مشاکل الفتیات ..کیف نتعامل معها ؟ | ||
سار موسى (علیه السلام) ثمانی لیال فی الصحراء یقطعها حافی القدمین وحیداً، یطلب العون من الله عسى ربه یهدیه سواء السبیل. کان هذا بعد أن قتل رجلاً لفرعون مصر - فوصل به المسیر الى أرض مدین واتجه الى نبع الماء یرید ان یطفئ ظمأه فوجد حشداً من الناس قد تزاحموا حول النبع الذی وقعت على فوهته صخرة ضخمة لم یستطع أحد من الموجودین زحزحتها بل لم یستطیعوا مجتمعین ان یرفعوها، فتقدم نحو النبع وأزاح الناس من حوله ثم رفع الصخرة وراح یروی ظمأه والناس فی ذهول من أمر هذا الغریب. ثم انصرف الى شجرة ظلیلة وبینما هو یستریح امتد نظره ناحیة النبع فوجد فتاتین تمنعان أغنامهما عن الماء فقام موسى إلیهما وسألهما: - ما شأنکما لاتسقیان؟ - فقالتا: ننتظر حتى ینصرف الرعاء وحواشیهم، وقد جئنا نسقی اضطرارا لان ابانا شیخ کبیر. فعز علیه ان یکون هکذا حالهما. وما تأخر فی نجدة الضعیفتین بل سقى أغنامهما. وعاد الى الظل یطلب الرحمة من رب العالمین فی محنته وان یصرف عنه هذا الهم الجدید الذی ألم به وقال: - یا رب.. انی الى برِّک محتاج أشد الحاجة فالطف بی، وارزقنی انک خیر الرازقین.. بکرَّت الفتاتان بالعودة الى أبیهما الشیخ على غیر عادة فسألهما: - ما أعجلکما الیوم؟ فقالتا معاً فی صوت واحد: - وجدنا رجلاً صالحاً رحمنا وسقى لنا قبل الجمیع. عاد الشیخ یسأل: - من أی الناس هو؟ فقالت الصغرى: - یبدو انه غریب عن بلادنا فهیئته وتصرفاته تدلّ على ذلک. وقالت الکبرى: - کل شیء فیه یوحی بالقوة والشجاعة.. وقال الأب للکبرى: حسناً اذهبی فادعیه لزیارتنا حتى نرد له الصنیع. وقد استجاب الله دعاء موسى اذ الهم الشیخ ان یرسل فی طلبه احدى ابنتیه. وجاءته تمشی على استحیاء وقد سترت وجهها بخمارها وقالت: "ان أبی یدعوک لیجزیک اجر ما سقیت لنا". فرح موسى بعودة الفتاة حیث تدارکته رحمة الله من خلال دعوة دعوة الشیخ فهب واثقاً وتبع الفتاة وهو یردد کلمات الشکر لله وسبحانه وتعالى... وما ان وصلا البیت حتى استقبلهما الشیخ مرحباً واکرم وفادة موسى. وبعد ان اطمأن موسى وهدأت نفسه واستراح من الجوع والعطش والتعب.. قصَّ على الشیخ قصته فقال له الشیخ: - لا تخف نجوت من القوم الظالمین.. وحار الشیخ کیف یکافىء موسى وتشاور مع ابنتیه فقالت الکبرى: "یا أبت استأجره ان خیر من استأجرت القوی الامین". أو لیس هو الذی ازاح الغطاء عن البئر منفرداً، على ما کان به من تعب وهزال.. أولیس هو العفیف الطاهر الذی سار أمامها وسارت خلفه حتى لا تمتمد عینه إلیها من الخائنین. لم یراجع الشیخ قول الفتاتین فهو نفسه اعجب بشهامته فعاد الى موسى وقال: یا موسى انی لراغب فی ان ازوجک احدى ابنتی هاتین على ان تکون عونا لی وظهیراً وأجیراً ترعى ماشیتی وتقوم على نصرتی وخدمتی ثمانی حجج وان زدتها اثنتین فتلک منّة منک وفضل احفظه لک وان شئت الإقامة بعد هذه السنین فأهلاً وسهلاً وان شئت أخذت زوجک ومضیت الى حیث ترید وما أرید ان ارهقک یا بنی أو أشق علیک واحملک ما لا طاقة لک به. کان موسى شریداً طریداً وحیداً مبعداً عن أهله محروماً من أرضه وکانت نفسه حزینة أشد الحزن؛ فلم یکد یسمع دعوة الشیخ حتى قبلها على الفور وقال: "ذلک بینی وبینک ایما الأجلین قضیت فلا عدوان علی والله على ما نقول وکیل" وأصبح موسى صهراً للشیخ راعیاً لأغنامه وماشیته وعاش معه حیاة خشنة لم یعتدها ولکنها کانت بالنسبة الیه أفضل من حیاة النعیم فی قصر فرعون الطاغیة الظالم. ولمّا أتم موسى ثمانی سنوات فی خدمة الشیخ تحرکت فی صدره نشوة الحنین إلى الوطن. وذات یوم من السنة العاشرة صرح موسى لزوجته برغبته فی العودة الى مصر وطلب إلیها ان تستعد لذلک وحاولت الزوجة ان تعرف سر هذه الرغبة المفاجئة ولکنها لم تصل الى نتیجة، فسعت الى والدها تصارحه بمخاوفها فقال لها الشیخ: لا علیک من هذا یا ابنتی.. انها حال تتناب الرجال عندما یکون على وشک القیام بعمل جلیل وان زوجک لمقبل على عمل من أجلّ الأعمال. فقالت الزوجة لأبیها وقد ادهشها قوله: - أی عمل یا أبتِ فقال الأب: ان ما بین موسى وفرعون لم ینته بعد... ولابد ان یتهیأ موسى للقیام بدور فعال ضد فرعون وقومه.. وبدا الخوف على الابنة وقالت: ولم لا نبقى هنا یا أبتِ وکفى الله المؤمنین القتال؟ فأجابها الأب وهو یبت على کتفها فی حنان: لا لا یا ابنتی لا تقولی هذا القول... وکونی عوناً لزوجک فیما هو مقبل علیه من عمل. وعندما حانت ساعة الرحیلن امر شعیب ابنته ان تعطی موسى عصا یدفع بها الوحوش عن غنمه.. هدیة له. وسار موسى بأهله وغنمه فتجنبا طریق العمران لئلا یعلم به أحد من الناس فیصل خبره الى فرعون وقومه. وبالقرب من طور سیناء ضلَّ موسى الطریق – وکانت لیلة باردة فحط رحاله وحاول ان یقدح ناراً فلم یفلح ولکنه لاحظ ناراً من الجهة التی تلی الطور فقال لأهله: "إمکثوا انی آنست ناراً لعلی آتیکم منها بخبر أو جذوة من النار لعلکم تصطلون". وما ان وصل موسى إلى النار، هناک فی البقعة المبارکة، حتى وجد شجرة مشتعلة بنور قوی، ولم یجد احداً من الناس، فهمَّ باشعال عود حطب منها وفجأة جمدت یده على العود؛ فقد سمع صوتاً قویاً ینادیه: أن یا موسى إنی أنا الله رب العالمین.. وکانت هذه هی البدایة، بدایة نبوته وبدایة الدعوة الموسویة، إذ تسلم فی هذه الأرض المبارکة لرسالة ربه الى فرعون وقومه الظالمین... ک . نوری | ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,451 |
||