من المسؤول عن تخلّف المرأة المسلمة ؟ | ||
من المسؤول عن تخلّف المرأة المسلمة ؟ هدى العلی من یتمعّن فی أوضاع المرأة فی المجتمعات الإسلامیّة، بنظرة الفاحص المدقّق، لا یمکن أن یأخذه الزهو والفخر، فیتنکر لوجود مساحات سوداء من الظلم والاجحاف الذی ینال من المرأة المسلمة التی تشکّل مکوّناً أساسیاً فی هذه المجتمعات، حیث یکشف الکثیر من الإحصاءات – إن صدقت - عن أرقام مذهلة مخیفة،عن الواقع المأساوی الذی تعیشه المرأة المسلمة فی ظل الانظمة المنحرفة عن مسار الاسلام المحمدی الحقیقی الذی أراده الله لها ان تحیاه من خلال التطبیق الفعلی الدقیق للشرع الاسلامی الحنیف. وفی ضوء هذا الواقع المأساوی للمرأة المسلمة الراهنة، یصبح من الضروری جداً، التساؤل الملحّ عن دور الفکر الدینیّ أو الدین نفسه فی حدوث هذا الخلل والارباک. وهنا نوّد فی هذا النطاق، استبعاد تحمیل مسؤولیّة هذا الواقع بجمیع مظاهره للدین أو الفکر الدینیّ، ونستند فی دعوانا هذه إلى عدة أمور: أولاً: إنّ الدین وإن کان هو المحرّک الأساسی لضمیر الأمّة ووجدانها، ولکنّه لیس المحرّک الرئیسی لها على مستوى السلوک والفعل والتطبیق العملی، فربّ تقلید أو عادة أکثر تأثیراً من الأحکام الشرعیة فی سلوک السملمین. ثانیاً: إنّ الدین لم یعد فی القرن الحادی والعشرین، على الأقلّ، المصدر الوحید للقوانین والسلطات التشریعیة والتنفیذیة، وبالتالی فإنّ فی تحمیله المسؤولیة الکاملة والتقصیر المتعمد عن کلّ تخلّف فی واقع المرأة المسلمة أو غیرها، خلافاً للصواب وقصور فی التشخیص. هذا ولکننا فی الوقت عینه، لا نرید أن ننفی دوراً ما للفکر الدینی فی رسم صورة سلبیّة عن المرأة فی الخیال الإنسانی الذکوری والنسوی على حد سواء. وذلک أنّ بعض التراث الدینیّ یحتوی على ما یوحی بتصوّر سلبیّ یحمله الدین عن المرأة، فهی: أقلّ قیمة من الرجل، وحبل الشیطان ومصیدته، وغیر ذلک من الأقوال التی استند إلیها الفقهاء والمحدّثون السطحیون، فأنتجت تصوراً سلبیاً وصل إلى حدّ اتّهام المرأة على ألسنة بعض الفقهاء بأوصاف لا یرضى بها أحدٌ لو طبّقت على زوجته أو إحدى محارمه. انطلاقا من هذه الحقیقة حیث هناک نصوص تشتمل على توصیفات سلبیّة للمرأة لا یسع المحلل المُنصف أن ینکر وجود مساحاتٍ مظلمةٍ فی التراث الإسلامیّ تجاه هذا الکائن الإنسانیّ الذی لا نجد فی النصّ المؤسّس للفکر الدینیّ ما یدلّ على تحقیره والاستخفاف به، بل على العکس نجد القرآن الکریم یحکی عنه باحترام کامل ویعده مع الرجل صنوان: ((یَاأَیُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّکُمُ الَّذِی خَلَقَکُم مِن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً کَثِیراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللّهَ الَّذِی تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ کَانَ عَلَیْکُمْ رَقِیبَاً)). والسؤال الذی یلحّ علینا هنا هو حول منشأ هذه الصور السلبیّة للمرأة، إذا کان النصّ الدینیّ الأوّل یرقى بها إلى عدها مع الرجل من نفس واحدة؟ ونعتقد أن منشأ ذلک هو مجموعة عوامل تتکافل حتّى تبنی رؤیةً کهذه، ومن هذه العوامل: 1- الوحی والمفاهیم البشریة البحتة: لاشکّ فی أنّ الفکر الإسلامیّ لیس جزیرة معزولة عن غیرها من میادین الفکر الإنسانیّ، ولذلک فقد اختلط الوحی القرآنی بما أنبتته الأرض من فهم إنسانیّ للنصّ استند فی بعض الأحیان، ولو بصورة غیر واعیة، إلى ما لا ینسجم مع صفاء الوحی ونقاء مصدره، مثلاً نجد أنّ النصّ الدینیّ الیهودیّ أسّس لتصور ینسب الخطیئة الأولى إلى حواء عندما استجابت لوسوسة إبلیس، ما دفعها إلى إغواء وزوجها بالأکل من الشجرة التی نهیا عن الأکل منها: ((فرأت المرأة أنّ الشجرة جیدة للأکل وأنها بهجة للعیون وأن الشجرة شهیّة للنظر، فأخذت من ثمرها وأکلت وأعطت رجلها أیضا معها فأکل)). 2- تقییم النصوص: یعلم کل من تعامل مع التراث المنقول عن صاحب الرسالة الإسلامیّة محمد (صلوات الله علیه) أنّ هذا التراث قد تعرّض للتشویه، وتسلّل إلیه ما لیس منه، وقد افتعل المحدّثون وسائلتهم الخاصة لتقییم صحیحه من سقیمه، فولد علم ((الجرح والتعدیل)) أو ((علم الرجال)) کما یسمیها البعض. ونسجّل لهذا العلم قیمته فی علم الحدیث کما فی علم التأریخ العام. ولکن لا ینبغی أن یکون العلم الوحید، فلا یمکن اعتماد مقیاس وثاقة الراوی وعدم وصمه بالکذب لاکتشاف صحة صدور الحدیث عن النبی "صلوات الله علیه" فالصادق قد یعوزه الفهم فی بعض الأحیان کما قد تخونه الذاکرة، وعلیه فلابدّ من اللجوء إلى وسائل أخرى للتمییز بین صحة الحدیث وسقمه ألا وهو النظر فی مضمونه، وملاحظة مدى انسجامه مع مقاصد الشریعة الأولیّة ومع النص الدینیّ الذی ل یرقى إلیه الشکّ وهو القرآن الکریم. 3- النص وملاحظة ظروفه: إنّ النصّ النبوی کلام شفهیّ قیل فی مناسبات خاصة، وینسحب هذا الأمر على النص القرآنی فی بعض حالاته، وتوجد طریقتان للتعامل مع هذا النص فتارة نأخذه کما هو دون النظر إلى البیئة التی صدر فیها وأخرى نلاحظ الأجواء التی أحاطت بصدوره ولیست الطریقتان على حد سواء فی المؤدی والمآل، فعندما ندخل عنصر الظروف التی صدر فیها النص قد تنقلب دلالته من حال إلى حال. فإذا وجدنا نصّاً یحرم أو یأمر بشیء ما فهل یمکن الأخذ بحروفه دون النظر إلى بیئته التى صدر فیها؟ وبإزاء ما تقدّم کلّه نرى، أنّ واحدة من المهام الملقاة على عاتق الباحثین، هی متابعة الاهتمام بشأن المرأة فی الإسلام، سواء کان الهدف من ذلک هو الدفاع عن الدین فی وجه التهم التی توجّه إلیه، أم للدفاع عن المرأة والرقی بواقعها والوصول بها إلى حیث یرید لها الإسلام أن تصل. وهذه محاولة على هذه الطریق، تهدف قبل معالجة التفاصیل إلى وضع الأسس المنهجیة التی تنیر الطریق للباحثین فی هذا المجال. | ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,020 |
||