دبلوماسیة نوروز | ||||
PDF (1071 K) | ||||
الدکتور أمیر هوشنک میرکوشیش مما لاشک فیه ان الدبلوماسیة الثقافیة تعتبر محور الدبلوماسیة العامة لکل بلد وذلک لأنه فی الأنشطة الثقافیة یتم التعبیر عن أفکار الشعوب وابرازها بأفضل اسلوب ممکن .فالدبلوماسیة الثقافیة تزرع الثقة المتبادلة بین شعوب البلدان ، وهذه الثقة بدورها یمکنها ان تمهد الامور لکل بلد لیقوم –وفق الدبلوماسیة الثقافیة- بالتخطیط فی المجالات السیاسیة والاقتصادیة والعسکریة ایضا. وفی الواقع ان التواصل بین الناس - وفق الدبلوماسیة الثقافیة -، یتجاوز موضوع العلاقات علی صعید الحکومات ، وهذا الامر یساهم بإنشاء منصة محایدة للناس للتواصل مع بعضهم بعضا. کما انه فی هذه الدبلوماسیة الثقافیة، یتم اتخاذ قیمنا وقیم الآخرین بعین الاعتبار ، ومن خلال معرفة تنوع الثقافات والقیم یتم وضع الخاصة بسبل التعاون على جدول الأعمال . فی الدبلوماسیة الثقافیة ، یتم ایضا استقطاب جمیع الفئات من کبار وشباب وکافة الجماهیر من خلال تقلیل حواجز اللغة ، ویتم تحقیق التفاهم وازالة الاستنباطات الخاطئة وبالتالی تتجه القضایا الثقافیة المحلیة والأجنبیة نحو الانفتاح والتسامح والتفاهم . والدبلوماسیة الثقافیة فی الواقع تعنی تبادل الآراء والمعلومات والقیم والنظم والتقالید والأفکار والفن والجوانب الثقافیة الأخرى بین الأمم والشعوب من أجل تعزیز التفاهم فیما بینهم . ویمکن القول بان العلاقات والدبلوماسیة الثقافیة التی تعنی النمو الطبیعی والذاتی للشؤون الثقافیة دون تدخل الحکومة ، لایمکن إن تحقق مبتغاها إلا عندما یحاول الدبلوماسیون الرسمیون العاملون تحت مظلة الحکومات الوطنیة، ترشید هذا التطور الطبیعی للثقافة وتوجیهه لتعزیز المصالح الوطنیة. من جانب اخر،تعنی الدبلوماسیة الثقافیة انعکاسا مدروسا لثقافة وقیم شعب ما باعتبارها بُعدًا من أبعاد السیاسة الخارجیة. والدبلوماسیة الثقافیة هی تقدیم سلعة ثقافیة إلى الجمهور لإشراکهم فی الأفکار التی یریدها المنتج. وعادة ما تعتبر الدبلوماسیة الثقافیة إحد رکائز السیاسة الخارجیة وتکون مصحوبة بعملیات دبلوماسیة ذات اهداف تخدم السیاسة الخارجیة وتقدم صورة إیجابیة عنها. وبعبارة ادق تُستخدم الثقافة فی هذا المجال کأداة لتنفیذ أهداف السیاسة الخارجیة. ان الجغرافیا الثقافیة ، بالإضافة إلى المکان تشمل الزمان أیضًا. وإن مجال ودائرة تأثیر الثقافة هی ضمیر الإنسان وروحه. کما ان هذه الجغرافیا الثقافیة لاتتوقف عند حدود العرق واللغة والانتماءات الاخری للانسان، وهی قادرة على بسط مظلة تلقی بظلالها علی جمیع أبناء البشریة فی الماضی والحاضر والمستقبل. والیوم بسبب استخدام التکنولوجیا الحدیثة المتطورة نلاحظ إن دائرة اتساع نطاق التأثیر الثقافی فی عالمنا الراهن تکبر بسرعة لا یمکن التنبؤ بها ولا یمکن السیطرة علیها. من هنا فإن إهمال التجهیز بالمعرفة والقدرة فی الأنشطة الثقافیة سیؤدی إلى تخلف عن بقیة دول العالم فی مجال التبادل الثقافی. ویعتبر موضوع تکریم الطقوس والآداب والرسوم الإیرانیة المختلفة علامة على اهتمام الإیرانیین بثقافتهم القدیمة ، والتی صمدت على مر السنین على الرغم من العدید من النحدیات والعقبات. حیث کان یتم الاُحتفال بعید النوروز وطقوسه الاخری على مدار تاریخ إیران ، وفی العصر الراهن یحتفل به الإیرانیون کل عام فی کل مکان فی العالم.وقد أصبحت هذه الطقوس ، وخاصة نوروز ، رمزا للثقافة الإیرانیة. التی یمکن أن تؤدی دورًا مهمًا فی تعزیز التضامن بین الإیرانیین وتقدیم الثقافة الإیرانیة إلى الدول ألاخرى فی عالمنا الراهن. /فی الواقع ان نوروز الذی هو احتفال قدیم وبهیج یتزامن مع الولادة الجدیدة للطبیعة ،یحظی بتاریخ لامع ویشمل منطقة جغرافیة واسعة مترامیة الاطراف،تبدآ من غرب الصین وتمتد الی شبه القارة الهندیة ، وافغانستان ،وإیران ، وآسیا الوسطى وتستمر حتى القوقاز. هذا مایجعله منصة وآلیة مناسبة للتقارب بین الدول المختلفة. وقد بادرت الأمم منظمة الامم المتحدة بتسمیة عام ٢٠١٠ بالعام الدولی للنوروز ، وقد تم تسجیل الاحتفال بالنوروز فی الجمعیة العامة لهذه المنظمة کأقدم احتفال فی العالم. وبعد مصادقة الأمم المتحدة علی هذا القرار ، اصبح على جمیع الدول الأعضاء فی الأمم المتحدة ان تسحل یوم ٢١الحادی والعشرین من شهر مارس/آذار فی التقویمات الرسمیة الخاصة بهم على أنه یوم عید نوروز ون تعمل وتبذل حهدها للحفاظ على ثقافة وتقالیدها نوروز وتطویرها. ویذکر بان منظمة الأمم المتحدة للتربیة والعلم والثقافة (الیونسکو)، قد أدرجت هذا العید(نوروز) قبل ذلک فی قائمة التراث الثقافی الروحی والشفوی. یعد تسجیل النوروز کتراث ثقافی وروحی من قبل الیونسکو واعتراف الأمم المتحدة به أمرًا مهمًا لدول المنطقة التی تحتفل بعید النوروز ، ویجعل هذه الطقوس القدیمة التی کانت سبب التضامن والوحدة الوطنیة لشعوب المنطقة على عبر القرون ، تتمکن من ان تقوم مرة أخرى بأداء دورها فی تعزیز الصلة الثقافیة بین بلدان النوروز(البلدان التی . ان مبادرة وتوجه بلدان نوروز فی استغلال دبلوماسیة نوروز هذه والتضامن الثقافی لهذه البلدان التی یبلغ عدد سکانها أکثر من ٣٠٠ ملیون نسمة ، هو فی الحقیقة إحیاءا لحقیقة منسیة وأن استمرارها بشکل احتفالات سنویة منتظمة ، یمکن أن یکون عاملاً مهمًا لتعزیز التقارب بین بلدان المناطق المختلفة الأخرى أیضا. وفْی الوقت الحاضر یتم الاعتراف رسمیًا بعید النوروز على أنه احتفال شعبی کبیر فی أکثر من ١٠ بلدان و ١١ منطقة من المناطق الثقافیة لنوروز وشبه رسمیًا فی ٤٠ دولة ، و منذ العصور القدیمة وحتى الان یعرف الاحتفال بعید نوروز فی العالم بانه أحد احتفالات التی تدل على ایثار الإیرانیین وحبهم للإنسانیة. ونوروز لایؤدی فقط دورًا مهمًا فی تضامن وتقارب البلدان الناطقة بالفارسیة ، وانما یؤدی أیضًا دورًا مهمًا فی تضامن وتقارب البلدان التی لا تنطق بالفارسیة ، مثل أرمینیا ، وجورجیا ، والبلدان العربیة التی لا تتحدث بنفس لغتنا لکن تربطهم العلاقة الثقافیة مع النوروز. یمکن تبریر دبلوماسیة نوروز فی سیاق الدبلوماسیة الثقافیة، التی تأخذ فی الاعتبار الرأی العام للدول وتعتزم تحقیق الأهداف من خلال التأثیر على الثقافة السیاسیة والفئات الاجتماعیة. یمکن أن تکون العناصر الثقافیة لهذه الطقوس والتقالید القدیمة، مثل نوروز، مؤثرة على نطاق عالمی لأنها تتقارب فی المنطقة وتحافظ على الهویة والحضارة والقواسم اللغویة والثقافیة المشترکة. ونظرًا لأهمیة نوروز ودوره الثقافی، یمکن استخدامه کعامل ثقافی فی اتجاه الدبلوماسیة الثقافیة والتعاون الإقلیمی. کما یمکن أیضًا استخدام عنصر نوروز والتقارب الثقافی على الصعید الدولی لتعزیز الخطاب بین الثقافات والدبلوماسیة الثقافیة. فدبلوماسیة نوروز یمکن أن ترتبط بالمصالح الاقتصادیة للبلدان الواقعة فی منطقة نوروز الجغرافیة. فقد استفادت بعض دول المنطقة فی السنوات الأخیرة، من مناسبة وزمن نوروز لاستقطاب السیاح ، وبالنتیجة استفادت من فوائدها وعوائدها الاقتصادیة. الا ان هذه القضیة ما زالت مهملة فی إیران ،ولم یتم الاهتمام بها بالشکل اللازم. ویمکن لسیاحة نوروز أن تحقق الارباح المالیة بالإضافة إلى تعزیز التبادل الثقافی بین دول نوروز والبلدان التی تأثرت بنوروز. وعلى هذا الصعید تعتبر المؤسسات الثقافیة الإیرانیة فی المنطقة،بما فی ذلک المستشاریات الثقافیة، من أهم الجهات التی تتولى مسؤولیة تعزیز العلاقات الثقافیة مع دول المنطقة. فالمستشاریات الثقافیة الإیرانیة طبعا موجودة فی بلدان مختلفة وتمارس عملها وتؤدی المسؤولیات الملقاة على عاتقها. ولکن موضوع ما هو مدى نجاح هذه المستشاریات الثقافیة فی التواصل الثقافی والاستفادة من دبلوماسیة نوروز فهو موضوع یحتاج الى مقال مستقل. لکن ربما یمکن القول أن أنشطتهم لا تشمل جمیع المجالات الثقافیة والحضاریة. اذ من الضروری معرفة ماهی الخصوصیات التی یتمتع بها کل بلد على الصعید الثقافی والحضاری کی یتم إقامة علاقات صحیحة معه. تأسیسا على ذلک ینبغی على المستشاریات الثقافیة –بالاستناد على التراث الثقافی لإیران -ان تقیم علاقات ثقافیة مناسبة قائمة على أساس المعرفة الصحیحة للثقافات العامة والثقافات الجزئیة للبلدان الأخرى. وان لا تبادر بالقیام بخطوات یمکنها ان تساهم فی تعقید القضایا وتأزیم العلاقات بین الثقافات، ان القواسم الثقافیة المشترکة تعتبر بلا شک أهم عنصر فی نوروز ویمکن أن تمتد ایضا إلى مناطق جغرافیة أخرى. ولقطاع الثقافة ایضا دور لا یمکن إنکاره على صعید السیاسة الدولیة والخارجیة. وهذا القطاع یتمکن من خلال فیلم أو مسرح أو قطعة موسیقیة أن یعرّض ویقدم ثقافة وفن بلد ما للثقافات الأخرى. من هنا فإن “دبلوماسیة نوروز الثقافیة” التی تتمحور حول احترام الثقافات الدائمة والثقافة الروحیة لها دور مؤثر أیضًا فی مجال السیاسة الخارجیة والدولیة ومثل هذه الدبلوماسیة تحظى الآن باحترام المجتمع الدولی باعتبارها ثقافة دولیة. لذلک یمکن استخدام دبلوماسیة نوروز کجزء من الدبلوماسیة الثقافیة فی العلاقات الثقافیة بین إیران والدول المعنیة وذات الصلة وحتى غیر ذات الصلة فی هذا المجال وان تلعب دورًا مهمًا فی تأمین المصالح الوطنیة للبلاد. | ||||
الإحصائيات مشاهدة: 433 تنزیل PDF: 170 |
||||