الخطط الفاعلة المناسبة لتقویة دور النساء فی مواجهة الافکار المنحرفة الغربیة | ||
الخطط الفاعلة المناسبة لتقویة دور النساء فی مواجهة الافکار المنحرفة الغربیة منى عکنان: أستاذة فی الجامعة اللبنانیة
لابد من الإشارة إلى إن الفکر الغربی، خصوصاً فیما یتعلق بالعالم العربی والاسلامی، لیس نسقاً واحداً فی الأهداف، وأعتبرها إشارة مهمة لأن التعمیم بحاجة إلى قرینة علمیة وعدم التعمیم بحاجة أیضا إلى قرینة علمیة، حاولنا أن نتلمّسها من خلال بعض الشواهد التی سترد فی المتن والتی نعتبرها أفکاراً غربیة غیر منحرفة، ویمکن التأسیس علیها لتفکیک المفاهیم الغربیة المتعددة. شکلت التغییرات السیاسیة الداخلیة المتسارعة فی عدد من الدول العربیة، عدداً من المؤشرات، تقودنا إلى رفع التساؤلات المبدئیة: ما هو دور النساء فی حرکة الصحوة ؟ ما هی إجراءات الوقایة من الأفکار الغربیة المنحرفة ؟ ما هی خطة المواجهة التی من المفترض أن یتحلین بها ؟ هل هذه الخطة فاعلة ومناسبة و تؤدی الى تفکیک الافکار المنحرفة الغربیة ؟ هل یمکن الإستفادة من المتخصّصین الغربیین فی نقد الامبریالیة؟ استهداف المرأة بالدخول إلى حقوق الانسان، نکون قد دخلنا الدائرة الأخطر بالنسبة للمرأة، لأن الغرب أیضا یعی ان المرأة إن لم تکن نصف المجتمع، فهی کل المجتمع. ومعظم الأهداف التشغیلیة المقررة فی السیاسات الغربیة فی الدول المستهدفة، سواء فی الحرب الصلبة أو الناعمة، تُشکّل المرأة الهدف الأساس من خلال جملة من الحملات التی یخضع لها الإعلام طوعاً لخدمة هذه السیاسات : حقوق المرأة یؤکد نیتشة : ان القول بتساوی المرأة والرجل ورعایة حقوقهن من الأقوال الباطلة : الاصل هو الرجل ، الرجل هو الذی یحارب وعلى المرأة أن تکون من أسباب لهو المحارب، وتلد له الاولاد. وأظهرت دراسة لباحثین عرب، أُجریت على عینة من الإعلامیین والقائمین بالاتصال الغربیین: ان 85,7 % منهم یرون إن العرب والمسلمین أصولیون، و%78,6 معادون للغرب، و 69 % یرونهم معادین للمرأة، و 67,3 % یرونهم معادین لحقوق الإنسان، و 66,1 % یرونهم إرهابیین، و 50,9 % یرونهم متخلفین. وتضیف الدراسة إن النظرة الغریزیة للمرأة تشکّل عنفاً شدیداً بحقها، تزداد حدّته تبعاً لتشدد أعراف المجتمع الذی تنتمی إلیه وتقالیده، والصور التی أوجدها قسم وسائل الإعلام المختلفة، وفی مقدمتها القنوات الفضائیة، لاسیما إن هذه الصورة تمثّل مجموعة الأحکام والتصورات والإنطباعات القدیمة والجدیدة المستحدثة، الإیجابیة منها والسلبیة، التی یأخذها فرد أو مجتمع عن آخر. وهنا یمکن ان یؤدی التعرّض التراکمی للرسائل الإتصالیة المتضمنة قیمة الصراع، وتقدیم صورة مشوّهة عن المرأة والترویج عنها على أنها (سلعة تبحث عن مستفید)، إلى تحفیز السلوک العنیف نحوها من قبل الرجل، فی البیت أو الشارع أو فی الوظیفة، ویمکن أن یعرضها إلى تحرش أو إعتداء، فضلاً عن الإسهام فی خلق النموذج التخیلی للمرأة فی ذهنیة الرجل، الذی قد لا تنطبق مواصفاته على زوجته، فیتکرّس سلوکه العدوانی إتجاه زوجته بالتذرّع بمسببات لمشکلات غیر حقیقیة، للتعبیر عن إحتجاج غیر معلن أو مقبول الدوافع من قبله، ویزید ذلک من مستوى العنف الأسری. ویل دیبرانت فی کتابه تأریخ التمدن المجلد 11: لم یبلغ أی دین ما یبلغه الإسلام فی حضّ الناس على القوة والقدرة والعزة التی تعنی ان للإنسان مقام منیعا وأن یکون له من القوة ما لا یستطیع معه أحد اذلاله وإخضاعه وقد إمتدح الإسلام القوة فی مقابلة الاعداء (( و أعدّوا لهم ....)) سورة الانفال ، الآیة 60. کیف یمکن للغرب ان ینادی بقضیة المرأة من باب، ومن باب آخر یقوم بتسلیع المرأة؟ ، وکیف له ان یقوم بدعم مشاریع تنمیة المرأة وتمکینها وهو یعمل على تشیئیها؟. ومن المهم جداً، الإطلاع على أبحاث ومتابعات الغربیین المناوئین للإمبریالیة، وهم یکرّسون دراساتهم وأبحاثهم لفضح مؤامراته وتکتیکاته، وهنا سأستعین بإسمین، کان لهما الباع الطویل فی هذا المجال مع الإشارة الى عدم التبنّی المطلق لآرائهم: نعوم تشومسکی، أمریکی ینتمی الى مدرسة التقلید الفلسفی اللسانیات. یورغن هابرماس، ألمانی ینتمی الى مدرسة فرانکفورت النقدیة ویعتبر من أهم علماء الاجتماع المعاصرین. نعوم تشومسکی : تحدید عشر إستراتیجیات للتحکم بالشعوب: -إستراتیجیّة الإلهاء: هذه الإستراتیجیّة عنصر أساسی فی التحکّم بالمجتمعات، وهی تتمثل فی تحویل إنتباه الرّأی العام عن المشاکل الهامّة والتغییرات التی تقرّرها النُخب السیاسیة والإقتصادیّة، ویتمّ ذلک عبر وابل متواصل من الإلهاءات والمعلومات التافهة. -ابتکار المشاکل: … حتى یطالب الشعب بقوانین أمنیة على حساب حرّیته. -استراتیجیّة التدرّج: لکی یتم قبول إجراء غیر مقبول، یکفی أن یتمّ تطبیقه بصفة تدریجیّة. -استراتیجیّة المؤجّــَـل: یتم الإلتجاء إلیها من أجل إکساب القرارات المکروهة القبول، وحتّى یتمّ تقدیمها کدواء "مؤلم ولکنّه ضروری". -مخاطبة الشعب کمجموعة أطفال صغار: تستعمل غالبیة الإعلانات الموجّهة لعامّة الشعب، خطاباً وحججاً وشخصیات ونبرة ذات طابع طفولی، وکثیراً ما تقترب من مستوى التخلّف الذهنی. -استثارة العاطفة بدل الفکر: تُستعمل لتعطیل التّحلیل المنطقی. -إبقاء الشّعب فی حالة جهل وحماقة: العمل بطریقة یکون خلالها الشعب غیر قادر على إستیعاب التکنولوجیات والطّرق المستعملة للتحکّم به واستعباده. -تشجیع الشّعب على إستحسان الرّداءة. -تعویض التمرّد بالإحساس بالذنب: جعل الفرد یظنّ أنّه المسؤول الوحید عن تعاسته، وأن سبب مسؤولیّته تلک هو نقص فی ذکائه وقدراته أو مجهوداته. -معرفة الأفراد أکثر ممّا یعرفون أنفسهم: فبفضل علوم الأحیاء، بیولوجیا الأعصاب وعلم النّفس التّطبیقی، توصّل "النّظام" إلى معرفة متقدّمة للکائن البشری، على الصّعیدین الفیزیائی والنّفسی. وهذا یعنی أنّ النظام – فی أغلب الحالات – یملک سلطة على الأفراد أکثر من تلک التی یملکونها على أنفسهم. بتحلیل الاستراتیجیات العشرة نجد إشارة فی کل واحدة منها إلى المرأة بشکل یفوق إستهداف بقیة أفراد المجتمع ، لاسیما تلک المتعلقة بوسائل الإعلام الجدید التی یصح معها تسمیة وسائل التدجین الجدید، ومعرفة هذه الاستراتیجیات لهو الصحوة بعینها للعمل على تفکیکها وإفشال تحقیق الأهداف المرجوة منها.
من المفید الإطلاع على کتب (یورغن هابرماس) وأبحاثه المعاصرة والتی فیها مباحث جد مهمة تتعلق بالتکنولوجیة بإعتبارها الأیدیولوجیة الجدیدة للإستعمار، وهذه التکنولوجیة إندمجت مع وسائل الإتصال لتشکّل أخطر سلاح على الشعوب لاسیما موضوع المرأة بإعتبارها أداة للطعن بکل قیم المجتمعات . یقول یورغن هابرماس فی معرض توصیفه للواقع المعاصر: وجب أن تعلن خرافة العقلانیة الأوربیة إفلاسها، وتقذف بقیمها (الحریة والدیمقراطیة والمساواة...)، إلى سلة القمامة، مکانها الطبیعی، بعد أن حوّلتها الإمبریالیة إلى مملکة للذنوب، فلم تفرز هذه إلا الحروب والقمع الشیوعی والدیکتاتوریات الفاشیة والنازیة والهیمنة الإستعماریة... ولم تفلح قیَمها إلا فی إفراز الویل والثبور للجنس البشری... والنتیجة، ثلاثة انواع من العنف:العنف،(منه العنف ضد المرأة)- العنف المضاد - العنف المتطرف أو الإدمان المرضی للعنف. فالعولمة الرأسمالیة الغربیة والأمریکیة کانت مربحة للغرب وغیر ذات فائدة بالنسبة للعالم العربی أو الإسلامی ککل. فهی إستخدمت شعار حقوق الإنسان فقط من أجل الضغط على الآخرین لتسویق بضائعها بحرّیة فی شتى أنحاء العالم. فمَن لا یقبل بشروطها تتهمه بأنه ضد حقوق الإنسان وتُشهّر به حتى یخاف ویتراجع ویستسلم لمطالبها، یضاف إلى ذلک أنها دمّرت نمط الحیاة التقلیدیة (الاسرة) فی العالم العربی والاسلامی دون أی مقابل تعویضی . ما هو الحل بالنسبة لهابرماس؟ التواصل لدى (هابرماس) غدا الفاعلیة الوحیدة التی بإمکانها إعادة ربط الصلة بین أطراف هذا العالم متقطع الأوصال، العالم الذی فقد کل مرجعیاته ونقاط إرتکازه وتضاءلت فیه قیمة الإنسان. ویشدد (هابرماس) على أن الفعل الدیمقراطی التواصلی لا یستطیع أن یحصل على مشروعیة حقیقیة قائمة على سلطة العقل إلا فی إطار خطاب نقدی خال من الإلزامات والقیود السلطویة. وهذه الصحوة على طریقة (هابرماس) لا شک أنها مفیدة لفهم ما یحصل، وهذا ما یشیر إلیه السید القائد الإمام علی الخامنئی (دام ظله) : اذا کنّا نرید شعباً متقدماً ومثقفاً ومتعلماً ویطوی الطرق المختصرة لعبور کل موارد الإبتلاء، وإدعینا ان هذا الشعب لدیه هذه القابلیة من حیث الطاقة الانسانیة، فلا مناص من أن تتضاعف الدراسات والأبحاث والثقافة العامة والمعلومات الخاصة بالشرائح النخبویة فی جمیع المجالات . والإستشهادات بآراء مناهضی الإمبریالیة ، هی ضرورة لإحداث صحوة من نوع آخر عند الذین یتعنتون فی رفض المباحث الاسلامیة وإتهامها بالبُعْد عن العلم والمنطق . فالصحوة لم تبدأ إرهاصاتها مع الثورات العربیة ، إنما هی ممتدة فی التأریخ الانسانی ، ویعبّر سماحة الإمام القائد عن ذلک بافضل التعابیر: أن الحقائق المتزایدة الحالیة فی دنیا الإسلام ، لیست بالحوادث المنفصلة عن جذورها التأریخیة وأرضیتها الاجتماعیة والفکریة ، ولذلک من العبث أن یعمد الأعداء أو السطحیون إلی اعتبارها موجة عابرة وحادثة سطحیة ، وأن یحاولوا بتحلیلاتهم المنحرفة والمغرضة إطفاء شُعلة الأمل فی قلوب الشعوب. ونختم بحثنا بالقول، إن مواجهة الأخطار والمؤامرات، تبدأ بالمعرفة بها والتخطیط السلیم لمواجهتها.. والمرأة على مرّ التأریخ کانت لها أدوار رائدة فی تحصین ودرء المؤامرات بإعتبارها نموذجاً للانسان الکامل الذی یتحلّى بأسمى القابلیات کما یعبّر الشهید مرتضى مطهری : إن الإنسان الکامل هو الذی تنمو قیَمه الإنسانیة معا بإنسجام وتناسب لا تتخلف واحدة عن الأخرى فی النضج والنمو حتى تبلغ أعلى مستویاتها. المصادر : الخامنئی، علی: الثورة الاسلامیة و الغزو الثقافی ، مرکز الامام الخمینی الثقافی- بیروت 2000. رؤیة الامام الخمینی فی مواجهة الحرب الناعمة ، مرکز قیم للدراسات -2011. سعد، جهاد : حضارة الصدام و الثقافة المقاومة ، دار الهادی - 2005. کوثری، علی اصغر...]وآخ[ ، ترجمة الواسطی، محمد حسین: النهضة العلمیة و الثقافیة فی رؤیة الامام الخمینی ، مرکز الحضارة لتنمیة الفکر الاسلامی- 2011. مرکز نون للتألیف و الترجمة :مواعظ من نهج البلاغة، ، جمعیة المعارف الاسلامیة الثقافیة – بیروت 2012. مطهری، مرتضى : الانسان الکامل ، دار الرسول الاکرم ص - 2002. مکانة المرأة فی فکر الامام الخمینی ، سفارة الجمهوریة الاسلامیة الایرانیة ، د.ت- دمشق. هیلی، باتریک، شیخ عبید، نور الدین (ترجمة): صور المعرفة ، المنظمة العربیة للترجمة – بیروت 2008. | ||
الإحصائيات مشاهدة: 1,311 |
||