الأسرة هی التی تغرس الخوف فی نفوس أطفالها | ||
الأسرة فی خوفها من المجهول تغرس فی أطفالها الرهبة: إما عن طریق التخویف المباشر من أشیاء غامضة أو ملموسة، وإما عن طریق التخویف غیرالمباشر الناشئ عن الإسراف فی القسوة أو فی التدلیل. فالأسرة هی التی تحدد الخطوات التی یمکن أن یخطوها أطفالها فی مراحل حیاتهم، وتظل سیطرتها النابعة من الخوف علیهم، حتى بعد اکتمال نضجهم، ونتیجة للخوف الغامض على مسارات الأبناء نجد الأسرة تسیطر علیهم فی التعلیم، وفی اختیار الرفاق، واختیار شریک الحیاة، وما إلى ذلک من العناصر التی قد تبدو فی ظاهرها تربویة وأخلاقیة، ولکنها تترک بصمات عمیقة على أخلاقیات وشخصیات الأبناء لمدة طویلة. إن تربیة الأسرة لأبنائها تسعى إلى أن تثیر الخوف فیهم کوسیلة لضبط سلوکهم، ومعنى هذا أن الکبار یفرّغون مخاوفهم فی نفوس الصغار، وهؤلاء بدورهم یتقمّصونها دون أن یحاولوا تحلیلها أو تفسیرها، نتیجة لما وقر فی نفوسهم من تقدیس، وهکذا نجد أن الطاعة التی یبدیها الأبناء للآباء هی ولیدة الخوف لا الاقتناع. والمشکلة فی مثل هذه الحالة هی أن الخوف ینمو ویزداد دون أن یفهم الأبناء مصدره، أو سببه، ودون أن یستطیعوا تحدید إطاره، ومقوماته، لدرجة أنه یصبح خوفاً غیر واضح الحدود، أو معرفة أسبابه ودوافعه. ومن المؤکد أن الخوف الذی لایمکن تحدید مصدره أو سببه، یؤدی إلى انهیار القوى وتحطیمها بل یؤدی فی النهایة إلى حالة من الضیاع والحیرة الکاملة. فالخوف من المجهول أعمق، وأشد أثراً، من الخوف من المعلوم، لأنه عند معرفة مصدر الخوف یمکن التخطیط العلمی لتخفیفه ومواجهته مواجهة واقعیة مکشوفة. ولیست الأسرة وحدها هی التی تغذی الخوف فی الناشئین، بل إن النظام التعلیمی کثیراً ما یستخدم الخوف، أو التلویح بالخوف، کأداة لضبط السلوک داخل المدرسة. وأمامنا أمثلة عدیدة من أهمها نظام الامتحانات القائم على التخویف من الرسوب، أو الحرمان من الدرجات المؤهلة لمراحل التعلیم التالیة. ولاینحصر أثر هذه المخاوف – بطبیعة الحال – داخل جدران المدارس، بل إن حصیلة هذه المخاوف، التی یکتسبها الفرد فی الأسرة والمدرسة، یحملها فی الغالب الأعم معه إلى معترک الحیاة، وإلى میدان المجتمع الواسع، وهذا کله ینعکس على شخصیة الفرد وسلوکه، فإذا ماتقدم لطلب عمل معین فإنه لایؤمن بقدرته على منافسة أقرانه منافسة شریفة، ولذا یلجأ إلى النفاق، والاستعطاف، والتذلل لمن فی یده الأمر، ولایترک وسیلة دون أن یلجأ إلیها، والسبب فی کل هذا أنه فاقد لمقولات الثقة بالنفس. وینعکس هذا الخوف فی إطار المجتمع الواسع بحیث لم یدع نظاماً من أنظمتنا الإجتماعیة إلا وتسرب إلیه، حتى أن الفکر الحر أصبح مکبلاً بقیود الخوف من القصاص الرهیب من جهة والخوف من الجماهیر ومحاولة استرضائها من جهةٍ أخرى. ولاشک فی أن الدین أداة بالغة الأهمیة فی الضبط الاجتماعی، ولهذا فإن مفهومنا للدین ینبغی أن یقوم فیما یقوم علیه من أسس، على أنه أداة لضبط السلوک بطریقة صحیحة فعالة وإیجابیة، بمعنى أنه أداة مساعدة تربویة وأخلاقیة، ولیس أداة تعویق، أو تکبیل لحریة الفکر أو العمل. إن ما نعنیه هنا هو أننا نرجو للدین أن یکون أداة للضبط الاجتماعی والأخلاقی فی مجتمعنا، کما نرجو ألا یؤدی أی مفهوم خاطئ لمعنى الدین ومقوماته، إلى أن ینحرف عن دوره الأصیل کادأة روحیة إشراقیة. فالخوف من الله وقدرته عزوجل ینبغی ألا یتحول إلى خوف من المجهول ومن کل ما هو غامض، بل إن الطاقات الروحیة التی تغذی الأمة ینبغی أن تکون طاقات فعالة فی قدرتها على التحلیل، والتفسیر، والربط، والترکیب، بحیث تسهم فی تهیئة کل من نظام التعلیم، ونظام الأسرة لیقوم بدوره الإیجابی فی إعداد الإنسان للحیاة مزوداً بالفهم الکافی لمعنى الحیاة، وماهیتها، مع إدراک موضوعی لقدراته وطاقاته فی الفکر والعمل.
| ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,274 |
||