المرأة المسلمة بین الواقع الراهن والتطلعات المنشودة | ||
المرأة المسلمة بین الواقع الراهن والتطلعات المنشودة
لاشک ان المرأة تعتبر من اکثر الطاقات المهمّشة فی العملیة التنمویة فی اکثرالمجتمعات العربیة والشرقیة. فهی تتعرض للاستلاب الفکری والثقافی وحتى الاجتماعی، کما هی اسیرة التقالید والأعراف المتخلفة السائدة فی العدید من البلدان ذات الاعراف البدویة والعشائریة او البلدان المستوردة للمفاهیم الاستهلاکیة التی جعلت منها سلعة ومتاعاً فی سوق الأفلام الاباحیة وصالونات التجمیل والدعایات التجاریة، بل واحیاناً فی سوق النخاسة . والمرأة العربیة کذلک تعانی من تخلف فی التعامل معها کعنصر فاعل وناشط فی المجتمع ، وتکابد القهر والظلم المرکب ، وتتعرض للاضطهاد الاجتماعی والانسانی والطبقی . وبالرغم من ان المرأة خطت خطوات متسارعة فی طریق تحررها السیاسی والاجتماعی والاقتصادی ، وتصدت للتقالید والقوانین الاجتماعیة النظم الجائرة، وخرجت من خلف الجدران المغلقة والاسلاک الشائکة والاسوار والاغلال الحدیدیة ، التی کبلت حرکتها لآماد طویلة، لتتعلم وتنتج وتعمل وتساعد فی حمل اعباء البیئة والاسرة والاطفال ،وتقود السیارة، وتشارک فی المنتدیات الثقافیة، لکن مع کل هذه المکاسب، فأن النظرة الذکوریة والموقف السلبی تجاه المرأة، فی کثیر من بلدان المنطقة، لم یتغیرفی العدید من المجتمعات. وهذا ان دل على شیء فانما یدل على انفصام الشخصیة والازدواجیة لدى هؤلاء، وبعض المثقفین منهم على وجه التحدید، فی اهانتهم وتعاملهم مع المرأة. فمن جهة یؤمنون بحقوقها وحریتها ومساواتها، ولکن فی الممارسة والتطبیق على ارض الواقع، یتعاملون معها کتابع لا یحق لها المساهمة فی اتخاذ القرارات وابداء الآراء البناءة. ولا جدال فی ان المجتمعات الشرقیة المسلمة شهدت تحولات وتغیرات فی المفاهیم والسلوک الاجتماعی، لکنها للاسف ماتزال تتشبث بالافکار والآراء والمعتقدات والمواقف التقلیدیة المحافظة التی تشکک بقدرات المرأة وطاقاتها الابداعیة المضاهیة لطاقات شقیقها الرجل، وهی مفاهیم وقناعات متغلغلة فی أوساط المجتمع فکم من فتاة حرمت من إکمال الدراسة الجامعیة لسبب وسبب ؟ وکم من فتاة منعت من مزاولة الاعمال الحرة لانها تتعارض والاعمال المنزلیة؟ والواقع أن المرأة ذاتها تتحمل قسطاًً من المسؤولیة فی استمرار النظرة الدونیة ازاءها، اذ انها مقتنعة الى حد ما بالواقع المنسجم مع تفکیرها المحدود، وعدم ایمانها بدورها الاجتماعی والسیاسی وحقوقها التی کفلها الدین الاسلامی الحنیف، وتعاملها مع نفسها دیکوراً ولباساً وشکلا خارجیاً تتباهی به فی المناسبات الاجتماعیة، وان همها فی الحیاة الارتباط بشریک حیاة وانجاب الأطفال ، ولا تسعى الى اثبات دورها ومکانتها ونیل حریتها وتحقیق ذاتها وتحصیل حقوقها الاجتماعیة المرموقة. وبینما التیارات المتخلفة والمتزمتة تسعى لتکریس الثقافة الذکوریة والنظرة الدونیة تجاه المرأة ، والتمسک بالرواسب الاجتماعیة والثقافیة الجامدة، التی تضع المرأة على الهامش، وتشیع الافکار التقلیدیة الموغلة فی التخلف، الا ان الاسلام فی جذوره وحقیقته، وضع الأسس والرکائز المتینة لتحریر المرأة وصیانة شخصیتها وعفتها، فأنصفها وکرّمها وسما بها وأعلى من قدرها ومنحها حقوقها کاملة، واسترد کرامتها، وأمر بمعاملتها احسن معاملة، وهذا الامر یتضح لنا فی نصوص کثیرة من القرآن الکریم. ولکن للأسف فان هناک فرقاً شاسعاً بین النظریة والتطبیق ، فما ورد فی النصوص القرآنیة الصریحة، لا یطبق فی المجتمعات العربیة والاسلامیة، التی ابتعدت عن مبادئ واسس الدین القویم، وانما تتحکم فی کثیر من الاحیان، العادات والتقالید المتوارثة التی ما انزل الله بها من سلطان. وقد اهتم الاسلام ای اهتمام بالمرأة منذ طفولتها، ومنحها حق الحیاة الکریمة عندما قضى على اعتى جریمة اُرتکبت بحقها فی العصر الجاهلی ، وهی "الوأد". کما ان الاسلام الحنیف منح المرأة کل الحق فی العلم والعمل والخروج من المنزل والسفر وتقلّد الوظائف الاداریة المرموقة واستقبال الضیوف واختیار شریک الحیاة بکل حریة، وطلب الطلاق فی مواقع معینة، وضَمَن حقها فی المهر والنفقة ، وسنَّ القوانین ووضع القیود التی تمنع استغلال جسدها واستلاب عقلها، وترک لها کل الحریة والاختیار للخوض فی مجالات الحیاة المختلفة التی تنسجم مع ظروفها النفسیة والجسدیة، ولکن المجتمعات المتخلفة تصرّ على سلبها کل هذه الحقوق المشروعة، ولم تکتفی بذلک بل تمعن فی اضطهادها تهمیش دورها. کذلک فأن الدین الاسلامی کرّم المرأة بأن جعل لها حقاَ مشروعاً فی المیراث ، وهو حق مصون منذ ان تشکلت جنیناً فی بطن امها ، ویبقى هذا الحق لها محفوظاً مهما کانت ظروفها المعیشیة والمادیة . لکن هذا الحق وللاسف مفقود لدى اکثر القبائل والأسر والعوائل العربیة ذات العادات العشائریة المتخلفة، حیث تُحرم المرأة المسکینة من هذا المیراث او الترکة المشروعة، وغالباً ما یترتب على هذا الحرمان من حصتها ونصیبها، التهدید والوعید والضغوط الشدیدة للتنازل عن هذا الحق الدینی والشرعی والاخلاقی والانسانی، خلاف الشکاوى فی المحاکم وانقطاع العلاقات بین الاخوة والاخوات فی کثیر الاحیان . ولاریب، ان المرأة انسان وحقوقها مکفولة، وتحریرها متعلق بدرجة تحرر ووعی الرجل بالاساس، وای اعتداء على حریتها وکرامتها او اضطهادها هو مس بإنسانیة الانسان ، فالمبدأ لا یتجزأ على المستوى الانسانی، ولذلک فان التعامل مع المرأة کجسد فحسب، فیه احتقار او امتهان لها ویسلبها کینونتها وشخصیتها وانسانیتها . ومخلص القول ، ان مجتمعاتنا المسلمة بحاجة الى ترسیخ النظرة الانسانیة العصریة والحضاریة للمرأة وتطویرها، ومن الضروری ان تتخلص الاوساط الفکریة المثقفة، والسیاسیة الواعیة، من صمتها وترددها، فتتحرک وتنشط وتثابر فی سبیل التغییر واسناد المرأة ودعمها والوقوف الى جوارها من اجل تحریرها واعلاء مکانتها السامیة، ودحض کل الافکار الظلامیة المتخلفة، التی ترى فیها انساناً ثانویا یعیش على هامش الحیاة، ومجرد اداة للمتعة وخدمة الزوج وتربیة الاطفال فقط، هذه الافکار الشاذة تقف حجر عثرة امام توعیتها ونهوضها الحضاری والاجتماعی والسیاسی، فالمقیاس الاساسی لتقدم ونهضة المجتمع یرتبط بالموقف من المرأة وکرامتها وحریتها ، ولا تحرر لها الا فی ظل الحرکة الاجتماعیة والسیاسیة النهضویة ، ومسألة توعیتها وتحررها جزء لا یتجزأ من قضیة التحولات الجاریة فی المنطقة .
الطاهرة | ||
الإحصائيات مشاهدة: 1,338 |
||