الحضارة الإسلامیة الحدیثة من منظور امامی الثورة الإسلامیة | ||||
PDF (2521 K) | ||||
ان ظهور الإسلام فی الجزیرة العربیة أحدث تغیرات اجتماعیة وثقافیة وسیاسیة واقتصادیة کبیرة، حیث تمکن الدین الإسلامی الحنیف خلال فترة زمنیة قصیرة من تأسیس حضارة عالمیة عظیمة. وفی الواقع ان هذا الدین الجدید شکل تحدیا کبیرا للحضارات القدیمة والقویة مثل الحضارة الإیرانیة والرومیة وأصبح منافسا قویا لهما. فی اطار تعریفه للمدنیة یذکر ابن خلدون بأنها حصیلة اتجاه الانسان نحو الحیاة الاجتماعیة وان الحضارة تعنی مجموعة المدن والقرى والبیوت والمبانی ومظاهر التقدم العلمی والأدبی التی تناقض الحیاة الابتدائیة والبدویة. وهو یعتقد بأن الإسلام دین عالمی وأن رسالة الأنبیاء لاتخص بلد واحد او منطقة خاصة ولا للمسلمین فقط بل جائت لهدایة وتوجیه المجتمع البشری بأکمله، وأن الحضارة الإسلامیة ترمی إلى تحقیق نفس هذا الهدف العالمی الشامل. طبعا بعد فترة من سطوع وتألق الحضارة الإسلامیة تعرضت هذه الحضارة بسبب هجمات الصلیبیین والمغول وسقوط الأندلس والمشاکل الداخلیة للعالم الإسلامی الى الرکود وفی الواقع فقدت الحضارة الإسلامیة اثرها الکثیر من آثارها ومظاهرها العظیمة والمجیدة. وبانتصار الثورة الإسلامیة بقیادة الإمام الخمینی، تم مرة اخرى طرح موضوع الحضارة الإسلامیة الحدیثة ومعالمها الأساسیة. ومن خلال الرؤیة الکونیة لمؤسسها وقائدها سعت الثورة الإسلامیة الإیرانیة التی قامت على اساس تعالیم الدین الإسلامی، إلى خلق حضارة إسلامیة جدیدة لقیادة وهدایة المجتمع البشری. وکان الإمام الخمینی یعتبر الحضارة الإسلامیة الجدیدة مجموعة من العادات والتقالید المشترکة بین البلدان الإسلامیة التی تستمد جمیع مظاهرها من القرآن والسنة، لکنها لا تلتفت فی نفس الوقت إلى العلم الحدیث. من هنا یجب على الحضارة الإسلامیة فی عصر الأقمار الصناعیة والإنترنت أن تستخدم ایضا هذه الألیات والوسائل لتحقیق أهدافها، وان تتمتع-خلافا للتفکیر المنغلق الموجود الیوم لدى الجماعات التکفیریة- بمزایا ومواهب العلوم والمعرفة الحدیثة. فمن وجهة نظر الإمام الخمینی، کانت أسس الحضارة الإسلامیة هی القرآن والسنة النبویة، الا ان هذه الحضارة کانت أیضًا تهتم بعلوم زمانها وتستخدمها فی شتى المجالات. وإذا القینا نظرة على بیان الخطوة الثانیة للثورة الذی اصدره القائد المعظم للثورة الإسلامیة نلاحظ ان الهدف الاول والأهم من إصدار هذا البیان هو توجیه الشعب الایرانی العظیم للتحرک نحو بناء حضارة إسلامیة جدیدة. فحسب وجهة نظر آیة الله الخامنئی، إن “الجهاد العظیم لبناء إیران الإسلامیة” سیؤدی فی نهایة المطاف إلى خلق حضارة إسلامیة جدیدة، وهذه الحضارة بدورها ستمهد الثورة لشروق شمس الولایة العظمى (ارواحنا فداه) فسماحته یطالب الشعب الإیرانی فی الفقرة الثامنة من البیان مایلی: (یجب أن تحموا ثورتکم بخبراتکم واندفاعکم وتُقرّبوها اکثر مایمکن من هدفها الکبیر ألا وهو إیجاد الحضارة الإسلامیّة الحدیثة والاستعداد لبزوغ شمس الولیّ الأعظم (أرواحنا فداه).) کما تم فی الفقرة الثامنة من البیان ایضا الإشارة إلى نقطتین هامتین تتعلقان بمجال العلاقات الدولیة والسیاسة الخارجیة، وهما إنشاء حضارة إسلامیة جدیدة والتحضیر لظهور إمام الزمان (عجل الله تعالى فرجه الشریف) والحکومة العالمیة المهدویة. فمن وجهة نظر القائد، ان الثورة المجیدة للشعب الإیرانی قد دخلت المرحلة الثانیة من البناء الذاتی والتنمیة والتربیة الاجتماعیة والبناء الحضاری کعملیة کبیرة وعالمیة فی الأربعینیة الثانیة من عمر الثورة، ومن أجل خلق حضارة إسلامیة جدیدة، علیها أن تعرف الماضی وتتعلم من التجارب. (“من أجل اتخاذ خطوات حازمة فی المستقبل، یجب على المرء أن یعرف الماضی بشکل صحیح وأن یتعلم من التجارب؛ وإذا تم إهمال هذه الاستراتیجیة، فإن الأکاذیب ستحل محل الحقیقة وسیکون المستقبل معرض لتهدید مجهول. ”) لقد علمتنا تجارب الثورة الإسلامیة فی الأربعین سنة الماضیة على صعید السیاسة الخارجیة أن نحمی الاستقلال والسیادة الوطنیة فی العلاقات الدولیة بنهج ثوری، وأن لا نثق بالعدو وان نعرف حدودنا معه ،وان نقارع الاستکبار وان نحافظ على قدرة وسلطة النظام فی المنطقة، وان نتابع دبلوماسیة الوحدة الإسلامیة، وأن نکون صدیقاً للمضطهدین والمظلومین فی العالم، بما فی ذلک الشعب الفلسطینی ،ونتابع موضوع تقویة وتعزیز الاقتصاد المقاوم بالاعتماد على الداخل. والنظر إلى الخارج، وخاصة الشرق، وان نتعامل مع العالم- طبعا باستثناء بعض الدول- تعاملا ودیا من منطلق الاحترام المتبادل. فالتعلم من تجارب الثورة فی الأربعین سنة الأولى یعنی استمرار هذه العملیة فی الأربعین سنة الثانیة من اجل التوجه نحو حضارة إسلامیة حدیثة. ومن متطلبات الحضارة الإسلامیة الجدیدة هو التفاهم الأقصى بین المسلمین. کما ینبغی تفعیل دبلوماسیة الوحدة الإسلامیة فی سیاق الدبلوماسیة العامة. وفی هذا الصدد، نلاحظ ان القائد المعظم للثورة الإسلامیة، قد أکد فی حکمه لتعیین آیة الله الأراکی، الرئیس السابق لمجمع العالمی للتقریب بین المذاهب الإسلامیة، على ضرورة استخدام “دبلوماسیة الوحدة الإسلامیة”. ان الدبلوماسیة تعنی فن حل النزاعات من خلال اقامة العلاقة بین الدول والأمم، والتی تزداد أهمیتها ایضا یوما بعد یوم فی مجال منع الحروب. والمهمة الرئیسیة للدبلوماسیة هی التأکید على القواسم المشترکة، وتأسیسًا علی ذلک یجب أن تخدم دبلوماسیة الوحدة الإسلامیة وحدة المسلمین. وفی الأیام الأولى للإسلام، کان الرسول (صلى الله علیه وسلم) أیضًا یبعث رسائل وممثلین إلى الأطراف الأخرى لمنع الحرب وتقلیل الخلافات. حیث بعث الرسول (صلى الله علیه وسلم) أکثر من ١٠٠ رسالة إلى مختلف البلدان والقبائل وحاول قبل کل شیء تقلیص الخلافات من خلال نوع من التواصل، وباعتباره من دعاة السلام، کان یحول بهذا الشکل دون وقوع واندلاع الحروب. والیوم تشکل قضیة فلسطین المحور الرئیسی لوحدة المسلمین والقضیة الأولى للعالم الإسلامی. ومن هذا المنطلق کان شعار الثورة الاسلامیة الایرانیة فی ایام انتصارها هو(الیوم ایران وغدا فلسطین) وهذا یعنی ان انتصار الثورة الاسلامیة لایکتمل الا بتحریر فلسطین. فتحریر فلسطین اذن هو أحد مستلزمات انشاء الحضارة الإسلامیة الحدیثة، ولهذا تعتبر إیران الحل الاساسی لتحقیق سلام عادل لفلسطین یکمن فی إجراء استفتاء شامل وتحدید النظام المستقبلی لهذه الأرض من خلال استمرار المقاومة والاستفتاء ومراجعة الرأی العام. کما ذکر القائد المعظم للثورة الإسلامیة أیضًا الحج باعتباره أحد مظاهر الحضارة الإسلامیة، وفی ٣/٧/٢٠١٩ م، خلال لقائه بمسؤولی بعثة الحج، قال: “فی الحضارة الإسلامیة الجدیدة، نلاحظ تواجد المعنویات والسمو الأخلاقی والمعنوی والروحی والدعاء والتواضع، إلى جانب تطور الحیاة المادیة، والحج هو مظهر من مظاهر هذه الحضارة”. ومن الضروریات الاخری لإنشاء وبناء حضارة إسلامیة حدیثة هو زوال الحضارة المنافسة، یعنی الدیمقراطیة اللیبرالیة. والیوم، یمکن اعتبار النظام الدیمقراطی اللیبرالی حضارة تتجه نحو الانهیار، ویمکن اعتبار الولایات المتحدة مظهرًا من مظاهر هذه الحضارة التی تتجه نحو الانهیار. فی الأربعین سنة الأولى من الثورة، وإلى جانب الدبلوماسیة الرسمیة، تم الاهتمام بدور الدبلوماسیة العامة باعتبارها أحد أدوات وآلیات القوة الناعمة، وطبعًا ینبغی أن یکون دورها فی الأربعین سنة الثانیة، أکثر واقوی من ذی قبل. وعلی هذا الصعید یبدو إن معرفة الاستراتیجیات والمتلقین وآلیات الدبلوماسیة العامة للبلدان والدول الأخرى، وخاصة أعداء الإسلام وإیران، أمرا ضروریا للجهات المعنیة بالعلاقات الخارجیة. فمؤسسات مثل وزارة الشؤون الخارجیة، ورابطة الثقافة والعلاقات الإسلامیة، ومؤسسة الإذاعة والتلفزیون، ومجمع التقریب والمجمع العالمی لأهل البیت (علیهم السلام)، وجامعة المصطفى (ص) وغیرها من الجامعات والجمعیات العلمیة، باعتبارها الأدوات الرئیسیة للدبلوماسیة العامة ینبغی ان یکون لدیها برامج وخطط تنفیذیة فی مجال التأثیر على أفکار الشعوب المختلفة. ومن أهم الواجبات والمهام الملقاة علی عاتق الأجهزة العاملة فی مجال الدبلوماسیة العامة، هو التعریف بأبعاد الثورة الإسلامیة، وإظهار صورة إیجابیة عن الإسلام وإیران، ونقل الأسس النظریة الإنسانیة للإسلام إلى شعوب العالم، ومد جسور التفاهم والوحدة بین المسلمین، وکشف حیل الأعداء ومؤامراتهم المعادیة للإسلام، وإیجاد حلول لمواجهة ومکافحة هذه الحیل والمؤامرات. النقطة الاخیرة هو ان وثیقة الرؤیة للجمهوریة إیران الإسلامیة خلال٢٠ عامًا تبین بأن جمهوریة إیران الإسلامیة ستکون بلدا ملهما لدول العالم. ولتحقیق هذه الرؤیة لا بد من القیام بالتخطیط اللازم فی مجالات الدبلوماسیة الرسمیة والعامة وفق ظروف وخصوصیات الدول المختلفة، وان نتحرک من خلال زیادة نفوذها وتأثیرها علی مختلف أنحاء العالم، فی المسیر الذی یقودنا نحو تحقیق الحضارة الإسلامیة الحدیثة التی ستکون نقطة الانطلاق لتمهید الظهور. من وجهة نظر الإمام الخمینی، کانت أسس الحضارة الإسلامیة هی القرآن والسنة النبویة، الا ان هذه الحضارة کانت أیضًا تهتم بعلوم زمانها وتستخدمها فی شتى المجالات. وإذا القینا نظرة على بیان الخطوة الثانیة للثورة الذی اصدره القائد المعظم للثورة الإسلامیة نلاحظ ان الهدف الاول والأهم من إصدار هذا البیان هو توجیه الشعب الایرانی العظیم للتحرک نحو بناء حضارة إسلامیة جدیدة.
| ||||
الإحصائيات مشاهدة: 207 تنزیل PDF: 85 |
||||