نظرة الی فیلم "إلى أین تذهبین یا آیدا؟" (دهشة لانهایة لها) | ||||
PDF (799 K) | ||||
"الی أین تذهبین یا آیدا" فیلم من تألیف وإخراج "یاسمینا جبانیک" وهو من إنتاج البوسنة والهرسک، وهو دراما مرعبة تتطرق بنظرة واقعیة الی مذبحة اللاجئین البوسنیین المشردین فی سربرنیستا. وقد تم ترشیح هذا الفیلم لجائزة الأوسکار کأفضل فیلم بغیر اللغة الإنجلیزیة لعام ٢٠٢١ وحصل على العدید من الجوائز على المستوى الدولی. بکلمة واحدة، ان فیلم -إلى أین تذهبین یا آیدا-؟ یجب أن یسمى بفیلم(الدهشة) دهشة آیدا، الروح الأنثویة فی العالم، التی أذهلتها وحیرتها الحرب والقتل والمجازروالإبادة الجماعیة والأکاذیب والخداع والقسوة.
قصة الحرب المرة
مرت مدینة ( سربرنیستا ) بفترة مریرة فی عام ١٩٩٥ عندما ألقت الحرب القاسیة بظلالها على هذه المدینة. فالمجازر الوحشیة التی ارتکبها الصرب بحق الناس المدنیین، وخاصة المسلمین، وتشرید الآلاف من الأبریاء الذین لاملجأ لدیهم، خلق صورة متکررة لقسوة البشرمن ذوی القلوب الشبیهة بالحجر، بحیث تم اعتبار عمق الکارثة بعمق کارثة الحرب العالمیة الثانیة. ویبدو الأمر کما لو أن هذه الحقیقة المرة لطموح القدرة والجشع قد تم رسمها على جبین الإنسان، ومن المدهش أن یضطر الإنسان دائمًا إلى ان یلعب أحد هذین الدورین: الظالم أو المظلوم. وأذا کانت ذریعة لعب دور الطاغیة الظالم، سواء الطموح بالقدرة والقوة والرغبة فی السلطة أو صراعًا على المعتقد أو العرق، أیا کانت، فالحرب معرکة خاسرة وتداعیاتها فقدان الإنسانیة والنزول إلى مرحلة الدمار والإنحطاط. الدراما الروائیة / سحر البطل فی المعرکة التی کان قد اعلنها الصرب ضد الشعب، کان قد تم اعتبار سربرنیستا منطقة آمنة من قبل الأمم المتحدة، وکان من المفترض أن یحمی الجنود الهولندیون هذه المنطقة المحمیة الأمنیة، لکن فی الواقع لم یحدث هذا الأمر وتم روایة قصة الفیلم فی إطار أجواء هذا المخیم. بطلة القصة هی إیدا، إمرأة مترجمة تتمتع بالخلق والتربیة. وکانت طیلة أحداث الفیلم، تقوم بالترجمة فی منطقة سربرنیستا الآمنة، وهی فی الواقع تشکل المحور الأصلی للقصة، وجهود هذه المرأة تهدف الی إنقاذ زوجها وولدیها من أیدی الصرب. و فی الوقت الذی کان علیها أن تدافع عن مصالح شعبها، کانت تؤدی ایضا دور الوسیط للأمم المتحدة والقوات الصربیة والجیش الهولندی. وفی خضم الاضطرابات والفوضی، تصبح بطل حیاة أسرتها وبعبارة اخری تظهر فی دور المنقذ. المنقذ الذی یبذل قصارى جهده لاتخاذ خطوة من أجل السلام فی حدود قدرته. خطوة للتخفیف من معاناة الحرب. من هنا تخرج من اطار شعار البطل بمعناه الکبیر وعندما لا تصل جهودها الانسانیة لصالح اهالی مدینتها الى النتیجة المرجوة تفکر فی انقاذ عائلتها حتى لو ذهبت مساعیها سدی وخرجت فی نهایة القصة خالیة الوفاضین. اما رائعة صناعة الشخصیة فی هذا الفیلم فقد نبض بالحیاة بدورها، وذلک من خلال تقدیم صورة حقیقیة لامرأة نشطة وقویة، حیث نرى فی نفس الوقت فی هذه الشخصیة ذروة روح التضحیة وحنان العقل والروح الأنثویة فیها معا. والمخرجة تقوم برؤیة معتدلة بعرضها کمنقذ، وفی نفس الوقت الى جانب تصویرها کشخصیة تسعى لتحقیق تطلعاتها الاجتماعیة، تبینها بأنها بطلة مستقرة فی حیاتها الشخصیة ایضا، لتؤکد على أهمیة الأسرة ووجود المرأة کعضو مهم فی هذه المؤسسة الاجتماعیة. امرأة لا یضاهیها رجل حیاتها فی سلوکها وکلامها ؛ ویبدو أنه علیها هی بالذات أن تتحرک من اجل انقاذ الاخرین فهی ملاک الخلاص والنجاة من عاصفة الموت. وقد تعمد المؤلف فی قلب السیناریو ان یکون المنقذ فی القصة امرأة، المرأة التی تتجه الیها منذ المقاطع الاولى للفیلم الانظار القلقة للرجال. وهی نفس المرأة التی لن تتوقف ولن تفقد ألامل فی الحیاة الاجتماعیة و فی طریقها لإنقاذ أهل مدینتها. وحتى فی اللحظات الأخیرة من القصة، عندما تفقد عائلتها، لا تفقد الأمل بل تعود إلى عملها کمدرسة لتربیة الأطفال الذین هم من الجیل المتبقی من أیام الحرب، لکن (أیدا) لا یزال لدیها أمل فی العیش فی عالم خالٍ من الکراهیة والحرب وتحاول إبقاء ضوء الأمل الخافت مضاءً وساطعا. سحر الصورة / مهمة الفیلم بکلمة واحدة، ان فیلم -إلى أین تذهبین یا آیدا-؟ یجب أن یسمى بفیلم(الدهشة) دهشة آیدا، الروح الأنثویة فی العالم، التی أذهلتها وحیرتها الحرب والقتل والمجازروالإبادة الجماعیة والأکاذیب والخداع والقسوة. والمخرجة ایضا تلتقط بذکاء الهدوء الذی یسبق العاصفة فی إطار... (لقطة نظرة عائلة –أیدا- الأولى إلیها) وتحافظ على نفس الذکاء فی منتصف القصة حتى النهایة (الیأس المتتالی، الجری اللامتناهی)، العثور على جثث أفراد الأسرة، عداوة الصداقة وصداقة العدو فی مشهد حضور الضابط الصربی بین جمهور قاعة المسرح). والشخص المشاهد سواء کان على علم بهذا الحدث التاریخی أم لا، فإنه یشعر بالعمق الرهیب للحدث فی إطار السینما. فالفیلم یأخذ بید المشاهد ویظهر له خطوة بخطوة قباحة وقذارة الحرب. والفیلم لا یقدم المواعظ على الإطلاق، لکنه یحمل فکرة تغییر العالم، تغییر العالم الذی یکون فیه السلام طائرًا یجلس على أجنحة أهالیه وناسه؛ ولیس مجرد حرکة مسرحیة فی أیدی الأطفال فی المشهد النهائی للفیلم. وقد استفادت المخرجة فی الواقع من کل اسالیب وفنون التصویر: من حرکة الکامیرا إلى الأنجذاب والارتباط مع القصة، الى الاختیار الجید للممثلین، وتطابق الحدث التاریخی مع المشاهد، ووضعت کل شیء فی خدمة الموضوع الرئیسی للفیلم ومضمونه وهو العرض المریر للعنف وبشاعة الحرب، والأمل بعالم بلا حرب. ویستخدم الفیلم وعرضه للمشاهدین کأداة ووسیلة لأتخاذ العبر لیهمس بالصراخ للمرة الألف فی آذان البشریة الصماء بأن (السلام أفضل من الحرب والحکم ). والحقیقة ان فن المخرجة وقوتها تتضح جلیا فی الکثیر من اللقطات والمشاهد.وکل شیء بالنسبة لها مهم حیث اختارت وصممت کل شیء لیکون مؤثرا. من الشخصیات الثانویة والحوارات المهمة کلها وضعهت فی خدمة الفیلم ورسالته. وقد حافظت "یاسمینا جبانتش " على روحها الفنیة والأنثویة فی تصویر أحداثها الدرامیة. على سبیل المثال، حیث نلاحظ انها قامت بتصویر مشهد المجزرة( القتل الجماعی للأشخاص) التی تم ارتکابها فی احد المخازن الکبیرة المسقفة (الجملون)،فقط عبر ماسورة البنادق للتقلیل من قبح هذا العمل القبیح.وفی نفس الوقت تصورعمق الکارثة والألم والمأساة. أو المشاهد المؤلمة الاخری مثل البحث عن ناجین بین الجثث التی خلفتها المقابر الجماعیة التی تعتبر من المشاهد المروعة للغایة. ویمکن مشاهدة موضوع اندلاع الحرب وانعدام الأمن فی مدینة سربرنیستا، وعرض الطموح للسلطة والسعی وراء القوة فی وجود الشخصیات السلبیة السوداء فی الفیلم، وقلق آیدا وقلقها على زوجها وأولادها، واشتباک خیوط حدود الصداقة والعداوة مع بعضها البعض فی اطار المحادثات التی تجری بین الجنود وآیدا، من جهة اخری نلاحظ ان حالة الخوف من المصیر المجهول. والخوف والقلق من الجوع والصراع بین الحیاة والموت کلها مقاطع حقیقیة من حیاة الأیام التاریخیة لمدینة سریرنیستا، تم ترتیبها معًا الی جانب بعضها البعض فی هذا الفیلم بإیقاع مناسب، حتى یدرک الانسان بالتالی إلى أی مدى یمکن للإنسان أن یبتعد عن انسانیته فیترک هذا الأمر تأثیره علی الانسان والمشاهد فیتمنى من أعماق وجوده أن یأتی یوما یتفوق فیه الانسان وینتصر علی الحرب ولیس (فی الحرب). | ||||
الإحصائيات مشاهدة: 184 تنزیل PDF: 85 |
||||