الطفل وقیمة المال | ||
الطفل وقیمة المال باسمة کیّال هناک ناحیة هامة غالباً مایهملها الآباء لسبب بسیط، وهو أنها لم تشکّل فی وقت ما أیة مشکلة بالنسبة لأطفالهم قبل خروجهم من البیت .. ألا وهی المال! فأین هو هذا الطفل الذی یعوزه المال فی بیته وبین والدیه، وهو بعد لم یتجاوز عامه الرابع أو الخامس؟ إن کل ما یعرفه الطفل فی هذه السن المبکرة، هو أنه یرید أن یمتلک أشیاء جدیدة رآها فی أیدی أصدقائه من الأطفال، فیلجأ إلى أمّه أو أبیه، ویطلب أن یکون له مثل ما لدى اخوته أو رفاقه من لُعَب أو هدایا أو ملابس جدیدة، فیقدّم له والداه ما اشتهى وما أراد. فتفکیر الطفل إذن لا یتعدى هذه المرحلة من الفهم والإدراک ... أراد أن یکون له شیء معین، فکان، دون أن یفکر فی الکیفیة التی جاءت بها هذه اللُعبة أو البدلة الجدیدة التی لبسها فی العید. ومن هنا نبدأ موضوعنا، کیف نعرّف أطفالنا قیمة المال؟ کیف نشرح لهم وسائل استخدامه ثم کیف نعلمهم احترام المال دون أن یصبحوا عبیداً له؟ ثم کیف نضع المال بعد هذا فی مکانه الصحیح من حیاتنا؟ لابد للطفل فی سن معینة أن یتعلم قیمة المال ویقدّر الجهد الذی یبذل فی سبیل الحصول علیه، تماماً کما یتعلم القراءة والکتابة فی مدرسته الجدیدة. ووسائل تحقیق ذلک کثیرة ومتنوعة، والمهم أن نذکر دائماً أنه لابد أن یتم التعارف بین الطفل والمال عن طریقنا وبواسطتنا وتحت إشرافنا ورقابتنا، حتى لانفاجأ به وقد کبر وأصبح ولداً مسرفاً مِتلافاً لایعرف للمال قیمة ولایقیم له وزناً. ولا حرج من الحدیث فی المسائل المالیة أمام الطفل، کم من المال یکسب والده کل شهر؟ أو کم عدد الأقساط الباقیة على ثمن الثلاثة الجدیدة ؟.. ولماذا سیدفع ثمنها على أقساط ولم یدفع نقداً؟ إلى غیر ذلک. إن الطفل رجل صغیر، وإننا إذا أئتمناه على سر حافظ علیه، فنحن نستطیع أن نناقش میزانیة البیت أمامه. فالطفل یجب أن یتعلم عن طریق مثل هذا الحدیث الذی یدور أمامه، أن المال خلق لکی نُحسن استخدامه فی شراء أشیاء نافعة، فإذا عرف مثلاً أن میزانیة البیت توزع على البقال والجزار وأقساط الثلاجة والسیارة ومصاریف المدرسة لاخوته الکبار ... أدرک قیمة المال وفوائده ... کما وجد فی الوقت نفسه الجواب على السؤال الذی طالما ألح علیه: ((أین یذهب بابا فی صباح کل یوم؟)) وعرف أن والده لابد أن یعمل ویکدح فی سبیل الحصول على المال له ولبیته وبقیة أفراد الأسرة التی یعولها. ومن أجل ذلک لابد لنا أن نحرص على مالنا وأن ننفقه فیما نحن فعلاً فی حاجة إلیه. والطفل فی هذه السن المبکرة یتصور أشیاء کثیرة لا تمت إلى واقع الحیاة بصلة ... فهو یتصور مثلاً ان الحصول على المال أمرٌ سهل میسور ... وکثیراً ما نسمع طفلاً یطلب من أبیه أن یشتری له لعبة جدیدة، ویعتذر الأب محاولاً أن یشرح لطفله أن هذه اللعبة تکلف مبلغاً کبیراً لایملکه الآن ... فیقول الطفل فی بساطة: ((إذن فاذهب إلى البنک لتأتی لنا بالمزید من المال!)). والطفل فی الرابعة أو فیما دونها قد لایدرک أننا وضعنا هذه الأموال فی البنک أولاً قبل أن نتمکن من سحبها من جدید! ولکنه إذا جاوز هذه السن بقلیل، فهو قد یفهم أن العمل، والعمل وحده هو الطریق للحصول على المال الذی کسبناه، واستطعنا أن نقتصد جزءاً منه لا لننفقه على شراء اللعب الجدیدة، وإنما لندخره للمستقبل ... مستقبله هو، ومستقبل اخوته والأسرة کلها. من هنا ننتقل إلى النقطة التالیة فی تعریف الطفل بأن المال لایُوهب، وإنما یُؤخذ مقابل عمل قمنا به ونتیجة لمجهود بذلناه. ولکی نفعل ذلک، فلابد أن نعطی لأطفالنا الفرصة لان یفوزوا بما یریدون ویشتهون، بعرق جبینهم ... ولیس معنى هذا ان نکافئ أطفالنا کما قاموا بما هو جزء من واجبهم الیومی فی البیت، کأن ینظفوا أحذیتهم، أو یرتبوا فراشهم أو یعاونوا أمهاتهم فی تنظیف غرف البیت مثلاً .... لا. فنحن إذا فعلنا هذا، وجدنا أنفسنا فی النهایة أمام مشکلة عویصة... إذ سرعان ما یرفع الأطفال رایة العصیان بمجرد أن نکفّ أیدینا عن تقدیم مثل هذه المکافأة. فالمکافأة التی تُقدم للطفل یجب أن تکون مقابل عمل محدد إضافی، تُکلّفه به أمّه أو والده، إذ جاء إلیهما یوماً یطلب لُعبة جدیدة، هنا تستطیع الأم مثلاً تکلیف ابنها بإزالة الأتربة التی علقت بکتب أبیه بشرط أن یعید کل کتاب إلى مکانه بعد تنظیفه، أو أن تطلب إلیه أن یعتنی بالحدیقة یوم العطلة، فیجمع الأوراق الجافة ویسقی الزهور. وهذه کلها أعمال لیست غریبة علیه، فطالما شارک فیها بدافع من حب الاستطلاع ... ولطالما وقف یراقب والده وهو یُنظّف کتبه ویزیل ما علق بها من أتربة . بهذا یستطیع الطفل أن یقتصد ما کسبه من مال لقاء قیامه بهذه الأعمال، إلى أن یجمع ثمن لعبته، فیذهب لشرائها .... ویتعلم الطفل بفضل هذه التجربة أشیاء کثیرة ... فهو قد عرف أن العمل وحده، هو أفضل وأقصر طریق یوصله للحصول على ما یشتهی ... ثم هو قد تعلّم أیضاً کیف یقتصد بماله فلا یبعثره ... وتعلّم أخیراً کیف یحافظ على لعبته الجدیدة التی بذل فی سبیل الحصول علیها هذا الجهد والعرق. ولکن هل معنى هذا أن الطفل لابد أن یعمل لکی یحصل على النقود؟ والجواب: لابطبیعة الحال، فلابد أن یحصل على مصروف خاص لجیبه .. ویرى التربویون وعلماء النفس أن الطفل، کما قدمنا، لایشعر بحاجته لهذا المصروف، إلا بعد خروجه من البیت وذهابه إلى المدرسة ... فهو لم یفکّر أبداً فی أن یضع فی جیبه قطعة نقود واحدة، أثناء وجوده فی بیته وبین والدیه، لأنه ما من مرة طلب شیئا، إلا وجاءا إلیه به. ولکنه لایکاد یذهب إلى المدرسة، ویرى قطع النقود الفضیة الصغیرة، وهی تتحول إلى مشروبات مثلجة وحلوى وآیس کریم، عند البائع الذی اختار مکاناً له بجوار المدرسة، حتى یعود إلى البیت طالباً أن یکون له مثل ما کان لزملائه الصغار. فلابد أن نعطی الطفل مصروفاً ثابتاً یکبر معه، کلما استقبل عاماً جدیداً. ولکن یجب أن نُعلّمه فی نفس الوقت أن هذه النقود التی یحصل علیها لابد أن یقتصد بجزء منها. فنضع له صندوقاً صغیراً فی غرفة نومه، لیُسقط فیه قطعة صغیرة من القطعتین أو القطع الثلاث التی نقدمها له کل صباح. ثم نشرح له مزایا هذا الاقتصاد، فی الأمد القریب والبعید، وکیف سیتسنى له فی یوم من الایام أن یحصل على ما یشتهى ویرید بفضل هذه النقود الصغیرة التی اقتصدها من مصروفه ... صفة أخرى لابد أن یتحلّى بها الطفل عندما یکبر .. فهو لابد أن یتعلّم الإعتماد على النفس. ولکی یعتمد الطفل على نفسه لابد أن یشعر بالمسؤولیة. وفی سن العاشرة وما بعدها یستطیع الوالدان أن یُحمّلا أطفالهما شیئاً من مسؤولیة العنایة بأمورهم، فیضاعفوا لهم مصروفهم بحیث یشمل أجر المواصلات من البیت إلى المدرسة وبالعکس، وکذلک ثمن وجبة الغذاء الخفیفة التی تُقدم لهم فی حانوت المدرسة. وبذلک یتحمّل الصبی وحده مسؤولیة إنفاق هذا المبلغ، فإذا ساء التصرف تحمّل نتیجة تصرفه، وعاد إلى البیت مشیاً على الأقدام، أو قضى الیوم بلا طعام. | ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,510 |
||