مساهمة العقائد الدینیة فی الصحوة الاسلامیة | ||
مساهمة العقائد الدینیة فی الصحوة الاسلامیة دراسات نهى عبدالله لم تحظ قضیة فی العقود القلیلة الماضیة، بمثل الاهتمام الذی حظیت به قضیّة المرأة؛ فقد عقدت من أجلها المؤتمرات الدولیّة واختصّتها الأمم المتّحدة بسنة عالمیّة، وربط الکثیرون بین واقعها وبین واقع المجتمع المتخلّف أوالمتقدّم، وأنجزت من أجلها اتّفاقیّة دولیّة تمنع التمییز ضدّها فی الأشکال کافّة، ووقّعت علیها معظم دول العالم. ولا تزال أصداء مؤتمر بکّین فی منتصف التسعینیّات، تتردّد إلى الیوم حول ما ورد فیه، والنقاشات الواسعة التی رافقت أعماله، بحیث أصبح منهج عمل ومرجعیّة تقتدی بها المؤتمرات الأخرى، وتسترشد بالنتائج والتوصیات التی أقرّها. على الرغم من کلّ التعدیلات التی حصلت، فی کثیر من قوانین بلدان العالم تجاه المرأة، لا یزال الجدل مفتوحاً فی هذه القضیة، تارة لجهة علاقة حقوق المرأة بطبیعتها الفیزیولوجیّة وما تفرضه، (أولا تفرضه) من تحدید أدوارها، ومواقع المسؤولیّة التی یمکن أن تحتلّها المرأة، وتارة لجهة علاقة هذه الحقوق بالمجتمع الذی تنتمی إلیه، والثقافة التی تشد أواصره. کما یدور الجدل حول النموذج الذی یهیمن الیوم على صورة المرأة، هل هو النموذج الغربیّ الذی تبدو فیه المرأة أنّها حصلت على حرّیّتها الفردیّة بمستویاتها کافّة، ولکنّها فی الوقت نفسه، فقدت روابطها الأسریّة والاجتماعیّة؟ وهل هو النموذج الذی صنعته السینما ووسائل الإعلام حین تمتزج فیه صورة المرأة الغربیة وحیاتها، بصورة المرأة التی تنشغل بجمالها وبالأزیاء التی ترتدیها...؟ أم هو نموذج المرأة المسلمة التی تقدّم صورة أخرى عن شکلها وسلوکها؟ وهنا یطرح سؤال آخر: ما هو المعیار الحقیقی الذی یمیز بین النموذجین لیکونا على هذه الدرجة من الاختلاف؟ ما یقودنا لنسأل: ما هی الصورة الحقیقیة للهویتین؟ فما هو العنصر الذی یمیز هویة المرأة المسلمة عن غیرها؟ أهو عنصر واحد أم منظومة کاملة مترابطة؟ جدلیة الصورة النمطیة للمرأة ثمّة نقاشٌ على مستوى آخر، فی مظلومیّة المرأة فی الإسلام کدین أو فی المجتمعات الإسلامیّة؛ فیذهب بعضهم إلى أنّ الإسلام نفسه لم ینصف المرأة سواء فی بعض الآیات أو فی الروایات والأحادیث، ویرى آخرون أنّ المسلمین زادوا فی اضطهاد المرأة، فمنعوها من التعلم ومن الخروج من المنزل... وفی منتصف القرن الماضی برزت دعوات فی أکثر من بلد من البلدان العربیّة والإسلامیّة إلى "تحریر المرأة" وإلى "سفورها" وإلى کسر التقالید التی تکبّل تعلیمها وعملها... ولا شک أن تلک الدعوات کانت تعبّر، من جهة، عن واقع حقیقیّ إلى حدّ بعید؛ لأنّ المرأة لم تنل نصیبها، لا من التعلّم، ولا من أیّ مشارکة اجتماعیّة، ولا من حقوقها الأساسیّة، مثل حقّها فی قبول الزواج أو رفضه... لکنّ هذه الدعوات کانت، من جهة أخرى، متأثّرة، بالحرکة النسائیّة الغربیّة فی أوروبّا، أی بما یُعرف بـ "النسویّة" التی رفعت شعاراً لها المساواة التامّة بین المرأة والرجل فی کلّ المواقع والمسؤولیّات، وفی کلّ میادین العمل، انطلاقاً من فرضیّة أنّ الاختلاف الفیزیولوجیّ لیس هو الذی یحدّد المهنة أو المستقبل أو الأدوار، وإنّما الثقافة والتربیة هما ما یفعل ذلک. ولذا، ترى هذه الدعوات أنّ على المرأة أن ترفض هذا التمییز على أساس الفیزیولوجیا، وأن تعمل من أجل حقّها بالمساواة بحسب القدرة والکفاءة. لقد خفت صوت "النسویّة" فی العقدین الماضیین، کحرکة منظّمة، لکنّ أفکارها حول "المساواة" استمرّت وتسلّلت إلى کثیر من العقول، وصولاً إلى الأمم المتّحدة نفسها، وإلى منظّمی مؤتمراتها الدولیّة والإقلیمیّة؛ فمن هذه الأفکار بزغ فجر "الجندر" الذی لا یعنی سوى "النوع الإنسانی"، الذی لا یمیّز بین الذکر والأنثى على أساس فیزیولوجیّ، بل یعتبر أنّ أدوارهما المختلفة هی نتاج التربیة، ولیست نتاج الاختلاف فی الاستعدادات الفیزیولوجیّة أو النفسیّة. واختلف الإسلامیّون أیضاً فی نظرتهم إلى المرأة؛ فذهب بعضهم إلى تشریع منعها من الخروج، ومن العمل، مهما کان نوعه. ومنهم من لم یسمح لها بأیّ مشارکة اجتماعیّة أو سیاسیّة. ولا تزال بعض الدول الإسلامیّة، تمنع المرأة هذا الحقّ إلى الیوم، بما فی ذلک حقّ الانتخاب وصولاً إلى حقّ قیادة السیّارة... وللأسف یتیح هذا الواقع توجیه الاتّهام إلى الإسلام نفسه، ولیس إلى بعض الاتّجاهات الإسلامیّة أوبعض المفکّرین الإسلامیّین، أوحتّى بعض الحکومات التی تمنع المرأة هذه الحقوق. وغالباً ما یستخدم أصحاب الاتّجاهات الفکریّة غیر الإسلامیّة هذه النماذج، للادّعاء بأنّ الإسلام لم یفعل سوى تکریس تخلّف المرأة. لکنّ هذه التجارب لیست الوحیدة التی تعبّر عن واقع المرأة فی البلدان الإسلامیّة المعاصرة. فثمّة الکثیر مّما یمکن الإشارة إلیه، فی مشارکة المرأة فی میادین مجتمعها المختلفة، من المؤسّسات الحکومیّة، إلى الهیئات الأهلیّة والتطوّعیّة، إلى المشارکة السیاسیّة؛ کما فی لبنان وفلسطین بشکل بارز[1][ صورة المرأة والصحوة الإسلامیة لا شکّ أنّ التغیّرات التی حصلت فی العالم الإسلامی على مستوى الأفکار، والقضایا السیاسیة والثورات الشعبیة المختلفة التی باتت صوتاً واحداً یطالب بالعدالة الاجتماعیة والسیاسیة والفردیة، ورفع ید الهیمنة الاجنبیة المتطفلة عن الشعوب، وترکها لتتنفس هواء نقیاً وحدها دون واسطة، ما أثّر على المسلمین بطرق مباشرة وغیر مباشرة فی نظرتهم إلى أنفسهم، وإلى المرأة، وإلى الآخر. لکنّ المسألة الأساس لیست فی هذا الحقّ أو ذاک، بل بین نظرتین إلى المرأة، من خلال ما یسمى بـ "إطار الانتماء" .وهذا الإطار هو الذی یحدّد الحقوق والواجبات، ومهامها وأوجه مشارکتها وضروراتها والحاجة الفردیّة، أو الاجتماعیّة إلیه. والمقصود بإطار الانتماء، المرأة کفرد أو المرأة کجزء من أسرة تنتمی إلیها، أو المرأة کجزء من منظومة اجتماعیة لها تأریخها وعقیدتها وقیمها ومبادئها وتعالیمها الأصیلة ومستجدات زمانها. لذلک فإن هذه المنظومة لها محور نواة ورکیزة صبغتها بصبغتها العامة، ومازلنا نطلق علیها اسم (مجتمعات إسلامیة) رغم أن أنظمة حکمها ودساتیرها لیست إسلامیة بالضرورة، لکنها مسلمة الانتماء بامتیاز من حیث عقائد شعوبها وقیمهم ومبادئهم، بل فی جذور معظم عاداتهم وتقالیدهم –کما فی ترکیا الیوم- رغم انسلاخ صبغة الحکم عن الإسلامی. أین النواة والرکیزة فی هذه المجتمعات؟ أعتقد أن البدایة بدأت من خلال ما باتوا یعتقدون به ویؤمنون، ولا نختلف أن هذه العقیدة مشترکة فی أساسها وجذرها مهما تلونت المذاهب واختلفت المشارب الطائفیة، والأنظمة القانونیة. الیوم فی عصر الصحوة الإسلامیة بتنا نعرف أننا کشعوب عربیة أو إسلامیة نشترک بعقیدة واحدة، مهما اختلفنا، بل مهما احببنا أن نختلف، بل مهما حرص الحریصون على إبراز الاختلافات. وبتنا نرى أن الاختلافات المسماة (طائفیة) هی وجه بشع وذمیم للنفوذ السیاسی فی المنطقة، ولعبة بخیوط مهترئة یعلو الید التی تحرکها طبقات من غبار الزمان القدیم، قبل صحوة العقل المشترک عند المسلمین فی قوله صلى الله علیه وآله وسلم: " لیس منا من أصبح ولم یهتم بأمور المسلمین". هذا الهم الموحّد فرض على المرأة أن تکون جزءاً لا یتجزأ منه، یبقى السؤال: کیف صاغت مشارکتها؟ وکیف ساهمت هذه العقیدة المشترکة فی بلورت دورها بما یخدم ساحتها، مع الحفاظ على کرامتها وعزتها وعنفونها وأولویتها الأسریة، کی لا تذوب فی حصن وحصنها مشرع خال؟ ویجدر أن نسأل عن دور العقیدة فی بناء الإنسان (تشکیل مفاهیمه، رؤاه، مشاعره وانفعالته ، انتهاء بالأهم.. سلوکه ،خیاراته، ومساهمته فی تغییر الواقع ورسم المستقبل)؟ هل یصح عندها ادعاء أن الفکر یصنع واقع الإنسان –رجلاً وامرأة- وجزءاً من مستقبله؟ أولاً: دور العقائد الدینیة فی بناء الإنسان لو أردنا تعریف العقیدة فی الاصطلاح الإسلامی المشهور بین العلماء: "ما قطع به العقل، واطمأن به القلب، وصدقته (نفّذته) الجوارح" نجدها علاقة مشترکة بین أبعاد الإنسان: الاعتقاد المحکم فی العقل، یلازمه اطمئنان القلب، ویترشح على السلوک والأفعال الظاهرة من الإنسان. وبناء علیه، فإن الأفکار التی نعتقد بها لکننا لا نؤمن بها، لیست عقیدة راسخة، کذلک ما نشعر أننا نمیل إلیه دون قناعة.. لیس عقیدة، فضلا عمّا نفعله بحکم العادة والتقلید ولا نؤمن به أو نرضاه ... لا یرقى لیکون عقیدة بالطبع. لماذا هذا التعقید؟ وما هو سرّ هذه العلاقة بین العقل والقلب والعمل؟ هذا السؤال تزخر کتب الأخلاق والعقائد وتسهب فی شرحه[2][308]، وبشکل موجز یمکن اختصره بأـن الرؤیة الإسلامیة لتربیة الإنسان عبارة عن عملیة مکونة من تربیة جمیع أبعاده بشکل منسجم (العقل والقلب والجسد) تبدأ من غنى العقل وترشیده وتنمیة قدراته؛ لذلک وردت عدة آیات کریمة وأحادیث شریفة أکدت حقیقة العلم والتعلم والتفکر وإدراک عواقب الأمور والتأمل:" لا عبادة کالتفکر"[3][309] ، لیصبح قادراً على الحکم والتمییز والفصل والاستنتاج، وعلیه یضبط قواه النفسیة[4][310] الأخرى بصمام محکم مستقر، یخضع له سلوکه العام الذی ینسجم مع حالته النفسیة المستقرة ونفاد بصیرته، یقول الله تعالى: (فبشّر عباد، الذین یستمعون القول فیتبعون أحسنه أولئک الذین هداهم الله وأولئک هم أولوا الألباب)[5][311]. إضافة إلى أننا نجد أن المنظومة الدینیة فی الإسلام منسجم مع أبعاد الإنسان؛ فهی تعود إلى حقول ثلاثة تخاطب الإنسان بالتکلیف: العقیدة، الأخلاق، الشریعة. وهی تتداخل فی أجزاء کبیرة، أی أننا نجد أن المصلّی هو ملتزم بالشریعة، وعندما یحاول الخضوع والخشوع فی صلاته لیؤدی حقها ، ینعکس ذلک على بناءه الأخلاقی وحالته النفسیة، ومن البدایة إذا تم سؤاله :لمَ تصلّی؟ فسیجیب :امتثالا لله تعالى الذی أمرنی بذلک. وهو ما یترشح من عقیدته بالتوحید. هذه العقیدة التی لا تتشکل حتى تمر وتربی الأبعاد الثلاثة (عقل ، قلب، جسد)، هی نفسها ینبثق منها تکلیف یخاطب الأبعاد الثلاثة، کالعقائد والمبادئ الإسلامیة الفکریة، والأخلاق الواجبة والمستحبة و... ، والأحکام الشرعیة: مباح ،محرم وواجب.. ثانیاً: أهم العقائد الدینیة الإسلامیة یشترک جمیع المسلمین فی أصول العقیدة الإسلامیة، ما یجعلهم جمیعاً داخل دائرة الإسلام، وهم مشترکون بالتالی على بعض الفروع التی تترشح من هذه الأصول أو الجذور (لمراعاة اختلاف مصطلح أصول الدین-العقائد ، وفروعه- أمهات الأحکام). ومن الجدیر الالتفات إلى هذه النقطة لأنها مدخل للنزاعات التی نشهدها الیوم فی البحرین ... على الرغم من أن دوائر الاشتراک أوسع وأکبر من زوایا الاختلاف. وهی: التوحید- النبوة - المعاد هذه هی الأصول الثلاثة الرئیسة فی عقیدة المسلمین، وهی تترشح على مبادئ واعتقادات فی ظلها، وهی مشترکة بدورها: العدالة الإلهیة، الرحمة واللطف والمدد والعون والنصرة والمغفرة والرحمة والقضاء والقدر والاختیار وعدم الاجبار.. والطاعة والالتزام والمراقبة... النبوة والقیادة الإسلامیة والعصمة والرسالة والقرآن الکریم والخلافة ووجود النظام الإسلامی والتحکیم الإسلامی وإحیاء الشریعة والقضاء والحکم والدستور والنظم والولاء... القیامة والحساب والجنة والنار والموت والبعث والنشر والملائکة وعالم الآخرة والقبر والصراط والمیزان.... کل أصل یتفرع منه مجموعة اعتقادات تشکل عناصره. ونلاحظ أن مجرد تعداده یأخذنا إلى میدان العمل والتطبیق لأنها تحمل معها وجهاً تنفیذیاً إجرائیاً واضحاً. یتوافق المسلمون على هذه العناوین ویختلفون فی درجاتها وتفاصیلها أحیاناً، لکن ینفرد الشیعة الإمامیة بالاعتقاد بالإمامة ، وهو متفرع من الإیمان بالنبوة، استناداً على ما بینه العلماء فی الأدلة[6][312]. ولیس هنا محل مناقشة الاختلاف، بقدر إبراز الإشتراک بین المسلمین، وما هو مؤثر على دور المرأة المسلمة فی نهضة الصحوة الحدیثة. رغم ذلک، فإن هذا الأصل الاعتقادی یخبئ سراً عظیماً على مستوى التأثیر، ولا یمکن غضّ النظر عنه، عند دراسة العقائد الدینیة المؤثرة فی الصحوة؛ فکلما حاولت ذلک –کباحثة- فاجأتنی الوقائع الملموسة. مثلاً: کیف خاطب قادة الصحوة الإسلامیة المرأة فی مجتمعهم؟ نحتاج إلى دراسة تجربة ناجحة.
ثالثاً: ما هی العقائد الدینیة التی برزت فی الخطاب الصحوی؟ لنقل کنموذج بارز على الخطاب الإسلامی من خلال إحدى أبرز مصادیق الصحوة الإسلامیة: المرأة فی ظل الثورة الإسلامیة المبارکة کانت محط أنظار واهتمام السید الإمام الخمینی (قده)، فما هی المواضیع التی خصصها للمرأة، وتدخل ضمن الإطار الفکری والعقدی؟ بمعنى آخر: ماهی العناوین العقدیة التی تکررت وبرزت فی کلمات مفجر الثورة الإسلامیة، خاصة فی المناسبات والمحافل التی یخاطب فیها المرأة الإیرانیة التی شارکت فی هذه الصحوة؟ فی جولة سریعة على معظم خطابات الإمام (قده)[7][313]، تبرز العناوین التالیة: أهمیة الاعتقاد بالرقابة الإلهیة: الإخلاص والیقین بلله والتوکل علیه والطاعة، والحرص على نیل الرضا الإلهی، مرجعیة الإسلام وکفایته : " کم یحمل هذا الخطاب الإلهی فی القرآن من مسؤولیة ..مسؤولیة الاکتفاء بالإسلام، یکفینا نبی الإسلام، تکفینا احکام الإسلام وأهدافه ...نحن مکلفون بالحفاظ على دین الله.. بالمحافظة على الأهداف الإلهیة، وإنکن أیتها المخدرات المؤمنات أولى من غیرکن بهذا..لقد منّ الله تبارک وتعالى علینا بهذا اللطف بان نحافظ مع الله عزوجل على الدین الإسلامی فی قوله: (حسبک الله ومن اتبعک من المسلمین)".[8][314] أهمیة الاعتقاد بکرامة السیدة الزهراء (ع) وأبعاد شخصیتها، کونها النموذج الأعلى للمرأة الیوم: هذا المعتقد تکرر فی معظم کلمات الامام فی المحافل النسائیة، وقد سنّ یوم المرأة العالمی بتاریخ ذکرى ولادتها المیمونة، ولم یطرح معلومات تأریخیة فقط، بل کان یرکّز على البعد الإمامی والمعصوم والتربیة المطهرة، والدروس المستفادة من شخصیة امرأة تملک بعداً روحیاً خاصاً فی واقع وظروف قاسیة، شخصیتها، بیتها، تربیتها،فلسفة الإمامة من وجهة نظرها فی خطبة فدک الشهیرة، تسبیحها وعبادتها، مواقفها الباسلة والجریئة، إراتها فی المواجهة وتحدی الظلم، أخلاقها...والعناوین کثیرة ومتعددة یضیق البحث عن عرضها بالفعل:" لم تکن الزهراء امرأة عادیة، کانت امراة روحانیة..امرأة ملکوتیة.. کانت انسانا بتمام معنى الکلمة.. نسخة انسانیة متکاملة..امرأة حقیقیة کاملة.. حقیقة الإنسان الکامل، بل هی کائن ملکوتی تجلى فی الوجود بصورة انسان.. بل کائن إلهی جبروتی ظهر على هیئة امرأة"[9][315]. الاعتقاد بالأئمة وعصمتهم وتوطید العلاقة الروحیة بهم: وهو عنوان تکرر کثیرا فی خطاباته: "نحن نفخر أن تکون الدعیة الحیاتیة صادرة عن أئمتنا المعصومین. نحن نفخر ان تکون منا المناجاة الشعبانیة للأئمة ودعاء عرفات للحسین (ع) بن علی، والصحیفة السجادیة زبور آل محمد، والصحیفة الفاطمیة وهی الکتاب الملهم من قبل الله تعالى إلى الزهراء المرضیة".[10][316] ترسیخ الاعتقاد بالإمام الغائب (عج) وأهمیة التمهید له: "إن بیانی لعاجز عن وصف المقاومة الشاملة والباهرة التی یبدیها ملایین المسلمین المولعین بالإیثار والتضحیة والشهادة فی بلد صاحب الزمان أرواحنا فداه. وإنی لأعجز عن تناول ملاحم وبطولات وبرکات الأبناء المعنویین للکوثر الزهراء (ع)".[11][317] الاعتقاد بکرامة المرأة وأهمیة دورها إلى جانب الرجل فی الإسلام لا خلفه: " المرأة مبدأ جمیع الخیرات وقد رأینا کیف کان دور المرأة فی هذه النهضة.. إننا نعتبر أن نهضتنا مدینة للنساء فالرجال کانوا ینزلون إلى الشوارع اقتداء بالنساء فهن شجعن الرجال وکن دائما فی مقدمة الصفوف".[12][318] ترسیخ القدوة: شجاعة زینب (ع)- مساهمة السیدة خدیجة (ع) فی نشر الإسلام- کرامة السیدة مریم العذراء... أولویة التربیة الإسلامیة وکونها وظیفة المراة بالأصالة: تحفل کلماته بتثبیت هذا المبدأ ودور الإسلام فی کونه مرجعیة تربویة، فتناول أکثر من مرة موضوع الحضانة وخطورتها على الطفل، صبر الأم، أهمیة الأسرة، أهمیة الأخلاق وحسن التعامل، ارتباط صلاح المجتمع بالتربیة الصالحة :"بإمکان الإنسان الصالح أن یهدی عالماً، والفاسد قد یجر العالم إلى الفساد، فالفساد والصلاح یبدأ من احضانکن، ومن تربیتکن، ومن بیوتکن، والمدارس اللاتی تعملن فیها".[13][319] أهمیة المشارکة الإجتماعیة والسیاسیة والمساندة وغیرها من الأمور التی أراد الإمام ترسیخها فی عقل النساء الایرانیات ووجدانهن لیضمن سلامة مسیرته الإسلامیة. لکن لمَ تکررت بشکل بارز فی کلامه للمراة شخصیة السیدة الزهراء (ع)؟ ثم الأسرة وصلاح المجتمع؟ مع ملاحظة أن هذه الکلمات جمیعها استهلت بتثبیت قاعدة المرجعیة الإلهیة فی الحیاة کعقیدة راسخة.
رابعاً: دور مبدأ الإمامة والولایة فی التنمذج لن نتناول مبدأ التوحید والنبوة، بقدر الولایة – رغم اختلاف المسلمین بالاعتقاد بها- وربما کان هذا سبباً وجیهاً لدراسة تأثیرها فی میدان الواقع أکثر، لکن لن نتناولها بعیداً عنهما أیضاً. لا شک ان مبدأ الإیمان بالتوحید والعدالة الإلهیة والرقابة والإحاطة، یضفی على سلوکنا تقدیساً للتکلیف الإلهی والتزاماً بالطاعة مع مصاحبة الرضا أثناء الالتزام. ویؤمن جمیع المسلمین بأن الحق جل اسمه، قد تلطف بهم إذ أرسل من لدنه أنبیاء ورسل معصومین منزهین یقومون بدور التعلیم والبیان والدعوة إلى عبادته، والتبشیر والإنذار. وهو ما یؤثر فینا أیضا بلزوم طاعتهم والإیمان برسالتهم والبحث فی قصصهم لأخذ العبرة والموعظة. لکن أین یکمن السر؟ سر الالتزام الحقیقی عقلا وقلبا وعملا؟ أن یلتزم الإنسان وهو راضی محب؟ إضافة إلى سؤال آخر: العلوم تکتسب بالتعلیم، لکن الأخلاق کیف تکتسب؟ ألا نحتاج إلى نماذج من الإنسان الکامل نفسه، لکن بظروف متنوعة ، مختلفة، ملونة، متقدمة زمنیاً، فی السلم وفی الحرب، فی الغنى والفقر، فی الحریة والأسر، فی النعمة والشدة، فی الصحة والمرض.. أعنی ألا یحتاج الإنسان لنموذج کامل یعلمه کیف یواجه الظلم دون الاعتداء؟ کیف یبنی مجتمعه؟ کیف یساعد غیره؟ کیف یربی ابناءه ویروض نفسه؟ المرأة والرجل والطفل؟ ألا یحتاج إلى برنامج تربوی یطبق امامه ما کلفه به الإسلام؟ الظاهر والباطن؟ الروح والجوهر؟ من المعروف أن الأخلاق تحتذى ولا تکتسب، لذلک نحتاج إلى قدوة عاشت أکبر عدد ممکن من الظروف المختلفة. یکمن السر هنا تحدیداً، ولا أظن أن الصدفة کانت سببا لتکرر شخصیة الزهراء (ع) فی خطاب المراة، بقدر ما کان هذا الاعتقاد حاضراً لدى الامام الخمینی فی کلماته، لأنها کانت ملهما للمرأة للتحرک على هذا المستوى، وهذا الالهام مبنی على الإیمان بأنها من بیت العصمة، أی مبدأ الإمامة المتفرع عن النبوة، التی لا نؤمن بها حتى نکون موحدین بالأصل. وربما یکون هذا تفسیرا لأن الإمامیة أیضا یؤمنون بأن " حب أهل البیت عبادة" لأن الحب هو الطریق الأوحد للذوبان فی نموذج القدوة واحتذائه ببصیرة خاصة وعلاقة وثیقة. ربما هذا ما دفع المرأة الایرانیة للثبات والصبر والقوة مع المحافظة على جمیع التعالیم الإسلامیة تحت هذه المظلة الاعتقادیة، وما دفع المرأة اللبنانیة فی تموز 2006 إلى الصبر والنضال والتضحیة ایضاً، وما یدفع کل امرأة حرة ان تطالب بتحقیق العدالة ورفع الظلم والاضطهاد عن أبناء شعبها، وهو دافع لتربیة أجیال اخرى والمساهمة فی نشر هذا الوعی وهذه الرسالة، فتحکرت تلک القبضات مرة واحدة، مصر، تونس، لیبیا، البحرین. قیمة مساههمة المرأة فی الصحوة إن المعیار الأصح لقیاس مشارکة المرأة، أو مدى فاعلیّتها الاجتماعیّة أو الاقتصادیّة، أو سواهاهو نتاج ما تعتقد به، لیرشح على القیم الأخلاقیّة، أو قیم التضحیة، أو قیم المسؤولیّة التربویّة والرعائیّة التی تتحمّلها المرأة، التی یدعوها إلیها الإسلام، أو ینیطها بها المجتمع وثقافته... کما یفترض ألاّ تنزلق الهیئات والجمعیّات، خاصة النسائیّة منها، ومعها وسائل الإعلام، والنّدوات، والمحاضرات إلى إهمال قدر المرأة المربّیة فی الأسرة بحیث تطبق تلک القیم،والتی تقوم فی الواقع، بعمل لا یقلّ بأیّ حال من الأحوال، بل یتفّوق عمّا تقوم به على سبیل المثال إمرأة تعمل فی هیئات اجتماعیة دون درایة أو بصیرة بصلاح مجتمعها أو فساده. إنّ التأکید على قیمة العمل الأسریّ ومسؤولیّته وجسامته الذی تقوم به المرأة فی بیتها بمستویاته التربویّة والرعائیّة، ومساهمته فی استقرار الأسرة، مقارنة بقیمة بأی عمل آخر، فله أهمّیة کبیرة فی التعویض النفسیّ للمرأة، التی قد تشعر فی بعض الحالات بإهمال المجتمع لها، أو بسوء تقدیر التضحیّة التی تقوم بها داخل الأسرة... وما ینبغی الإشارة إلیه أیضاً، فی إطار ارتباط عمل المرأة بمرجعیّة الأسرة هو –برأینا- تشجیعها على الانخراط فی العمل التطوّعی فی الهیئات، والجمعیّات، والأندیة التی تُعنى بقضایا المجتمع المختلفة؛ فمثل هذه المشارکة تتیح للمرأة أن تکون على صلة بمشاکل المجتمع الذی تعیش فیه، وأن تساهم بمقدار استطاعتها فی مدّ ید العون لمعالجة تلک المشاکل، دون أن ینعکس ذلک سلباً على أسرتها؛ لأنّها هی التی ستختار التوقیت والجهد المناسبین، بما لا یتعارض مع حاجة أسرتها وأطفالها إلیها، وستشعر فی الوقت نفسه، بممارسة دور اجتماعیّ، یکسر عنها طوق العزلة، التی قد تحاصرها، جرّاء استغراقها المتواصل فی الاهتمام بأسرتها وأطفالها. تُعدّ مسألة النظر إلى حضور المرأة، ومشارکتها الاجتماعیة، مسألة مقاییس ومرجعیّات قیمیّة وثقافیّة. فکلّ الإحصاءات تشیر فی معظم دول العالم، وفی مقدّمتها الدول الإسلامیّة، إلى نسبة البطالة المرتفعة، وإلى عجز هذه الدول عن توفیر فرص العمل للمتخرّجین من الجنسین. أضف إلى ذلک نسبة الأمّیّة المرتفعة فی البلاد العربیّة (70 ملیوناً) خاصة بین الإناث؛ ما یعنی أنّ الأولویّة فی هذه البلدان، هی تعلیم المرأة؛ لأنّ التعلیم عموماً، یرفع مستوى الإنسان الفرد، ومستوى الأسرة، ومستوى المجتمع کلّه. فهو قیمة إنسانیّة عظمى، بها یرتقی الإنسان ویسمو.[14][320] ما هی مشارکة المرأة الاجتماعیّة الحقیقیّة؟ لیس عمل المرأة ومشارکتها الاجتماعیّة أو السیاسیّة، کما یفترض الکثیرون، مقیاساً للتحوّل الذی یحصل فی المجتمع، بالاتّجاه الأکثر تطوّراً أو تقدّماً، ولیست أنواع المشارکة التی تحدّدها المعاییر الغربیة هی المعاییر الصالحة دائماً أو الثابتة لقیاس حجم المشارکة وأهمیّتها؛ فهذه المعاییر (الغربیّة) تربط عادة بین أعداد النساء فی البرلمان أو الحکومة أو المؤسّسات الاقتصادیّة أو سواها، لتستنتج مستوى مشارکة المرأة ومدى فاعلیّتها؛ ولکن فی مقابل ذلک، نلاحظ کنموذج آخر، أنّ المرأة فی فلسطین التی قد تغیب عن المؤسّسات البرلمانیّة أو الحکومیّة، أو توجد فیها بنسب ضعیفة جداً، تشارک بکثافة وفاعلیّة غیر عادیّة فی مواجهة الاحتلال الصهیونیّ لبلادها، من خلال الاعتصام والإضراب والتظاهر والصبر على اعتقال الزوج أو استشهاد الابن ... فهل یمکن القول هنا، إنّ هذه المرأة الفلسطینیة محرومة من المشارکة ومعزولة ومتخلفّة؟ إنّ ما یؤکّد فرضیّة عدم التلازم بین مشارکة المرأة، وبین تقدّم المجتمع وتطوّره وارتقائه، هو الأمثلة والنماذج التی یقدّمها عالم الغرب؛ فقد وصلت المرأة فی معظم بلدان هذا الغرب، فی الاتّحاد الأوروبیّ والولایات المتّحدة، وحتّى إسرائیل، إلى مواقع مهمّة فی مناصب أساسیّة فی هرمیّة السلطة فی تلک البلدان. من (کوندالیزا رایس) وزیرة الخارجیّة الأمیرکیّة السابقة، مروراً بـ (تسیبی لیفی) نظیرتها الإسرائیلیّة، إلى (میشال الیو ماری) وزیرة الدفاع الفرنسیّة، إضافة إلى أخریات فی الخارجیّة البریطانیّة والسویدیّة، والمستشارة الألمانیّة (أنجیلا میرکل)... وغیرهنّ کثیرات. من دون أن ننسى دور المجنّدات الأمیرکیّات فی احتلال العراق... فما الذی تغیّر نحو الأفضل بعد وصول المرأة إلى کلّ تلک المناصب الرفیعة فی البلدان الغربیّة؟ ألم تلتزم تلک النساء سیاسات بلادها، وتدافع عنها فی حصار دول أخرى، وفی الدفاع عن الجرائم الإسرائیلیّة، وفی الحرب على "الإرهاب" والاستعلاء على المسلمین؟ فأین هی مؤشّرات التقدّم فی تجربة وصول المرأة إلى تلک المناصب فی التجربة الغربیّة، بعدما فعلته بشعوب العالم الأخرى؟ [1][307]. یراجع: عتریسی، طلال (د): أی نموذج لعمل المرأة؟ ، مجلة نجاة، إسلامیة تعنى بقضایا المرأة والمجتمع، جامعة المصطفى العالمیة، ع 17، ص 52-55. [2][308]المطهری، مرتضى: التربیة والتعلیم فی الإسلام. ط4، دار الهادی، بیروت، 2005م. 18-22. [3][309].الطوسی: کتاب الآمالی. ج1، ص145. .[4][310]بناء على نظریة علماء الأخلاق المسلمین ،بان النفس تملک ثلاث قوى: الغضبیة والشهویة اللتان تخضعان للقوة الثالثة العقلیة. [5][311].سورة الزمر: آیة 20. [6][312]یراجع: المظفر: عقائد اللإمامیة، مبحث الإمامة. [7][313]یراجع: الخمینی، روح الله: مکانة المرأة فی فکر الإمام الخمینی (قده). إعداد: مؤسسة تنظیم ونشر تراث الإمام الخمینی (قده)، (لا.ط)، سفارة الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة، دمشق، (لا.ت). [8][314].(م. ن) ، ص 188. [9][315].(م.ن)، ص 23. [10][316].(م.ن)، ص 27. [11][317].(م.ن)، ص 26. [12][318].(م.ن)، ص 40. [13][319].(م.ن) ، ص 168. [14][320].یراجع: عتریسی، طلال (د): (م.س). | ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,811 |
||