واهتدت بعد حین | |||||||||||
واهتدت بعد حین رباب عصفور
کانت فتاة ، هادئة، رزینة، ذات خُلُقٍ قَویم، اسمها "نورا" ، وکانت تقطن بجوارصدیقة لها تُدعى "سعاد" ...فکانا یذهبان إلى المدرسة ویعودان سوِیَّاً، وکانت أحادیثهما غالباً لا تتجاوز أخبار المدرسة والدراسة، واخبار أسرتهما، والمسلسل التلفزیونی الفلانی وهکذا. ولم تکن "نورا" تتحدث معها فی الدین إطلاقاً، ولکنها کانت تفعل اموراً فی البدایة تُدهشها، ولکنها مع مرور الوقت- وتکراره - کان یُشعرها بوَخز الضمیر!! فقد کانت "نورا" تحرص بین الآونة والأخرى على أن تعید ضبط غطاء الرأس لیصبح حجابها تاماً...فلا تبرز منها شعرة واحدة!! وکانت "سعاد" -على العکس منها- تحرص یومیاً على تغییر تسریحتها، بل وتغییر لون الرداء الذی ترتدیه الفر ق المدرسیة لتتناسب مع لون الحقیبة المدرسیة!!!! وأصبح ما تفعله "سعاد" –مع الوقت- یؤلمها، بل ویدفعها إلى التفکیر:" لماذا تفعل "سعاد" ذلک؟!!!!" ولماذا هذا الاهتمام الشدید بکل شعرة لدیها؟!!! وبدأت تفکِّر: لماذا "نورا" کذلک ولماذا هی کذلک؟ ومَن منهما على الحق، وَمن مِنهما على الباطل؟!!!! لقد نشأت "سعاد" فی أسرة مُحافظة متدینة تقدِّر الأخلاق کثیراً، وکانت کلمة (حرام)- فی بیتهم- تعنی أن هذا الشیء قبیح ولا یجوز فعله على الإطلاق....ولکن أمّها لم تکن ترتدی الحجاب، وکذلک قریباتها وجاراتها، وغالبیة زمیلاتها فی المدرسة، وجمیع المدرِّسات کذلک....فلماذا یلتزمن بکل تعالیم دینهن ما عدا الحجاب؟؟!! فهداها ربها إلى التفکیر فی أن هذا هو التقلید الأعمى للاستعمار الذی غزا البلاد کی ینهب خیراتها ، ثم یغزو عقول ابنائها وقلوبهم ، ویوهمهم بأنه أفضل منهم ... وبما أن الطبیعة البشریة دوماً تتطلع إلى الأفضل ، فهی ترغب أن تقتدی به وتقلِّده .... وتذکَّرت نساء الجاهلیة فی المسلسلات الدینیة، لقد کُنَّ یرتدین الحجاب ، ولکنهن کُنَّ یبرزن خصلة من مقدمة الرأس ،وجزءاً من الرقبة.... فقط!!! إذن هی ومن على شاکلتها أسوأ من نساء الجاهلیة الکافرات!! وبدأت تخشى خطورة هذا الأمر، إن " نورا" تنفذ الاوامر الالهیة، وتقتدی بالنسوة الصالحات، وهی وزمیلاتها یطعن الشیطان وأعوانه من البشر، ویلتزمن بسُنَّة الکفار من المستعمرین!! وبدأت تشعر بالخِزی من ربها...ماذا ستقول له حین تلقاه إذا سألها:" لماذا لم تلبسِ الحجاب وقد أمرتُکِ به؟!!" هل ستقول له: لأنها اتَّبعتُ سنن الکفار وأعرضت عن السُنَّة النبویة ؟!!! وماذا فعل بهن الفسق والکُفَّر ، وماذا امرهن الرسول "صلى الله علیه وآله وسلم"؟!!! فأی الفریقین أحق أن تتَّبِع؟!!! أم لأنها آثَرت هواها على أوامره؟!! وکیف ذلک وهو الذی خلقها بیدیه وهداها للإسلام، وأعطاها من النِّعم ما لا تستطیع أن تحصیه؟!!! أم لأنها أکثر رونقاً بدون الحجاب؟!! وکیف سیکون شکلها حین تُلقى فی النار بسببه؟!! أم لأنها تحب الأزیاء والموضة؟ إن الحجاب لا یمنع أن تکون أنیقة. أم لأنها تخشى أن تسخر منها زمیلاتها أو صدیقاتها؟ فهل ستحمل عنها إحداهن شیئاً من عذاب الآخرة،أم ستقول:" نَفسی ....نَفسی؟! فحسب، وبدأت تشعر بأن الحجاب شیء حتمی وملزم أنها لابد من أن ترتدیه عاجلاً أو آجلاً. وأصبحت "سعاد" بعد ذلک تسمع الأذان بشکل مختلف...لقد أصبحت تصغی إلیه بقلبها وعقلها!! وصارت کلما سمعت الأذان تتذکَّر الآخرة، وتتذکّر المَوت الذی یأتی بغتة من حیث لا تعلم...وبدأت تشعر بالخوف الشدید من أن یأتیها الموت قبل ارتدائها للحجاب!! بل والأکثر من ذلک، لقد صارت تشعر أن النداء"حیَّ على خیر العمل" یقول لی:" هیا إلى الحجاب"!! فبدأت تحاول تجربة شکلیة بالحجاب أمام المرآة، وتتحدث إلى نفسها لتتشجَّع، فشکلها بالحجاب لیس أسوأ بکثیر...کما أن جمالها لن یشفع لها عند ربها، بل سیصیر قُبحاً إذا دخلت جهنم بسببه، ففی الجنة ستصبح اروع من الحور العِین- کما سمعت من أبیها- فلتطع الرحمن وتطرد وساوس الشیطان وإغراءاته. وقرَّرت أن تجرِّب نفسها، خوفاً من أن ترتدیه، ثم تخلعه... فأصبحت تکتفی بتسریحة واحدة فقط، تضم شعرها من الخلف، ثم أصبحت ترتدی الاکمام الطویلة –وکانت مقبلة على فصل الصیف اللاهف- فکانت تهم بالقاء رداء المدرسة مراراً وتِکراراً کلما تضایقت من الحرّ، ولکنها کانت تقول فی نفسها: لا تفعلی ذلک فنار جهنم أشد حرارة!! وصارت کلما زارهم أحد بالمنزل، ترتدی رداءً بکُم طویل حتى تلتزم بقرارها...ولما رأت زمیلاتها بالمدرسة أن تسریحتها أصبحت- تقریباً- واحدة تساءَلن، فقالت لهن بکل شجاعة: انها تنوی أن ترتدی الحجاب، فلم تصدِّق واحدة منهن!! وقُلن: لابد أنها تمزح، فهذا شیء لا یمکن أن یصدِّقنه أبداً... ولکن "سعاد" لم تواصل معهن هذا الحدیث بل کانت تحدِّثهن عن ضرورة الحجاب، فکُنَّ یندهشن،ولا یعلقن أبداً. ومع الوقت أصبح شَعرها بالنسبة لها- حین خروجها من المنزل- شیئاً أقوم بضمِّه من الخلف بشکل منسَّق... ولم تعد تلک التسریحات تهمها، کما اعتَادت أن ترتدی الکُم الطویل حتى فی الصَّیف اللاهف، فقررت أن تطلب من والدتها حیاکة اردیة طویلة لها - تصل إلى تحت الرُّکبة - لترتدیها مع السروالات المتوفرة لدیها (کبدایة) ولکنها اعترضت بشِدَّة وقالت لها بانها تخشى أن تخلعه.. کما ان ابنتها حین تدخل الجامعة لابد وأنها ستبدّل رأیها. فأوضحت "سعاد" لها أن الأمر فی غایة الاهمیة بالنسبة لها وأنها تفکِّر فیه منذ شهور... وأمام إصرارها وإلحاحها لم تملک أمّها إلا أن تستجیب لرغبتها. وفی أول یوم ارتدیت فیه "سعاد" الحجاب کان أبوها فی غایة السعادة، وکان إخوتها مصدومین، أما الاسرة والجیران والأصدقاء، فعلى الرغم من اندهاشهم، إلا أنهم شجَّعوها کثیراً، حتى أن بعضهم قال لها بانها أصبحتِ أکثر هیبة بالحجاب!! وزاد ذلک بالطبع من سعادتها، ولکن سعادتها الحقیقیة کانت بداخلها... فقد أحست بالنور یغمرها، وشعرت کأنها لم تعد تحیى على الأرض کسابق عهدها..بل أحسّت کأنها تعیش فی السماء، لا على الأرض...والأهم من ذلک أنها شعرت براحة الضمیر، وعدم الخِزی من ربها حین تقابله فی الآخرة!! ولم تعد تهاب من الموت...فلقد صحَّحت مسارها، واختَارت طریق العِزَّ، والفُوز والنَّجاة...ألا وهو طریق الله!! وشعرت أن حجابها هو تاج عِفَّتها وحیائها. لقد أصبحت مَلِکة بحق لانها تطیع ربها!! وغداً – بفضل الله ورحمته- ستصیر مَلِکة فی الجنة . وانتهت المشکلات المتکررة بینها وبین أبیها وأخیها الأکبر بسبب تعلیقاتهما على ملابسها وتسریحاتها کلما خرجت من المنزل، وأصبح أبوها راضیاً عنها، فخوراً بها، وأصبحَت هی وأخوها الأکبر أصدقاء، أما أخوها الأصغر فکان ما یزال مصدوماً!! وأما الام فکانت تشعر بکثیر من الحرج لأنها لم ترتدی الحجاب ، فکانت تقول لتریح ضمیرها بانها سترتدیه بعد أن تؤدی فریضة الحج!! وکانت "نورا" من أسعد الناس لارتدائها الحجاب، وأصبَحَت بعد ذلک هی أقرب الناس إلیها، فلما حدَّثتها عن شعورها بالجهل الدینی- فمعلوماتها فی الدین لا تتجاوز ما درسته فی مادة التربیة الدینیة بالمدرسة- إقترحَتْ علیها"نورا" أن تذهب معها إلى معهد الدروس الدینیة عصر کل یوم خمیس، فاستأذنت "سعاد" من أبیها وأصبحت ترافقها إلى ریاض الجنة!! نعم، فلم العجب، فقد کانت تشعر بذلک وهی تتلقى هذه الدروس...فرأت أن تعرض على أمها أن تصحبهما، وکذلک طلبت من والدة "نورا"(مع أنها ملتزمة بالحجاب)، ولکنها أرادت أن تحظَى أمها بصُحبة فتاة متدینة، فوافقَت أمّها، وأصبحْن یذهبْن هنّ الأربعة عصر کل خمیس إلى المعهد الدینی.... فتأثَّرت أمّها کثیراً بهذه الدروس الکثیفة، وحرصَت فی موسم الحج التالی على تأدیة هذه الفریضة المقدسة، فعادت من مکة المکرمة وهی ترتدی الحجاب وکانت فی غایة السعادة والهناء!! | |||||||||||
المراجع | |||||||||||
| |||||||||||
الإحصائيات مشاهدة: 1,899 |
|||||||||||