الوظائف التربویة للقصة | ||
الوظائف التربویة للقصة
هدى العلی لاشک أن قصة الطفل تؤدی وظائف تربویة مهمة، وهی رفیقة رقیقة للطفل، خاصة وأنها قادرة على التکیف مع مستوى نمو الطفل، واتخاذ أکثر الأبنیة جاذبیة، وأشد القنوات تشویقاً، ویمکن لها أن تتزین وتتطیب وترتدی أرق الثیاب، لتبدو أمام الأطفال زاهیة مزهوة. فضلاً عن إمکان وصولها إلى الأطفال مرویة وجهاً لوجه، أو ممثلة فی خشبة المسرح، أو مسموعة عبر الرادیو أو مرئیة عبر التلیفزیون أو السینما أو الاقراص الالکترونیة، أو مطبوعة عبر الصحیفة والکتاب. ولکن أغلب الذین یتناولون أهمیة القصة للطفل یشیرون بأصابعهم إلى دورها فی تسلیة الأطفال، وفی فسحها المجال أمام الأطفال لرسم صور عن الحیاة والعاطفة؛ إذ یشیرون إلى أنها تحمل فی طیاتها القیم والمعاییر، فتبدو – هنا – مثل أصابع أم حنون تبث فی صغیرها دغدغات ناعمة. والتفات الباحثین إلى دور القصة فی إثارة تفکیر الأطفال، ومعاونتهم على النمو العقلی ما یزال عابراً. ومن هنا تبدو اهمیة هذه القضیة – القصة وتفکیر الأطفال. التفکیر.. سلوک رمزی ونشیر فی البدایة، إلى أن البعض یعنی بالتفکیر کل أوجه النشاط العقلی، غیر أن المختصین یضعون فروقاً بین التفکیر وبین أنشطة عقلیة أخرى کالتذکر، والتصویر والتخیل؛ حیث یطلق على هذه مجتمعة: العملیات المعرفیة وتحقیق البحوث الحدیثة نتائج کثیرة، تؤکد أن هذه العملیات هی اساس التفوق المعرفی، فضلاً عن أنها أساس التفوق العملی للفرد والمجتمع. ویعد التفکیر نشاطاً راقیاً للعقل، وقوامه وجود إشکال أو تعویق: أی وجود موقف مشکل، إذ لاتؤلف المواقف المشکلة حوافز للتفکیر. فحین یعترض الفرد عارض، یبدأ العقل عملیة التفکیر من خلال التمعن فی ذلک العارض، ومحاولة إیجاد مخرج له، عبر اتخاذ سلوک معین، أو وضع تعلیل أو حکم. ومن هنا أمکن القول إن التفکیر هو نشاط ذهنی یقوم به العقل عند شعور الفرد بحیرة أو تردد أو شک: أی عند إحساسه بمشکلة تتطلب تصرفاً فی حدود الظروف المحیطة بالفرد، وفی حدود العلاقات المرتبطة بتلک المشکلة. ویعد التفکیر سلوکاً رمزیاً؛ إذ هو سلسلة متتابعة لمعان رمزیة؛ لأنه یمثل انعکاساً للعلاقات بین الموضوعات فی شکل رمزی؛ حیث تعبر اللغة، بصفتها نظاماً من الرموز، عن ((الافکار)). ولهذا یشار إلى أن التفکیر یستعین بالرموز، بدل المحسوسات، فی کشف العلاقات، وعلیه، فإن الطفل الذی یستعین بأصابعه لیعرف مجموع رقمین، لایمارس عملیة تفکیر.
تفکیر الأطفال والتفکیر سلوک مستمر، وعملیة متواصلة لدى الإنسان، سواء أکان طفلاً أم راشداً، ولکن التفکیر یختلف من حیث مبعثه وهدفه ومضمونه ونوعه من فرد إلى اخر، ویراد التفکیر ان یکون منظماً غیر خرافی، یمضی فی خطوات یعتمد بعضها على البعض الأخر، وان یکون دقیقاً، مرناً، بعیداً عن الجمود، وواقعیاً، أی یعتمد على الواقع، أو على ما ینجم عن الواقع، وان یکون هادفاً غیر اعتباطی. وهناک انواع متعددة من التفکیر، منها ما لایراد للأطفال والکبار ممارسته، مثل التفکیر التوهمی، والتفکیر الخرافی، والتفکیر التسلطی، والتفکیر القائم على المحاولة والخطأ؛ إذ إن ما تریده التربیة هو التفکیر المستقیم.. والتفکیر المستقیم لایقتصر على الراشدین وحدهم؛ إذ إن مؤسسات التنشئة الاجتماعیة الحدیثة ابتداء من عمر الحضانة، وعمر الروضة، تعمل على أن یتمرن الأطفال على التفکیر الصحیح فی أثناء لعبهم ومناشط سلوکهم الأخرى. وینطلق هذا الأمر من أن الراشدین لیسوا وحدهم الذین یقابلون مشکلات؛ حیث إن الاطفال یواجهون – أیضاً – مواقف محیرة أو مربکة أو مفاجئة، مثلما یواجهون أسئلة وصعوبات، ویضعون حلولاً، أو أحکاماً، ومن هنا؛ فإنهم یمارسون التفکیر على نطاق واسع، وتکاد أن تکون عقولهم منشغلة بعملیات التفکیر بصورة متواصلة أثناء سلوکهم الیومی، باستثناء ما جرى مجرى العادات، وأنماط السلوک المتواترة الأخرى التی یقوم بها الأطفال، دون ممارسة عملیة التفکیر بالمعنى المحدد.
تدرب الطفل على التفکیر ویبدا الطفل باکتساب ((الأفکار)) منذ الصغر، ویزداد مدى تفکیره رویداً رویداً، مع ازدیاد خبراته، واتساع اتصالاته، وتطور جوانب نموه، بما فی ذلک نموه العقلی واللغوی والنفسی والاجتماعی. ومثلما یعتمد نمو تفکیر الطفل على ما یکتسبه بالتعلم، والتدرب على التعامل فکریاً مع المشکلات، فإن لقدرة الطفل على ممارسة العملیات العقلیة المعرفیة الأخرى، فاعلیة فی نموه فکریاً. ولتدرب الأطفال على الطرق الصحیحة والمنظمة فی التفکیر، ضرورة تربویة أساسیة، کما أن تعلم التفکیر لیس أمراً میسوراً؛ إذ إن له أسساً وقواعد ومراحل، ویمکن من خلال التربیة الفکریة معاونة الأطفال على تنظیم المعانی التی یحسون بها، والحقائق التی یواجهونها بشکل أفضل. وتتعدد الفرص التی یتاح فیها للأطفال ان یفکروا، منها ما هو مقصود، ومنها ما هو غیر مقصود، ویمثل التعلیم دوراً مهماً فی التربیة الفکریة المقصودة. وتحتوی کثیر من أنشطة الأطفال المنظمة الأخرى مثیرات للتفکیر، مثل اللعب، والمشارکة فی المناقشات، والتعرض لوسائل الاتصال، والقراءات الحرة، بما فی ذلک قراءات الأطفال القصص، أو استماعهم إلیها عبر الإذاعة، أو مشاهدتهم لها مسرحیاً، أو عبر التلیفزیون، أو السینما أوالاقراص المدمجة.
القصة تثیر تفکیر الطفل أما عن ((القصة)) کمثیر للتفکیر، فإن التمعن فی هذا النوع الأدبی، یکشف عن أن القصة تقوم على ((أفکار)) هی موضوع القصة، وعلى ((عقدة)) هی المشکلة، وعلى أحداث واقعیة أو خیالیة، وعلى شخصیات تعبر عن تجربة أو اکثر من تجارب الحیاة الواقعیة أو المتخیلة.. وهذه العناصر تشکل ضفیرة واحدة متداخلة هو العمل الفنی القصصی. وتشکل قصص الأطفال حیزاً واسعاً فی أدب الأطفال؛ إذ تبدو نسبة قصص الأطفال کبیرة فی أدب الأطفال؛ بحیث یتبادر إلى أذهان البعض، أن قصص الأطفال هی قوام أدب الأطفال کله. وإلى جانب ذلک، فإن جو القصة الذی یقوم على موقف ما، یهز الحالة النفسیة للطفل إزاء ما یحصل من أحداث، وما یطرح من أفکار عبر الشخصیات، وما یقومون به من أدوار؛ وبهذا یؤلف جو القصة، موقفاً زمانیاً ومکانیاً، له دلالة بما یتکون من أجواء نفسیة إزاء ما یحصل فی القصة من حرکة. ونشیر هنا، إلى أن اللغة التی تصاغ بها القصص تکون عادة ذات مستوى متین مما یرتفع بمستوى لغة الأطفال، ویشکل هذا الأمر عاملاً آخر من عوامل الارتقاء بتفکیر الأطفال؛ حیث إن الحصیلة اللغویة الثریة للأطفال تمهد لهم تحقیق إدراک وفهم صحیحین لأدق المحسوسات والعلاقات؛ کما تمهد لهم التعبیر عن أفکارهم وأحکامهم بشکل سلیم وصحیح. والتفکیر الصحیح مع أنه یؤول إلى مقابلة المشکلات، فهو یسهم فی إنماء قدرة الطفل على النقد البناء وإکسابه العادات التی تبعده عن التسرّع فی إطلاق الاحکام، أو الاعتماد على الرغبة والهوى، أو حکم العادة. ولما کانت هذه کلها تجعل من القصة مثاراً لتفکیر الطفل، فإن من اللازم أن لاتقدم قصص الأطفال تشویهاً للواقع، أو مسخاً للأفکار، بل ینبغی أن یتجسد کل ذلک فی عمل قصصی فنی متناغم الأبعاد، ینبض بالحرکة، ویتصف بالاتساق..
اختیار القصة للطفل وتجری الیوم الدراسات المستمرة حول قصص الأطفال، وما یناسب الأطفال منها، وما یشکل عامل إثارة للتفکیر الصحیح. ویبذل المربون والآباء جهوداً جادة لتوجیه الأطفال إلى القصص المناسبة، وفهم من یحرص على أن یختار للأطفال القصص التی تناسب مراحل نموهم، وإلا بدت مقحمة على عالمهم؛ حیث إن لکل مرحلة من مراحل نمو الأطفال قصصاً ملائمة. إلا أنه یلاحظ أن هذه المقولة غیر قابلة للتعمیم فی المجتمعات المختلفة. فما یلائم من القصص، مرحلة عمریة فی مجتمع ما، لایعنی بالضرورة أنه یناسب الأطفال فی المرحلة العمریة ذاتها، فی مجتمع أخر؛ لذا یظل من اللازم الانتباه؛ کی تظل القصة مبعثاً لتفکیر الأطفال. | ||
الإحصائيات مشاهدة: 1,229 |
||