المرأة وأزمة الهویة – الإشکالیات والمعوقات | |||||||||||
المرأة وأزمة الهویة – الإشکالیات والمعوقات
إعداد: أ. إیمان شمس الدین
الإنسان هو خلیفة الله فی أرضه المتشبه به والمظهر لصفاته ,والمرأة هی الموجود الحی الجمیل المتکفل بإظهار صفات الجمال والجلال بقالب جمالی ظریف،تلتقی مع شریکها الرجل بجوانب وتختلف معه بجوانب أخرى وتحکم کلا الاتجاهین ( التشابه والاختلاف ) قیمتی العدالة والمساواة والأخیرة تأتی لتحقق الأولى دوما إذ العلاقة بین القیمتین علاقة العموم والخصوص. المرأة لها بعدان کما للرجل ، تشترک معه فی بعد وتختلف معه فی آخر، اختلاف تکامل ،فالبعد الإنسانی بعد مشترک بین کلیهما ولذلک هما مشترکان فی هذا البعد من الناحیة الوظیفیة وهی الخلافة والاستخلاف فی الأرض ، وحیث إن قاعدة اللطف تحکی عن ضرورة إمداد المکلف بکل مقومات تأدیة التکلیف إذاً یکون کل من الرجل والمرأة فی هذه المرتبة الوظیفیة متساویین من جهة الأدوات والقدرات والقابلیات لتأدیة الدور الوظیفی التکوینی المتعلق بمرتبتهما الوجودیة الإنسانیة ولا یوجد أدنى فارق بینهما فی هذه المرتبة وهذه الوظیفة. وحیث إن مکان الاستخلاف هو الدنیا ،وحیث أن تجلیات الاستخلاف فی هذه الدنیا تختلف باختلاف الأوجه فیها والمتطلبات تبدأ تجلیات البعد الآخر تتضح حینما تبدأ حقیقة أداء التکلیف بالتمظهر فی الحیاة الدنیا ، وهذا البعد بعد متعلق بوظیفة آلیة مرتبطة بترکیبة کل منهما المتعلقة بجنسیهما ، وفی هذا البعد الطبیعی تختلف المرأة عن الرجل اختلاف تکامل ولیس تنافر وعلى ضوء هذا الاختلاف تتمظهر اختلافات متعلقة بالحق والواجب وبعض الأدوار المرتبطة ارتباط عضوی بطبیعة کل منهما. إذاً لدینا بعدان فی شخصیة المرأة : 1. بعد وظیفی ثابت وله متعلقات ثابتة 2. وبعد وظیفی متغیر وعلى ضوئه تتغیر الفوقیات وفق الزمان والمکان ولکن تبقى مرجعیة التغییر فی المتغیرات هی الثوابت فکل ما یحقق وظیفة الاستخلاف وعلى ضوء إرادة المستَخلِف یکون مقبول کمتغیر. والمقصود بمرجعیة التغییر هی أن أی متغیر فی هویة أو وظیفة المرأة لابد أن یحقق شرطین : الأول : وظیفة الاستخلاف الثانی : یکون وفق إرادة المستخلِف ( الله) أی لیس کل متغیر یمکن أن ینطبق علیه ما قلناه فلا بد للمتغیرات أن تحقق هذین الشرطین حتى تکون مقبولة . فالمرأة لها بعد إنسانی کخلیفة الله وهی تلتقی فی ذلک مع الرجل وهی کإنسان تتکون من بعدین : ١.روحی – معنوی ٢. ومادی – جسدی ولا یتم أداء الوظیفة الخلافیة کما یجب إلا إذا تکاملت فی الجانبین ،وکل جانب مؤثر فی الجانب الآخر. وعلى ضوء قاعدة اللطف الالهی تم تجهیزها کالرجل روحیا وجسدیا بأدوات تأهلها لمسیرة التکامل فی بعدیها الروحی والجسدی أی المعنوی والمادی. ففی بعدها الروحی تتلاقى مع الرجل فی التزکیة والتعلیم والارتقاء والجهاد ( الأکبر) بل قد تتفوق علیه ، وفی البعد الجسدی تختلف باختلاف جنسها عنه ، لکن تتکامل معه لأداء وظیفة الاستخلاف . وحیث أن طبیعة الجسد وفق العلوم هی طبیعة التکیف والتشکل مع المتغیرات البیئیة، وحیث أن العقل أیضا یتسع ویراکم وعیه مع تطور المسیرة البشریة ، فبالتالی سیکون هناک جانبان فی طبیعة المرأة من الناحیة الوظیفیة ، ناحیة ثابتة کوظیفة الأمومة والزوجیة والأنوثة ، وجانب غیر ثابت متعلق بطبیعة جسدها وترکیبته کأنثى ومدى موالمته لبعض الوظائف المتعلقة بتطور المدن والحضارات والمجتمعات وتطور الوظائف فیها بما یتطلب اتساع رقعة وحاجة وظیفة الاستخلاف ، فمثلا تختلف المرأة بوظیفتها فی المجتمع الیوم عنها فی السابق ، ولو استقرأنا وظیفتها الاجتماعیة عبر التاریخ نجدها تتطور وتختلف مع تطور العقل البشری وقدرته على استنطاق الطبیعة من جهة والنص من جهة أخرى. ومع التغیر البیئی والاجتماعی أیضا تتغیر ترکیبة المرأة الطبیعیة وقدرتها على التکیف والموالمة ،ولکن هذا التغیر لا یمکنه أن یقف موقف النقیض من وظیفتها الطبیعیة الثابتة کالزوجیة والأمومة لذلک قلنا أن هذا التغیر والتطور لابد أن یکون وفق إرادة المشرع ، فقد أشخص أن وظیفتی کخلیفة أن أکون فی موقع ما لکن لابد أن یحقق ذلک الموقع إرادة المستخلف -أی الله -ویکون وفقها. لذلک یأتی دور الشریعة لتشخص الأولویات وتحدد الواجب والحق وترسم الحدود حتى لا تعم الفوضى ،وکل ذلک لترسیخ أهمیة تشکل أسرة کنواة تکون وفق الرؤیة الإلهیة. لما للأسرة من دور هام ومحوری فی بناء المجتمعات المتقدمة کونها النواة وتکون التشریعات مدعمة لأداء الدور الاستخلافی للمرأة والرجل کأفراد وهما سویا کأسرة. فالفرد نواة الأسرة والأسرة نواة المجتمع ، والإسلام أولى أهمیة قصوى لبناء الفرد کإنسان وکجنس ( إمرأة ورجل) ورسم خارطة الحقوق الواجبات وفق بعدین : الأول : حقوق طبیعیة وعلى ضوئها واجبات طبیعیة الثانی : حقوق تشریعیة وعلى ضوئها واجبات تشریعیة وهناک بعد ثالث وهی الحقوق القانونیة الاعتباریة التی تنتظم فیها حیاة الإنسان وفق تشخیص عقلائی یتم اعتباره والأخذ به، لکنه یجب أن لا یتناقض ویتقاطع مع المقاصد الکلیة للشریعة التی هی واقعا مقاصد السماء لا الأرض وأهمها العدالة والکرامة الإنسانیة ومنظومة القیم الثابتة. وعلى ضوء ذلک نتوقع أن لا تکون التشریعات معیقة للوظیفة الاستخلافیة للمرأة والرجل بل هی مدعمة ومرسخة ودافعة لها والا تصبح کالسالبة بانتفاء الموضوع. أما المرأة فالثابت الأصل هو الاستخلاف کوظیفة وکحق تترتب علیه واجبات،والاستخلاف فیه جوانب ثابتة متعلقة بتکوین کل جنس متناسب مع وجوده الدنیوی کالأمومة والزوجیة وما یتطلبه ذلک من تجهیزات جسدیة وحقوق وظیفیة لکل منهما تترتب علیها أیضا واجبات وظیفیة ، فالحقوق والواجبات وظیفتها آلیة لتعین کل طرف على أداء وظیفته الاستخلافیة فتتزن الأمور بعدالة دون ظلم، وجانب متغیر وتغیره یکون بتحقق شرطین ذکرناهم آنفا، وکل وفق قابلیته ومرتبته الوجودیة وسعیه. وفی أجواء اجتماعیة تغیب فیها العدالة وتبتعد فی رؤاها غالبا عن المنظور الالهی للمرأة واقعا رغم وجود ذلک المنظور نظریا تعانی المرأة من عدة أمور متعلقة بأداء وظیفتها الاستخلافیة أهمها المعاناة على مستوى الفکر والحرکة الفکریة التی تشکل هویتها وانتماءها وترسم استراتیجیة حراکها وبنیتها الفکریة التی تنعکس على کیفیة أداء وظیفة الاستخلاف بما لا یتناقض مع المرجعیة فی ذلک أی وظیفة الاستخلاف وعدم مخالفة إرادة المستَخْلِف، لذلک هی تعیش أزمة هویة سببها عولمة المفاهیم الفکریة الغربیة کالجمال والحب والسلام والحقوق وغیرها من المفاهیم التی تحمل فی وعائها کل مکونها الفکری والثقافی وفق الفلسفة الغربیة. هذه الأزمة سببها الرئیس غیاب المشروع الاسلامی حول شخصیة المرأة فی الاسلام وإن وجد على مستوى التنظیر فهو غائب على مستوى القناعة والعمل ، حیث السیادة غالبا فی ذلک لمجموعة من العادات والتقالید ومجموعة من الأحکام الفقهیة التی غالبا تحتاج لإعادة نظر وفق المنظور القرآنی.کمسألة القیمومة والضرب والحقوق والواجبات على سبیل المثال ولیس الحصر. هذا فی کثیر من الأحیان یشکل لها عائقا فی القیام بوظیفتها الاستخلافیة. وهذه وظیفة علیها أن تؤدیها، وبکل تأکید ستکون هناک عقبات فی طریق تأدیة التکلیف ،ووظیفتها هی أن تزیل هذه العقبات دون انتظار إذن کی تقوم بتأدیة التکلیف والوظیفة حتى لو کلفها ذلک نفسها وکل ما تملک. وأهم العقبات المعیقة لأداء الواجب الاستخلافی عقبتان رئیسیتان تتفرع عنهما عقبات فرعیة : العقبة الأولى : داخلیة أو داخل دینیة بمعنى زوایة النظر للمرأة فی الشریعة وطریقة استقراء النصوص الدینیة وآلیات هذه الطریقة وأین موقع القرآن کمرجعیة معصومة فیها. العقبة الثانیة : خارجیة وهی الإحلال الثقافی وقدرته على اختراق المفاهیم وقدرته على الإقناع والإحلال نتیجة غیاب المشروع. فعلى المرأة من أجل حفظ هویتها الحقیقیة الإنسانیة والجنسیة – أی کونها امرأة – أن تزیل العقبتین ، إذ أن العقبة الأولى عمدت إلى ضمور البعد الإنسانی وتضییق مساحة الوظیفة الاستخلافیة باسم الدین ، والعقبة الثانیة وسّعت مساحة وظیفتها الأنثویة وأطلقت العنان لها مما أدى أیضا لضمور إنسانیتها ، وکلاهما جاء على حساب حقیقة دورها الإستخلافی وواقعها الإنسانی ، ولنا فی الزهراء علیها السلام أسوة حسنة ؛ فهی ناضلت لأجل مواجهة کل محاولات التشویه والتبدیل حتى استشهدت فی سبیل ذلک ، ومریم علیها السلام واجهت السلطة الدینیة الیهودیة التی حرفت موقع المرأة ودورها حتى لاقت ما لاقت. إذاً نحتاج -واقعا- إعادة النظر فی مسلماتنا الدینیة بحق المرأة وبناء شخصیة المرأة الحقیقیة فی الإسلام على ضوء العدالة.وحینما نبنی المشروع لن یعد یهمنا لو جاءت ملیون حضارة غربیة لأننا سنکون محصنین ، بل نحن من سیغزوهم فی عقر دارهم. فباعتقادی أن الیوم وظیفتنا هی التحول من حالة تلقی الضربات وموقع الدفاع الى موقع المهاجم ، وهو ما یتطلب -واقعاً- إزالة العقبة الأولى وبناء المشروع ومن ثم الاختراق ویجب فی البدایة أن نفرق بین أمرین مهمین هما الدین وحقائقه القدسیة المتعلقة بالوحی وبین فهم الإنسان للدین فالأول ثابت لا یتعرض لمتغیرات الزمان والمکان ولا یلبس لبوس القدیم والجدید,أما الثانی فهو عرضة لمتغیرات الزمان والمکان ویتلبس بلبوس القدیم والجدید وقد تعرضت المرأة واقعا للاقصاء والتهمیش تحت عناوین دینیة ، ولکن لا یعنی ذلک أن هناک تعمد من الفقهاء أو العلماء ،بل علینا قراءة ذلک وفق تراکم الوعی وتنامی قدرات العقل فی الفهم وإدراک النص، فالنص ثابت وحیوی ولکن العقل وفهمه وآلیات إدراکه تتطور دوما وتتراکم، لذلک نحتاج أن نقرأ الأحکام الصادرة فی أزمنة سابقة الخاصة بالمرأة وفق بیئتها الزمانیة والمکانیة ودراسة الثابت والمتغیر فی ذلک . فحاجتنا لإعادة القراءة الفقهیة کبیرة جدا بکبر أزمتنا فی الهویة فبنظرة عابرة لواقع المرأة العربیة والمسلمة سنکتشف عمق الفجوة بین واقع المرأة وواقع کثیر من الأحکام الفقهیة خاصة تلک المتعلقة بالمرأة قد تکون التجربة الإیرانیة رائدة فی موضوعة المرأة ، لکن فیها ما یمکن الاستفادة منه وتعمیمه وفیها ما هو خاص بإیران وبیئتها وظروفها الاجتماعیة والخاصة بها. ولکن حتى ما یمکن تعممیه لم یتم الاستفادة منه وأحد أهم أسباب عدم الاستفادة هی العصبیات القومیة التی استطاعت أن تحجب عنا الاستفادة من نور الثورة .. وأنظمة الاستبداد التی هبطت بسقف الحریة ،ومشروع کهذا یحتاج مقومات دولة ولیس أفراد ، وهذا لا یعنی العجز أبدا ،لکن هذا من أهم أسباب عدم الاستفادة، فأمامنا فرصة وواجب بحق الأجیال القادمة ، وهو البدء فعلا فی التغییر. فنحتاج تضافر جهود ، فلیس المرأة الإیرانیة فقط معنیة بالأمر ، بل یجب أن تتحقق إرادة التغییر والسعی لهذه الإرادة کی تتشکل جبهة عریضة فی الوطن الإسلامی تکون واقعاً قادرة نظریاً وعملیاً على تقدیم الإسلام الناجح ،،وتطبیقه عملیاً لیسری واقعاً حتى للغرب ویغزوه فی عقر داره ، والأطروحة والفکرة أساس لأن ما یغزونا الیوم هو أفکار ومفاهیم. الیوم نحن أمام أزمة مفاهیمیة تتطلب -واقعا- دراسات مقارنة فی صناعة المشروع العملی حول شخصیة المرأة بین الغرب والإسلام ،خاصة فیما یتعلق بمفاهیم کالحریة والمساواة والحقوق والواجبات وعلاقتها بالعدالة والکرامة الانسانیة ،، ونحتاج تأصیل فکری لتلک المفاهیم وفق الرؤیة الإسلامیة العصریة التی تمزج بین عنصری الأصالة والخلود ومنهجیة البحث العلمی الموضوعی الباحث عن الحقیقة خاصة فیما یتعلق بموضوع المرأة ،وهذا یتطلب تضافر جهود النساء المتصدیات فی العالمین العربی والاسلامی وسرالتصدی هو الشعور بهذه الإشکالیات العظیمة من جهة والسعی الجاد لإیجاد الحلول المناسبة لهامن جهة أخرى. فإذا انتظمت حبات السبحة فی سبحة واحدة تکون جمیلة الشکل والتنظیم ومحققة لهدف الذکر. | |||||||||||
المراجع | |||||||||||
| |||||||||||
الإحصائيات مشاهدة: 2,457 |
|||||||||||