الصورة النمطیة للمرأة فی وسائل الاعلام الغربیة | ||||
PDF (1624 K) | ||||
د. سهام محمد اٍنّ الصور المتراکمة التی تتکون فی أذهاننا عن العالم من حولنا نستقیها بالدرجة الأولى من وسائل الاعلام المختلفة. بل هی التی تصنع لنا الصور وتسوغها وتؤطرها بطریقتها الخاصة. وتعتبر الصورة عموما اصطلاحا یشمل التشبیه والمجاز، وکما هی حصریة، تکون سمعیة ذهنیة. وتعتبر فی علم النفس "إعادة انتاج عقلیة، أو ذکرى لتجربة عاطفیة او ادراکیة غابرة لیست بالضرورة بصریة". مثلما هی اسلوبیا تمثیل او تشخیص بعرض لغوی بین شیئین او أمرین اثنین. لکل نظرته ومبرراته حسب الزاویة التی ینظر منها، او حسب القیمة التی ینظر الى الاخرین من خلالها، یصور ما شاهد وما انطبع فی ذهنه او ما تخیل من السماع. وان اختلفت درجة الصدق والواقعیة فیما تنقله الکتابات من صور الانسان والمکان واقعا ووضعا، فانّ الأثر یبقى موجودا فی القراء المعاصرین واللاحقین أیضا، رغم أنه قلّما تکون الصورة صادقة أمینة. بل کثیرا ما تختلط الحقائق فیها بمزاعم لا أصل لها. وتختلف لذلک طبیعة الصور سلبا او إیجابا، کما تختلف الوانها، مثلما تتأرجح فی ذلک بین واقعیة خالصة وما یداخل واقعیتها من خیال کثیر التأویل، حیث یلعب فکر الکاتب ومیوله أیضا دورا مهما فی التعامل مع الواقع الذی قد یحوّر فیه او ینطلق منه لبناء صورة خیالیة، او نموذج مثالی. کما أنّ عملیة تکوین الصور (المعانی) ممتدة ومعقدة لها قوانینها الفکریة والنفسیة والاجتماعیة والاتصالیة. وقد شهدت السنوات الأخیرة نموّا فی استخدام مفهوم الصورة الذهنیة فی العدید من المجالات، وخاصة الدراسات الاتصالیة بشکل أوسع، نظرا للعلاقة الوثیقة بین هذه الدراسات ومختلف مجالات الحیاة السیاسیة والاجتماعیة والاقتصادیة حتى أصبح الاتصال بمختلف مستویاته ووسائله عنصرا رئیسیا فی صیاغة الحیاة الإنسانیة المعاصرة. وقد سیطرت هذه الصورة الذهنیة فی صیاغتها على المرأة کنموذج، لأنها الأکثر حساسیة، وجاذبیة للمتلقی. انّ الصورة الذهنیة هی حاصل الانطباعات الذاتیة التی تتکوّن عند الافراد إزاء أی شیء یمکن أن یکون له تأثیر على حیاتهم، وتتکوّن هذه الانطباعات نتیجة تفاعل معرفة الانسان بما حوله من مکان وزمان وجیران وأصدقاء وموقع من العالم الخارجی، ومعلومات تاریخیة واجتماعیة وغیرها. تعدّ وسائل الاعلام بمختلف أنواعها من اهم القنوات التی تسهم فی تکوین الصورة النمطیة فی اذهان الناس، وتکتسب هذه الوسائل أهمیة کبرى، بسبب انتشارها الواسع، وامتدادها الافقی والرأسی وقدرتها البالغة على الاستقطاب والابهار واستیلائها الطاغی على أوقات الناس ومنافستها الشدیدة للمؤسسات الاجتماعیة الأخرى فی مجال التأثیر الجماهیری. وعلى الرغم من التطورات الملاحظة فی العدید من البلدان، الا ان صورة المرأة التی تقدمها وسائل الاعلام مازالت فی بعض الأحیان سلبیة ومستمرة فی النمطیة ومبنیة على التفرقة الجنسیة. ان الصورة النمطیة التی تفرض الیوم فی مجال الاعلام تجد جذورها فی المجال الاقتصادی الذی یطرح هذه الصورة بقوة وبنفس الطریقة على مختلف المجتمعات. کما أنه من عوامل تنمیط الصورة ما یبرز فی مجال التربیة بصورة کبیرة، فالکتب المدرسیة کثیرا ما تکون الناقلة لهذه القواعد، ولهذه القیم ولنوع من أیدیولوجیا التفرقة الجنسیة، وهذا له انعکاس على تنمیة المواقف والسلوکیات عند الفتیات والفتیان. وفی بعض من هذه الکتب المدرسیة، تمثیل الفتیات یبقى سلبی، بحیث یظهرن کربّات بیوت، غیر مبالیات، خاضعات، متفانیات، مقابل ذلک، نفس الکتب تقدم الرجل کنموذج الشجاع، القوی، المسؤول. فتغیب المرأة کمعامل مساعد او داعم او منافس للرجل، وتثبت الصورة النمطیة على مستوى الدونیة للمرأة بشکل أساسی. أظهرت تقاریر کثیرة تحدثت عن قضایا المرأة، وخاصة فیما یتعلق بالمرأة والاعلام عبر العالم، الدور الذی تلعبه وسائل الاعلام المتعاقبة فی تشکیل جسور بین القطاعات المهیمنة والقطاعات غیر الرسمیة مع العمل على التعریف بالانشغالات التی یطرحها الاخرین. لقد بنیت هذه المقاربة البرغماتیة على الفکرة التی مفادها ان وسائل الاعلام الکبرى لا تتحدث عن انشغالات النساء، وتنقل أفکارا مسبقة مبنیة على التفرقة الجنسیة المضرة بها، وأنّ الصورة التی تنقلها تسبب الضرر للنساء فی کل مکان. وتوصلت هذه التقاریر کذلک الى أنه فی کل مکان بالعالم، استمرت وسائل الاعلام الکبرى فی التنمیط وتبسیط حاجات وانشغالات النساء فیما یخص دور تکنولوجیا الاتصال التی من المفروض ان تعمل على تحسین صورة المرأة فی وسائل الاعلام. بعد سنوات من البحث وتنظیم المؤتمرات والندوات الدولیة، ولسنوات طویلة، حصل التأکید على ادراج وسائل الاعلام ضمن النشاطات الأولیة التی علیها الاهتمام بدور المرأة الفاعل فی المجتمعات، وإصلاح الصورة النمطیة المزیفة التی دأبت شرکات الإنتاج والاعلام التلفزیونی والمسموع على تشکیلها وفرضها على المتلقی، دونما ان تضع فی الاعتبار التطور الإنسانی والثقافی والاجتماعی الذی طال المرأة کعنصر فاعل وقادر فی المجتمع. بالنظر الى الصور السائدة للمرأة فی برنامج وسائل اعلام الجماهیر فی العالم اجمع، یبدو ثمة صورة تتسم بطابع عام لا تتغیر من بلد الى اخر. فحتى فی البلدان التی یقل اعتمادها على المواد المستوردة او التی لا تعتمد علیها بالمرة، تقدم وسائل الاعلام فیها صورة مشوهة الى حد ما عن الواقع بالنسبة للخصائص الدیموغرافیة للرجال والنساء، وفی ذلک دلیل کاف على ان التحیّز ضد المرأة یبدأ على الصعید الداخلی (الوطنی)، حتى وان دعمته او عدلته تأثیرات أجنبیة أخرى. من هذا المنطلق بدا التفکیر فی ضرورة تطویر هذه الصورة، وإعطاء المرأة مساحة أکبر لتصحیح الصورة النمطیة الخاطئة المفروضة من قبل الغرب، وکذلک للتعبیر عن افکارها وهواجسها وخیاراتها وقدراتها الذهنیة والفکریة. الواقع ان جمیع الصور التی تقدمها وسائل اعلام الجماهیر بکل ادواتها فی تکنولوجیا الاتصال الحدیثة عن المرأة یغلب علیها طابع الانقسام حتى وان اختلفت بعض الشیء من بلد لأخر. ویقول کثیر من النقاد الاجتماعیین ان الاعلام یهتم بصفة أساسیة بالإشادة بالممیزات المادیة للاستهلاک وذلک باستغلال حوافز الإنجاز والرغبات التنافسیة، مستخدما الأسالیب الفنیة فی اجتذاب الجماهیر عن طریق الاستهواء الخفی واستغلال عواطفها. ولان المجتمع المعاصر متأثر الى درجة کبیرة بالمادیات وبالتالی بالاقتصاد، فالأفکار التی عمل الاعلام الغربی على نقلها للمجتمع کان أصحابها یضعون نصب اعینهم وهم یسوغونها جملة من الثوابت التی علیهم ان لا یتجاوزوها. کیفما کان لون هذه الأفکار، فان للبیئة العامة دورا فی إقرارها او الغائها. وعلى هذا کانت "وضعیة المرأة" مسالة یتحکم فیها إعلامیا الواقع الاقتصادی والاجتماعی والسیاسی، ولم یکن للإعلام إمکانیة تخطی مکونات هذا الواقع او تجاهله. بناء على ذلک، تبدو الصورة النمطیة التی فرضها الاعلام الغربی للمرأة مرتبطة أساسا بکونها فی مستوى من الدونیة، بعیدة عن الانشغالات الحقیقیة لشخصها، ومکانتها فی المجتمع، ویعتمد هذا الاعلام فی ذلک على قوالب ثابتة لا تستند الى براهین علمیة، بل تستجیب لثقافة استهلاکیة کونیة- فرضها الغرب- تعمل على جعل المرأة عبارة عن شیء ولا شیء فی نفس الوقت. وتسعى بکل قوة الى تکریس هذه الصورة فی الواقع عن طریق التکرار لذات الصورة النمطیة منذ سنین. ینبغی ان ندرک أن ما یقدم فی الاعلام الغربی بکل انواعه وادواته المرئیة والمسموعة والمکتوبة، هو محاولة فعلیة لتوهین المرأة ککائن بشری انسانی قادر على المشارکة والعطاء، وان یلعب دورا أساسیا فی عملیة البناء والوعی المجتمعی الجمعی. هی محاولة یقوم بها هذا الاعلام لتمکین القیم الغربیة باسم الانفتاح والحداثة، وتحقیق المشترک الإنسانی وغیرها من المصطلحات الفضفاضة لتشویه صورة المرأة وحبسها فی صورة نمطیة خداعة ومشوهة لا تمت لقیمها واخلاقیاتها وثقافتها ومعرفتها وقدراتها بای صلة. من هنا، تبرز مکامن الخطر، فی التسویق لهذه الصورة النمطیة فی مجتمعاتنا العربیة والإسلامیة التی یعمل الغرب على اختراقها بالترکیز على کل الکیانات الحساسة فیها، وبالتأکید لا یخفى عن القول، بان المرأة هی احد هذه الکیانات المستهدفة وبشکل جدی وخطیر. من هذا المنطلق ینبغی ان نعی الابعاد الحقیقیة لاستهداف المرأة عموما، والمرأة المسلمة خصوصا فی الاعلام الغربی، حیث لم یفتأ الغرب فی التلمیح والتصریح بأنها النواة الأساسیة للتغییر فی المجتمعات، لا سیما وقد أصبحت بفضل التطور، جزءا رئیسیا فی المشروع الأمریکی والغربی لما یسمى التغییر الثقافی والاجتماعی فی المنطقة. وعلیه، وبناء على ما یمکن ان تکسبه المرأة من دور فعال، کان لابد للمتربصین فی الغرب ان یتدخلوا ویخترقوا هذه المساحة الحرة للمرأة لکسرها وتشویه صورتها واظهارها بمظهر الضعف والجهل والاستکانة والتمرد اللاأخلاقی، وتقدیمها کضحیة على الدوام لقمع سلطة او نظام او مجموعة، لیستهدف من خلالها جهات وکیانات وحتى دول بعینها. الیوم أصبح الاعلام الغربی یستخدم المرأة (بالصورة النمطیة الغربیة)، کضحیة لتراکمات اجتماعیة وسیاسیة، ویعمل على استغلالها لتحقیق الاختراق بهدف ضرب المجتمعات والوعی الجمعی للشعوب. لقد ان الأوان للانتباه لهذا الخطر الحقیقی، والوقوف على ما یحصل حولنا من مستجدات أصبح یعمل الغرب من خلالها على استغلال صورة المرأة، لاستخدامها کأداة تشویه وشیطنة وتسویف سیاسی واجتماعی وثقافی لضرب قیم المجتمع والقضاء على سبل تطویر وتنویر أجیال واجیال من الشباب نساء ورجالا لیکون لهم أدوار فعالة فی بناء مجتمعاتهم والحفاظ على مقدراتهم الإنسانیة والثقافیة والحضاریة وغیرها. من المهم، العمل على تطویق هذا الاختراق الغربی، وصناعة منصات إعلامیة حقیقیة قادرة على تسلیط الضوء على قضایا المرأة المحقة، وتبیان دورها الأساسی فی الدفاع عن قیم مجتمعها وثقافتها وهویتها، والتضحیات التی قدمتها ولا تزال من اجل انشاء أجیال مقاومة لکل الاستکبار الغربی البغیض، ولرصد دورها ککائن مشارک حقیقی، وفی وسائل الاعلام أیضا، قادر على تحمل المسؤولیة. لابد من کسر الصورة النمطیة التی زرعها الغرب فی عقول الجماهیر وبمسمیات متعددة وکثیرة، وصناعة صورة جدیدة قد تکون نمطیة فی التصنیف الثابت والحقیقی لفاعل اجتماعی یعمل ویطور قدراته، ویساهم فی البناء والاعمار الثقافی والاجتماعی، ولیس مجرد بضاعة استهلاکیة مشوهة، او کأداة ترویج لسیاسات وثقافات عقیمة وغیر بناءة کما یریدها الغرب. تعدّ وسائل الاعلام بمختلف أنواعها من اهم القنوات التی تسهم فی تکوین الصورة النمطیة فی اذهان الناس، وتکتسب هذه الوسائل أهمیة کبرى، بسبب انتشارها الواسع، وامتدادها الافقی والرأسی وقدرتها البالغة على الاستقطاب والابهار واستیلائها الطاغی على أوقات الناس ومنافستها الشدیدة للمؤسسات الاجتماعیة الأخرى فی مجال التأثیر الجماهیری. | ||||
الإحصائيات مشاهدة: 228 تنزیل PDF: 123 |
||||