النوروز الطبیعة والجمال الإلهی فی الأدب العربی | ||||
PDF (1949 K) | ||||
فی القدیم کان الشعراء العرب یذکرون نوروز فی أشعارهم لمجرد أمر الخراج وما یأمر به الأمراء والخلفاء لکن شیئا فشیئا تغیّر مفهوم نوروز فی الشعر العربی وأخذ نکهة الجمال والطبیعة وراح ینظر إلیه کعید شجرة وحیاة وطلعة بهیة. وقد ظهرت طقوس نوروز کثیرا فی العهد الأموی والعباسی وازداد ذکره فی الشعر العربی الحدیث. وراح الشعراء یتخذون نوروز حجة لیعربوا عن خلجات قلوبهم المفعمة بالمشاعر وعن حالاتهم الصوفیة والعرفانیة مستلهمین من جمال الطبیعة حالات التقشف التی من خلالها یقفون قبالة محراب العشق الربّانی، فیتلون آیات الحب لأنّ نوروز هو لقاء الأحبة والعشاق.
النوروز: حُلوُ الشباب من الدنیا اوائله بدء الربیع من الأیام نوروز . کما اقترن اسم النوروز بالربیع فی التاریخ عند الشعوب التی تحتفل بذاکرة فی أدبیات الشعراء العرب ومنهم الشاعر الولید البحتری فقد أعجب بالطبیعة الباسمة فقال: فالشاعر یقرن النوروز بالربیع وبالورد والجمال والفرح والأنس. وقد عرف العرب النوروز لمجاورتهم الفرس منذ زمن بعید وله فی أدبیاتهم طرائف وأشعار ودعاء مثل الدعاء المأثور «یامقلب القلوب والإبصار یا مُدبر اللیل والنهار، یا محوّل الحول والأحوال، حولّ حالنا إلى أحسن حال، ومن طرائف ما یروى حول هذا الدعاء ما رواه لنا استأذنا الشیخ موسى السودانی رحمه الله: «إن احد تلامیذ الحوزة العلمیة سمعه أصحابه یقول: اللهم غیرّ حالی إلى حال. فتعجبوا من قوله فقال: أنا أعیش فی أتعس حال فأی تغییر هو خیر لی من حالی ألان وروى ابن الندیم فی الفهرست وکذلک البخاری فی الأنساب والتاریخ الکبیر إن الثابت بن النعمان بن مرزبان والد أبو حنیفة النعمان قدم حلوی الفالوذج إلى الإمام علی بن أبی طالب فسأل الإمام علی (علیه السلام). ما المناسبة فقالوا له (الیوم نیروز) فقال (اصنعوا کل یوم نیروز) وفی روایة أخرى قال (نیروزونا إن قدرتم کل یوم) ویروى عن الإمام جعفر الصادق انه (إذا کان یوم النیروز فاغتسل والبس أنظف ثیابک، وتطیب بأطیب طیبک، وکن صائما ذلک الیوم). وروایة أخرى انه قدم إلى أمیر المؤمنین (علیه السلام). حلوى فی یوم النوروز فی الکوفة من قبل رجل فارسی فقال الإمام علی«ع»: ما هذا؟ قال: هذه حلوى النوروز، فقال الإمام«ع»: نوروزنا کل یوم. وقبل الهدیة. وعن أساس الاحتفال بالنوروز وجعله عیدا هنالک عدة أراء منها ما تذکره احدى الأدبیات إن احد ملوک الفرس القدماء أراد أن یعمل لشعبه خیرات تنفعهم وتکون أفراحا فی سبعة أیام فأشار علیه مستشاره أن یشمل الفقراء بعطائه والمساجین بالعفو فکان یعمل فی کل یوم من الأیام السبعة عملا فیه فرح للرعیة فصارت تلک الأیام عادة، وإذا تکررت العادة صارت عرفا من العسیر ترکه، وکما یقول المثل: العادات قاهرات، وقد سرت الاحتفالات بالنوروز فی الأوطان القریبة من بلاد فارس وحیث امتد سلطان الفرس فی التأریخ فأخذت الشعوب المجاورة کالترک والکرد والأفغان، والطاجیک وبعض بلاد الهند وباکستان وبعض بلاد العرب کالعراق وغیرها حتى وصل الاحتفال بالنوروز إلى الأندلس حیث یحتفل الأسبان فی هذا العصر بیوم النوروز الذی یصادف الواحد والعشرین من شهر آذار الإفرنجی أی الشهر الثالث بالحساب الإفرنجی المیلادی. ولعل تلک العادة انتقلت مع الفاتحین المسلمین وبتأثیر أدباء وفنانین ذوی أصل فارسی مثل ابن حزم وزریاب وغیرهم، أو کما یقول المثل الأوروبی: تنتشر الحضارة کما ینتشر الدخان فی الفضاء. وفی العراق کان الاحتفال بیوم النوروز زمن حکم البویهیین - وهم من ألدیلم الإیرانیین - فی أوجه حیث کانت تشعل النیران لیلا ابتهاجاً بذلک الیوم وتصنع الحلوى وتضاء الأسواق، وللشاعر أبی الحسن محمد بن عبد الله ألسلامی قصیدة یذکر فیها تلک النار التی کانت تشعل فی زمانه ویستأنس بها ویتمنى لو یلقى فیها بأنفس أعضائه لیکون حطبا حین خبا لهبها لتستعر من جدید ویستأنس بها مع الناس إذ قال: لا زلت اشتاق نارا أوقدت لهباً حتى ظننت عذاب النار قد عذُبا یعلو الدخان بسود من ذوائبها قد عط فیها قناعُ التبر واستُلبا قد کلُلّت عنبراً بالمسک ممتزجاً وطُوقت جُلُناراً واکتست ذهبا فالنور یلعب فی أطرافها مرحا والجمرُ یرعد فی أکنافها رهبا وطار عنها شرارُ لو جرى معهُ برق دنا أو تلقى کوکباً لکبا لو کان وقت نثار خلّته دُرراً أو کان وقت انتصار خلُته شُهبا واللیل عُریانُ فیه من ملابسه نشوانُ قد شَقّ أثواب الدجى طربا أقسمت بالطرف لو أشرفت حین خبث جعلت أنفس أعضائی لها حطبا. یسمی العراقیون العرب فی جنوب العراق یوم النوروز «الدخول» أی دخول سنة جدیدة بدایتها الربیع - حسب التقویم الفارسی - ویحتفلون بالنوروز بتزیین البیوت وعمل الخبز المحلی والحلوى الصفراء «زرده» ولبس ملابس جدیدة والخروج من المدن والقرى إلى شواطئ الأنهار ویزورون قبور الأئمة والسادات ویقوم أهل الریف بسباقات الخیل وممارسة الأهازیج التی یسمونها «الهوسات» مفردها «هوسة» فی الفضاء قرب قبور السادات فی الریف. وفی المجال الرسمی فإن الدول العربیة مثل العراق والأردن تسمی النوروز ب«عید الشجرة» حیث هو مناسبة لغرس الأشجار واذکر صورة للملک فیصل الثانی ملک العراق وهو یغرس شجرة بتلک المناسبة. وفی مصر فللربیع عید یسمونه «عید شم النسیم» فی الأسبوع الأول من شهر نیسان ولعله یصادف یوم الطبیعة فی إیران الیوم الثالث عشر من ابتداء النوروز. أما عند الأکراد فی کردستان العراق فان النوروز عندهم هو ذکرى ثورة قائدها «کاوه الحداد» الکردی على الملک «اجدهاک» الضحاک، ویقوم الأکراد بإشعال النیران فی رؤوس التلال والجبال وهی رمز لعمل قام به «کاوه الحداد» إشارة لإتباعه بانطلاق الثورة - حسب الأدبیات الکردیة الشعبیة. وللشاعر العراقی بدر شاکر السیّاب قصیدة بهذا المعنى أی أن النوروز هو ثورة الفقراء الکادحین على الظلم الذی کانوا یعانون منه ویذکر بالظلم الواقع على الفقراء العرب والکرد فی العراق إذ قال: یا شعب کاوه سل الحداد کیف هوى صرح على الساعد المفتول ینهارُ وکیف اهوت على الطاغی یدُ نفضت عنها الغبار وکیف انقض ثوار والجاعل الکیر یوم الهول مشعله ینصب منه على الافاق انوارُ «شیرین» یا جبلّ الاحرار ما غفلت عن حقها الضائع المسلوب احرار «کاوه» ک«یعرب» مظلوم یمد یداً الى اخیه فما ان یهدر الثار والمستغلان فی سهل وفی جبل یدمیهما بالسیاط الحمر غدار سالت دماؤهما فی الوسط وامتزجت فلن یفرقها بالدس اشرار واغمد الغدر فی الصدرین مخلبه فجمعت بالدم الجرجین اظفار وقرّب القید من شعبین شدّهما ووجهت من خطى الشعبین افکار ووحّد الجوع عزم الجائعین على أن یقودهما الاّ تخمد النارُ نوروز.» ولکاتب هذه السطور قصیدة نوروزیة حیّا فیها طالباته من بنات العرب والکرد والترک وغیرهم متحدثاً عن الربیع وبهجته وطبیعته الجمیلة راجیا الخیر للجمیع وواصفا جمال الطبیعة بأورادها وأزهارها وخضرتها ونسائمها العذبة وأطیارها وداعیا الله سبحانه وتعالى أن ینعم على عباده بالخیر والبرکة طالبا منه سبحانه وتعالى الهدایة وان یشمل بنعمه أهله وجیرانه. حلوُ الشباب من الدنیا اوائله بدء الربیع من الأیام نوروز صباح الخیر یا تاراً صباح الخیر یا عبلة عبیر النرجس عطر وزی الخلق استبرق هنیئاً یا ابنة کاوة هنیئا یا ابنة عنتر فهذا العید حیانا وذاک النور قد اشرق وهبت من صبا نجد نسائم نحو اهلینا ولاقتها بأرض العز شمول غیمها ابرق وفاح النرجس البرّاق فی الرّوض وفی الأفق وفی نشوة احساس قریر العین یستغرق وفاضت من عیون الارض انهار بوادینا وهامت فی فضاء الجو طیور الحب تشوق فاخضرت جبال العز وازدانت سهول الخیر بالخضرة والبهجة کمال الحسن یزوق وصات البُلبل الصداح الحانا بالحان وماج الرّوض بالاطیار نعم الصاحب الارفق یعزم من ابی زینب وعون من أبی سوسنت خضر مروج الارض زهوا زهرها اشقق هنیئا یابنة احمد هنیئاً یابنة حیدر فقد طاب هوى الأوطان عذبا هو یستنشق نعماک ابنة سعد نعماک ابنة صالح فقد لاح طریق النصر نور الحق قد أشرق مرحى حُب فرهاد مرحى منیة قیس عذب عطره الرّیحان فواح هو الزنبق فزد یأرب بالإنعام خیراتک على أهلی وخلاّنی وجار الحق ونوّر بالهدى النّوار قلبی والأیمان یا ربی فأنت الحق أتاک الربیع الطلق یختاک ضاحکا من الحُسن حتى کاد أن یتکلّما وقد نبه النوروز فی غسق الدجى أوائل ورد کُن بالأمس نوما یُفتقها برد الندى فکأنه یبُث حدیثا کان قبلُ مُکتما ومن شجر ردّ الربیع لباسه علیه کما نشرت وشیاً منمنما أحلّ فأبدى للعیون بشاشة وکان قذى فی العین او کان مُجرما ورق نسیم الریح حتى حسبته یجیء بانفاس الاحبة نُعما مما یحبسُ الراح التی انت خلّها وما یمنع الاوتار ان تترنما قد عرف العرب النوروز لمجاورتهم الفرس منذ زمن بعید وله فی أدبیاتهم طرائف وأشعار ودعاء مثل الدعاء المأثور «یامقلب القلوب والإبصار یا مُدبر اللیل والنهار، یا محوّل الحول والأحوال، حولّ حالنا إلى أحسن حال | ||||
الإحصائيات مشاهدة: 233 تنزیل PDF: 115 |
||||