدد تعدیلات تلغی سیادة الأمة التی ینص علیها الفصل 2 من الدستور لکنها تنسجم مع الفصل 19 الذی یقر بأن الملک هو الممثل الأعلى للأمة. فالشعب المغربی المسکین لا سیادة له فی وطنه. ویصر الشعب المغربی على ان الإصلاحات الدستوریة الحقیقیة هی التی تتم من خلال جمعیة تأسیسیة تراجع الدستور فی إطار حریة کاملة ومن دون تحدید سقف معین. والإشکال الآخر المرتبط بمضامین التعدیلات یتمثل فی صوریة هذه التعدیلات التی تبقی الاوضاع المزریة کما هی. فما أعلن عنه الملک من فصل للسلطات ومن توسیع لصلاحیات الوزیر الأول وکذا المجالس البلدیة لا قیمة له فی ظل هیمنة المؤسسة الملکیة واستحواذها على کل الصلاحیات، وهذا ما أقره الخطاب الملکی فی تأکیده على المقدسات وعلى رأسها إمارة المؤمنین. ترى کیف تتحقق دیمقراطیة حقیقیة فی غیاب دیمقراطیة مرکزیة وطنیة؟ وکیف یُؤسس دستور یضمن الحقوق والحریات فی الوقت الذی یجعل الدستور المؤسسة الملکیة فوق المسؤولیة والمحاسبة مادام شخص الملک مقدّس لا یُعترض على کلامه ولا تُنتقد قراراته؟ وفی حوار للمستشار المصری طارق البشری قال فیه بأن من جمع بین السلطة التنفیذیة والتشریعیة فقد تأله. فماذا نقول نحن عن من یجمع بین السلطة التشریعیة والتنفیذیة والقضائیة وفوق ذلک کله، الدینیة کما هو حاصل فی المغرب. انتخابات سنة 2012 إن عالم السیاسة کما هو شأن العالم عموما، غیر مستقر إلى حد کبیر، وبدرجة لا تسمح بالتکهن بأی شیء لعام 2012، فالثورات المصریة والتونسیة والبحرینیة والیمنیة واللیبیة وغیرها..علّمت الشعب المغربی الناهض بأن ظاهرة الانتفاضات العربیة قد أنضجت الشعوب ومطالبها السیاسیة بشکل کبیر. إذ ان الهدوء یسبق العاصفة. هناک بالفعل تحرکات واعیة فی شتى مناطق المغرب، والشبکة العنکبوتیة تغص بشباب غاضب ذی خطاب لاذع ینمّ عن کراهیة تؤلم القلب حتى وإن کانت فی حق نظام یختلفون معه. ألیست هذه عاصفة إنذار؟ ألم ینطلق تسلسل الأحداث فعلا؟ عندما نستحضر جحافل العاطلین الذین ینتظرون توظیفهم، وانعدام الأمن فی المدن، وحرب الطرق، والفساد الممنهج، والصحراویین الذین لم یهضموا "الاحتکار" الوراثی، والریفیین الذین أخرجوا الملابس الملطخة بالدماء المخبئة منذ عقود...؟ فهل سیکون الشعب المغربی على خطى أشقائه فی تونس ولیبیا ومصر والیمن والبحرین ؟ هذا ما ستکشف عنه الشهور القادمة. | ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,592 |
||