البُعْد القرآنی فی الوصیّة المبارکة | ||||
PDF (156 K) | ||||
البُعْد القرآنی فی الوصیّة المبارکة قبس من وصیّة الإمام الراحل عباس نور الدین
یذکر الإمام الخمینی الراحل فی وصیته ناصحاً: الدنیا المذمومة هی فی داخلک أنت، والتعلّق بغیر صاحب القلب هو الموجب للسقوط وجمیع المخالفات لأوامر الله وجمیع المعاصی والجرائم والجنایات التی یُبتلى بها الانسان کلها من (حب النفس) الذی یولّد حب الدنیا وزخارفها وحب المقام والجاه والمال ومختلف الأمانی.. علمنا من الوصایا السابقة إن فی کل إنسان حُبّاً فطریاً للوصول الى الکمال المطلق. وأن هذا الحب یستحیل أن ینفصل عنه، أو فقل إن إنسانیة الإنسان إنما تکون بوجود هذا الحبّ والسعی الذی یتولّد منه. لا و مایحدث لأکثر الناس هو أنهم یرون الکمال المطلق الذی تصبو إلیه فطرتهم فی الکمالات المحدودة. ویظنون أن جمع المحدود یشبع نفوسهم. ولکن المحدود مهما بلغ فإنه لا شیء مقابل المطلق.. وما دمنا نحاول أن ندرک هذه المعانی انطلاقاً من مفاهیمنا المحدودة وتصوراتنا الخیالیة التی هی بنات عالم المادة المحدودة، فإننا سنصل فی نهایة المطاف إلى إنکار تلک المعانی، بل والوقوف فی الخط المعادی لها. وقد قال أمیر المؤمنین (علیه السلام): (الناس أعداء ما جهلوا.) إن التعلّق بالکمال المحدود الذی یُعدّ حجاباً للفطرة ومانعاً من التعلق بالکمال اللامتناهی، یظهر فی هذا العالم بصورة حب الدنیا. وسرّ ذلک یعود الى استحالة الجمع بین المحدود والمطلق. ولو تصوّر أحدٌ أنه یجمع بینهما، فانه لا یکون قد تصور معنى الاطلاق، لأن المطلق متى ما أخذ بعین الاعتبار، لا یسمح بوجود المحدود إلى جانبه، وإلا صار المطلق محدوداً وهو واضح البطلان. ولا شک بأن اختبار حقیقة الحبّ الإلهی وإدراکه، لا یتمّ إلا بعد مغادرة حب المحدود المتمثل بالدنیا وأقالیمها السبعة، من الجاه والشهوات والأمانی المختلفة. وانما کان السرّ فی إهباط الانسان أن یتعرف إلى حقیقة التوحید ویدرک معنى الکمال المطلق. وللأسف، فإن هذا الانسان لم یستفد من هذه الفرصة الوحیدة، وبدِّل نعمة الله کفراً، وأخلد إلى الأرض، باستثناء ثلّة قلیلة من البشر. وعندما نتأمل فی حقیقة حبّ الدنیا، ندرک العامل الرئیسی المسؤول عن نشوئه فی قلب الإنسان. فالدنیا بمعنى السهول والجبال والأشجار والمعادن والاثاث، لا تکون مورد اهتمام الإنسان إلا إذا رأى فیها مصلحة لنفسه. ولهذا لا یتعلّق قلبه بسهل ملیء بالاثمار لا یعرفه، أو بمعدن بعید لا یمکن أن یدرکه، إنه یتعلّق بأی شیء من هذه المظاهر طالما یرى فیه لذّة لنفسه. فالمحجوب بالأصل عنده فی هذه الحالة هو نفسه. وانما أحب الأشیاء الأخرى بتبع هذا الحب لذاته. وهکذا، فإننا إذا بحثنا فی اصول التعلّقات بکل مظاهر الدنیا، وجدناها ترجع إلى أصل ومنشأ واحد هو (حبّ النفس). وتکون النتیجة: إن ما یقف مقابل حب الله، والوصول الى الکمال المطلق، هو حب النفس التی هی أم الأصنام. یقول الامام (س): (ونحن ما دمنا فی حجاب النفس والأنانیة، فإننا شیطانیون مطرودون من محضر الرحمن.. وما أصعب تحطیم هذا الصنم الذی یعدّ أمّ الأصنام، فنحن ما دمنا خاضعین له مطیعین لأوامره، لا نکون خاضعین لله (جل وعلا) ولا مطیعین لأوامره.. وما لم یحطّم هذا الصنم، فإن حجب الظلام لن تتمزق ولن تُزال..) ثم یقول مؤکداً: (علینا أن نعرف ما هو الحجاب أولاً، فنحن إذا لم نعرفه، لن نستطیع المبادرة إلى إزالته، أو إضعاف أثره، أو على الأقل، الحد من تزاید رسوخه وقوته بمرور الوقت.) وفی هذا الکلام النورانی إشارات لأصحاب القلوب، یُعلم منها نبذة من أسرار مدرسة السلوک العرفانی. فإذا کان الطریق الوحید للوصول الى الله (عزوجل) هو طاعته والفناء فی إرادته، فإن الحائل أو المانع الأوحد من تحقیق هذا الأمر هو إطاعة النفس التی تنشأ من حبّها والاستقلال فی طلب منفعتها. وعندما لا یبقى بین العبد والمعبود أی حائل، فإنه یستقبل کل فیضه الذی هو فیض على الاطلاق وکمال بدون حدٍ: (وما کان عطاء ربک محظوراً). حب النفس إذا، هو الحجاب الذی تنشأ منه جمیع الحجب، سواء کانت ظلامیة أم نورانیة. فهذا الحب یظهر فی المراحل الاولى بصورة حب الشهوات المحرّمة والأمانی الرخیصة، ولکنه یکون فی المراحل الأخیرة بصورة حبّ المقام المعنوی وطلب الکرامات العرفانیة. وما دام فی الانسان بقیة نظر إلى نفسه لن یتمکن من لقاء ربه. وما أجمل ما یقوله الامام المؤمنین (علیه السلام) فی دعائه: (الهی قد جرتُ على نفسی فی النظر لها، فلها الویل إن لم تغفر لها..). و لهذا یقولون: دع نفسک وتعال. فالسلوک إلى الله مشروط بالاخلاص. قال الله تعالى: (وما أمروا إلّا لیعبدوا الله مخلصین له الدین). بل ان الدین کلّه هو العبادة الخالصة لله تعالى، والتی لا یطلب العبد فیها سوى الله عزوجل. وهذا هو مقتضى العبودیة التی هی رابطة الحقیقة بین الانسان والله سبحانه. لأن الإنسان فی حقیقة وجوده لیس إلا الفقر والعجز واللّا شیئیة. والله سبحانه هو المالک لهذا الانسان. یقول الله تعالى: (یا ایها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله الغنی الحمید). وعن أمیرالمؤمنین(ع) فی قوله تعالى:(إنا لله وإنا إلیه راجعون) یقول(ع): إنا لله، إقرار على أنفسنا بالملْک، وإنا إلیه راجعون، إقرار علیها بالهلک).معنى العبودیة أن العبد لا یملک شیئاً لنفسه مقابل سیده، ولا یملک نفسه. فعلى أی أساس یطلب لها حظّاً من سیده؟! واذا کانت عبادته عطیة من هذا السید، وکل قوته توفیق منه، بل أصل وجوده واستمراره، فکیف یرى لنفسه استحقاقاً؟ّ! ألیس هذا عین الشقوة والجهل. بلى، أن الله تعالى أمر عبده أن یسأله من فضله، ووعده الاجابة، وشرط ذلک بالإعتراف بالعجز والفقر والذلّة. أما إذا أستجیب للمدعی بالاستحقاق، فذلک یکون من باب المکر والإملاء. کما فی حدیث أمیر المؤمنین(ع): إذا رأیت ربک یوالی علیک النعم وأنت تعصیه فاحذره. ولو حصل الإنسان على کل نعم الدنیا، ولم یدرک حقیقة مقامه بین یدى الله، أی لم یصل إلى العبودیة الحقة لله، فإنه یکون ممن لم یصل إلى شیء. قال سید الشهداء الامام الحسین(ع): ماذا وجد من فقدک ،وما الذی فقد من وجدک . لقد تأسّست المدرسة السلوکیة على هذا الأمر الذی ینطلق من معرفة الله تعالى، فإن معرفة الله الحقة التی تعنی انحصار الوجود والکمال والتأثیر به، تستلزم الاخلاص بمعنى الانقطاع فی التوجه إلیه وترک ما عداه، وأن الإخلاص الحقیقی الذی ینبع من التوحید: وکمال توحیده الاخلاص له، یعنی أن لا یطلب الإنسان لنفسه شیئاً على سبیل الاستحقاق، وأن یرفض هذه النفس من خلال معاندة أوامرها وطلباتها، وذلک بجعل وجوده وصفاته وحرکاته تابعة مطلقاً لأوامره الله سبحانه ومشیئته.
سوتیتر : v إذا بحثنا فی اصول التعلّقات بکل مظاهر الدنیا، وجدناها ترجع إلى أصل ومنشأ واحد هو (حبّ النفس). وتکون النتیجة: إن ما یقف مقابل حب الله، والوصول الى الکمال المطلق، هو حب النفس التی هی أم الأصنام.
v حب النفس ، هو الحجاب الذی تنشأ منه جمیع الحجب، سواء کانت ظلامیة أم نورانیة. فهذا الحب یظهر فی المراحل الاولى بصورة حب الشهوات المحرّمة والأمانی الرخیصة، ولکنه یکون فی المراحل الأخیرة بصورة حبّ المقام المعنوی وطلب الکرامات العرفانیة. | ||||
الإحصائيات مشاهدة: 835 تنزیل PDF: 327 |
||||