آسیة..المرأة المؤمنة التی واجهت زوجها الطاغیة | ||
القرآن الکریم کتاب هدایة وتشریع، وهو یتوسل الى تحقیق اهدافه الکبرى فی الهدایة بعدة وسائل منها عرض شخصیة نموذجیة ایجابیة، یدفع الناس للاقتداء بها. فقال سبحانه ((وضرب الله مثلاً للذین آمنوا امرأة فرعون اذ قالت رب ابن لی عندک بیتا فی الجنة ونجنی من فرعون وعمله ونجنی من القوم الظالمین)). انک لتقف اجلالاً وإعظاماً لهذه المرأة لموقفها الجدی الفاصل الشجاع هذا. انه شجاع فی مواجهة ذاتها ورغباتها..امرأة فی بیت عزّ وثروة، ان زوجها فرعون مصر: ((ألیس لی ملک مصر وهذه الانهار تجری من تحتی..)) انه الشخصیة المغرورة التی ادّعت الربوبیة: ((انا ربکم الاعلى)) ((یا ایها الملأ ما علمت لکم من اله غیری)). انه مثال الدکتاتوریة المتسلطة التی لا تستمع الى الرأی الآخر: ((ما أریکم الا ما ارى..)). انها انْ اشارت اشارة بسیطة تحرّک باشارتها عشرات الجواری والخدم وانْ اشتهت شیئاً خضعت لطلبها اشیاء. انها تملک عربات مطعّمة بالجواهر والیاقوت ومصنوعة من الذهب الخالص، کل زینة الدنیا وأموال الدنیا وزخارف الدنیا بین یدیها.. ومع کل ذلک تدعو الله سبحانه: ((رب ابن لی عندک بیتا فی الجنة..)) انها آسیة امرأة فرعون تلک التی وقفت موقفها الاول حینما التقط فرعون موسى علیه السلام من حدیقة القصر النهریة. وما أنْ فتح الخدم الصندوق ـ التابوت ـ حتى رکضوا الى فرعون انه ذکر، انه قربان جدید للآلهة فلنتقرب به الى فرعون. وجاء فرعون والحاشیة، ترافقه زوجته آسیة، وما ان وقع بصرها على موسى الولید، حتى تعلّق قلبها به، وهفت الیه کل قلوب الحاشیة واصحاب القرار: ((والقیت علیک محبة منی))، انها ارادة الله تعالى: ((ولتصنع على عینی)). فابدت آسیة رأیها بکل قوة وکل صراحة وبإنسجام مع ما یعتصر فی قلب فرعون. انه محروم من الذریة، ((قرة عین لی ولک لاتقتلوه عسى أن ینفعنا او نتخذه ولدا))، انها قدمت ((قرة عین)) وهو ما یدخل فی مصلحة فرعون الذاتیة ثم عطف: بلاتقتلوه.. وراحت امرأة فرعون تحتضن الطفل وتلقمه ثدیها بکل حنان وکل رغبة فی تملکه وتبنیه فعاف ثدیها. حاولت معه بکل الوسائل، وهو یمتنع، وناولته مکرهة الى جواریها واحدة واحدة وهو یتمنع، انک تدرک هنا الاعجاز.. انه طفل وبطبیعة الطفل ان یلتقم الثدی بدون تمییز، ولکن تدخل مشیئة الله تعالى وتخطیطه لموسى ولنبی بنی اسرائیل قال: ((وحرّمنا علیه المراضع)) لکی یعیده الى امه ویفی بوعده: ((انا رادوه الیک)). وهنا تدخلت اخته التی دفعتها امها لتقتص اثره، فقالت: ((هل ادلکم على اهل بیت یکفلونه وهم له ناصحون)).. وبدون بحث وتدقیق عن اهل ذلک البیت، لقد کانت امرأة فرعون فی حالة خوف ووجل على الطفل الولید ان یبق بدون ارضاع یجب ان تنقذ هذا الولید..فدفعته الى اخته، وراحت اخته لاتطأ قدمیها الارض مسرعة الى امها وامه.. وتابعت امرأة فرعون موسى، حتى کانت فی اکثر الاوقات تذهب لزیارة موسى فی بیت امه.. وشب شباباً غیرعادی.. وتوسمت فیه آسیة کل خیر، ومن المحتمل انه کان یوحی لها مفاهیم واحکام إلهیة أخذها من والدته.. وخرج موسى من مصر ثم عاد الیها نبیا رسولاً ودخل على فرعون، وخاطب فرعون بإسمه وبدون القاب العظمة والربوبیة وعرض علیه رسالة السماء وطالب فرعون بالدلیل، فرمى موسى الدلیل بین یدیه فاذا هو حیة تسعى فاضطرب فرعون ومن حوله.. وکانت آسیة حاضرة ذلک المشهد وتلک المحاورة فآمنت سراً لمعرفتها بموسى ولیداً وشاباً ورجلا وها هو اصبح الآن نبیا. وسجد السحرة لله رب العالمین، وقالوا لفرعون: ((لن نؤمن على ما جاءنا من البینات والذی فطرنا..فاقض ما انت قاض انما تقضی هذه الحیاة الدنیا..)) هذه الحادثة التی انقلبت نتائجها لصالح موسى "علیه السلام"، هزّت مشاعر المصریین وبنی اسرائیل، فراح فرعون واعدم اثنی عشر الف عالم وساحر فی یوم واحد لیزرع الرعب والخوف فی قلوب الناس من أن یؤمنوا.. ثم حشر: ((فنادى فقال انا ربکم الاعلى)) لاعادة البیعة والعبودیة وهو ما یفعله الحکام الطغاة المستبدون بعد کل هزیمة. وهنا بعد ان شاهدت آسیة تلک الهزیمة وذلک الموقف من السحرة اعلنت اسلامها..وقالت مقولتها التی حکاها القرآن: ((رب ابن لی عندک بیتاً فی الجنة ونجنی من فرعون وعمله ونجنی من القوم الظالمین))، فکالها فرعون اصناف العذاب حتى التحقت بقوافل الشهداء: ((افضل النساء اهل الجنة خدیجة بنت خویلد وفاطمة بنت محمد ومریم بنت عمران وآسیة بنت مزاحم امرأة فرعون)). امرأة کانت تحت فرعون الکافر المتجبر فلم یمنعها ذلک من الایمان برسالة السماء، ولم یمنع السماء ان تجازیها الجزاء الاوفى.. انه درس للعبرة والاقتداء لنسائنا صاحبات العزة والثروة والجاه. حیدر هاشم | ||
الإحصائيات مشاهدة: 1,990 |
||