الولید والبیئة الجدیدة | ||
عندما یولد الطفل یواجه عالماً غریباً علیه، فهو خلال تسعة أشهر قضاها فی بطن أمه لم یتعرض للأضواء أو تقلبات الطقس وعلیه أن یواجه ظروفا لم یألفها، وأحداث لم یعرفها، وعلى جسمه الصغیر أن یتکیف مع هذه الظروف الجدیدة. ولعل جلد الطفل هو أکثر أعضاء المولود تفاعلاً مع ظروف البیئة الجدیدة، بل إن على جلد الطفل ان یواجه تجدیدات مستمرة خلال الشهور الأولى من عمره. یکاد ینفرد الطفل البشری بخاصیة تمیزه عن صغار بقیة الحیوانات عند ولادتها، فالطفل البشری یولد ضعیفا عاریا، ینتظر من ابویه العنایة الشدیدة، فبدون هذه العنایة لایکتب له فی الغالب أی حیاة. والطفل البشری فی الوقت نفسه یولد بأعضاء ناقصة فی تطورها، تتطور خلال الشهور والأعوام التالیة لمولده، وهذا التطور ضروری حیوی لملاءمة الحیاة تختلف – دون شک – عن الحیاة فی بطن الأم، والجلد أحد هذه الأعضاء التی تتغیر على مدى الأیام التالیة للولادة، فالطبقة السطحیة من جلد المولود تتقشر وتنسلخ عن الجسم، لتبرزالطبقة الأکثر عمقا من الجلد، لتحتل مکانها على السطح، وهذه الطبقة ناعمة، وهذا ما یمیز جلد المولود، وعلى مدار السنة الأولى أو السنتین الأولیین من عمر الطفل یظل جلده ناعما رقیقا، ثم یزداد سمکا وخشونة بعد ذلک مع النمو. هذا الانسلاخ الذی یحدث على جلد المولود فی الأیام الأولى من عمره عملیة حیویة، لأنه یتیح للطبقة المرنة أن تحتل سطح الجلد، وهی قادرة على التکیف مع النمو السریع الذی یصادف الطفل فی عامیه الأولین. وإذا نظرنا إلى طفل قد ولد تواً فی حجرة الولادة فإننا سنلاحظ أن جلده یکاد یکون شاحبا، یمیل قلیلا إلى زرقة خفیفة خاصة لحظة ولادته، ویرجع ذلک إلى قلة کمیة الدم والاوکسجین التی تسری فی أوعیة جلده الدمویة، وبعد لحظات قلیلة مع بدایة تنفسه تنفسا طبیعیا یبدأ جلده فی اکتساب اللون الوردی الدافئ، کما یلاحظ أن جسمه عند الولادة مغطى بمادة لزجة بیضاء واقیة، هی خلیط من خلایا جلدیة منفصلة، وإفراز دهنی من غدد موجودة بجلده.
والآن قد أصبح المولود کائنا حیا یصرخ ویتحرک أمام أبویه، وهما یتطلعان إلیه بلهفة وشوق کشوق العائد من رحلة طویلة قضاها فی ظلمات ثلاث، ثم کان علیه أن ینهی رحلته بعناء لیقول للجمیع: إن الحیاة جمیلة، تستحق کل هذا العناء وکل هذه المعاناة. إن الشیء الذی قد یلفت الانتباه أن جلد المولود لیس وردیا کله، وأن هناک بقعاً ملونة، قد تظهر هنا وهناک، وأن هذه البقع قد تثیر الخوف لدى الأبوین، وقد یدور فی خلدیهما سؤال حول هذه البقع وهل وجودها دلیل مرض قد أصاب الصغیر؟ الحقیقة أن هذه البقع الملونة لاتظهر عند کل الأطفال حدیثی الولادة، لکن من الممکن أن تظهر أعراض لأمراض جلدیة لدى بعض الأطفال فی الشهور الأولى من أعمارهم، مما یجعلنا نلقی بعض الأضواء على هذا الموضوع الذی یهم الکثیرین، والذی نعرف أنه یحمل فی طیاته بعضاً من قلق وبعضاً من حیرة.
بقع على جلد المولود ینظر الأبوان بشیء من الخوف إلى طفلهما إذا ما بدا لهما أن هناک شیئاً غریباً یظهر على جلده، وقد یصل بهما الخوف إلى الاسراع إلى أقرب طبیب لاستشارته. فما حقیقة هذه الأعراض، أو فلنقل هذه البقع التی یمکن أن تصیب الصغیر عقب ولادته مباشرة؟ الحقیقة أن الولادة لیست عملیة سهلة، بل هی فی حد ذاتها حدث له دلالاته، ویعتقد بعض علماء النفس، بأن لحظة الولادة نفسها التی یطلقون علیها ((صدمة الولادة)) هی الاساس النفسی لکل ما یصیب المرء بعد ذلک، من خوف وقلق، والمهم أن لحظة الولادة هذه قد تنتج عنها أعراض جسمیة نتیجة بعض العنف ـ إذا جاز التعبیر – والضغط الذی یتعرض له المولود أثناء الولادة یأخذ فی أغلب الأحیان صور أعراض جلدیة، فجلد المولود الرقیق قد یتعرض للضغط والجذب مما قد یؤدی إلى تمزق بعض الشعیرات الدمویة، أو بروز جزء من الجلد، أو تجمع بعض الخلایا معا، مما یؤدی إلى ظهور بقع لونیة. وفی کلمة قصیرة نتناول بعض هذه الأعراض بتفصیل أکثر: 1. الأورام الدمویة: وهی تجمعات دمویة فی شکل بقع، تختلف فی حجمها، وتظهر على الرقبة أو الرأس أو أعلى الأنف، وهی بقع حمراء مسطحة أو مرتفعة قلیلا فوق سطح الجلد، وبعضها عمیق یمتد إلى الداخل، لکن معظمها لایسبب أی ضرر، وقد یختفی فی الشهور الأولى من عمر الطفل، بدون أی علاج، فتدفق الدم یتوقف من الشعیرات الممزقة، کما یتم امتصاص ما نزف منه دون أی تدخل طبی. 2. النمش والکلف: وهما یتشابهان مع ما یسمى ((الشامة))، وکلاهما عبارة عن تجمع خلوی، یکتسب صبغة لونیة، تزداد عند التعرض للشمس، وأکثر ذلک لایحتاج إلى أی علاج، ما عدا ما قد یستمر إلى ما بعد فترة الطفولة. ویکون الهدف من التدخل الطبی التجمیل فی المقام الأول. 3. البقع المنجولیة: وهی بقع لونیة تظهر أسفل الظهر، ویمیل لونها إلى الأزرق الرمادی، وتظهر فی مجموعات یتراوح عددها بین واحد وخمسة، ومساحة الواحدة منها حوالی سنتمیترین، وتختفی غالبا مع الوقت، ولاتحتاج إلى أی علاج أیضاً. 4. بروز الجلد، یحدث هذا البروز فی جلد الجذع أو عند انثناءات الجلد تحت الابط مثلاً. ولایتسبب هذا البروز غالبا فی حدوث أی ألم أو ضرر للطفل، وإزالته جراحیا،یتم عبر استخدام التخدیر الموضعی لمکان البروز، ویتم ذلک عادة عندما یکبر الطفل ویشب عن الطوق. هذه الأعراض التی یمکن ملاحظتها على جلد المولود عقب ولادته أعراض مؤقتة – کما ذکرنا – یزول معظمها تلقائیا، دون أی علاج، بید أن هناک ظواهر جلدیة أخرى یمکن أن تتحول إلى أمراض حقیقیة إذا لم تتسلمها ید الرعایة الصحیحة.
الطفح الجلدی لمؤخرة الطفل یظهر هذا الطفح بین الشهر الثانی والخامس عشر من عمر الطفل، وبه یصبح الجلد متهیجا محمرا، ویکون سببا فی عدم راحة الطفل، وصراخه المستمر، وإذا أهمل یمکن أن یتحول إلى التهاب جلدی یصعب علاجه، وقد یستغرق علاجه وقتا طویلا. أما السبب الرئیسی الذی یؤدی إلى ظهور هذا الطفح فهو ترک حفاظات الطفل المبللة مدة طویلة ملامسة للجلد دون تغییر، مما یؤدی إلى تحلل البول، فتظهر مادة النوشادر التی تعمل على تهییج جلد الطفل. کما یحدث هذا الطفح أیضا نتیجة ترک بقایا الصابون أو المنظفات الصناعیة على الحفاظات أثناء غسلها. إن آثار الصابون أو المنظفات الصناعیة المتبقیة على الحفاظات یمکن أن تهیج جلد الطفل وتؤدی فی نهایة الامر إلى ظهور الطفح. إن العلاج بل الوقایة فی المحافظة على النظافة والإسراع فی تغییر حفاظات الطفل کلما ابتلت، مع غسل المنطقة التی بین الفخذین وحول فتحة الشرج بالماء الفاتر، ثم تجفیف الجلد بعد ذلک جیدا، وقبل تغییر الحفاظات یجب وضع قلیل من المادة الملطفة على المنطقة المصابة بالطفح، کما یمکن استخدام زیت اللوز أو زیت الزیتون لترطیب الجلد وتقلیل تهیجه. وبصفة عامة إذا لم یصاحب هذا الطفح ارتفاع فی درجة الحرارة فإن ذلک یعنی أن شبح الالتهاب الجلدی ما یزال بمنأى عن الطفل، وهذا هو الأمر الذی یجب على الأبوین فیه بذل المزید من الجهد للتخلص من هذا الطفح وتجنب حدوثه.
کیف یصاب الطفل بالاکزیما؟ إن ((اکزیما)) الأطفال الرضع من أکثر الأمراض الجلدیة انتشارا فی مرحلة الطفولة المبکرة، تظهر أعراضها خلال الشهر الثانی من عمر الطفل، لکنها نادرا ما تظهر بعد الشهر التاسع. وتلک الأعراض غیرثابتة فی شدتها، فتارة تأتی خفیفة، وتارة أخرى تکون شدیدة. وتستمر حتى تختفی تماما فی نهایة الشهر الثامن عشر إلى نهایة السنتین تقریبا. وتختفی فجأة کما ظهرت فجأة. وقد تحیر الأطباء فی معرفة الاسباب الحقیقیة لإصابة الاطفال الرضع بالاکزیما، بید أن هناک فروضا ترجع بعض الأسباب إلى تغذیة الطفل نفسها. فقد لوحظ أن حالات الإصابة بالاکزیما تزداد عندما تکثر الدهنیات أو البروتینات الحیوانیة فی غذاء الطفل، سواء کان الطفل یتغذى طبیعیا من ثدی أمه أو بالرضاعة الصناعیة، بینما دأب بعض الأطباء على الربط بین حدوث الإصابة بالاکزیما وبین العوامل الوراثیة التی یرثها الطفل عن أبویه أو عن أحدهما. إذن فهذه کلها مجرد فروض لاترقى إلى حد الیقین. وبعیدا عن أسباب حدوث المرض نتساءل عن أعراضه، وکیف یمکن تجنبها؟ وبدایة نقول إن الاکزیما مرض غیرمعد، فلاخوف إذن من أن یتلامس الأطفال المصابون مع أطفال آخرین من نفس الأسرة. وأعراض الاکزیما عند الطفل تبدأ باحمرار الجلد، وسرعان ما یتحول إلى بثور وحویصلات وقشور، وعادة تبدأ هذه الأعراض فی الوجه، ثم تمتد إلى فروة الرأس وبقیة الجسم والأطراف، وعند ظهور الاکزیما یأخذ الطفل فی حک جلده بشدة، مما یحرمه من النوم وینهک قواه. وأعراض هذا المرض الجلدی قد تکون مصحوبة فی الوقت نفسه بأعراض حساسیة تصیب الجهاز التنفسی، مما یجعل الطفل عرضة لضیق التنفس وهو مایعرف ((بالأزمة)). ان الاکزیما وإن کانت تترک الأبوین فریسة للخوف إلا أنها لیست بالحالة الخطیرة أو التی تستدعی کل هذا الخوف، فعلاجها یکمن أولا فی العنایة بجلد الطفل الرضیع، والاهتمام المستمر بنظافته، ثم یأتی بعد ذلک الإقلال من الدهنیات. وفی هذا المقام نود أن نقول: إن من المفضل إعطاء الطفل المواد النشویة کالبطاطس المهروسة، والارز، ابتداء من الشهر السادس من عمره، وإقلال کمیة الرضاعة. وقد قام بعض الأطباء بحقن الطفل تحت الجلد فی المنطقة المصابة بلبن من ثدی الأم بمعدل مرتین أو ثلاث کل أسبوعین، وقد أتت هذه الطریقة بنتائج إیجابیة، أما العلاج الدوائی فیقوم على إعطاء الطفل المصاب الأدویة المضادة للحساسیة. أ.البغدادی | ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,807 |
||