مکانة القرآن فی الإسلام والحضارة الإسلامیة | ||||
PDF (155 K) | ||||
![]() | ||||
مکانة القرآن فی الإسلام والحضارة الإسلامیة
أحمد الموسوی بیّن لنا الله وأخبرنا القرآن الکریم، بأن الإسلام نزل بمستوى وفهم ملائم لکل عصر: ((وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه لیبیّن لهم، فیضلّ الله من یشاء ویهدی من یشاء وهو العزیز الحکیم))(سورة إبراهیم 4).، کما إن القرآن بیّن لنا المبادىء الخالدة بدءاً بالأمثال، فیقول الله تعالى: ((ولقد ضربنا للناس فی هذا القرآن من کل مثل لعلهم یتذکّرون))(الزمر 27). الروح الشمولیة للقرآن الکریم ومن هذا المنطلق وحده، منطلق الروح الشمولیة للقرآن الکریم، یمکن للنموذج الإسلامی فی التطور الإنسانی الحضاری أن یبرز واضعاً – فی المکان الصحیح – وضعاً إجتماعیاً متطوراً، منسجماً مع الحاجات الإنسانیة الحقیقیة، ونؤکد ان هذا النموذج لابد له أن یقوم، من خلال بذل غایة الجهد دون الانحراف عن المبادىء الخالدة للقرآن، وعن حقائق العصر الراهن. وفی هذا المجال، على المسلمین رفْض محاکات الغرب، کما علیهم تجنّب تقلید الماضی، فمستقبل الإسلام لا یرتکز على إعلان إفلاس العالم، کما انه لا یقف عند تردید الصیغ الجاهزة التی وجدت کی تساعد على حل مشاکل الناس فی العهود المنصرمة. والحقیقة إن الإسلام – فی الرؤیة القرآنیة – لیس مجرد دین من الأدیان، ولم یدّع النبی (ص) یوماً انه قد أرسى قواعد دین جدید وحسب، بل لیذکّر الناس بالدین الأصلی الذی وجد منذ خلْق الإنسان الأول: ((فأقم وجهک للدین حنیفاً، فطرة الله التی فطر الناس علیها، لا تبدیل لخلق الله ذلک الدین القیم ولکن أکثر الناس لا یعلمون))(الروم 30). فالإسلام هو الدین الأول والرسالة الأخیرة معاً، إنه البعْد الحضاری السامی للجنس البشری، کما عُرف فی کل مستوى من مستویات الوجود، وهو فی مبدئه الأساسی، أکثر الأدیان عالمیة: ((شرع لکم من الدین ما وصّى به إبراهیم وموسى وعیسى أن أقیموا الدین ولا تتفرّقوا فیه))(الشورى 13). فعقیدة الإسلام السمحة الصافیة هی التی تحکم المجتمع وتسیّره، وإن أنظمته وقیمه وأخلاقه وتعالیمه هی التی تکوّن منهج حیاته فی شؤونها کلّها، ومن أروع ما یضمن المجتمع قویاً، أن یکون فیه تکافل اجتماعی یقوم على أساس الإسلام وتعالیمه القویمة. والتکافل الاجتماعی معناه التساند والتضامن بین الناس، ویجمعهم قانون وعادات واحدة، وإذا قام هذا التکافل على أسس صحیحة، ضمنت فیه عندئذ مصلحة الفرد والجماعة:((إن هذه أمّتکم واحدة وأنا ربّکم فاعبدون))(الأنبیاء 92). وکما قال (ص): المؤمن للمؤمن کالبنیان، یشدّ بعضهم بعضاً. والتکافل الاجتماعی فی الاسلام شامل ومتکامل، یتناول الإمور التالیة: الحرّیات فی القرآن الکریم أهم حریة یقرّرها الإسلام للناس هی انعتاق الإنسان من عبودیة أخیه الإنسان، وانعتاق الشعب من عبودیة شعب آخر: ((یا أیها الناس إنا خلقناکم من ذکر وأنثى وجعلناکم شعوباً وقبائل لتعارفوا . إنّ أکرمکم عند الله أتقاکم))(الحجرات 13). ومن الحرّیات التی یقرّرها الإسلام للمجتمع، أفراداً وجماعات، هی التالیة: 1-حریة المأوى: ((یا أیها الذین آمنوا لا تدخلوا بیوتاً غیر بیوتکم حتى تستأنسوا وتسلّموا على أهلها))(النور 27). 2-حرّیة الاعتقاد ((لا إکراه فی الدین قد تبیّن الرشد من الغیّ))(البقرة 256). 3-حریّة التعلیم: ((إقرأ وربّک الأکرم . الذی علّم بالقلم . علّم الإنسان مالم یعلم))(العلق 3 – 5). 4-حرّیة التملّک: ((یا أیها الذین آمنوا لا تأکلوا أموالکم بینکم بالباطل . إلا أن تکون تجارة عن تراض بینکم))(النساء 29). فالله شرع للإنسانیة من الدین ما تستقیم علیه حیاة الإنسان فی کل الأزمان، ووضع للعالمین بالإسلام منهجاً متمیزاً للحیاة، ونظاماً متکاملاً لها، تشمل أصوله وکلّیاته وقواعده، کلّ الجوانب، من عقائد وعبادات ومعاملات، وسلوک وأخلاق واجتماع، واقتصاد وسیاسة وشؤون دولیة، وغیر ذلک من ضروب الأعمال: ((وهذا صراط ربّک مستقیماً قد فصّلنا الآیات لقوم یذّکرون))(الأنعام 126). مخاطبة العقل والشریعة الإسلامیة، هدایة إلهیة ومنحة ربّانیة أنارت للناس المسالک، ونبّهتهم إلى أصول الحق والعدل، ودعتهم إلى الخیر والعمل الصالح، وصرفتهم عن الشر وسائر الانحرافات، وهی بقدر ثباتها ودوامها وتنزّهها عن التبدیل والتغییر لکونها شریعة الله، وارتباطها بالوحی، وثبوتها بالنصوص، ولاتّصافها بکونها الشریعة الخاتمة والخالدة، وهی تخاطب العقل وتهدیه: ((قد جاءکم بصائر من ربکم فمن أبصر فلنفسه ومن عمی فعلیها وما أنا علیکم بحفیظ))(الأنعام 104). وقال سبحانه وتعالى: ((قد جاءکم من الله نور وکتاب مبین . یهدی به الله من اتّبع رضوانه سبل السلام ویخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ویهدیهم إلى صراط مستقیم))(المائدة 15 – 16). وقد أحدثت الطفرة الحضاریة التی شهدها العالم الإسلامی، إتجاهات مذهلة وغریبة، وأنماطاً جدیدة أصبحت واقعاً یحیاه المسلمون، ویدفع بهم بعد أن وقعوا فی دوّامة لیس لهم بها قرار، إلى أن یعودوا إلى تشریعهم یستفتونه فی کل شیء، لعلّهم یجدون فیه المخلّص والمخرج والاستقامة والهدى، قال تعالى: ((ثم جعلناک على شریعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع الذین لا یعلمون . إنهم لا یغنوا عنک من الله شیئاً . وإن الظالمین بعضهم أولیاء بعض والله ولی المتّقین))(الجاثیة 18 – 19). فنظام الحکم فی الإسلام، والفکر السیاسی والدستوری، والقواعد الأساسیة للحکم الإسلامی المعاصر، والعلاقات الدولیة فی السلم الحرب، والمعاهدات والمواثیق، والمجالس النیابیة، والقوانین الإداریة، وما جدّ فی المجتمعات المتطورة من مؤسسات، أدخل حیاة المسلمین عن طریق الاحتکاک بالغرب والتأثّر به والاقتباس منه، مما یمکن أن یخضع فی حکمه لنصوص قطعیة من القرآن الکریم والسنّة المطهرة. القرآن وحاکمیة الله وهذا ما یقتضیه قول الله عزّ جلّ: ((یا أیها الذین آمنوا أطیعوا الله وأطیعوا الرسول وأولی الأمر منکم . فإن تنازعتم فی شیء فردوه إلى الله والرسول إن کنتم تؤمنون بالله والیوم الآخر . ذلک خیر وأحسن تأویلاً))(النساء 59). وهکذا فإن التشریع الإسلامی الذی هیمن على حیاة الناس مدى قرون طویلة، ولم یضیق بشیء من متطلباتهم، على الرغم من الفتوحات الکثیرة وما نجم عنها، والذی ساعد الأمم المختلفة التی دخلت فی الإسلام، فی عصور الازدهار على بناء حضارتهم الشامخة، واتسع فاستوعب کل التطورات والمتغیرات بحکمته ومرونته فی کل الأصقاع التی دخلها، ومع کل الشعوب التی دانت به وخضعت له، فلا یتوانى أبداً عن التوجیه إلى الطریق الأقوم، والمسلک الأرشد، ولا یتأخّر عن الاستجابة لمقتضیات التقدّم الفکری والعلمی فی العصر الحاضر، وذلک بتحقیق التوازن العادل بین المجتمعات، وبقضائه التام على کل الفوارق الجنسیة والطبقیة، وبحرصه الدائم على ضمان الحق والعدل. فالإسلام یعترف بالأقوام المختلفة، وحدودها داخل وطنه الکبیر، والعمل على توحیدها بالهدایة والعدالة، ثم تبدأ مرحلة التضامن الحضاری بین الشعوب المسلمة للدفاع عن الذات وإنمائها، وأداء الرسالة إلى العالم، ویکون ذلک عندما تظهر إرادة شعوب أمّة واحدة مزّقتها أحداث التأریخ إلى دول متفرّقة، فتقف لتصحّح مجرى التأریخ، وتنسجم مع قدَرها الأعمق، لتجتمع فی صیغة واحدة، فعند ذلک ستکون هناک ولادة جدیدة، بعد مخاض عسیر، تستحق الاندماج الکامل والانصهار فی بوتقة الإسلام الجامع، وفی نهضة حضاریة جدیدة. إن جوهر دعوة الإسلام وأعمق أبعادها الإنسانیة، هی إن الحاکم الحقیقی هو الله، والسلطة الحقیقیة مختصة بذاته، والذین دونه فی هذا الکون هم عبید فی سلطانه، وسرّ الإسلام هو فی ارتفاعه للحاکمیة المطلقة إلى الله، لا إلى الأرض، وقصارى حاکمیة البشر إنها مستمدّة من الخالق، والشعار هو الآیة الکریمة: ((اعبدوا الله مالکم من إله غیره))، وهی رسالة تحریر من عبودیة البشر للبشر، حین جاء الإسلام للناس (( لیضع عنهم إصرهم والأغلال التی کانت علیهم))(الأعراف 57). وعلى رأس الأغلال، غلّ عبودیة الإنسان للإنسان، وحتى حاکمیة الرسول (ص) وأهل البیت (ع)، مقیّدة بأمر الله تعالى، والسیادة فیها للشرع وحده. القرآن یتحدّى وأخیراً، لابد من کلمة، وهی إن الحضارة الإسلامیة بصیغتها الناضجة، مرکّب لمجهود أمم مسلمة مختلفة، تضافرت على إبداعها ونشر إشعاعها بحیث أصبحت هی الحضارة الأولى للإنسان طوال العصور من تأریخ الإنسانیة، وظلت هذه الحضارة هی الأصل المشترک لأمم وأقوام أسهمت فی إقامة هذه الحضارة المزدهرة، فالمنبع الحضاری للأمم التی تدین بالإسلام هو لا شک منبع حضاری واحد، وإن کانت کل أمّة قد ألقت بطابعها الخاص على الأصل المشترک، وأعطته من صفاتها الممیزة. ومن خصائص الأمّة الإسلامیة، وحدتها فی عقیدتها ومُثُلها وقیمها وأسلوب تفکیرها، وإن الإسلام طبعها بطابع ممیز لها عن الأمم الأخرى، لکن أقالیمها ظلت تحتفظ بنوع من الخصوصیة، نتیجة لسماح الإسلام وفضْل السیاسة الإنسانیة المرنة التی اتبعها المسلمون عند قیام الدولة الاسلامیة العتیدة. وهاهو الإسلام، وبعد أربعة عشر قرناً، ما زال یتحدى، ومن الصعب على کل عالِم نزیه أن یزعم غیر ذلک، ومن أجل هذا نرى العدید من مفکّری العالم، یشهرون إسلامهم على الملأ، فالإسلام بخیر، وهو الذی کفل لهذا المسلم أن یبقى فی القرن الواحد والعشرین ثابتاً على المبادىء الحقّة لا یتزعزع أبداً. | ||||
الإحصائيات مشاهدة: 1,467 تنزیل PDF: 474 |
||||