أربعینیة الإمام الحسین علیه السلام فی خطاب القائد الخامنئی دام ظله | ||
أربعینیة الإمام الحسین علیه السلام فی خطاب القائد الخامنئی دام ظله (1) الأربعین فی واقعة کربلاء بدایة کان الأربعین فی واقعة کربلاء بدایةً. بعد أن حدثت واقعة کربلاء - تلک الفاجعة الکبرى - وتسطّرت التضحیات الفذة لأبی عبد الله (علیه السلام) وأصحابه وأعوانه وعیاله فی ذلک المکان المحدود، کان على واقعة الأسر والسبی أن تنشر الرسالة، وکان على خطب السیدة زینب الکبرى (سلام الله علیها) والإمام السجاد (علیه الصلاة والسلام) وکشفهما للحقائق أن تعمل کوسیلة إعلامیة قویة لنشر الأفکار والأحداث والأهداف والاتجاهات على نطاق واسع.. وهذا ما حصل بالفعل. من میزات بیئة القمع أن الناس فیها لا تتوفر لدیهم الفرصة والجرأة على التعبیر عن الحقائق التی أدرکوها فی أعمالهم. فأولاً: لا یسمح الجهاز الظالم المستبد للناس بأن یفهموا ویدرکوا، وإذا خرج فهم الناس من یده وفهموا الحقائق والأمور فلن یسمح لهم بالعمل بما فهموه. ففی الکوفة، وفی الشام، وفی وسط الطریق أدرک عدد کبیر من الناس الکثیر من الأشیاء عن لسان زینب الکبرى (سلام الله علیها) أو الإمام السجاد (علیه الصلاة والسلام) أو عبر مشاهدتهم حال الأسرى، ولکن من کان یجرأ ویقدر على إبداء ما فهمه مقابل أجهزة الظلم والاستکبار والاستبداد والقمع؟ بقیت القضیة أشبه بغصّة فی حناجر المؤمنین. وتفجرت هذه الغصّة لأول مرة فی یوم الأربعین.. الفوران الأول حصل فی کربلاء فی یوم الأربعین. کتب المرحوم السید بن طاووس - وغیره من الشخصیات اللامعة - أن قافلة الأسرى، أی السیدة زینب (سلام الله علیها) وباقی الأسرى، حینما جاءت کربلاء فی الأربعین، لم یکن هناک جابر بن عبد الله الأنصاری، وعطیة العوفی فقط بل «رجال من بنی هاشم..» عدد من رجال بنی هاشم وأصحاب الإمام الحسین کانوا مجتمعین حول تربة سید الشهداء وجاءوا لاستقبال زینب الکبرى. وربما کانت هذه السیاسة الولائیة لزینب الکبرى بالتوجه إلى کربلاء - عند العودة من الشام - من أجل قیام هذا الاجتماع الصغیر - لکن الغزیر بالمعنى - فی ذلک الموضع. البعض استبعد وصولهم إلى کربلاء فی یوم الأربعین، وللمرحوم الشهید آیة الله قاضی مدوّنة مفصّلة یثبت فیها أن هذا الشیء ممکن الوقوع. على کل حال ما ورد فی کلمات القدماء والأعلام هو أن زینب الکبرى وجماعة أهل البیت حینما نزلوا کربلاء کان فیها عطیة العوفی، وجابر بن عبد الله ورجال من بنی هاشم. هذا مؤشر ونموذج لتحقق ذلک الهدف الذی کان ینبغی أن یتحقق بالاستشهاد، أی نشر هذا الفکر وبث الجرأة فی نفوس الناس. ومن هنا انبثقت أحداث التوابین. ومع أن نهضة التوابین قمعت، ولکن اندلعت بعد مدة قصیرة ثورة المختار وسائر أبطال الکوفة وکانت نتیجة ذلک انهیار عائلة بنی أمیة الظالمة الخبیثة. طبعاً حلّت من بعدهم السلالة المروانیة، لکن المقاومة استمرت والطریق انفتح. هذه هی خصوصیة الأربعین. أی ثمة کشف للحقائق فی الأربعین، وثمة عمل، ویوجد فی الأربعین کذلک تحقیق لأهداف هذا الکشف عن الحقائق. 1: من کلمة للإمام الخامنئی بتاریخ: 16 / 2 / 2009
(2) الدرس الذی نتعلّمه من الأربعین إن أهمیة الأربعین تعود فی الأصل إلى أنّ النهضة الحسینیة، وبفضل التدبیر الإلهی لآل بیت الرسول (صلى الله علیه وآله)، تخلّدت فی هذا الیوم وإلى الأبد وأصبحت أساساً وقاعدة. فلو لم یهتم ذوو الشهداء وعوائلهم بالحفاظ على ذکریات وآثار الشهادة فی الأحداث المختلفة – من قبیل شهادة الحسین بن علی (علیه السلام) فی عاشوراء – لما استطاعت الأجیال التالیة أن تستفید کثیراً من معطیات الشهادة. صحیح أن الله تعالى جعل الشهداء أحیاءاً حتى فی هذه الدنیا وأن الشهید خالد بطبیعته فی التاریخ وذاکرة البشریة، إلا أن الأدوات الطبیعیة التی قیّضها الله تعالى لهذا العمل – ککلّ الأعمال – کامنة فی اختیارنا وإرادتنا نحن. إننا نحن الذین نستطیع بفضل عزمنا الأکید وقرارنا المناسب أن نحیی ذکرى الشهداء وفلسفة الشهادة وأن نُبقیَ علیها حیة دائماً. فلو لم تجدّ زینب الکبرى (سلام الله علیها) والإمام السجاد (صلوات الله علیه) فی الجهاد وتبیین وإیضاح حقیقة فلسفة عاشوراء وهدف الحسین بن علی وظلم الأعداء، وذلک على طوال أیام الأسر – سواء فی عصر یوم عاشوراء فی کربلاء أو فی الأیام التالیة فی الطریق إلى الشام والکوفة وفی الشام نفسها وبعد ذلک عند زیارة کربلاء والعودة إلى المدینة ثم على مدى الأعوام التی عاشها هؤلاء العظماء – لما بقیت حادثة عاشوراء نابضة وحیة وملتهبة حتى الیوم. لماذا قال الإمام الصادق (علیه الصلاة والسلام) – طبقا لبعض الروایات -: «من قال فی الحسین شعراً فبکى وأبکى غفر الله له ووجبت له الجنة»، لأن جمیع الأجهزة الإعلامیة قد أعدّت من أجل جعل قضیة عاشوراء وقضیة آل البیت بصفة عامة منعزلة عن الواقع ومنطویة تحت أستار الظلام حتى لا یفهم الناس ما حدث وما هی القضیة. وهکذا هو الإعلام. فما أشبه الیوم بالبارحة حیث تستغل القوى الظالمة والجائرة وسائل الإعلام الکاذبة والمغرضة والشیطانیة على أوسع نطاق. فهل کان من الممکن أن تخلّد قضیة عاشوراء مع ذلک الوضع – الحادثة التی وقعت بهذا القدر من العظمة فی صحراء فی رکن من أرکان العالم الإسلامی – على ما هی علیه من التدفّق والحیویة وفی جوّ کهذا؟ إنها کانت ستُمحى بالتأکید لولا هذه الجهود. إن الذی أحیى هذه الذکرى هو ما بذله آل بیت الحسین بن علی (علیهما السلام) من جهود. فبقدر ما تحمّله جهاد الإمام الحسین بن علی (علیهما السلام) وأصحابه بصفتهم حَمَلَة للواء، کان جهاد زینب (علیها السلام) وجهاد الإمام السجاد (علیه السلام) وباقی هؤلاء العظماء شاقاً کذلک. وبالطبع فإن ساحتهم لم تکن عسکریة، بل کانت إعلامیة وثقافیة. وهذا ما ینبغی أن نهتم به. إنّ الدرس الذی نتعلمه من الأربعین هو وجوب الحفاظ على ذکرى الحقیقة وخاطرة الشهادة الحیة فی مقابل طوفان إعلام العدوّ... هکذا کان إعلام یزید وجهازه الظالم الجبار الذی کان یسعى إلى إدانة الحسین بن علی (علیه السلام) وإظهاره بمظهر الحب للدنیا الذی ثار ضدّ جهاز العدل والحکومة الإسلامیة! ولقد کان البعض أیضاً یصدّق هذه الدعایات الکاذبة. وحتى بعد أن استشهد الحسین بن علی (علیه السلام) بذلک الوضع المدهش وتلک الصورة المفجعة على أیدی اللئام فی صحراء کربلاء، فإنهم حاولوا التعبیر عن ذلک بأنه غلبة لهم وفتح! ولکن الإعلام الصحیح لجهاز الإمامة فنّد کل هذه المزاعم. وهکذا هو الحق. من کلمة للإمام الخامنئی بتاریخ 8 / 9 / 1989 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) دور زینب الکبرى فی حرکة الإمام الحسین (ع( هذه الأیام أیام العشرة الأخیرة من صفر، أیام ما بعد الأربعین. إذا نظرنا إلی تاریخ صدر الإسلام فسنجد أن هذه الأیام هی أیام السیدة زینب الکبری (سلام الله علیها). والمهمة التی نهضت بها زینب الکبری (سلام الله علیها) کانت مهمة من هذا السنخ، أی مهمة محضة لوجه الله تعالی. ظهر الکیان المعنوی والإلهی للدین فی الشخصیة الحاسمة للسیدة زینب الکبری (سلام الله علیها) وسط الأخطار والمحن والصعاب. من المناسب أن نعلم ونفهم سطور التاریخ القدیم القیم جداً والذی لا یزال یفیض إلی الیوم بالبرکات والخیرات الفکریة والمعرفیة وسیبقی کذلک إلی آخر الدنیا إن شاء الله. تألقت السیدة زینب (سلام الله علیها) کولیّ إلهیّ فی المسیر إلی کربلاء مع الإمام الحسین، وفی حادثة یوم عاشوراء وتحملها تلک الصعاب والمحن، وأیضاً فی أحداث ما بعد استشهاد الإمام الحسین بن علی (علیه السلام) حیث قامت برعایة تلک الجماعة المتبقیة من الأطفال والنساء.. تألقت بشکل لا یمکن أن نجد له نظیراً علی مرّ التاریخ. ثم فی الأحداث المتتابعة خلال فترة الأسر، فی الکوفة والشام وإلی هذه الأیام وهی أیام نهایة هذه الأحداث وابتداء مرحلة جدیدة للحرکة الإسلامیة وتقدم الفکر الإسلامی والمجتمع الإسلامی. وبسبب هذا الجهاد الکبیر اکتسبت زینب الکبری (سلام الله علیها) عند الله تعالی مقاماً لا یمکننا وصفه. لاحظوا أن الله تعالی یضرب فی القرآن الکریم مثلاً لامرأتین کنموذج إیمانی متکامل، ویضرب مثلاً لامرأتین کنموذج للکفر أیضاً. ﴿ضرب الله مثلاً للذین کفروا امرأة نوح وامرأة لوط کانتا تحت عبدین من عبادنا﴾، هذان هما المثالان علی الکفر وهما امرأتان کافرتان. أی إنه لا یسوق المثال للکفر من الرجال بل یأتی به من النساء. وهذا ما نجده فی باب الکفر وفی باب الإیمان أیضاً. ﴿وضرب الله مثلاً للذین آمنوا امرأة فرعون﴾. أحد المثالین علی النموذج الإیمانی المتکامل هو امرأة فرعون والمثال الآخر السیدة مریم الکبری ﴿ومریم ابنة عمران﴾. مقارنة عابرة بین زینب الکبری وبین زوجة فرعون یمکن أن تجلی لنا عظمة مقام السیدة زینب الکبری. عُرّفت زوجة فرعون فی القرآن الکریم بوصفها نموذج الإیمان للرجال والنساء علی مرّ الزمان وإلی آخر الدنیا. ثم لکم أن تقارنوا زوجة فرعون التی آمنت بموسی وانشدّت إلی تلک الهدایة التی جاء بها موسی وحینما کانت تحت ضغوط التعذیب الفرعونی والذی توفیت بسببه حسب ما تنقل التواریخ والروایات، ساقها التعذیب الجسدی إلى أن تصرخ قائلة: ﴿إذ قالت ربّ ابنِ لی عندک بیتاً فی الجنة ونجّنی من فرعون وعمله﴾، طلبت من الله تعالی أن یبنی لها بیتاً عنده فی الجنة.. والواقع أنها طلبت الموت وأرادت أن تفارق الحیاة. ﴿ونجنی من فرعون وعمله..﴾، انقذنی من فرعون وأعماله المضلة. والحال أن السیدة آسیا زوجة فرعون کانت مشکلتها وعذابها ألماً جسدیاً ولم تکن کالسیدة زینب فقدت مجموعة من الإخوان والأبناء وعدداً کبیراً من الأقارب وأبناء الإخوان ساروا أمام عینیها إلی مقاتلهم. هذه الآلام الروحیة التی تحملتها زینب الکبری لم تتعرض لها السیدة آسیا زوجة فرعون. رأت السیدة زینب بعینیها یوم عاشوراء کل أحبتها یسیرون إلی المذبح ویستشهدون: الحسین بن علی (علیه السلام) سید الشهداء والعباس وعلی الأکبر والقاسم وأبناءها هی نفسها وباقی إخوانها رأتهم کلهم. وبعد استشهادهم شهدت کل تلک المحن: هجوم الأعداء وهتک الحرمات ومسؤولیة رعایة الأطفال والنساء. فهل یمکن مقارنة عظمة وشدة هذه المصائب بالمصائب الجسدیة؟ ولکن مقابل کل هذه المصائب لم تقل السیدة زینب لله تعالی: «ربّ نجّنی»، بل قالت یوم عاشوراء: ربنا تقبل منا. رأت الجسد المبضّع لأخیها أمامها فتوجهت بقلبها إلی خالق العالم وقالت: اللهم تقبل منا هذا القربان. وحینما تُسأل کیف رأیتِ؟ تقول: «ما رأیت إلا جمیلاً».. کل هذه المصائب جمیلة فی عین زینب الکبری لأنها من الله وفی سبیل الله وفی سبیل إعلاء کلمته. لاحظوا هذا المقام الرفیع وهذا العشق للحق والحقیقة کم هو الفارق بینه وبین ذلک المقام الذی یذکره القرآن الکریم للسیدة آسیا. هذا دلیل علی عظمة مقام السیدة زینب. هکذا هو العمل فی سبیل الله. لذلک بقی اسم زینب وعملها إلی الیوم نموذجاً خالداً فی العالم. بقاء دین الإسلام وبقاء سبیل الله وبقاء السیر فی هذا السبیل من قبل عباد الله یعتمد کله علی العمل الذی قام به الحسین بن علی (علیه السلام) وما قامت به السیدة زینب الکبری. أی إن ذلک الصبر العظیم وذلک الصمود وتحمل کل تلک المصائب والمشکلات أدی إلی أنکم ترون الیوم القیم الدینیة هی القیم السائدة فی العالم. کافة هذه القیم الإنسانیة التی نجدها فی المدارس المختلفة والمتطابقة مع الضمیر البشری هی قیم نابعة من الدین. هذه هی خصوصیة العمل لله. کلمة الإمام الخامنئی بتاریخ 8 / 2 / 2010 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (4) تثبیت سنة الزیارة وإحیاء ذکرى کربلاء فی الأربعین من کلام السیّد القائد الخامنئی دام حفظه حول تثبیت سنة الزیارة وإحیاء ذکرى کربلاء فی الأربعین: من أین تأتی أهمیة الأربعین؟ ما هی خصوصیة مرور أربعین یوما؟ إن خصوصیة الأربعین هو إحیاء ذکرى شهادة الحسین علیه السلام وهذا الأمر بالغ الأهمیة. افرضوا أنه حصلت هذه الشهادة العظیمة فی التاریخ، أی استشهاد الحسین بن علی وبقیة شهداء کربلاء؛ لکن بنی أمیة - مثلما أنهم فی ذلک الیوم قتلوا الحسین بن علی وأصحابه وأزالوهم واخفوا أجسادهم المطهرة تحت التراب- استطاعوا أیضا محو ذکراهم من أذهان جیل الناس فی ذلک الیوم وفی الأیام اللاحقة، فما هی فائدة هذه الشهادة بالنسبة للعالم الإسلامی؟! أو إذا ما ترکت أثرا فی ذلک الیوم، فهل سیکون لهذه الذکرى بالنسبة للأجیال الآتیة أثر مبیِّناً وفاضحاً للظلمات والظلم والآلام والمرارات وفاضحا للیزیدیین فی حقب التاریخ التی ستلی؟ إذا ما استشهد الإمام الحسین علیه السلام، ولم یفهم أهل ذلک الیوم والناس والأجیال الآتیة انه استشهد، فما هو الأثر والدور الذی یمکن أن تترکه هذه الخاطرة فی رشد وبناء وتوجیه وحث الشعوب وتحریک المجتمعات والتاریخ؟ تعرفون انه لن یکون لها اثر. نعم، یصل الإمام الحسین علیه السلام بشهادته إلى أعلى علیین؛ شهداء لا یعرفهم احد وقد مضوا فی الغربة وطواهم الصمت والسکوت، هم سیصلون إلى أجرهم فی الآخرة ، وستنال أرواحهم الفتح والرحمة فی المحضر الإلهی، لکن کم ستکون درسا وأسوة؟؟ فإلى أی حد یصبح الشهداء أسوة؟ تصبح سیرة ذلک الشهید درسا عندما تعرف وتسمع الأجیال المعاصرة والآتیة بمظلومیته وشهادته. یصبح ذلک الشهید أسوة ودرساً عندما یفور دمه ویصبح سیالاً فی التاریخ. یمکن لمظلومیة أمة أن تبلسم جرح جسد مظلوم وترفع السیاط عن امة وتداوی جراحها، وعندما یتسنى لهذه المظلومیة أن تنادی وتصدح، وان تصل هذه المظلومیة إلى مسامع الناس الآخرین؛ ولهذا السبب فإن مستکبری العصر الحاضر یصدحون ویرفعون أصواتهم تترى حتى لا یرتفع صوتنا؛ ومن أجل ذلک هم حاضرون لصرف الأموال الطائلة حتى لا تفهم شعوب العالم لماذا کانت الحرب المفروضة على الجمهوریة الإسلامیة، وما هی الدوافع والأسباب والأیدی المحرّکة لها. فی ذلک الیوم کانت الأجهزة الاستکباریة على استعداد لبذل کل ما لدیها حتى لا یبقى ولا یعرف اسم الحسین ودم الحسین وشهادة عاشوراء کدرس لناس ذلک الزمان وللشعوب التی ستأتی فیما بعد. بالتأکید هم فی بدایة الأمر ما فهموا قیمة هذه المسالة وکم هی عظیمة، لکن مع مرور الوقت عرفوا ذلک. حتى أنهم فی أواسط العهد العباسی دمّروا قبر الحسین بن علی علیه السلام واجروا الماء علیه وأرادوا أن لا یبقى اثر له. وهذا هو دور ذکرى الشهداء والشهادة. فالشهادة من دون خاطرة وذکرى ومن دون غلیان دماء الشهید لا تبث أثرها، والأربعین هو ذلک الیوم الذی بدا فیه رفع علم رسالة شهادة کربلاء عالیا ویوم ورثة الشهداء. وهنا، سواء قدِمت عائلة الإمام الحسین(علیه السلام) إلى کربلاء فی الأربعین الأول أم لم تأتِ. أما الأربعون الأول فهو الیوم الذی جاء فیه الزوار العارفون بالإمام الحسین علیه السلام إلى کربلاء للمرة الأولى. فقد جاء إلى هناک جابر بن عبد الله الأنصاری، عطیة، وهما من صحابة النبی صلّى الله علیه وآله وحواریی أمیر المؤمنین علیهم السلام. وکما جاء فی الأخبار والروایات أن جابرا کان کفیفا واخذ عطیة بیده ووضعها على قبر الحسین. لمس القبر وبکى وتکلم مع الحسین علیه السلام. فبمجیئه وکلامه قد أحیا ذکرى الحسین بن علی علیه السلام، وثّبت سنة الزیارة قبر الشهداء. إن یوم الأربعین على هذا القدر من الأهمیة. فیوم الأربعین هو: - حرکة امتداد عاشوراء. - بدایة تفجّر ینابیع المحبة الحسینیة. - بدایة الاجتذاب الحسینی للقلوب. - ویوم الصمود فی مواجهة الاستکبار. (5) الأبعاد العظیمة فی حرکة الإمام الحسین کما ورد فی زیارة الأربعین وردت فی زیارة الأربعین التی تأتی فقراتها الأولى على صورة دعاء یناجی به المتکلم المولى سبحانه وتعالى فیقول: «وبذل مهجته فیک» أی الحسین بن علی (ع) «لیستنقذ عبادک من الجهالة وحیرة الضلالة». فهذا هو أحد جوانب القضیة وهو المتعلق بصاحب النهضة أی الحسین بن علی (ع)، وأما الجانب الآخر فیرد فی الفقرة التالیة التی تقول: «وقد توازر علیه من غرّته الدنیا وباع حظه بالأرذل الأدنى» فی وصفٍ للواقفین على الجبهة المضادّة، وهم الذین غرّتهم الدنیا بالمطامع الدنیویة والزخارف والشهوات والأهواء النفسیة فباعوا حظّهم من السعادة الدنیویة والأخرویة بالأرذل الأدنى؛ وهذه هی خلاصة النهضة الحسینیة. وبالتدقیق فی هذا الکلام، یدرک المرء أن بإمکانه النظر إلى النهضة الحسینیة بمنظارین فی الواقع، وکلاهما صحیح، سوى أنّ مجموعهما یکشف عن الأبعاد العظیمة لهذه النهضة؛ فالنظرة الأولى تکشف عن الحرکة الظاهریة للحسین بن علی، والتی قام بها فی مواجهة حکومة فاسدة ومنحرفة وظالمة وقمعیة وهی حکومة یزید، وأما باطن القضیة وعمقها فتکشف عنه النظرة الثانیة، وهی الحرکة الأعظم والأعمق؛ لأنها ضد جهل الإنسان وضلالته. فمع أن الإمام الحسین قام بمقارعة یزید فی الواقع، إلا أن هذه المقارعة الواسعة التاریخیة لم تکن ضد یزید الفرد الفانی الذی لا یساوی شیئاً، بل کانت ضدّ جهل الإنسان وانحطاطه وضلالته وذلّه، وهو ما یکافحه الإمام الحسین فی الحقیقة. کلمة الإمام الخامنئی بتاریخ: 14 / 4 / 2000م ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (6) أهداف النهضة الحسینیة کما ورد فی فقرات زیارة الأربعین أهداف النهضة الحسینیة لقد وردت عبارة فی زیارة أربعین الإمام الحسین (علیه السلام) تنطوی على مغزى عمیق, وهی جدیرة بالتأمّل والتدبّر کسواها من العبارات الکثیرة الواردة فی مثل هذه الزیارات والأدعیة، وإننی أودّ الیوم وبمناسبة ذکرى تاسوعاء وعزاء سید الشهداء التحدّث قلیلاً بشأن هذه العبارة فی الخطبة الأولى، حیث إنها ناظرة إلى أهداف النهضة الحسینیة. وهذه العبارة هی «وبذل مهجته فیک». وقد وردت فی زیارة الأربعین التی تأتی فقراتها الأولى على صورة دعاء یناجی به المتکلّم المولى سبحانه وتعالى فیقول «وبذل مهجته فیک» أی الحسین بن علی (علیهما السلام) «لیستنقذ عبادک من الجهالة وحیرة الضلالة». فهذا هو أحد جوانب القضیة وهو المتعلق بصاحب النهضة أی الحسین بن علی ×, وأما الجانب الآخر فیرد فی الفقرة التالیة التی تقول «وقد توازر علیه من غرّته الدنیا وباع حظه بالأرذل الأدنى» فی وصف للواقفین على الجبهة المضادّة، وهم الذین غرّتهم الدنیا بالمطامع المادیة والزخارف والشهوات والأهواء النفسیة فباعوا حظّهم من السعادة الدنیویة والأخرویة بالأرذل الأدنى؛ وهذه هی خلاصة النهضة الحسینیة. وبالتدقیق فی هذا الکلام، یدرک المرء أن بإمکانه النظر إلى النهضة الحسینیة بمنظارین فی الواقع، وکلاهما صحیح، سوى أن مجموعهما یکشف عن الأبعاد العظیمة لهذه النهضة؛ فالنظرة الأولى تکشف عن الحرکة الظاهریة للحسین بن علی، والتی قام بها فی مواجهة حکومة فاسدة ومنحرفة وظالمة وقمعیة وهی حکومة یزید, وأما باطن القضیة وعمقها فتکشف عنه النظرة الثانیة، وهی الحرکة الأعظم والأعمق؛ لأنها ضد جهل الإنسان وضلالته. فمع أن الإمام الحسین قام بمقارعة یزید فی الواقع، إلاّ أن هذه المقارعة الواسعة التاریخیة لم تکن ضد یزید الفرد الفانی الذی لا یساوی شیئاً، بل کانت ضد جهل الإنسان وانحطاطه وضلالته وذلّه، وهو ما یکافحه الإمام الحسین فی الحقیقة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (7) الدرس الذی نتعلمه من الأربعین
إن الدرس الذی یعلّمنا إیاه یوم الأربعین هو وجوب إحیاء ذکر وحقیقة الشهادة فی مواجهة السیل الإعلامی للأعداء. وإن أهمیّة الأربعین تکمن بالأساس فی أن ذکر النهضة قد خُلّد إلى الأبد وتجذّر فی هذا الیوم بتدبیر إلهی وحکمة الرسول صلى الله علیه وآله وسلم. فلو أن زینب الکبرى علیها السلام والإمام السّجّاد علیه السلام لم یُبادرا على امتداد أیام السبی سواء فی عصر عاشوراء فی کربلاء أو الأیام التی أمضیاها فی الطریق إلى الکوفة والشام أو فی الشام نفسها وما تلا ذلک فی مرورهما بکربلاء ومن ثمّ التوجه إلى المدینة وبالتالی السنوات المتمادیة التی بقیا فیها على قید الحیاة إلى الجهاد وبیان الحقائق والکشف عنها ولم یقوما ببیان حقیقة فلسفة عاشوراء وهدف الحسین بن علی علیه السلام فی ثورته وجور الأعداء، لم تبق واقعة عاشوراء حیّة متفاعلة متوهجة حتى یومنا هذا. کان جهاد زینب علیها السلام وجهاد السجاد علیه السلام وسائر الطاهرین صعباً ومریراً، وبالطبع لم یکن میدانهم عسکریاً بل إعلامیاً وثقافیاً، وعلینا الانتباه إلى هذا الأمر. | ||
الإحصائيات مشاهدة: 1,962 |
||