لماذا تفضّل بعض النساء اللبنانیات خیار العزوبیة على مسؤولیات الزواج؟ | ||
لماذا تفضّل بعض النساء اللبنانیات خیار العزوبیة على مسؤولیات الزواج؟ بتول صادق من الامور الاساسیة التی تأخذها بعض النساء اللبنانیات المعاصرات، وفی العدید من الأحیان، هی العزوف عن الزواج، وتفضیل، عالم الحریة،الإستقلال،المساواة، وتحقیق الذات فحسب، وإذا کان تأخر سن الزواج لا یعتبر – بالضرورة- ظاهرة تخص لبنان وحده، إلا أن للبنان حصته الکبیرة فی هذا المجال. فتاة لبنانیة تعدّ نفسها أکثر سعادة من أی امرأة متزوجة فی هذا الکون، وبکل تفاؤل تبرر ابنة الثامنة والعشرین عاما سبب تشبثها بالحریة المطلقة، أی تلک التی تعنی فی مفهوم العزوبیة الخاص بها، التحلل من شروط أی رجل قد یفرض علیها أی قید مهما کان صغیرا بحجة الحفاظ على "المؤسسة الزوجیة" التی قد تربط بینهما مستقبلاً. بعد ان حازت على لیسانس فی القانون، سافرت إلى فرنسا لامتهان وظیفة فی إحدى الموسسات الدولیة، والسبب برأیها لا یعود فقط إلى العروض السخیة التی لم تتوفر لها فی لبنان، وإنما من اجل الفرار من شکوى الأهل برفضها للزواج على حد قولها. ومع ذلک فأمّها تتصل بها مرتین أو ثلاث أسبوعیا لتطلب منها الامر ذاته : ابنتی..أرید أن أفرح بک... إلى حد یجعلها تفکّر بکل الطرق المتوفرة للتهرب من زیارتها المتکررة إلى لبنان، لأن فی هذه الزیارة یضطرها الأهل الى لقاءات معدّة بغیر علمها للقاء زوج المستقبل المحتمل من شباب ذوی القربى او غیرهم. التهرب من عش الزوجیة ولا نعلم هل ان الإرتباط بزواج هو مضاد لآمال المرأة ؟ فرفض هذه الفتاة للزواج لیس ولید اللحظة کما تقرّ هی بذلک، إذ هو قرار اتخذته خلال دراستها فی الجامعة. فالمرأة الشرقیة برأیها یُکتب لها القدر نفسه، وهو حتمیة الزواج وإنجاب الأبناء والتضحیة بکل ما تطمح إلیه فی الحیاة إکراماً لعیون الزوج على حد قولها. فهی رأت کیف ذهبت حیاة والدتها وخالتها وعمتها هدرا فی مسافة محدودة لا تتجاوز البضع مترات بین المطبخ وغرف المنزل. وعلى حد قولها لم یکنّ سعیدات حتى لو حاولن إخفاء ذلک.وهی لذلک، لا ترید هذه الحیاة، لا ترید أن تکون سجینة مثلهن.. وعندما یأتی الرجل الذی یحترم استقلالیتها ویصون حریتها على أساس مبدأ المساواة بین المرأة والرجل، فلن تفکر مرتین. وامرأة لبنانیة اخرى سعیدة أیضاً، وکأن لا شیء بمقدوره أن یسلب منها هذه الحالة العاطفیة التی تعتبرها ایجابیة إلى حد ما. فهی لم تتزوج بعْدُ على الرغم من أن عمرها تعدى الخامسة والثلاثین، وهی صاحبة شرکة مرموقة، أنشأتها بعد حصولها على شهادة الماجستیر فی إدارة الأعمال. اهتمامها الفائق بأنوثتها قد یکون بالنسبة للبعض، مبالغ فیه جداً قیاسا لامرأة لا یعنیها شیء إلا النجاح فی عملها الاداری، وهاتفها الذی لایتوقف عن الرنین ، فیما أناملها ما تزال تفتقد إلى خاتم الزوجیة . هی لیست ضد الزواج دائماً- ما تقول- لکن هل من رجل فی العالم الثالث یقبل أن تکون زوجته سیدة أعمال ناجحة، وتعطی لعملها اکثر مما تعطی وقتا لواجبات المنزل؟ هل من رجل شرقی یعاون المرأة العاملة فی الواجبات المنزلیة ویساعدها فی تربیة الاطفال؟ ولا تخفی هذه المرأة أن هذه الهواجس تراودها کلما التقت برجل یحاول خطبتها، لتقف هذه الأسئلة حائلاً بینها وبین أی خطوة جادة قد تقدم علیها. فهی تخرج الصباح المبکر، ولا تعود إلى منزلها إلا فی وقت وقد ارخى اللیل سدوله بعد انتهاء العمل، تخرج مع أصدیقاتها وقتما تشاء وتسافر مرات عدیدة فی السنة للترفیه. وبکل بساطة تعیش حیاتها کاملة بلا ملامة أو عتاب من أحد. هذا على الرخم من أن معظم صدیقاتها تزوجن وانجبن أطفالا، لکن ینتابها شعور من الشفقة حیالهن، فالعائلة – حسب رأیها- سلبتهن أنفسهن..نسین فعلا ماذا کنّ؟ أو ماذا أردن أن یحققن قبل الزواج؟حیث ان ان إحدى صدیقاتها قالت لها مرة بان تنتابها غیرة شدیدة منها، لأنها تحظى بحیاة فیما هی لا تحظى إلا برائحة الثوم والبصل وتحیة خاطفة فی أفضل الأحوال. النساء أکثر واقعیة ولا شک ان الاستقلالیة وتحقیق الذات من اهم العوامل التی قد تدفع الفتیات إلى العزوف عن الزواج کما یؤکد الباحثون وأستاذة علم الإجتماع وأن تأخر سن الزواج لدى الفتیات هو لیس خاصاً بلبنان بل ظاهرة باتت تتفشى فی البلدان العربیة، خاصة مع تطور علاقة الأسر بعضها بالعض الآخر.أما الخصوصیة اللبنانیة فی هذه الظاهرة المتفاقمة فتتعلق- فی رأیهم- بأسباب محلیة عدیدة، تأتی فی مقدمتها، الحرب الأهلیة اللبنانیة والحروب الإسرائیلیة المتتالیة والنزاعات المستمرة هناک، الأمر الذی انعکس على أوضاع الأسرة اللبنانیة. وتقول احدى الخبیرات فی علم الاجتماع بأنها أثناء تعلیمها بالجامعة فی حقبة الثمانینات، کانت معظم الطالبات متزوجات او على وشک الزواج، لکن فی فترة التسعینیات فإن الکثیر من الطالبات کن یرفضن فکرة الزواج لأنهن حققن هدفهن بالتحصیل العلمی، فیما معظم الشباب اللبنانی کان منشغلا بالقتال أثناء الحرب الأهلیة اللبنانیة، ولم یعطِ أهمیة للتحصیل العلمی.ویکمن السبب الآخر، بهجرة الشباب اللبنانی الى الاخارج، مما جعل نسبة الفتیات فی لبنان تفوق بأضعاف نسبة الشباب. وترى هذه الخبیرة اللبنانیة أن طموحات المرأة اللبنانیة المعاصرة ومتطلباتها الحیاتیة تؤدی دورا بارزا أیضا فی عزوفها عن الزواج، فالفتیات فی یومنا هذا أقرب إلى الواقعیة من حیث تلبیة أولویات الحیاة، مثل امتلاک السکن واقتناء سیارة لان هذه من تعتبر الامورا الاساسیة بالنسبة الیهن. وبعض الفتیات یعتقدن أن الحب ینتهی الى الفتور بعد سنوات قلیلة من الزواج، ولذا یبقى الأهم بالنسبة إلیهن وهو القدرة المادیة للزوج المستقبلی.ویُعتبر السبب الاهم بالنسبة إلیهن، تحقیق الذات والإستقلالیة الذاتیة فحسب، إذ یشکل هذان العاملان، أهمیة قصوى تفوق الزواج والإرتباط بالشریک فی أغلب الأحیان، لکن هذه الظاهرة فی الحقیقة، تنتشر فی المدن اللبنانیة فقط، أما فی الأریاف فإن الوضع یختلف مقارنة مع المرأة الریفیة إذ ان الوعی حول تحقیق مبدأ المساواة المطلقة مع الرجل والإستقلالیة الذاتیة هی أمور ما تزال غیر ذات أهمیة تُذکر. الوحدة القاتلة واذا کان حب الحریة وتحقیق الذات من عوامل عزوف الکثیر من اللبنانیات عن الزواج، لم یختر بعضهن هذه النهایة لانفسهن، حیث ان احداهن على الرغم من کراهیة إطلاق هذه الصفة على أی أحد، فان حالة الإحباط التی أصابتها منذ سنوات طویلة، وقبل أن تصل إلى الثالثة والخمسین من عمرها. قضت معظم عمرها بالنضال السیاسی فی فترة الحرب الأهلیة اللبنانیة، ثم کافحت من أجل القضایا الحقوقیة بعد انتهاء الحرب. وقدمت فی سبیل الآخرین کثیرا إلى حد أنها نسیت أو تناسیت أن لدیها حیاة یجب أن تعیشها، ووهبت نفسها للقضیة غافلة أن القضیة هی نفسها أیضاً. وحازت هذن المرأة الکهل شهادتها الجامعیة بعد الحرب، وآمنت کما غیرها من المناضلات بأهمیة تحرّر المرأة، وضرورة استقلالیتها الذاتیة، لکنها لم تفکّر یوماً بأن الإرتباط بزوج هو أمر یناقض تطلعاتها التحرریة، لکن حیاتها الحافلة، أخذتها بعیدا عن ما تحلم به کل امرأة.. بقیت وحیدة فی منزل کبیر. تهتم بأولاد صدیقاتها کأنهم أولادها ولکن هذا لا یخفف من ألمها بالوحدةّ. وتستذکر هذه المرأة الکئیبة، نصیحة وجهتها لها والدتها یوما حیث قالت لها: یا ابنتی، تزوجی وأنجبی أطفالا. غدا یمر القطار سریعاً وتشعرین أنک لم تحققی شیئا إذا لم یکن لدیک عائلة وأولاد. ولم تعطِ حینها أذنا لنصیحة أمّها المحببة، لکنها الیوم تستذکرذلک على مضض فی لحظات وحدتها القاتلة.
| ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,943 |
||