علاقة الرجل بالمرأة فی الاسلام : علاقة إنسان بانسان | ||
فی الإسلام منهجٌ أخلاقیّ للسلوک الإنسانی یتصل بحمایة الإنسان الفرد من لحظات الضعف التی قد تنفتح من خلال الغریزة، أیّة غریزة کانت، لا نؤکد فقط على غریزة الجنس... وینفتح أیضاً على المجتمع فی حمایته من تنمیة نقاط الضعف فی البیئة التی یعیشُ فیها، وفی العناصر التی قد تدخل إحساسه وشعوره حیث تُحوله إلى ما یشبه الإنسان الذی یتحرک - لا إرادیاً- باعتبار العناصر المثیرة فی شخصیته. وفی ضوء هذا، فإن الحرکة العلمیة لدى الإنسان سواء أکانت حرکة علمیة تکنولوجیة أو على مستوى الثقافة فی الخطوط الإنسانیة ومنها الفن بکل أشکاله تخضع لهذا المنهج الأخلاقی... والمرأة کالرجل فی هذه المجال، لأن الأخلاق لیست ضریبة مفروضة على المرأة بل هی منهجٌ یحاول تأصیل إنسانیة الإنسان لینمی طاقاته فی غیر ضعف وبعیداً عن نقاط الضعف... ولذلک فإننا عندما نرید دراسة المرأة والفن فإن للقضیة بُعداً یتصل بأنه کیف یمکن المرأة أن تمارس الفن سواءً التمثیل أو المسرح أو غیر ذلک بما ینسجم مع هذا المنهج الأخلاقی، ولهذا فالفن الذی یحمل إیحاءات جنسیة أو إیحاءات العنف أو یسیء إلى المشاعر الإنسانیة، کالطفولة وغیرها فهذا الفن غیر مقبول إنسانیاً وإسلامیاً. المسألة هی أننا عندما نرید أن نکون واقعیین فإن قضیة الجمال هی من المسائل والقضایا التی تجتذب مشاعر الإنسان وتصوراته، وتفتح له الکثیر من الآفاق التی یمکن أن یشعر فیها بنوع من الإحساس بالطمأنینة والاستقرار والسعادة، ولکن هذه تشکّل العناصر الجمالیة التی تمثل إنسانیة الإنسان بحیث ینفتح الإنسان على الجمال من خلال عناصره الإنسانیة فی الشکل والکلمة والصوت... ولکن أن یتحوّل الجمال إلى حالة جنسیة تجتذب الحسّ وتبعد الإنسان عن العناصر الجمالیة فی الصورة لتشغله بالجوانب الغریزیة الجنسیة فهذا ما نتحدث عنه، ولعلّ أکثر الإحصائیات فی العالم المحافظ وغیر المحافظ تشیر إلى أن علاقة الرجل بالمرأة فی شکل عام خارج نطاق الضوابط الاجتماعیة الضاغطة والقانونیة تمثل علاقة ذکر بأنثى... وهذا ما نلاحظه حتى فی المجتمعات المتحررة _ إن صحّ التعبیر _ والتی یمثل الجنس فیها حاجةً طبیعیة لا یستنکرها المجتمع ومع ذلک نجد المشکلة الجنسیة تتحرّک فی الإدارات بین المدیر والسکرتیرة، بین الموظفین المختلطین فی أجناسهم حیث نجد حوادث الاغتصاب ترقى إلى درجةٍ لا تجدها فی مجتمعات أخرى... لقد ذکرتُ، إنّ هذا ینتج عن دراسة العلاقة بین الرجل والمرأة على أنها علاقة ذکر وأنثى، ولذلک فإن الإسلام یحاول فی تشریعاته سواءً فی الضوابط التی یضعها، أن یجعل العلاقة بین الرجل والمرأة فی الإطار العام علاقة بین إنسان وإنسان. حتى الجنس یدخل على القاعدة الإنسانیة. فالعلاقات الزوجیة تمثل میدان الجنس الحرّ بالنسبة إلى الرجل والمرأة ومع ذلک یعطیها الإسلام بُعداً إنسانیاً فنحن نقرأ فی الآیة الکریمة: {ومن آیاته أن خلق لکم من أنفسکم أزواجاً لتسکنوا إلیها وجعل بینکم مودةً ورحمة}. فلم یَعُد الجنس مجرد حالة غریزیة جامدة، یعیشها الإنسان فی شکل آلی کما یمارس طعامه وشرابه، إن علاقة الإنسان بالإنسان فی نطاق العلاقة الزوجیة علاقة سکینة روحیة ومودة إنسانیة یتوزعها ویتقاسمها الطرفان. وعلاقة رحمة وحنان... فهناک شیء إنسانی فی العلاقات ویعتبر الجنس حاجة طبیعیة من من جملة هذه العلاقات. هنا نقول: إنّ الفن الذی حاول إبراز مفاتن المرأة وهو ما نلاحظه فی اختیار المخرجین، والذین یمارسون الفن المسرحی والتلفزیونی والسینمائی. حتى على مستوى الفن الإعلانی الدعائی یرکزون جمیعاً على المرأة الجسد... لأن المشاهد سوف یندمج بالمشهد أو الصورة الإعلامیة من خلال الإیحاءات الجنسیة التی تُمثلها فی هذا المجال. نحن لا نعتبر أن الإنسان الذی قد یبتعد فی أعماله عن الخطوط الدینیة من حیث ارتکابه المحرمات أن ینفصل عن الله مئة فی المئة. فهناک من یعیش مع الله فی انفتاح روحی ولکنه یخلو من الترکیز على الممارسة فی طاعة الله، ولهذا لا نطرده نفسیاً أو دینیاً من ساحة الله ولکن نقول له: إن الارتباط بالله یفرض علیک أن تعیش کل حیاتک لله ومع الله. دائرة المجتمعات المختلطة ترتبط بالخط الذی ذکرناه، وهو أن المرأة لا بد أن تخرج للمجتمع کإنسانة لا کأنثى، لأن المجتمع لیس مکان عرض الأنوثة باعتبار أن الأنوثة حتى فی جوانبها الجمالیة الفنیة فی الجسد - إذا صح التعبیر- تنفتح على الجنس والإسلام لا یرید للمجتمع أن یعیش حالة طوارئ جنسیة...
المرأة عندما تخرج کإنسانة من دون مساحیق أو أسالیب الإغراء فإنها لا توحی إلا بالاحترام والتقدیر، وفی بعض الآیات القرآنیة نقرأ حتى الصوت الذی یشکل عورة فی الإسلام، وأنّ على المرأة أن تتحدث فی المجتمع بشکل طبیعی وفی قوله تعالى: ((ولا تخضعن بالقول فیطمع الذی فی قلبه مرض )). فالمرأة کالرجل حین ترید الکلام مع الآخر علیها أن تتکلم بشکل طبیعی لا تکلف فیه، لأن الکلام هو عبارة عن الرسالة التی یحملها إنسان إلى الإنسان الآخر فی سبیل التفاهم... ففی الدائرة الاجتماعیة المختلطة لا بد للمرأة من التقید بالحجاب المعتدل القائم على ستر الجسد وغیره. أما فی دائرة المجتمعات النسائیة فلیست هناک مشکلة فی أی زیٍّ ینطلق مع الموضة، کذلک تستطیع المرأة أن تلبسه أمام زوجها وفی بیتها، مع أولادها ومحارمها مما یجعلها تمارس الإحساس الأنوثی الجمالی طبیعیاً. الاحاسیس الجنسیة تخلق الإثارة فی المجتمع، مثلاً عندما نتحدث فی المناخ السیاسی عن الخیانة وأنها ممنوعة ومحرمة، فإذا أردنا منع الخیانة فعلینا أن نمنع کل المناخ الذی یهیىء للخیانة عندما نرید منع الظاهرة المرادة، کما أنه علینا أن نمنع جذورها ومعطیاتها وما ینتجها، ولهذا لعلّ مشکلة الکثیرین عندنا أنهم ألفوا هذا النوع من الفن الذی أصبحت حتى الإثارة فیه أمراً طبیعیاً... نحنُ نلاحظ فی بعض المجتمعات المتحررة أن مسألة الحریة الجنسیة مسألة طبیعیة، وأنها تتعلق بالحریة الفردیة للإنسان، وهکذا فی حریة تعاطی المخدرات وحریة الشذوذ الجنسی وغیر ذلک... لقد أصبحت الفلسفة التی تنظر إلى الحریة الفردیة لا تجعل هناک أیة ضوابط لحرکة هذه الحریة بینما یتحرک الإسلام فی تشریعه لیحمی الإنسان من نفسه ویحمی الآخرین من الفرد، بینما فی فلسفة الحریة الفردیة المطلقة فلا مشکلة فی أن یقتل الإنسان نفسه، ولا مشکلة فی أن یرتکب الإنسان ما یضر جسده وعقله لأنه یتحمل مسؤولیة نفسه بینما یمنعک الإسلام من إضرار عقلک وجسدک - کما یمنعک من ضرر الآخرین- فلا فرق بین أن تظلم نفسک أو تظلم الآخرین... المشکلة أن الألفة قد تصنع لدى الإنسان مزاجاً یخیّل إلیه أنه یمثل خطاً فکریاً وإن مشکلتنا أن الآخرین یصنعون لنا الظاهرة والخط نألفه، فإذا ألفناه أصبح طبیعة ثانیة عندنا. حتى قناعاتنا، وحتى أن بعضنا یحاول تأویل الخطوط الإسلامیة لمصلحة ما تعارف علیه الإنسان أو الناس. عندما ندرس عقد الزواج وهو الذی یحکم الزوجین معاً، فإننا نجد أن الحق الوحید الذی یملکه الرجل على المرأة هو حق الجنس من خلال التزامها بذلک... کما أنها تملک الحق نفسه فی العلاقة الجنسیة. ونحن بما أصدرناه من فتوى نرى أنه من الواجب على الرجل أن یستجیب لحاجة المرأة بالجنس فی کل وقت عندما تکون حاجتها لذلک. کما أنّ علیها نفس الحق والواجب بالنسبة إلیه بمقتضى التزامهما العقدی ولیس شیئاً یفرضه الرجل على المرأة أو تفرضه المرأة على الرجل، ولهذا فإننا نواجه الدعوات التی تعتبر أن للمرأة الحق فی الامتناع عن الجنس دون عذر شرعی، على قاعدة أن هذا یمثل اغتصاباً أو اضطهاداً، فهذا أمر لیس قانونیاً ولیس إنسانیاً، لأن الإنسان عندما یعطی التزاماً فمن الطبیعی أن یفی بالتزامه وإلاّ کان حراً ألاّ یلتزم بها. إن القضیة هی کأیِّ تعاقد بین طرفین فی أیّ جانب. سواء الجنسی أو العملی یفرض على الملتزمین بالعقد الالتزام به... والإسلام لا یرى وبحسب الاجتهادات، وما نجتهد به، لا یجد أن المرأة مسؤولة عن أیّ شیء فی البیت، وحتى أننا نرى أن ما یفتی به الفقهاء من عدم جواز خروج المرأة من بیتها (بیت زوجها) إلا بإذنه، أن هذا مربوط بحق الجنس لحاجته إلیها وأما فی غیر هذه الحالة فلها أن تخرج. أما فی الإطار الآخر، فإننا نقول أن المرأة حُرّة فی جسدها من حیث الإنجاب. فللرجل الحق علیها أن تنجب له ولداً أو ولدین، ولکن لو أراد أکثر من ذلک فلها استعمال وسائل منع الحمل فلا تنجب حتى لو أراد الإنجاب، لأنها حرة فی جسدها من هذه الناحیة. إلا إذا التزمت معه فی العقد أن یکون له الحق فی ذلک. أما فی الإطار العام، وبعیداً عن التقالید فإن المنهج الأخلاقی الذی یحکم المرأة هو الأساس، وکل عمل لا یبتعد عن المنهج الأخلاقی فی الإسلام هو جائز للرجل والمرأة معاً، وأما کل عمل یبتعد عن المنهج الأخلاقی فی الإسلام فهو حرام على الرجل والمرأة معاً، لأننا قلنا إنّ الأخلاق لیست ضریبة على المرأة دون الرجل، وهذا ما نلاحظه فی المجتمعات الإسلامیة. . ولعلّ إیران هی النموذج فی ذلک، حیث تصل المرأة لمراکز مرموقة فهی أصبحت مستشارة لرئیس الجمهوریة، وتعمل فی کلّ الدوائر فی الإعلام والصحافة والمجلس النیابی مما یدل حتى على مستوى التطبیق فی المجتمعات التی تعتبر محافظة جداً، حیث تأخذ المرأة الکثیر من الحریة سواء فی الأعمال الاقتصادیة والسیاسیة والاجتماعیة والتربویة والثقافیة. ففی کتابة القصة والشعر لا مشکلة فی ذلک من ناحیة أخلاقیة، إذا لم تصل الکتابة الفنیة إلى حدّ الفحش وهو أمرٌ یشترک فیه الرجل والمرأة، أما مسألة الأحاسیس الشعوریة والعاطفیة فللمرأة أن تکتب ما تشاء، وللرجل أن یکتب ما یشاء فی الحدود التی تبتعد عن إفساد المجتمع فی شکل عام. وبالنسبة إلى نشر الکتاب لا بد من ملاحظة تأثیره على المراهقین الرجل والمرأة معاً. العلامة الراحل محمد حسین فضل الله | ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,001 |
||