فاظفر بذات الدین تربت یداک | ||
فاظفر بذات الدین تربت یداک کان (حمید) بلغ من العمر عندها اثنین وعشرین عاماً، تزوج مبکراً، ولدیه الآن من البنین ثلاثة، ومن البنات أربع، کان یعیش مع والدیه فی بیت واحد، یعمل بائعاً فی متجر والده، حیث کان یتاجر بالملابس الجاهزة، فیدّرعلیهم بعض المال یعیشون منه ،وبعد الزواج ذهب (حمید) باحثاً عن عمل یساعده على الاستمراریة فی الحیاة، ویوفر له معیشة کریمة، وکان له إخوة صغار یسکنون معهم فی نفس البیت، هذا ما جعله یجدّ فی الطلب لیحصل على عمل، فیسّر الله – عز وجل – له ما کان یصبو إلیه وکان یتقاضى أجرة ممتازة مقارنة مع غیره، فتحسّن وضعهم الاقتصادی، وقام (حمید) ببناء بیت مستقل عن والدیه وإخوته، وکان هذا إستجابة لرغبة زوجته (وداد) التی ألحّت علیه کثیراً بالإنفصال عن والدیه وإخوته الصغار، فزوجته – هداها الله – کانت تفتعل مشاکل یومیة مع والدته وإخوته الصغار لأتفه الأسباب. وعلى کل حال انفصلوا عن العائلة، فارتاح (حمید) من المشاکل الیومیة نوعاً ما، لأنه کان یؤلمه ما یسمعه من والدته عما تقوم به زوجته تجاهها، رغم أنه کان ینصحها بعدم إثارة أی إساءة تعکّر خاطر والدته، إلا أن (وداد) کانت عنیدة، وکانت دائماً تظهر بصورة المظلومة وتبکی طویلاً إن حدّثها بهذا الأمر، مدعیةً أنها تحسن إلیهم وهم یسیئون إلیها. الآن أصبح (حمید) یزور والدیه وإخوته الصغار کل أسبوع مرة، بعدما کان یومیاً بجوارهم، فمنزله الآن یبعد بعض الشیء عن منزل العائلة ، إلا أنه کان یشعر بسعادة تغمره عند عزمه لزیارتهم ، فمشاغله کثرت ، وهمومه تعددت ، إلا أنه بقی على هذا الحال وهذا أقل الواجب ، کانوا یسعدون بلقائه الأسبوعی ، ویستقبلونه بکل ترحاب ، وهو کذلک ، بل کان هذا الیوم حافزاً له على العطاء والتفاؤل والشعور بالنشوة المستمرة التی تتخلل جوانحه ، فیطیب لها قلبه ، لما لا ؛ فهما أحق الناس بحسن صحبته فی هذه الدار ، ومرّت الأیام وانقطع عن العمل ، وأخذ جاهداً فی إیجاد بدیل آخرعن هذا العمل ، کی یطلب رزقه ورزق أبنائه ، إلا أن الفرص کانت قلیلة ، وکان هذا أمر الله وما له إلا التسلیم والرضى بقضاء الله ، فنفقاته ازدادت ، طعام وشراب وکسوة وطلبات الأبناء و الزوجة التی لا ترضى بالقلیل ، فوداد تعیش الترف وتؤمن بالملذّات دون النظر إلى حالهم وما وصلوا إلیه. لقد أصبحوا الیوم یعیشون الکفاف بکل ما تعنیه الکلمة – فالحمد لله – فلم تزدد إلا إلحاحاً ، وأخذت تطلب ما یتعذّر إحضاره ، فهو الیوم یجلب الضروریات بشق الأنفس ، أصبح البیت جحیماً لا یطاق ، زوجة بداخله لا تفهم إلا کلمة واحدة .. : " هات ... جیب ... .. ... أرید ... أبغی ... أرغب ... الخ ". صبر .... على مُرِّ القضاء ... فلا یستقیم إیمان عبد حتى یعلم أن ما أصابه لم یکن لیخطئه ، وأن ما أخطئه لم یکن لیصیبه ... وکان یتوجّه إلى بیت العائلة ؛ حیث الوالدین والإخوة ، وکانوا على إطلاع تام بمعیشته ، کل شهر مرة واحدة ، وذلک لانشغاله بهموم الحیاة الأسریة ، أخذت الفجوة تزداد حتى فوجِئ یوماً بزوجته (وداد) تصرخ فی وجهه قائلة : ان یطلّقها.... !!!. بکل تأکید ، أیقن ولم یکن هذا مستغرباً ، أن المرأة لا تُنکح لجمالها فحسب .... لکن کلمتها لا تزال ترنّ بصداها فی رأسه .... الأبناء یسمعون کلمتها وینظرون إلیه بعین حزینة ، ویطلبون من أمّهم أن تکف عن کلامها وصراخها ... !! لم هذا یا أماه .. ؟؟ فترد قائلةً بصوت مرتفع : یجلجل أرکان البیت ، إلیکم عنی ، لا أمّ لکم ، الحقوا بأبیکم الذی لا یوفر لکم رغیف الخبز إلا بشق الأنفس .... فکر (حمید) ملیاً ؛ قال فی نفسه : إنه أخطأ الطریق منذ البدایة ، تزوّجها جمیلة ، ولم یرع الدین فیها ، فأمه طالما ذکّرته ، ونصحته بالظفر بذات الدین ، لقد إنتهى کل شیء الآن ... !! ، الأبناء أین یذهبون إن أجابها .... ؟؟ ، إنه الضیاع والتشتت یمنة ویسرة ، فما أمامه إلا الصبر ، وقال بأعلى صوته : آه ... من تأوّه لا ینفع ... ومن عیون صارت کالعیون مما تدمع ... وعاد إلى قول الرسول (صلى الله علیه وآله وسلم) الذی طالما تجاوزه ، حیث قال : ((.... أظفر بذات الدین تربت یداک))، حقاً إن یداه لم تنل شیئاً ، فهو یقاسی ما جناه على نفسه ، فی البدایة کان یلاقیها مرحة ، فالمال عنده وفیر ، أما الآن فأصبحت کالأفعى المسمومة تلدغ بقسوة.
تذکرت مقولة أمی ثانیة : " یا ولدی إن الدین مع العمر یزداد ، والجمال مع العمر ینقص ، فاحرص على ما یزداد ، ودعک مما ینقص " ، أصبحت أکابر نفسی ، وأعللها بالأمانی خشیة تصدع البیت ، وذهاب الأبناء من بین یدی ، وأندم حیث لا ینفع الندم ، کنت أنظر إلى أطفالی ، فینفطر قلبی ، وتتدفق عبراتی من غیر استئذان ... فأقول : لا یوجد أمامی من سبیل سوى الصبر ، لأحفظ ما تبقى من کیان بیتی ، فکرت بالزواج من غیرها ، إلا أننی لا أملک ما أتزوج به !
فأوصی کل من قرأ قصتی هذه أبد الدهر إن الجمال یغری ، والحسن یردی ، إن لم یصن بدین فأظفر بذات الدین تربت یداک، وهذه جولتی وإیاکم، وما جال فی خاطری أکبر من ذلک، وقلیل من الإشارة، یغنی عن کثیر من العبارة.
| ||
الإحصائيات مشاهدة: 1,400 |
||