خداع الرجولة .. عبودیة الأنوثة! | ||
خداع الرجولة .. عبودیة الأنوثة! فخر السادات السید علی فی عصور لیست بعیدة حُبست المرأة فی البیت بجریرة أنها امرأة، وربما کانت التضییقات تلک وضروب التشدید هی الباعث على موقف التساهل واللامبالاة الذی راح یواجه البشریة حاضراً، ویدفع بالمرأة للظهور فی سوق المزاد العلنی. فی السابق کان جسد المرأة أسیر شهوة الرجل ونزعته لممارسة العنف واستخدام القسوة، أما الیوم فقد أضحت روحها هی الأسیرة؛ أسیرة أحابیل رجال ملأت میولهم الشهویة والتسلّطیة الغرب وراحت تهدّد الشرق. فحتى لو لم یعد جسم المرأة رهیناً فی الحبس فقد صار لعبةً تتقاذفها أحضان الرجال المتهتّکین وتتلاعب بها أهواؤهم، فیما غدت روحها وفکرها رهینی سجون أکبر تمثّلها ملذّات الرجال الفاسدین. هل ثمّ ما یثیر الشفقة والسخریة أکثر من أن نطلق على هذا الأسر عنوان ((حریة المرأة؟)) فی الحقیقة أن ((الفمینیسم)) (Feminism)، أو النزعة النسویة، ما هی سوى تهمة (ولیست واقعاً قائماً) أخذت بأکالیل المرأة الغربیة المعذّبة وراحت تسطو على النساء الشّرقیّات لتستوعبهن فی مداها. وإلا متى کان الرجل مستعدّاً للتخلی عن جمیع مزایاه الجنسیة؟ ومتى حصل ذلک على مدار التأریخ؟ ألم یسطو الرجل الحدیث على قوة عمل النساء ویستنزف استعدادتهن الخلّاقة بالخداع والحیلة، عندما رأى أن قوة عمل الرجال لم تعد تفی بمتطلّبات تقدّمه الصناعی؟ ألیس هذا هو ما فعله الرّجل الحدیث؟! یقول الشهید مطهّری: ((حیث استطاع الرجل أن یزیل هذا الحاجز الآن عبر مسمّیات خدّاعة کالحریة والمساواة، فقد وضع المرأة فی مقدمة أسوأ مقاصده وأکثرها هبوطاً وخبثاً. إن عبودیة المرأة لتبدو للنظّار الیوم أکثر من أی وقت مضى)). الأسس الفلسفیّة للعفاف 1- الرؤیة الإنسانیة للإنسان: الإنسان موجود حر ومُختار یستطیع أن ینال بنیّته وإرادته أعمالاً الباعث إلیها الحب أو العبودیة، وأن یبادر إلى فعالیّات بدافع التوجّه إلى الله وملامسة الفطرة والحس الأخلاقی والنزوع إلى الآخر. بید أن هذا الموجود الحرّ واقع تحت تأثیر قوى داخلیة وخارجیة تؤدّی دوراً أساسیاً ومصیریاً فی قرارته. لقد رکّزت فی الإنسان القوة العاقلة، والقوة الشهویة والقوة الغضبیة، بحیث یستطیع ان یستفید على نحو أفضل من جمیع النّعم الإلهیة والاستعدادات الإنسانیة المرکوزة فیه من خلال منهجیة ذکیة وعبر الارتکان إلى الوسطیة والاعتدال. إن بمقدور الإنسان أن یصعد ویرقى حتى یصیر عقلانیاً کبیراً، کما له أن یهوى ویسقط حتى یکون ضلّیلاً راتعاً فی الملذّات، أو أن تتبدل هویته آخر المطاف إلى حیوان ضار. ینظر الإسلام إلى الإنسان نظرة سامیة، ویطلّ علیه من منطلق عقلانی کریم، ومن منظور ربّانی عزیز، کما یبغی أن لاتقع نظرتی لک تحت تأثیر مکوّنات أخرى غیر المساواة الإنسانیة والتقوى. فلاینبغی النظر إلى الآخر – فی مقاییس الرؤیة الإسلامیة – مطلقاً من خلال الجنس أو العنصر أو اللون أو الانتماء القومی وما شابه. فالإسلام یواجه جمیع الأدوات التی تدخل فی الأغلب فی منافع النّزوع الشهوی القائم على اللذة أو التفوّق العنصری ویعدّها غیرإنسانیة. یُعدّ العفاف أذکى حالة للسیّطرة على النفس وأفضل إطار لاستعمال القدرة فی نطاق الدّائرة الشّخصیة، من خلال الدور الذی ینهض به فی إبراز إنسانیة الإنسان والحؤول دون التبرّج والتّهتّک الجنسی. 2- تکامل الإنسان: ینبغی الحفاظ على العفاف بوصفه خصلة إنسانیة خاصة، وإن أبرز أبعاد الفلسفة المعنویة للستر والحجاب بین الأمم والشعوب، وعلى صعید الأدیان والحضارات، یتمثل فی حفظ الخصلة الإنسانیة المتمثّلة بالعفة والحیاء. لایخفی الإسلام انحیازه إلى هذه الخصلة الإنسانیة، وهو یدعو المرأة والرجل لرعایتها على السواء بلوغاً لحالة الکمال وتحقیقاً للفضیلة. کما یحثّ الزوجین على التزام السلوک الإنسانی، حیث تأتی فی السیاق نفسه دعوته إلى الممارسة الجنسیة واللذة المشروعة، ما بین الزوج والزوجة. یمنع الإسلام النّظرات المریبة غیر الإنسانیة، ویُوصی المؤمنین من النساء والرجال بغضّ النظر ویدعوهم إلى النظرة العفیفة، یقول الله سبحانه وتعالى: ((قل للمؤمنین یغضّوا من أبصارهم)): ((وقل للمؤمنات یغضضن من أبصارهن)). معطیات العفاف یهب العفاف الإنسان طاقة روحیة متمیّزة لکی یثبت فی مواجهة أعاصیر الهوى، ولایضعف أمام المیول الهابطة، ویواصل من ثم مساوه فی منعطفات الحیاة حتى یبلغ الکمال. إن الإنسان الذی یعتقد بالأصول والقیم یؤمن، فی الحقیقة، بالنّبع الذی تنبثق منه أنواع المحبة جمیعها، وتتفجّر منه العواطف کافة، وتصدر عنه صنوف الجمال وضروب الحب، وألوان الفنون والإبداعات. وإیمان رکین مستقرّ کهذا یجعل الإنسان کالبنیان المرصوص ثابتاً لاتزعزعه العواصف ولاتنال منه ریاح الحرص والطمع، ولایخضع لنزعات العنف والقسوة. یا لجلال هذا الإنسان وعزّ وقاره، سیلبث شامخاً کالجبل، یندّ عن قلب وضّاء طهور هو کالماء الزلال المتحدّر عن عین صافیة وسط الجبال. هذه السکینة الباطنیة والوداعة الظاهریة تفضی إلى العفاف الإنسانی. ثمّ برکات أخرى للعفاف، هی: 1-السّکینة الرّوحیة للفرد والمجتمع (الصحّة النفسیة): یمکن الحفاظ، من خلال العفاف، على المواهب والحؤول دون هدر الطاقات وتضییع الإمکانات، وبالعفاف تتمّ صیانة المُثل والقیم، ویُصار إلى إعلائها: ((حصر اللّذة الجنسیة، من منظور الإسلام، فی النطاق العائلی وممارستها من خلال الزّیجات المشروعة، یُسهم فی إرساء الصحّة النفسیة للمجتمع ویُساعد علیها من زاویة روحیة)). فی المقابل، یقود التبرّج إلى ضرب مرتکزات استقرار الأسرة والمجتمع، ویُفضی إلى إشعال فتیل الاضطراب: ((من منظور الاجتماع العائلی تکمن فلسفة الستر ومنع اللذة الجنسیة عن غیر طریق الزیجة الشرعیة، فی أن الزوج القانونی للإنسان یتحول على المستوى النفسی إلى عنصر إسعاد له، فی حین یتبدّل هذا الموقع فی نظام اللذة المفتوحة، حیث یتحوّل الزوج القانونی على الصعید النفسی إلى رقیب ومنافس وسجّان، ما یؤدی إلى أن تقوم أرکان مؤسسة الأسرة على أساس العداوة والبغضاء)). 2- استقرار نظام الأسرة: تُفضی رعایة العفّة فی القول والسلوک إلى حفظ الأسرة وبقائها سلیمة معافاة. هل استطاع أولئک الذین رفعوا مکراً شعار حرّیة المرأة وعمدوا إلى فصل الحجاب عن العفة أن یحافظوا على نظام الأسرة واستقرارها عبر جرّ النساء فی الغرب إلى التهتک ودفع الرجال نحو التحلّل والفساد؟ 3- إصلاح المرأة ((المتشیئة)): للإمام الخمینی الراحل (قدس سره) تعبیر جمیل فی بیان الرؤیة الغربیة للمرأة بوصفها بضاعة، یقول فیه: ((بخصوص المرأة، لم یعارض الإسلام حریتها مطلقاً، بل على العکس ترى الإسلام یعارض مفهوم ((تشیؤ المرأة)) والتعامل معها ک((شیء)) ومن ثم – فإن هذا الدین – قد أعاد لها شرفها وحیثیتها)). 4- العفاف منشأ الثقافة والأدب: یمکن اختزال جمیع ما تزخر به حیاة الإنسان من ضروب الجمال ومن جلال الحضارة والثقافة، بکلمة واحدة هی الحب! إن الحب لیستند إلى أساطیر قلما یمکن بلوغها. فلغة المحبّین هی لغة الشعر متوهّجة کتوهّج قلب العاشق. لغة ملتهبة لاتعرف الجسد، معطاءة تضحّی بالحیاة، بید أنها تفیض حناناً وعطفاً، تثیر الرحمة وتجذب إلیها حتى قلب المعشوق على قسوته وتبعث على الثناء والإعجاب. هذه القمم الشاهقة، فی الثقافة الشرقیّة، وبخاصّة فی الأدب الشرقی، وهذه الذُرى السامقة التی تتضّوع بالعطاء العرفانی والإسلامی، هی رصید جیل أصیل عفیف ومتحضر ینظر إلى الآخر ویتعاطى معه من زاویة العفة. تعیش المرأة فی إهاب الحشمة والجلال، والرجل ینشدّ على الدوام إلى هذه الحشمة وذلک الجلال اللذین لایتأتیّان بسهولة ولا یتحصّلان ببساطة ویُسر. فی أجواء هذه الحالة، قلما کانت المرأة ألعوبة بید أهواء الرجل واحابیله، ومن ثم کانت تحظى بقیمة أعلى وبمنزلة أکبر. یطرح الشّهید مطهری هنا السؤال: ((هل یصل هذا الاستعداد (الکمالی) إلى حالة الفعلیة على نحو أفضل فی ظل مجموعة من الضوابط الأخلاقیة التی تهیمن على روح الرجل والمرأة بعنوان العفّة والتقوى، حیث تکون المرأة فی إطار هذه الحالة شیئاً ثمیناً لایناله الرجل، أو یتحقّق ذلک أفضل فی ظلّ أجواء لاتعیش فیها روح الرجل والمرأة من خلال رادع عنوانه العفّة والتقوى، ولا وجود فیها لمثل تلک الضوابط أساساً، حیث تکون المرأة بید الرجل فی غایة الابتذال؟)). إن المرأة لتفقد هذا الجمال الشاعری الغامض بغیاب العفّة والستر، وتتحول إلى سلّة مهملات لشهوة الرجال المتهتّکین، رجال لیسوا شعراء، بل مجرمون! | ||
الإحصائيات مشاهدة: 3,024 |
||