الابداع الفنی للأطفال بین التخیّل والمشاهدة | ||
الابداع الفنی للأطفال بین التخیّل والمشاهدة بتول صادق یتجه الطفل فی نهایة مرحلة ریاض الأطفال إلى فترة تحوّل من الاتجاه الذاتی إلى الاتجاه الموضوعی فی الرسوم، فهو یظهر تمسّکه بالعلاقات والمظاهر الممیزة للأشیاء التی یتذکّرها، أو یهتم بها، مع إضافة التفاصیل إلى العنصر المرسوم، وفی أغلب الأحیان، یکون هذا الاتجاه الموضوعی، لیس تمثیلاً للواقع المرئی کما هو، ولکن الطفل یضیف إلیه من مخیّلته مفردات وعناصر جدیدة ترتبط بعملیات الترکیب والدمج فی علاقات ونظم جدیدة، حیث تلعب الذاکرة دورا أساسیاً فی إمداد الطفل بالمعلومات البصریة عن الأشکال والوحدات والألوان والعلاقات. وعند تعبیر الطفل عن الإنسان أو الحیوان أو الطیور، أو تعبیره عن الأشیاء المصنوعة من مبانِ وسیارات وأعمدة نور وشوارع مرصوفة یشاهدها الطفل، ویبصرها فی العالم المحیط به، فإنه یعبّر بموجزات شکلیة غیرمعقدة، بل بسیطة یسهل فهمها، لأنها غیرمبهمة ولاغامضة. وقد تظهر فی رسوم طفل هذه المرحلة العمریة بعض الخصائص السابقة لهذه السن، مثل المبالغة والحذف والتکبیر والتصغیر والإطالة والإضافة، ولکنه یضیف من خیاله الکثیر من ارتباطاته العاطفیة لهذه الرموز التبعیریة المرسومة، حیث یعتبر الأساس النفسی والوجدانی من المقومات الأساسیة فی إعطاء الرسوم قیمة ملیئة بالإحساس وبالمشاعر الخاصة. فالطفل یغالی فی الجزء الذی یهتم به عاطفیاً، ویهمل أجزاء أخرى قد تکون أکثر أهمیة. وهذه الحقیقة تؤکد تحویل الاهتمام من النسب المرئیة إلى علاقات محدودة الحجم عاطفیاً. ولذلک یجب علینا أن نساعد الطفل على تکثیر الخبرات لدیه، من خلال عملیات البحث والاکتشاف والتجریب فی البیئة المحیطة به. الهدف: 1- تنمیة الخیال عند الطفل، والقدرة على الإبداع. 2- تنمیة القدرة على الملاحظة، والدقة فی تمثیل الواقع المرئی. أولاً: تخیّل وارْسم طلب المعلم من الأطفال رسم الطائر الذی یحبونه، دون أن یتدخل فی فرض شکل طائر معین علیهم، أو أن یقیدهم بقواعد ضروریة للرسم، بل ترک لهم حریة التعبیر عن خبرتهم بلغة الأشکال، وبطریقتهم الخاصة فی إدراکهم البیئة من حولهم وفقاً لطبیعة نموهم وقدراتهم، ولندع للطفل الحریة فی ردود فعله، ولیکتشف بنفسه ما یستطیع أن یکتشفه من العلاقات، فهذه الحریة جزء أساسی من النمو فی إدراک المثیرات من حوله عندما یعبر فنیّاً. فالطفل مثل الفنان الکبیر فی تحرّکه بین عالمی الواقع والخیال. وإطلاق الخیال – هنا – یمکّن الطفل من تکوین مفهومه عن ((الطائر الذی یحبه))، الطائر الذی یجلب إلیه تداعیات سارّة من الألوان والأشکال والأحجام والفراغات، یحصل عن طریقها على المتعة الخالصة، أی الإحساس بالجمال فیما حوله. إن عملیات الاستدعاء من المخیلة: تساعد الطفل على الابتکار والإبداع الفنی، باعتبارها تدریبات طبیعیة لعملیة الإدراک، ولملکات التناول والمعالجة، مما قد یساعد الطفل على تعلم الفن بقواعده وأسسه بعد ذلک. إن الطفل _ هنا _ یخبرنا من خلال تعبیره الحر، عن تراکم الخبرات لدیه، واهتماماته المتزایدة باکتشاف البیئة المحیطة به، وتصبح رسومه لیست نسخْا للواقع، ولکنها رموز للأشیاء الواقعیة محملة بخبراته الذاتیة الإبداعیة الخلاقة التی تختلف من طفل إلى اخر، فالطفل یعبر عن نفسه بشکل یتضمن وعیاً وشعوراً أکثر بالذات. ثانیاً: شاهد وارسم طلب المعلم من الأطفال مشاهدة مجموعة من الطیور سمیت (( طیور الماء))، وطلب منهم الترکیز وضرورة النقل والمحاکاة والتقلید بدقة من النموذج المعروض أمامهم، وعلى کل طفل، أن یختار الطائر الذی یحبه. التقلید قد یکون بقصد الدراسة، أی أنه وسیلة حیث لایعتبر مرحلة منتهیة، بل یمکن الحکم علیه بأنه یساعد على توسیع رصید الطفل من مفردات الخبرة الفنیة. وعندما یتدرب الطفل على المُشاهدة والترکیز والنقل والتقلید والمحاکاة، فأنه یکتسب هذه المفردات، ویعرف حقیقتها ومضمونها، ویضمها إلى رصیده عن طریق عملیة الفحص والتأمل والتحلیل. وهذه الطریقة قد تخضع للتربیة التقلیدیة التی تحافظ على القواعد والنظم المعمول بها فی تدریس الفن، ولکن یجب النظر إلى هذه الطریقة نظرة نقدیة عند اختیار ما یتلاءم مع التطور الفنی وإمکاناته فی کل مرحلة عمریة یمر بها الأطفال. النتائج والمناقشة: نلاحظ من خلال مشاهدة الرسوم (الطیور) أن الطفل – عادة – یکوّن فکرة عامة عن الطائر، بحیث تکون غیرمرتبطة بشکل معین للطائر، هذه الفکرة تکوّنت من خلال المجال البصری للطفل، ودرجة تفاعله مع البیئة من حوله، وهی تتغیر باستمرار مع عملیة النمو. فالطفل یرسم أفکاره عن الأشیاء المتخیلة من الذاکرة فی صورة أشکال لها خصائصها الرمزیة المجردة التی تتمثل فی عملیات التذکر والاستدعاء، ثم تنتقل إلى عملیات الترکیب والدمج بین أنظمة جدیدة غیرمألوفة أکثر خصوصیة تسمح لنا برؤی جدیدة فی الممارسات الإبداعیة للأطفال. | ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,318 |
||