دراسة أسباب تخلّف المرأة المسلمة فی المجتمعات الإسلامیّة وکیفیّة إعادة هویّتها المفقودة | |||||||||||
دراسة أسباب تخلّف المرأة المسلمة فی المجتمعات الإسلامیة وکیفیة إعادة هویتها المفقودة هانوی موسى غازی
یشکل الحدیث عن الصحوة الإسلامیة الممتدّة وآثارها السیاسیة والثقافیة والاقتصادیة والاجتماعیة، مادّةً واسعةً للنقاش على مختلف المستویات، وبین شرائح متعدّدة، خصوصًا بعد الثورات العربیة الإسلامیة المتعاقبة وما اصطُلح على تسمیته بالربیع العربی. إنّ الصحوة الإسلامیة التی نشهدها فی العالم الإسلامی لیست ولیدة ساعتها، ویعتبر الإمام القائد الخامنئی (دام ظلّه) أنّه من خلال بعض الاستقراء التاریخی المعاصر، یمکن أن نرصد لحظات بدء تحریک الصحوة الإسلامیة إلى حین ولادتها، ونرى بذلک أنّها قد بدأت تتفاعل لدى الشعوب الإسلامیة فی بدایة الثمانینات من القرن العشرین عندما ظهر مَن یذکر المسلمین بالعودة إلى الإسلام وإلى تعالیمه، وهو الإمام الخمینی (قدّس سرّه)، الذی أعاد إثبات نظریة الإسلام على أنّها هی الأسلم فی التطبیق الفعلی فی مختلف المیادین. إنّ الإسلام هو دین حی مستمر یخاطب تفاصیل الحیاة کلّها، ولاشک أنّ الصحوة الإسلامیة بجوانبها کافّة وبطرق تعزیزها وتنامیها الملحوظ، لاشک أنّها عامل مهمّ فی مسیرة هذا الدین الخالد وحفظه؛ إنْ من حیث العناوین التی طرحتها فی الساحة، أم من حیث المشاکل التی أثارتها، أو التحدّیات التی حاولت الإضاءة علیها فی سبیل تجاوزها. من أبرز هذه التحدّیات سُبُل إعادة الدور الرائد للمرأة المسلمة ودراسة أسباب تخلّفها، وکیفیة إعادة هویتها المفقودة. ولأنّ للمرأة فی الإسلام مکانة عظیمة، لم تولها إیاها أیة شریعة من الشرائع الوضعیة من قبل، کما یشیر الإمام الخامنئی (دام ظلّه)، حیث حفظ الإسلام للمرأة إنسانیتها الکاملة وکرامتها کأنثى، وساوى بینها وبین الرجل من حیث البناء الروحی والعبادی والسلوکی لتشارکه فی منظومة القیم مشارکةً تامّة ولا تختلف عنه فی الکمالات الإنسانیة إلاّ کما یختلف الرجل نفسه عن غیره من الرجال. ولإنّ نظرة الإسلام للمرأة هی نظرة تتمیز بالشمولیة، أراد لها أن تظهر أمام المجتمع من خلال عقلها وإنسانیتّها، وبما أنّ الصحوة الإسلامیة مصطلح یستمّد قوّته من تعالیم الدین الإسلامی نفسه؛ لأجل ذلک کلّه نتساءل هل أنّ الصحوة الإسلامیة تستطیع أن تنقل المرأة المسلمة إلى عالمٍ جدید تختلف مقتضیاته الفکریة والسیاسیة والثقافیة والاجتماعیة عن العصور السابقة؟ وهل تتمکن من إثارة مسألة الظلم الذی طال المرأة فی مختلف جوانب الحیاة فضلاً عن وضع آلیات واضحة لمواجهته انطلاقًا من الموروث الإسلامی الأصیل؟ والأهمّ أنّنا نسأل عن أی دورٍ للمرأة المسلمة فی ظلّ الصحوة الإسلامیة المتنامیة، وما هی واجباتها تجاه استعادة دورها المفقود فی الساحة؟ سنحاول من خلال هذه المقالة الإضاءة على بعضٍ من الجوانب المرتبطة بالتساؤلات المطروحة، عبر الاستفادة من تراثنا الإسلامی المتمثّل بالنص القرآنی وسیرة أهل البیت علیهم السلام، فضلاً عن الاعتماد على الفکر المستنیر لروّاد الصحوة الإسلامیة فی عصرنا الحاضر وأوّلهم الإمام الخمینی (قدّس سرّه) والإمام الخامنئی (دام ظلّه). مسؤولیّة المرأة فی الإسلام حرص الإسلام على تحدید الأدوار المنوطة بالمرأة انطلاقًا من انسانیّتها التی تتشارک فیها مع الرجل، وإ نّا التمایز فی المسؤولیّات والأدوار کان مراعاةً للخصائص والسمات التی تنفرد بها المرأة عن الرجل، ولیس تفضیلاً لصفات الذکورة على الأنوثة. کثیرٌ من النساء یدرکن جیّدًا حقیقة الواقع العام للمرأة المسلمة، وخلفیّة خطابات التحرّر السائدة والأهداف التی تحکمها. لکنّ المشکلة تبرز عند مقاربة الأسلوب المضاد الذی یجب أن تعتمده المراة المسلمة لمواجهة مثل هذه الحملات، استنادًا إلى تراثها الإسلامی الغنی، المستمدّ من القرآن الکریم والسیرة الشریفة للرسول الأکرم واهل بیته الأطهار علیهم السلام. لقد قدّم القرآن الکریم بصورة واضحة وجلیّة الرؤیة الإسلامیّة للمساواة بین الرجل والمرأة على أنها المساواة فی الإنسانیةّ والقیم، تلک الإنسانیةّ المتجسّدة فی الروح والعقل، لا فی البدن الذی یحمل صفات الذکورة والأنوثة، والتی بدورها تحملها موجودات هذا الکون من حیوان ونبات، وما اختلاف بعض الأحکام الفقهیّة العملیّة بین الرجل والمرأة إلا نتیجة تعلّقها بشؤون البدن، الذی لیس له علاقة بالمعارف والفضائل الأخلاقیّة. ویبدو جلیاً فی الإطار عینه أن القرآن الکریم قدّم المرأة الصالحة کنمودج وقدوة للمجتمع الإنسانی[، تماماً کما فعل مع الرجل، وخیر مثال على ذلک عندما تحدثت آیاته المبارکة عن الصدیقة مریم (ع)، أو عن امرأة فرعون. أما الممارسات الخاطئة فی المجتمع، فلا یجب احتسابها على الدین،لأنه لم یشترط الذکورة لأی کمال إنسانی، ولم یمنع هذا الکمال بالأنوثة، فالله تعالى یقول فی محکم کتابه «من عمل صالحاً من ذکر أو أنثى وهو مؤمن فلنحیینه حیاة طیبة .» یوم کانت إنسانیّة المرأة محل نقاش و موضع جدل، ما کان یتسنّى لها بالطبع، أن تساهم فی تشکیل عصرها ومجتمعها، فکانت عنصرًا قاصرّا فی المجتمع وطاقة مهملةً فی الحیاة. وجاء الإسلام لینقذها من هذه النظرة الدونیّة، ولیرسم لها معالم طریقها الصحیح فی الحیاة؛ فب صّها بنقاط قوّتها ومواضع تفرّدها، وعرّفها بمواقع الانحراف ومزالق الخطر، لکی تحافظ على إنسانیتهّا وکرامتها، ثمّ فرض علیها أن تساهم فی تسییر شؤون المجتمع من حیث الدور الذی ارتضاه لها. إذن، عمل الإسلام على تفجیر طاقات المرأة و تنمیة مواهبها، و توجیه اهتماماتها نحو سعادتها و کمالها، ونحو مصلحة المجتمع البشری والحیاة الإنسانیّة. بناءً على ذلک، حدّد الإسلام مسؤولیّات المرأة فی غیر اتّجاهٍ ومنحى، فأوجب علیها طلب العلم، لیتّسع أفق تفکیرها، و لیرتفع مستوى معرفتها وثقافتها، فتکون مؤهّلة لمشارکة الرجل الذی یجب علیه هو الآخر أیضاً طلب العلم فی إدارة شؤون الحیاة، حیث یقول الرسول الأعظم صلّ الله علیه وآله: طلب العلم فریضة على کلّ مسلم ومسلمة. کما شجّع الإسلام المرأة على منافسة الرجل فی الالتزام بصفات الکمال، و تقمّص قیم الخیر والفضیلة، فهی لیست قاصرة عن منافسته فی هذا الخطّ ، فلکلّ منهما کفاءاته وطاقاته التی تؤهّله للسیر فی درب الکمال. والمرأة بعد ذلک مسؤولة فی نظر الإسلام عمّ یحدث فی مجتمعها، وأن تکون على وعی کامل بما یجری، وأن تقاوم أی انحراف أو فساد، فالأمر بالمعروف و النهی عن المنکر واجب على المرأة، کما هو واجب على الرجل. یقول الله عزّ وجلّ: واَلمْؤُمْنِوُن واَلمْؤُمْنِاتُ بعَضُْهمُ أوَلْیِاء بعَضٍْ یأَمْرُوُن باِلمْعَرْوُفِ ویَنَهْوَنْ عنَ المْنُکْرَ وَیُقِیمُونَ الصَّلاةَ وَیُؤْتُونَ الزَّکاةَ وَیُطِیعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ. وفی هذا السیاق یعبّ الإمام الخامنئی قائلاً: « إننا نسعى ونکافح ونقول من أجل بلوغ المرأة کمالها أی أن تنال المرأة فی المجتمع حقوقها الإنسانیّة أولًّ، وثانیاً من أجل ازدهار طاقاتها ولتبلغ نضجها الحقیقی والإنسانی لتصل فی نهایة المطاف إلى کمالها الإنسانی، ولتتّخذ المرأة فی المجتمع صورتها الإنسانیّة الکاملة، وتصبح إنسانة قادرة على المساهمة فی تقدّم الإنسانیة وتقدّم مجتمعها، ولتعمل فی حدود إمکانیاّتها لتحویل العالم إلى بناء مزدهر وجمیل .» من مظاهر مسؤولیّة المرأة فی الإسلام الممارسات السیاسیّة المتقدّمة – قیاسّا بذلک الزمان - للمرأة المسلمة فی المجتمع الاسلامی الأوّل، حیث بایعت النساء الرسول (ص) ست بیعات، منها بیعتان سیاسیتان، کما شارکت زوجة الرسول (ص) خدیجة بنت خویلد النبی (ص)، فی جهاده السیاسی ومعها نساء بنی هاشم فی الحصار الذی فرضه المشرکون على المسلمین فی شعب أبی طالب کأسلوب فی محاربة الاسلام، وقد بذلت مالها ونفسها فی نصرة الاسلام والمسلمین. ولا یخفى دور السیدة فاطمة الزهراء (ع) بنت رسول الله (ص) التی قامت بعد وفاته بعمل سیاسی قیادی فی المعارضة. کما ینقل لنا التاریخ عن نساء برزن للدفاع عن الإمام علی بن ابی طالب (ع) فی صراعه السیاسی مع خصومه، من جملتهن: سودة بنت عمارة بنت الاشتر الهمدانیة، بکارة الهلالیة، دارمیة الحجونیة، وغیرهن. ولن نغفل الإشارة بالطبع إلى المشارکة المحوریّة التی قامت بها نساء بنی هاشم وزینب بنت علی بن ابی طالب (ع) للإمام الحسین (ع) فی جهاده العسکری والسیاسی، وأدّین ادوارًا فعّالة فی کربلاء، امتدت إلى ما بعد الواقعة فی جهاد سیاسی إعلامی مناهض للسلطة الأمویةّ. لقد ترکت المرأة بصمتها الخاصّة فی المجالات جمیعها تحدیدًا فی المجتمعات الإسلامیّة الأولى، ولا تزال إلى الآن تسعى إلى إبراز طاقاتها فی بناء المجتمع؛ ولکن قدرة المرأة على القیام بهذا الدور تتوقف على نوعیة نظرة المجتمع إلیها والاعتراف بقیمتها، وتمتعها بحقوقها. أنصف الإسلام المرأة، ورفع عنها الظلم والحیف وما عانته من تمییز فی العصور السابقة على نزول القرآن. وکان من أثر ذلک، الاعتراف بحقها فی المشارکة فی تدبیر شؤون المجتمع کافة، اقتصادیة واجتماعیة وقانونیة. وأصبح لها شأن فی المجال السیاسی، حیث تستشار فی الأمور کلها، أکانت إداریة أو حربیة، بل وتشارک إلى جنب أخیها الرجل سواء بسواء فی تسییر شؤون المجتمع وتدبیرها. لکنّ عدم وعی المرأة بمسؤولیّاتها من جهة، وضعف إعدادها وتدریبها لتولّ هذه المسؤولیّات من جهةٍ ثانیة، أدّى إلى حضورها الهزیل الذی نلمسه الیوم فی ساحات العمل الاجتماعی والسیاسی والاقتصادی والثقافی والتوعوی. | |||||||||||
المراجع | |||||||||||
| |||||||||||
الإحصائيات مشاهدة: 1,966 |
|||||||||||