رمضان رمز تقریب القلوب وتألیف الشعوب | ||
رمضان رمز تقریب القلوب وتألیف الشعوب السید هبة الدینالحسینی الشهیر بالشهرستانی ' شهر رمضان الذی أنزل فیه القرآن هدى للناس وبینات من الهدى والفرقان '. کم لهذا الشهر الکریم من مزایافی الدین والتاریخ: فیه بدأ نزول القرآن، وهو دستور الإسلام، ومنبع علومه، وحارس شریعته، وفیه انتصر المسلمون فی أول غزوة وهی غزوة بدر الکبرى، فاستقرت دولتهم، وقویتشوکتهم، وأمر أمرهم، وأصبحوا أمة ذات سلطان وهیبة، بعد أن کانوا قوما مهاجرین أخرجوا من دیارهم بغیر حق إلا أن یقولوا ربَّنا الله، وفیه لیلة القدر التی هی بنص القرآنالکریم خیر من ألف شهر. یمتاز شهر رمضان فی الدین والتاریخ بهذه المیزات الثلاث، وکل واحدة منهن ذات معنى خاص، وشأن خطیر: فأما القرآن الکریم فإنه أفضل کتب اللهأنزله على أفضل رسله، فکان آیته الکبرى الخالدة على الزمان، ولم یکن خلود هذا الکتاب وإعجازه لقوى البشریة راجعاً فحسب إلى البلاغة وقوة البیان مما ادى إلى سجود العربالبلغاء له،وخفضهم للرؤوس إذعاناً واعترافاً، وإنما کان أیضاً لما أودعه الله إیاه من علم وإیحاءات وإرشادات، ومن تهذیب للنفوس وتقویم للأخلاق،وأنه لا ینافی علماً ثبتت صحته بالدلیل والبرهان، ولا یعارض صلاحاً یمکن البشر ان یعتمدوا علیه فی ترقیة شؤونهم، وإقرار السلام والأمن بینهم، وما تزال مبادئه ومثلهوقواعد أحکامه ومناهجه هی النور الذی یهدی الحیران، ویرد الشارد، ویضئ آفاق الحیاة ولن یزال کذلک فی مستقبل الدهور والأزمان حتى یرث الله الأرض ومن علیها، وهو خیرالوارثین. ولیس القرآن وسیلة الهدى للعرب فقط ـ وإن بدئ بهم ـ بل اهتدى بأنوار معارفه العالیة عامة البشر، کما انه لیست الاستفادة من القرآن مقصورة على إصلاح العقائدوالعادات فقط، بل أفاد العالم فی توجیههم إلى علوم الطب والطبیعة وأسرار کائنات الأرض وکامنات السماء، وأفاد العرب خصوصاً فی تقویم اللسان وتقویة البیان وتوسیع فنوناللغة والبلاغة والادب. فاذا أهلّ شهر رمضان فانه یذکر المسلمین بهذا، وینبههم إلیه تنبیهاً قویاً وکأنی بالقرآن الکریم یطل من علیاء سمائه على المسلمین فی کل بقعةمن بقاع الأرض مع هلال رمضان فینادیهم: أنا الهدى فهل من مهتد ؟ أنا النور فهل من مستضئ ؟ أنا شعار مجدکم، وعنوان عزکم، ورمز عظمتکم، أنا هدیة الله الیکم، أنا رحمة اللهفیکم، انا المنهاج القویم، أنا الصراط المستقیم، بی تعزون، وبمبادئی تسودون، فاعتصموا بی فأنا حبل الله، واستظلوا بلوائی فأنا ظل الله ' وأن هذا صراطی مستقیماً فاتبعوه،ولا تتبعوا السبل فتفرق بکم عن سبیله '. فاذا انصت المسلمون إلى هذا النداء، وأجابوا داعی الله فأصلحوا أنفسهم، ورجعوا إلى کتاب ربهم، فأجدر بهم أن ینالوا مجد الدنیاومجد الاخرة . أما إذا استقبلوا القرآن على أنه کتاب یتلى لمجرد التعبد بتلاوته، أو کان تکریمهم ایاه مقصوراً على عدم مسه إلا على طهارة، أو على حمله تفاؤلاباستصحابه أو دفعاً لما یتوقع من أخطار، أو کتابة بعض آیاته فی مصاحف منسقة بخط جمیل،ورسم جمیل، وتعلیقها على حوائط البیوت والمحال، أو کانتعنایتهم به فی حدود التمرن البلاغی، والتطبیق الادبی، کما تدرس النصوص الادبیة دراسة لفظیة، فأهون بهذا کله، وما أبعده عما انزل الله له کتابه العزیز. وأما غزوة بدرالکبرى فما أعظمها فی تاریخ الإسلام فخراً، وما اجدرها بالبقاء والخلود، وأن نحتفل بذکراها کما نحتفل بأعز شئ فی هذا الوجود، إن المسلمین قبل بدر کانوا مستضعفین یخافونأن یتخطفهم الناس، لم تکن لهم دولة یخشى بأسها ولا یحسب حسابها، کانوا فی ' یثرب ' ضیوفا على الانصار یشارکونهم مساکنهم وأقواتهم ومتاعهم، وکانت تأتیهم الأنباء من مکة بانالقوم قد استبدوا بأموالهم وبیوتهم، وآذوا کل من ینتسب الیهم، فکانت قلوبهم تتنزى ألماً، وصدورهم تغلی حقداً على هؤلاء المبطلین الذین لم یرعوا جانب الحق، ولم یبقوا علىالرحم، ولم یحسبوا حساباً لای معنى من المعانی الإنسانیة الشریفة حتى إذا واتتهم الفرصة فی بدر انتهزوها فضربوا فی صدر الکفر، وفلقوا هام المشرکین، وأفهموا مکة أنهم قوةتخاف، وان الله سیجعل من هذه الحفنة المشتتة المبعثرة امة قویة تُعلی کلمة الله، وتنشر عدل الله، وتثبت رحمة الله، وتخدم شریعة الله. فلنذکر برمضان هذه الذکرى بعدذکرى نزول القرآنن فهی ذکرى التوطید والتشیید بعد اعتناق شرعة الحق، واستقبال الدستور الالهی الخالد . وأما ' لیلة القدر ' التی أنزل الله فیها کتابه، واختارها ظرفالأعظم حادث یعرفه الناس من صلة الأرض بالسماء، فقد جعل الله ظرفها هو هذا الشهر ایضاً، جعل لها فضلا على سائر اللیالی حیث تضاعف فیها الحسنات، وتفاض الرحمات، فهی بماانزل الله فیها من کتابه رمز لأعظم هبة رحمانیة وهبها الله للعقول، وهدى بها الانسانیة، وأخرجها من الظلمات إلى النور، وهی بما یفیض الله فیها رمز لأکرم معاملة بینالخالق والمخلوق، والرب والمربوب: والا فای فیض أعظم من هذا الفیض ؟ یقوم العبد لله لیلة خاشعاً خاضعاً متبتلا فیقبل الله علیه بإحسانه، ویضاعف له فی جزائه حتى یمنحه علىلیلة واحدة ثواب ألف شهر، وحق لهذه اللیلة ان تکرّم، فإنها لیلة القرآن وکفى.تلک مزایا ثلاث من مزایا ' رمضان ' ومن أهم مزایاه أیضا أنه ربیع اتحادنا ورمز تقریب القلوب، وتألیف الشعوب، وموسم اجتماعی تعمر فیه المساجد والمعابد، وتکثر فیه أندیة الخلطاء والخلصاء، ویتزاور الاخوان والجیران، وحدانا وزرافات مما یؤدیإلى تصفیة القلوب، وتزکیة النفوس، وغسل الصدور من حفائظ الاحقاد والاحن، باعتذار هذا لذاک، وحنان ذلک على هذا، وحرکات جاذبیة الحب من کل إلى کل، وکثرة التردد والتودد،وبذلک صار سید الشهور، کما فی الحدیث المأثور. ومن مزایا هذا الشهر المبارک فرض الصیام فی ایامه، والصیام خیر وسیلة لاصلاح النفس، لاصلاح الجسم، لاصلاح المجتمع. وفیه إشعار المسلمین بأنهم أمة واحدة، لا فرق بین قاصیهم ودانیهم، ولا بین غنیهم وفقیرهم، یصومون معاً، ویفطرون معاً، ویشعر بعضهم بشعور بعض. وقد اشار الإمام جعفربن محمد (علیه السلام) إلى أهم الغایات فی فلسفة الصوم قائلا: (إنما فرض الله على عباده الصوم لیستوی الاغنیاء والفقراء فی هذا البلاء، ولیدرک الاغنیاء ما یجری علىهؤلاء، فیؤثروهم على أنفسهم رحمة وحناناً فتزول أخطار المجتمع. فیا أیها المسلمون: ها هو ذا قد أظلکم شهر رمضان، شهر الهدى والفرقان، وفی هدى القرآن کل الخیروالبرکة من صلاح وإصلاح، وتعاون وتضامن، فوحدوا صفوفکم، ووحدوا قلوبکم، ووحدوا شعوبکم ' واعتصموا بحبل الله جمیعاً ولا تفرقوا، واذکروا نعمة الله علیکم إذ کنتم أعداءفألف بین قلوبکم، فأصبحتم بنعمته إخواناً، وکنتم على شفا حفرة من النار فأنقذکم منها '. ' واذکروا إذ أنتم قلیل مستضعفون فی الأرض تخافون ان یتخطفکم الناس فآواکموأیدکم بنصره ورزقکم من الطیبات لعلکم تشکرون '.. | ||
الإحصائيات مشاهدة: 1,679 |
||