رمضان المبارک وجراحات الأمّة النازفة | ||
رمضان المبارک وجراحات الأمّة النازفة بتول صادق هل علینا شهر رمضان المبارک، والأمة الاسلامیة مثخنة فی جراحاتها ومثقلة بآلامها، وقد تداعت علیها الأمم، وتکالب علیها الأعداء من کل حدب وصوب، وراحوا ینهشون فی جسدها حتى بات معتلاً لا یقوى على الحراک، ویستبیحون ثرواتها وخیراتها وهی لا تستطیع الدفاع عن حیاضها وأمن بلادها. ان استسلام الأمة للتحدیات وضعفها أمام المخاطر التی تهددها أمر لا یقرّه المنهج الإسلامی بل لا تجیزه الفطرة الانسانیة السویة ولا ترضاه النفس الأبیة، فقد أمرت أمتنا فی دستورها الخالد وسنة نبیها الأعظم أن تدافع عن نفسها وأن تقوّی شوکتها وأن ترد کید المعتدین وأن تحافظ على أرضها وتحمی مقدراتها وأن لاتکون لقمة سائغة فی فم الأعداء. ولهذا فإن الخروج من هذا الوضع المتردی لا یکون بالجلوس على موائد الشرق والغرب، واستجداء العطف من هذا أو ذاک، فأعداء الأمة کثیرون، وهم لا یرجون منها إلا التبعیة العمیاء أو الموت الزؤام، وإنما یکون الخروج من هذا المأزق الراهن عبر التمسّک بکتاب ربنا والاحتکام إلیه فی کل شؤونا والاقتداء بسنة نبینا وأهل بیته الکرام (علیهم السلام)، وقراءة التأریخ والواقع بعین واعیة ونظرة فاحصة، وتغلیب المصالح العلیا والنظرة الکلیة الشاملة على النزاعات الأیدیولوجیة والصراعات المذهبیة والانکفاءات القطریة، وما شهر رمضان العظیم إلا نموذج فرید فی معالجة أمراض الأمة ومواجهة المخاطر، فهو شهر الدفاع عن النفس، والجهاد ضد المعتدین، والثبات على الحق، وهو شهر النصر والتمکین، فیه تحققت عزة المسلمین، وتعززت کرامتهم وسادت إرادتهم، وارتفعت رایة الحق على الباطل، وقامت دولتهم فی مواجهة قوى البغی والظلم والعدوان. أمتنا الاسلامیة مدعوة فی هذه الظروف العصیبة إلى التصالح مع نفسها وإقامة حواربین أبنائها وإزالة ما بین صفوفها من بغضاء وشحناء تمهیداً للوقوف صفاً واحداً فی مواجهة مخططات قوى الشر والاستکبار العالمی التی تستهدف النیل من المسلمین وتشویه صورتهم فی کل زمان ومکان بل وتغییر معتقداتهم وطمس هویتهم وتمییع قضایاهم. وأبناء الامة مدعوون فی شهر الصوم والقرآن بأن یصلحوا ذاتهم ویطهروها، ویعمروها بالإیمان والتقوى، فهو دعوة لاصلاح الأمة المسلمة واستلهام طریق الحق. قال تعالى ((شهر رمضان الذی أنزل فیه القرآن هدى للناس وبینات من الهدی والفرقان)). إن صلاح هذه الأمة وعودتها الى ریادتها وتحقیق خیریتها لایکون إلا بما صلح به أولها. فلیکن کتاب الله تعالى وسنة النبی الکریم (ص)، المرجعیة العلیا التی نستضیء بها فی ظلمات الخطوب. إن المسلمین فی جمیع مختلف بقاع الأرض یحتفلون بقدوم شهر رمضان، ویعلنون ابتهاجهم بهذا الشهر العظیم، وحق لهم أن یحتفلوا ویبتهجوا لأنه شهر حافل بالخیرات مغمور بالبرکات فهو رکن من أرکان الإسلام الخمسة، ودعامة من دعائم الدین التی یقوم علیها، ولم یکن الله عابثاً وقت أن جعله رکناً من ارکان دینه القویم، تنزه الله عن العبث، فهو حکیم جلّت حکمته، لایفرض فرضاً ولایقدّر أمراً، إلاّ وله حکمة سامیة، وسرّ عجیب، یدرکه العقل الرشید، ویقدّره من سمعت أفکاره، رسخت إیمانه، واستنار عقله. وهاهو الصوم وسرّه، وشهر رمضان وفضله، فالصوم کفّ النفس عن الشهوات لکی یکون عبداً لله مخلصاً، ویستحق شرف العبودیة التی یعنیها الله فی قوله تعالى: ((إن عبادی لیس لک علیهم سلطان وکفى بربک وکیلاً)) (الإسراء: 65). ومن غیر شک أن فی حفظ الجسوم حفظاً لکیان الأمم والشعوب، وهناک فائدة أخرى تنجم عن الجوع، وهی: المحبة والوئام بین الناس، بل وبین العبد وربه، فإن الانسان عندما یشعر بألم الجوع وشدة الظما یحصل له الذّته والانکسار، وعندئذ یشعر بحاجته لولاه، فیتواضع لبارئه الذی خلقه وسواه، ویطرح رداء الکبر والعظمة، فإنهما من صفات الله جل جلاله وحده. بالإضافة إلى ما فیه من الأجر والثواب العظیم فی الآخرة.. یعتبر الصیام علاج ووقایة للکثیر من الأمراض التی انتشرت فی عصرنا الحالی، وأحیانا یکون هو العلاج الوحید لبعضها، وصدق الله تعالى: ((... وأن تصوموا خیر لکم إن کنتم تعلمون)) (البقرة: 184).
| ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,078 |
||