زینب (ع) .. المرأة التی غیّرت مجرى التأریخ | ||
زینب (ع) .. المرأة التی غیّرت مجرى التأریخ تعیش الأمة الإسلامیة هذه الأیام، ذکرى أربعینیة الحسین (ع)، حیث یتقاطر المسلمون بشتى طوائفهم ومن کل أرجاء المعمورة، على کربلاء المقدّسة، لإحیاء هذه المناسبة الألیمة، وما لاقاه أهل بیت النبوة، من مآسٍ وویلات، عقب إستشهاد الإمام الحسین (علیه السلام) وصحبه الأبرار فی کربلاء، والمجریات التی وقعت فی الرحلة إلى بلاد الشام، والسبایا تحت سیاط قساة القلوب من أزلام بنی أمیة الذین لم یتورّعوا عن إستعمال أبشع الوسائل لإرهاب النساء والأطفال، خاصة العقیلة زینب وبنات سید الشهداء. والحقیقة لم یکن موقف الحوراء زینب (علیها السلام) فی نصرة الإمام الحسین (علیه السلام)، منطلِق من کونها أخت الامام الحسین، فتحرّکت لتأکید هذه العلاقة الأسریة، وإنما إنطلقت إحساساً منها لمسؤولیتها تجاه الحسین (ع)، الإمام والقائد لتکون أنموذجاً للآخرین فیما ینبغی أن یتعاملوا مع الامام الثائر، فهی (علیها السلام) ومن موقع المشارکة المیدانیة الرائعة وموقفها الرسالی الفذ، أثارت المشاعر وهزّت الضمائر وأظهرت بشاعة الصورة الإجرامیة التی إرتکبها بنو أمّیة بحق الحسین (علیه السلام) وأهله وأطفاله وأصحابه. إذ کانت السیدة زینب، هی التی جعلت من مصرع الحسین (ع)، مأساة خالدة لا تخبو أبداً سعیاً لترسیخ الإسلام الذی شوّه سمعته الطلقاء وأبناؤهم، وصیّرت من یوم مقتله، مأتماً سنویاً للأحزان والآلام التی لا تعرف الخفوت. وکانت زینب هی التی صیّرت من لیلة العاشر من المحرم مأتماً سنویاً للأحزان والآلام یحجّ فیه أحفاد التوابین إلى المشهد المقدس فی کربلاء، حیث یعیدون تمثیل المأساة، ویفرضون على انفسهم اقسى انواع العذاب الجسدی، تکفیراً عن خطیئة آبائهم واجدادهم الذین قتلوا الحسین وآله وصحبه، وبقی شعار التوابین الى ان انقرضوا)) على حد تعبیر الکاتبة. وما نحسب أنّ التاریخ قد عرف حزناً کهذا طال مداه حتى إستمر بضعة عشر قرناً، دون أن یفتر، فمراثی شهداء کربلاء هی التراتیل التی یترنم بها الشیعة فی حزنهم یوم عاشوراء فی کل عام، ویتحدّون الزمن أن یغیّبها فی متاهة النسیان. وکذلک کانت زنیب عقیلة بنی هاشم فی تأریخ الاسلام وتأریخ الإنسانیة، بطلة إستطاعت ان تثأر لأخیها الشهید، وأن تسلّط معول الهدم على دولة بنی أمیة، وان تغیّر مجرى التأریخ. والموقف الزینبی هذا بما ینطوی علیه من وعی رسالی وبطولة منقطعة النظیر، یجعل المرأة المسلمة أمام المسؤولیة الکبیرة فی رفع لواء الإسلام علماً وعملاً وجهاداً فی سبیل الله. ولم تکن ظاهرة الصحوة الإسلامیة التی عمّت أوساط النساء فی عالمنا الإسلامی الّا مصداقاً لهذه الحالة ((الزینبیة))، وهی واحدة من ثمار المشاعر الحسینیة التی بدأت تنفتح على الأمّة فی أفقها الإسلامی الرحب دون أن تتحدد فی إطار طائفی أو قومی أو إقلیمی. وفی الختام اننا لا نجد ما یبّرر حالة من العزوف أو الغیاب فی الاوساط الحسینیة المفعمة بالمشاعر الصادقة والمعبِّرة عن عمق الحسین (علیه السلام) من قبل البعض، فإن التواجد فی أجواء البکاء وإحیاء الشعائر امرٌ طبیعی مکمّلٌ لشخصیة المؤمن، ذلک لأن الله تعالى الذی أوجد فی الإنسان الدمع تکوینیاً لابد أن یکون قد أوجد له مبرّراً موضوعیاً، والشخصیة مثلما لها بالتکوین جانباً من الفرح والسرور، یبرز فی موضوع ما من مواضیع الحیاة، کذلک هناک جانب الحزن والأسى والألم یتطلب أن یظهر فی المواضع التی تقتقضیه، وإلّا فإن الإنسان یفقد إنسانیته، ویفقد إحساسه ومشاعره إذا لم یتفاعل بلغة المشاعر مع ما یتطلّبه المقام. ولیس من الصحیح على الإطلاق، أن تُعتبر حالةٌ البکاء على انها مصداق للإنکسار والضعف، وإنما هی عملیة صائبة، وتعبیر عن نفس متکاملة تعی المظلومیة، وتتحسّس لعمیق المأساة، فتنساب معها بأنقى المشاعر، وتُجدّد فی النفس عزمها على مواجهة قوى الشر والإنتصار للخیر، وهذا هو بعض ما یعطیه مسرح کربلاء فی ملحمة الفداء الحسینی. وعند وصول السبایا إلى المدینة عام 61 هـ، ضجّت المدینة بسکّانها وهی تستقبل بقایا الرکب الحسینی الذی ودّعته منذ قلیل، وبرزت النساء ـ کل النساء ـ صارخات باکیات، وخرجت عقیلات بنی هاشم من خدورهنّ حاسرات الوجوه یندبن فی لوعة: واحسیناه، . ولم تبقَ فی المدینة دار إلا وبها مأتم، ولبثت مناحة الشهداء هناک قائمة أیاماً ولیالی، حتى جفّت المآقی من طول ما سکبت من دمع، وحتى ضحلت الأفواه من کثرة ما أجهدها النواح. وفی المدینة أقامت الرباب بنت امرئ القیس، زوجة الحسین (علیه السلام) المأتم علیه، وبکت النساء معها حتى جفّت دموعها، ، وقالت أنها ترید أن تقوى على البکاء، وهکذا بقیت الرباب سنة بعد الحسین لم یظلها سقف بیت حتى بلیت وماتت. بعد هذه الحقائق المؤلمة، ألا ینبغی على الأمّة ، نساءً ورجالاً، أن تذرف الدمع وتقیم المآتم سنویاً، إحیاء لواقعة لم ولن یشهد التأریخ مثیلاً لها أبداً.
| ||
الإحصائيات مشاهدة: 1,315 |
||