تأثیر القیم الأخلاقیة فی حفظ هویة ومکانة المرأة المسلمة | ||
تأثیر القیم الأخلاقیة فی حفظ هویة ومکانة المرأة المسلمة مهى نصرالدین - لبنان قدّم الإسلام النموذج الأرقى والأمثل لنظام إنسانی متکامل یقوم على أسس عقائدیة وأخلاقیة وإنسانیة وإجتماعیة تسعى إلى خدمة وصلاح الإنسان والمجتمع فی کل زمان ومکان . بهذا المعنى نرى أن الشریعة الإسلامیة المقدّسة تقدم نفسها کرؤیة ومنهاج حیاة لکل الأزمنة والعصور . إنطلاقاً من ذلک نجد فی الإسلام برنامج تفصیلی لبناء حضاری ّ متمیز یقوم – بشکل أساسی – على المثل والقیم الأخلاقیة العلیا التی تعتبر اللبنة الأساس والمدماک الأولی لتحقق المجتمع الإلهی على الأرض وهذا ما تضمنه حدیث رسول الإنسانیة محمد (ص) عندما حصر الهدف من بعثته المبارکة فی " تحقیق الفضائل وإتمام الأخلاق " حیث قال (ص) : " إنما بعثت لأتمم مکارم الأخلاق " وهذا ما جعل البعض یصف الإسلام بأنه " دین القیم " . إن الحدیث عن محوریة دور القیم الإنسانیة الأخلاقیة – بالمفهوم الإسلامی – فی بناء المجتمع الإنسانی الأمثل لا یعد شعاراً یرفعه المسلمون فی وجه من یعارضون الإسلام وشریعته بل أصبح واقعاً متحققاً فی التجربة والممارسة . وما وجود وإزدهار الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة الإ ّ بفضل المنظومة القیمّیة الإسلامیة القرآنّیة المحمّدیة الأصیلة التی تشکل الأساس لبنائها وعملها ... وبالمقابل إن الحرکات الثوّریة والإصلاحیة التی یشهدها عالمنا الیوم لیست إلا ثورة على اللاقیم واللافضائل واللاإنسانیة ... التی تمارس من قبل الأنظمة السیاسیة الحاکمة، وعلیه فإن السلاح الأجدى لمواجهة هذه الأنظمة الظالمة والفاسدة هو التمسک بالقیم وبالهویة الإسلامیة الأصیلة . وهنا تُطرح مجموعة من الأسئلة حول ماهیة هذه القیم وأنواعها والدور الذی یمکن أن تلعبه فی حفظ الهویة والمکانة للإنسان المسلم بشکل عام وللمرأة بشکل خاص، وطبیعة وحجم المعوقات التی تعترض تحقق هذه القیم وما یمکن ان یعتمد من سیاسات وإجراءات یمکن أن تساهم فی تعزیز دور الأخیرة فی دعم حرکة النهضة الإسلامیة والوصول بها إلى هدفها المنشود . إن القیم الإنسانیة – من المنطلق الإسلامی – هی مجموعة من المبادئ السامیة والمثل العلیا التی توجه السلوک الإنسانی نحو الفضائل والکمالات وتغذّی فیه مشاعر الأخلاق النبیلة بحیث تحیی فیه ملاک الخیر وتؤدی إلى تعزیز إنسانیته بحیث یسمو بنفسه ویرتقی بها فی سلّم الکمالات الإنسانیّة . ومما لاشک فیه أن هذه القیم تتناسب لا بل تتناغم مع الفطرة الإلهیة التی أودعها الله فینا " فطرة الله التی فطر الناس علیّها " وذلک بمقتضى الحکّمة الإلهیة بحیث یشعر الإنسان عند عمله بالقیم براحة وطمأنینة وسلام داخلی وینعکس إیجاباً على الصعید العملی فی طریقة تعاطیه مع من هم حوله . والجدیر ذکره هنا وبالرغم من إختلاف سُلّم القیم بین الشعوب والمجتمعات ماضیاً وحاضرا ..,. إلا اننا نجد قیماً مشترکة - على الأقل بمسماها- وإن إختلفت طرق تطبیقها ووتیرة الإلتزام بها ودرجة أهمیتها بین الشعوب وهی ما یطلق علیه "بالقیم العالمیة" کالحق فی العمل والتعلم والحصول على الحریات والحقوق البیئیة السلیمة والعدالة وحقوق المرأة والطفل . لا بدّ من الإشارة هنا إلى انّه جرى تقسیماً نظریاً للقیم لناحیة کونها أخلاقیة وإجتماعیة فالقیم الإجتماعیة یعبر عنها بأنها أنظمة متکاملة تستند إلیها مجموعة من الناس من أجل تنظیم سلوکیاتها وتحدید مثلها وضمان وحدتها ضمن الجتمع الواحد کقیم التعاون والدیموقراطیة . والقیم الأخلاقیة هی قیم فردیة شخصیة توجّه السلوک الشخصی نحو الکمالات وتنعکس إیجاباً على شخصیة الفرد کفرد وعلى دوره فی المجتمع کفاعل إجتماعی مؤثر، وهذا ما یمکن أن یعود بالخیر على الفرد والمجتمع على حد سواء. وهنا تطرح الإشکالیة الأساسیة لهذا البحث وهی دور هذه القیم فی حفظ هویة ومکانة المرأة فی موجة الصحوة الإسلامیة؟ لمعالجة هذه الإشکالیة لا بد من تفرید البحث فی مفرداتها :المرأة ، موجة الصحوة ، القیم ودورها. إذا أردنا البدء بمسألة المرأة فنرى أنه من المسلّم القول أن للمرأة دور أساسی وجوهری فی حرکة الصحوة الإسلامیة وهذا ما شاهدناه وعایشناه فی الکثیر من الدول العربیة .وهذا الدور یتناغم مع الدور الطبیعی الذی أراده الله تعالى لها والذی یتلخّص بالآیة الکریمة:"وإذ قال ربک للملائکة إنی جاعل فی الأرض خلیفة". فالمرأة قبل أن تکون أنثى هی- کما الرجل-إنسان خلیفة الله على الأرض حیث أن کل ما أعطاه الإسلام للإنسان هو للمرأة، فهی الخلیفة وهی المکرّمة وهی تتحمّل الأمانة الإلهیة وهی مکلّفة بإعمار الدنیا کالرجل تماماً. وللإمام الخمینی (قدس) قول عمیق فی هذا المجال اذ یقول "أن المرأة إنسان بل إنسان عظیم"1 إن الإمام (قدس) یدعو إلى الالتفات لمقامها الإنسانی والتصرف على هذا الأساس"نحن ندعو لأن تحتل المرأة مکانتها الإنسانیة السامیة...فالإسلام یرید للمرأة والرجل أن یسموا فی مدارج الکمال".2 وله (قدس سره) قول یؤکد على محوریة ومرکزیة دور المرأة فی المجتمع إذ نراه یقول "لو جرّدوا الأمم من النساء الشجاعات والمربیات للإنسان،فسوف تهزم هذه الأمم وتؤول إلى الانحطاط". فالمرأة إذاً هی "مربیة الإنسان "وبهذا المعنى نجد أن للمرأة دور مزدوج فهی من ناحیة صانعة للإنسان - هذا الإنسان الخلیفة –فهی هنا حجر الزاویة فی صلاح المجتمع وهی الکائن الوحید الذی بمقدوره أن یمنح المجتمع من أحضانه أفراداً یساق المجتمع بل المجمتعات ، بلطف برکاتهم ،إلى الاستقامة والقیم الانسانیة السامیة، کما وأنه من الممکن أن یکون العکس،هذا مع کل ما یتطلبه هذا الدور من إمکانات واستعدادات وقدرات ... وهی من الناحیة الأخرى الفاعلة فی المجتمع والشریکة الأساسیة للرجل عبر مشارکاتها ومبادراتها وأفکارها. وقد حفل التاریخ الإنسانی ولا یزال بأسماء شخصیات نسائیة کان لها الفضل الأکبر فی الوقوف بوجه الأنظمة الظالمة وفی مقاومة مشاریع الاستعمار وفی مواجهة مشاریع الغزو والتغریب الثقافی. وعلیه فإن السبیل الوحید الذی یمکًن المرأة من القیام بهذا الدور هو أن یکون ذاتها مصنوعاً صناعة أخلاقیة أصیلة، فالهویة والمکانة الحقیقیة للمرأة هی فی أصلها تنبثق من المعنویات وهذه الأخیرة تنبثق من مجموعة الفضائل والمثل التی تسمو بالمرأة إلى المکانة التی خصّها الله تعالى بها. ففی القرآن الکریم یخاطب الله تعالى المرأة والرجل على قدم المساواة فی خصوص التقوى وتجنّب الأعمال السیئة والتصدی لقضایا الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر"ولتکن منکم أمة یدعون إلى الخیر ویأمرون بالمعروف وینهون عن المنکروأولئک هم المفلحون". ان المقام هنا لا یسمح لنا بالخوض فی دور کل قیمة أخلاقیة وأثرها فی المساهمة فی نهضة الأمّة وتحرّرها بالإضافة إلى کون دور هذه القیم هو أقرب إلى البداهة ولا یحتاج إلى شرح وتفصیل وأدلة وحجج. إن ما یشهده عالمنا المعاصر هو تجاوز البشریة الواضح للإدیولوجیات المادیة، حیث نرى کیف أن المارکسیة واللیبرالیة والرأسمالیة العالمیة بقیمها المادیة فقدت الکثیر من جاذبیتها، فالجاذبیة الأشد بین الأمة الإسلامیة فی الوقت الراهن هی للإسلام وللقرآن ولمدرسة الوحی، وقد وعد الله تعالى أن بوسع المدرسة الإلهیة والوحی الإلهی والإسلام العزیزأن یوفّر السعادة للبشر....إن هذا القرن هو قرن الإسلام ،هذا القرن هو قرن المعنویة، الإسلام یقدّم العقلانیة والمعنویة والعدالة مجتمعة هدیة للشعوب....إسلام التوجه إلى الله تعالى والتوکل علیه،إسلام الجهاد ،إسلام العمل،إسلام الإقدام والمبادرة....3 ان هذا الکلام یجد صداه فیما عکسته "مشارکة المرأة المسلمة فی الاحتجاجات الجاریة فی بعض دول الشرق الأوسط بأنها ترید التحرر من قیود المادیة الغربیة وأن هذه الاحتجاجات جاءت من أجل الخلاص من الحکام الدکتاتوریین المرتبطین بالغرب. . ولیس لهم أمل إلا فی الله تعالى، ولا سلاح إلا المقاومة. وتعکس مشارکة المرأة الفعالة فی هذه الاحتجاجات الصحوة الإسلامیة لدى المرأة المسلمة..
الهوامش: 1-من کلمة له (قدس) بمناسبة یوم المرأة العالمی بتاریخ 6-5-1976. 2-من کلمة له (قدس) بتاریخ 9-11-1978. 3-من کلمة ألقاها السید الخامنئی (حفظه الله) فی مؤتمر الشباب والحوة الإسلامیة الدولی. 4-نقلاً عن وکالة المرأة والأسرة، ترجمة سناء الأنصاری (بتصرف). | ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,153 |
||