مخاوف المراهق الخمسة الأساسیة | |||||||||||
مخاوف المراهق الخمسة الأساسیة عزّة فرحات تعتبر مشاعر الخوف طبیعیة فی حیاة البشر. وهی تعکس عادة قوة الحواس والوعی والذکاء. وتساعد على التیقظ والتفکیر قبل القیام بأی عمل أو تصرف. وتتفاوت مشاعر الخوف بین الناس، بل إن نفس الشخص یعیش حالات متفاوتة من الخوف بحسب الظرف الذی یکون فیه. فقد یظهر الخوف أحیاناً بصورة الحذر وأحیاناً القلق وقد یتدرج من التوتر إلى الرعب فالذعر والهلع. ویمکن أن تتمحور المخاوف التی یعیشها الناس عادة حول خمسة أمور أساسیة هی: أ – الخوف من الجهل ب – الخوف من الوحدة ج – القلق على الجسد وصحته د – الخوف من تأنیب الضمیر ه – القلق على النفس وسلامتها وتبرز مخاوف الولد من المجهول منذ أیام طفولته الاولى ثم یلیها الخوف من الوحدة والقلق على الجسد، وذلک عندما یبدأ الطفل بالانفصال عن أمه. ویظهر الخوف من تأنیب الضمیر لدى دخول الولد فی الممنوعات التی یفرضها الأهل والمجتمع. أما القلق على النفس فیبرز عندما یبدأ الانسان بتکوین شخصیته المستقلة وتثبیتها، وذلک فی سنوات المراهقة. وتعتبر هذه المخاوف الخمسة أساسیة فی فهم الانسان لنفسه وقدرته على التعایش مع العالم من حوله وهی ترافقه طیلة أیام حیاته وإن تفاوتت نسبها. أ – الخوف من الجهل تحمل سنوات المراهقة الکثیر من الأمور المجهولة عند المراهق وتحفل بالکثیر من المشاعر والافکار والتحدیات والتجارب الجدیدة والغریبة بالنسبة إلیه. لذلک فهو یعیش القلق واللاثبات، ویسهل علیه تصدیق کل فکرة جدیدة فی المقابل. ومن هنا فلیس غریباً أن یحب المراهقون القصص الخیالیة ویتعلقون بالافلام التی تحکی عن مخلوقات غریبة. إن ذهن المراهق فی هذه السنوات یکون مستعداً لتقبل أی جدید رغم قلقه. ب – الخوف من الوحدة خلال سعی المراهق للانفصال عن الأهل یفقد جزءاً مهماً عن المدد العاطفی والطمأنینة التی کان یعیشها. ولذلک یجهد لإیجاد البدائل السریعة من خلال الأصدقاء وإقامة العلاقات الجدیدة. ویتخوف المراهق کثیراً فی هذه المرحلة من بقائه وحیداً – خاصة دون أصدقاء. ففی سن المراهقة یعتبر القبول من قبل الآخرین همّ المراهق الأول، والوحدة بالنسبة إلیه تساوی القلق والحیرة. ولهذا یکثر عادة استخدام الهاتف من قبل الابناء فی هذه السنوات، وکذلک حالیاً استخدام الانترنت بالنسبة للکثیر منهم، فهاتان الوسیلتان تشکلان مدخلاً للمراهق للارتباط بالمجتمع وتأمین غذائه العاطفی والعقلی الذی یحتاجه، ومیزة هاتین الوسیلتین أنهما تربطان المراهق بالناس والمجتمع من جهة، وتبقیانه على مسافة من الآخرین من جهة ثانیة. وبذلک یعطی نفسه طریقة آمنة لبدء علاقاته مع توقعات أقل خطورة من المواجهة المباشرة. ج – القلق على الجسد وصحته یعتقد معظم المراهقین أن الثقة بالنفس تعتمد بشکل أساسی على المظهر والشکل الخارجی. ولذلک فهم ینشغلون بأجسادهم کثیراً فی هذه السنوات. ویکون همهم الدائم الظهور بالمظهر اللائق والملفت بالنسبة للآخرین. وکلما کان المراهق أقل راحة بالنسبة لجسده کلما اعتمد علیه أکثر وانشغل فیه مدة أطول. د – الخوف من تأنیب الضمیر یشکل الضمیر الواعظ الداخلی الذی یبیّن الصح من الخطأ ویأمر بالخیر وینهى عن الشر دائماً. وهو یدعو المراهق إلى عدم مخالفة القیم والمبادئ التی تربّى علیها حتى فی حال غیاب الأهل عنه. لکن معظم المراهقین یرکزون فی هذه المرحلة على الولاء لأصدقائهم والإخلاص لهم، فترتبط صحوة الضمیر عندهم بهذه المسألة بشکل أکبر. ویظهر تأنیب الضمیر من خلال شعور المراهق بالذنب فی بعض الأحیان مما بسبب له قلقاً وانقباضاً. ه – القلق على النفس وتهذیبها إن أبرز مهمة بالنسبة للمراهق هی تثبیت شخصیته وقدرته على الشعور السلیم بذاته. ویتمحور ذلک – بحسب التربیة والبیئة – حول شعور المراهق بالمسألة الجنسیة من جهة، ومن جهة أخرى حول نظرة الآخرین إلیه وإحساسه بقدراته ومهاراته. وقلق المراهق القوی حول أی نوع من الاشخاص یجب أن یکون فی المستقبل؟ ما هی الصفات التی ینبغی أن یتحلّى بها أو یقلع عنها؟ ما هو الشیء الذی سیحققه فی حیاته؟ ما هی انجازاته المتوقعة والتی یقدر علیها؟ ماذا ستکون نظرة الآخرین إلیه ومکانته فی المجتمع؟ وکیف یمکن أن یصل إلى أهدافه؟ والمراهقون دون إستنثناء یکافحون فی سبیل تحصیل إجابات مرضیة عن هذه الأسئلة الاساسیة، فمنهم من یسیر وفق ما رسمه الأهل لهم ومنهم من یرسم طریقاً جدیداً. وتختف مشاعر الخوف عن المراهقین باختلاف الشخصیات. فالمتهور لایوازی الخجول فی أحاسیسه ومخاوفه. والمراهق یعتمد فی عبور هذه المرحلة على المخزون النفسی الذی لدیه من أجل التأقلم مع شؤون المراهقة وتحدیاتها. یضاف إلى ذلک ما یورّثه الأهل للوالد ویطبّعونه به. ولذلک فقد یعیش المراهق عند مواجهة تحدیات الحیاة واحدة من هذه الحالات: القلق، الاکتئاب، العناد، الرفض، الانزواء، التعلق المفرط بالأهل. وتعتبر ردات الفعل هذه طبیعیة بالنسبة للکثیر من المراهقین، وقد لایمر بها البعض الآخر – یؤثر فی ذلک البیئة والأسرة والشخصیة الکامنة. وتعتبر هذه الحالات مشاکل یجب حلّها عندما تحصل إلى أحد حدّی الافراط أو التفریط. فمن الطبیعی أن یقلق المراهق بشأن مدرسته لکن لیس طبیعیاً أن یرفض الذهاب إلیها. ومن الطبیعی أن یشعر المراهق بالانزعاج والمزاجیة أحیاناً لکن من غیرالطبیعی أن لایقدر على مغادرة سریره. ومن الطبیعی أن یحلم المراهق لکن لیس من الطبیعی ان یرفض معایشه الواقع!
کثیرة هی الاسباب التی تقلق المراهق فی هذه السنوات. فقد تکون التغیرات الجسمانیة التی ترافق مرحلة البلوغ، وقد تکون توق المراهق لتحصیل مقبولیته عند أصدقائه، وقد تکون التوقعات العالیة یعیشها الأبناء. فتمضیة طفولة وحیدة غیرمفعمة بالعاطفة تجعل مسألة الانفصال عن الأهل صعبة للغایة. وقد یؤدی عدم وجود الاصدقاء فی طفولة المراهق إلى عدم قدرته على إنشاء علاقات متینة لاحقاً. وأکثر ما یقلق المراهق هو شعوره بأن قیمته ومکانته ترتکز على الأعمال التی ینجزها فی الوقت الذی یکون فیه ملیئاً بالشکوک تجاه قدراته: هل هو حقاً ذکی؟ هل سینجح فی امتحاناته أمام الأهل والآخرین؟ وکل ذلک یؤدی إلى ظهور الشخصیة متزعزعة غیرمتماسکة ویظهر ذلک عملیاً على المراهق فی عدة أمور أهمها: عوارض القلق - الخلل فی عادات الطعام، یمیل عادة المراهق إلى التقلیل منه. - رفض الذهاب إلى المدرسة. - الانقیاد لأحد الاصدقاء الذی یبدو مسیطراً على المراهق - تعذیب النفس (قضم الاظافر، ذم النفس وتوبیخها) - عدم القدرة على النوم جیداً. - تخیلات حول الموت: موت المراهق أو موت أهله. - عدم الثقة بالنفس والشعور بأنه لیس اجتماعیاً. دور الأهل فی هذا المجال من المهم فی البدایة أن یسلّم الأهل بوجود المشکلة حتى یمتکنوا من معالجتها ومساعدة ولدهم. ثم لابدّ أن یفصلوا بین طموحاتهم وطموحات المراهق وقدراته، ویبقوا قنوات الحوار الفعال مفتوحة دائماً بین الطرفین. ولیستخدم الوالدان خبرتهما ومعرفتهما بأحوال ولدهما لمناقشة المشکلة والتأکد من أسبابها فیقدروا على إزالتها. من المفید واللازم ایضاً أن یتم تذکیر المراهق دائماً بقدرته على حل مشاکله، والترکیز على ایجابیاته واستعدادته، وانه موضع ثقة عند والدیه. ویفضل أن توکل إلیه بعض المهام التی یعلم الأهل أنها ضمن قدراته. إن دور الأهل یتمثل بالرحمة والشفقة وإشعار الولد بأنه محبوب ومحترم. وان أی تهکم أو استهزاء من قبل الأهل قد یؤدی إلى نتائج سلبیة کبیرة.
عندما یشعر المراهق أنه لیس مقبولاً من قبل الآخرین، أو أنه أقل منهم ولایجد لنفسه مکاناً مفیداً فی مجتمعه قد یصاب بالخیبة والغضب. ویختار البعض أن یعبر عن مشاعره بتصرفات منافیة للعرف الاجتماعی والقوانین السائدة. ویشکّل الفقرالمادی أو امتهان الوالدین أو أحدهما لمهنة یخجل منها الأبناء سبباً لإثارة خوف المراهق من الوحدة والمجهول ما یجعل المراهق یثور ویغضب ویصّر على والدیه أن یغیروا الواقع الذی هم فیه ویرفض هو معایشته.
ترافق السنوات المراهقة تغیرات ذهنیة وجسدیة. ویبدأ بعض المراهقین بالتوقع على أنفسهم لشدة ضغط هذه المتغیرات. فیختارون الابتعاد عن صخب الحیاة. وتأخذهم أفکارهم وخیالاتهم إلى عوالم خاصة یفضلونها ویستسهلونها على خوض تجربة العلاقة مع الآخرین واحتمالات الربح والخسارة فیها. فقد یشعر المراهق بالخجل أو عدم الانتماء إلى المحیط الذی یعیش فیه أکان ذلک اسرته أو مدرسته أو بیئته، وقد یرى أنه غیرقادر أصلاً على خوض تجارب المجتمع أو أن دخوله فیها سیجرّده من موقعیته التی یرضاها لنفسه، فیبتعد عن خوض التجارب الاجتماعیة ویواسی نفسه بعالم خیاله. عوارض العزلة - فقدان الحماس للحفاظ على الصداقات - تفضیل النشاطات الفردیة - برودة المشاعر وعدم التصریح بها - الإنجذاب إلى الافکار الصوفیة والروحانیة الفردیة - تحاشی الدخول فی المواقف الاجتماعیة دور الأهل فی هذا المجال على الأهل أن یشعروا المراهق بأنهم یتفهمون مشاعره ویحترمون أفکاره، وأنهم یهتمون بالبعد العاطفی فی شخصیته. وعلیهم ان یعرّفوه أیضاً أن قرارته وسلوکیاته لها آثار معینة على حیاته المستقبلیة ویبینوا له ما هی هذه الآار ومدى حجمها. ولایقطعوا باب الحوار معه أبداً حتى ولو رفض التجاوب معهم بالشکل الذی یتوقعونه. ولیعمدوا إلى إدخاله بطریق غیر مباشر – من خلال الاصدقاء مثلاً – فی بعض النشاطات الجماعیة التی تضفی أجواء مرحة دون أن یکون هو محور الاهتمام فیها فی البدایة حتى یرى حلاوة الاختلاط مع الناس المناسبین. ولیؤکدوا على محبتهم له ولوجوده معهم فی الرحلات العائلیة دون إجباره على المشارکة فیها. إن حفاظ الأهل على وقارهم وهدوئهم من جهة وعلى احترام المراهق ومحبته من جهة ثانیة شرطین أساسیین لإصلاح الاولاد.
بعض المراهقین لایشعرون بالحماسة لأن یکبروا ویستقلوا لانهم یخافون مواجهة تحدیات الحیاة وحدهم أو قد یعتبرون ذلک خیانة للأهل ولتضحیاتهم. ویؤثر دعم الأهل المفرط للأولاد، أو سیطرة الوالدین أو أحدهما على مسیرة الابناء بشکل محکم، سلباً فی تکوین شخصیة المراهق المستقلة والثابتة. إن القلق المفرط بالأهل یحرم المراهق من قدرته على بناء حیاته بنفسه. ویحد من نموه على المستوى العاطفی والنفسی. ویضعفه أمام تحدیات العلاقات الجدیدة مع أبناء عمره وغیرهم. عوارض التعلق المفرط بالأهل - لایهتم المراهق لأصدقائه - یفضل مجالسة أهله على غیرهم - یخاف المراهق على أهله کثیراً - یکثر الأهل من قلقهم على ولدهم - یکثیر الأهل من اعتمادهم على المراهق. - یتبادل الأهل والولد الأدوار فیمارس هو دورهم وهم لایتذمرون دور الأهل فی هذا المجال على الأهل أن یؤکدوا لولدهم أن انفصاله بنحو معین عنهم أمر طبیعی ومطلوب. وهو لایؤثر على علاقتهم به أو محبتهم له. بل یزید فخرهم وغبطتهم إذا رأوا ولدهم وقد بات قادراً على أن یستقل بشخصیته وأعماله. وعلیهم أن یؤکدوا أیضاً على ضرورة خوضه تجارب الأصدقاء واستفادته منهم وحسن اختیاره لهم . ویعتبر وضع الحدود مفیداً جداً فی هذا المجال بحیث یجد المراهق أن هناک حدوداً لاینبغی تجاوزها فی تعامله مع أهله فیضطر إلى إیجاد البدائل بعیداً عنهم وإن کان ذلک بدعمهم وتشجیعهم. | |||||||||||
المراجع | |||||||||||
| |||||||||||
الإحصائيات مشاهدة: 1,998 |
|||||||||||