سیرة المرأة فی الصحوة الإسلامیة فی الماضی والحاضر | ||
سیرة المرأة فی الصحوة الإسلامیة فی الماضی والحاضر نازیها صالح
الأمة التی تعی حاضرها وتستفید من تجاربها وتجارب الأمم الأخرى، هی أمة تملک مقومات الحضارة وسوف تکون من صفاف الدول التی تسیر فی رکب التطور التقدم. المرأة والرجل کلاهما مسؤولان عن أعمالهما فی الآخرة، ومسؤولان أیضا عن أعمالهما فی الدنیا، ویمکن للمرأة بمشارکتها فی الحیاة العامة أن تثبت نجاح التجربة وتکون القدوة کان للمرأة عبر التاریخ حضور فعال فی التأثیر، سواء سمی حضورها بالحر أم بالمقید، فهی دائما تمثل النصف الآخر المکمل للبشریة، وکل معتقد أعطاها بعدا مختلفا عن غیره. ثم جاء الإسلام وکان له کلام آخر فی المرأة، حدد لها الدور والواجبات وحدود تطبیقهما بالإضافة إلى التوصیة بحقوقها کإنسانة خلقها الله لتستحق الحیاة. ومنذ فجر الإسلام والمسلمون یطبقون التعالیم الإسلامیة فرادى وجماعات بإختلافات متنوعة. من هنا کان التطبیق العملی بالنسبة للمرأة یختلف من جماعة إلى أخرى، کما وخضعت التطبیقات إلى المدرسة العقائدیة التی تنتمی إلیها تلک الجماعات. وبطبیعة الحال کان للعدید من الجماعات حراک متنوع من أنشطة إجتماعیة وثقافیة وسیاسیة وحتى حرکات تحرر فی حال وجود إحتلال أجنبی. وکان للمرأة دور أو لا دور فی کل هذا بحسب الجماعة التی تنتمی إلیها. فرأینا کیف ان السیدة خدیجة (ع) کانت إلى جانب الرسول (ص) تؤازره بمالها ودعمها المعنوی، ثم کانت السیدة فاطمة (ع) التی کان لها دور کبیر فی نشر الرسالة من خلال مجالسها مع نساء المهاجرین والأنصار وفی مواقفها ضد الظلم، ثم بعد ذلک کانت السیدة زینب التی حملت على عاتقها مسؤولیة إستمراریة الرسالة بعد إستشهاد الإمام الحسین. وفی العصر الحدیث مرت المرأة المسلمة عبر تجارب عدیدة، فکان یحظر على المرأة فی بعض الجماعات أی نشاط خارج منزلها، وکانت تمنع من حقها فی أبسط المسائل فی الحیاة، والظلم بحقها کان واضحا مما شجع الإعلام الغربی على تلقف هذه الصورة التطبیقیة وتعمیمها کنموذج یُستدل به على ظلم الإسلام للمرأة، وراحت منظمات حقوق المرأة والحرکات "النسویة" ترفع من لهجة خطابها مناشدة المدافعین عن الحریات بفک قید المرأة فی بلاد المسلمین، وکنا نرى کیف کان الإعلام الغربی یرکز على وضعیة المرأة. وصار الإنسان الغربی یعتقد بأن فلسفة وضع الحجاب على رأس المرأة هی لصم آذانها ومنعها من التواصل مع العالم الخارجی. فی هذا کله کان هناک فرصة لتجربة أخرى بدأت تظهر للعالم کنموذج مختلف، وهی تجربة المرأة الإیرانیة فی الثورة الإسلامیة التی کانت أول بوادر ضهور الصحوات فی المنطقة، کما وساهمت الدولة بعد انتصار الثورة فی تعزیز دور المرأة وإبرازه کنموذج مقابل النموذج الذی یُظهره الغرب. إلا أن هناک تجربة أخرى مهمة لم تأخذ حقها بعد بالإعلان عنها کنموذج، وهی تجربة المرأة اللبنانیة وخاصة المرأة المقاومة، تجربة المرأة المتعددة المهام، والتی تماهت مع الثورة الإسلامیة فی إیران فی تنمیة المجتمع وکان لها دور فعّال فی بناء مجتمع المقاومة الذی یمکن إعتباره صحوة إسلامیة إجتماعیة داخل مجتمع متنوع ویمیل إلى التغریب اکثر من الأسلمة کون لبنان بلد منفتح على أوروبا والغرب، فأثبتت المرأة المقاومة فی لبنان أنها کانت فعلا مثالاً لقول الإمام الخمینی(قدس): "المرأة کالقرآن کلاهما أوکل إلیه مهمة صنع الرجال". ولا یمکن لنا أن نتکلم عن الصحوة دون ذکر ما قامت وتقوم به الآن المرأة بمشارکتها إلى جانب الرجل فی الصحوة الإسلامیة التی یشهدها العالم العربی، وخاصة المرأة فی البحرین التی تعانی الإعتقال والتعذیب فی السجون فی سبیل تحقیق الکرامة والعزة لأمتها. وکذلک المرأة فی فلسطین المحتلة التی تعانی من جبروت الصهاینة فی السجون، وتعانی هی وعائلتها من القتل والتهجیر بعد تدمیر البیوت خاصة فی القدس التی یحاول الصهاینة تهویدها بالکامل من خلال طرد المقدسیین، إلا أن المرأة الفلسطینیة تقف فی وجه المحتل وتناضل إلى جانب الرجل من أجل الدفاع عن حقها وحق عائلتها، إضافة إلى دفاعها عن المقدسات.
المرأة فی المجتمعات الإسلامیة جاء الاسلام وأظهر قیمة المرأة ومنزلتها مع الآخرین، وسن لها فی القوانین حقوقاً وواجبات، وأعطاها ما لم یعطها من قبله ولا من بعده أحد من الأمم والشعوب. وجاء حاملاً دستور الحق والعدل والإنصاف ناشراً لواء المحبة والأخوة والمساواة، ناصراً للضعیف المظلوم على القوی الظالم. "یا أیها الناس انا خلقناکم من ذکر وأنثى وجعلناکم شعوباً وقبائل لتعارفوا، ان أکرمکم عند الله اتقاکم ان الله علیم خبیر". ثم أن الإسلام أمدّ المرأة المسلمة بالشعور بالشخصیة المستقلة، المزودة بمکارم الأخلاق، والطموح الى العزة والکرامة، حیث أخذ النبی صلّى الله علیه وآله وسلّم البیعة منها مستقلة کالرجل بقوله تعالى: " یا ایها النبی اذا جاءک المؤمنات یبایعنک على أن لا یشرکن بالله شیئاً ولا یسرقن ولا یزنین ولا یقتلن أولادهن ولا یـأتین ببهتان یفترینه بین أیدیهن وأرجلهن ولا یعصینک فی معروف فبایعهن واستغفر لهن الله ان الله غفور رحیم".[1][31] وفی الحث على التضامن مع رفع مستوى المرأة والإعتراف بتحرکها ودورها فی نهضة المجتمع وصحوته قال تعالى:" فاستجاب لهم ربهم أنی لا أضیع عمل عامل منکم من ذکر أو أنثى بعضکم من بعض فالذین هاجروا وأُخرجوا من دیارهم وأوذوا فی سبیلی وقاتلوا وقتلوا لأکفرن عنهم سیآتهم ولأدخلنهم جنات تجری من تحتها الأنهار ثواباً من عند الله والله عنده حسن الثواب".
العصر الحدیث لا شک أن الثورة الصناعیة التی حصلت فی القرن العشرین ساهمت فی تسریع عملیة التغییر الإجتماعی فی أوروبا والعالم، وکان لبعض المثقفین والفلاسفة والعلماء دور فی وضع حجر الأساس لنظام إجتماعی جدید بغض النظر عن الإستفادة العلمیة التی قدمها هؤلاء فی مسألة البحث العلمی والإختراعات، فکانت الإکتشافات والتطورات تسیر فی وتیرة متسارعة، وإنسحب هذا التطور على أفراد المجتمع، وکان للمرأة نصیب من هذا التطور الذی أدّى إلى تحوّل فی بعض السلوکیات نتیجة التغییر فی النظم الإجتماعیة والقیم بعدما تم الإیحاء أو التحریض على حرکات تحرریة للمرأة فی الغرب أولا ثم بعد ذلک فی الشرق. من هنا أصبحت المجتمعات الإسلامیة غارقة فی إزدواجیة ثقافیة. وفی خضم هذا الغرق حاولت بعض الجماعات إعادة حال المجتمعات الإسلامیة إلى ما کانت علیه من خلال الدعوة إلى الأصل وإلى کلام الله وسنة رسوله. ولما کان الغرب قد أمعن فی التغلغل فی تلک المجتمعات من خلال التربیة والإعلام وبشتى الوسائل، فقد نجح بعضها وفشل البعض الآخر، وسبب الفشل کان بإستخدام أسلوب ردّة الفعل بدلا من الفعل نفسه، وأسلوب الفرض بدل مفهوم "وبالتی هی أحسن". وعلى الرغم من الهدف الواضح لتلک الجماعات وهو إعادة بناء الإسلام إلا أن الأمر کان فی بعض الإحیان خارج الإسلام وأهدافه بسبب إفتقار تلک الجماعات لمهارة الدعوة الحقة. وبما أن المرأة هی نصف المجتمع، کان هذا النصف متمم لبناء مجتمع هنا، وعالة على مجتمع هناک، وکل بحسب الإیدیولوجیا التی یحملها والنظرة الخاصة للمرأة فی هذا المجتمع أو ذاک. ومن بینها تجربة المرأة الأفغانیة فی ظل طالبان والمرأة الإیرانیة بعد الثورة الإسلامیة وکذلک المرأة فی لبنان أیضا کون لبنان من البلدان التی تتأثر بالحراک الإقلیمی والعالمی نظرا إلى موقعه الجغرافی وإلى خصوصیته فی تعدد الطوائف، وما لکل طائفة من إرتباط مع دول المنطقة والعالم، وکذلک المرأة فی فلسطین، وما نشهده الآن من مشارکة للمرأة فی الصحوات فی العالم العربی وخاصة المرأة البحرانیة
صحوة المرأة الإیرانیة جاءت نهضة المرأة الإیرانیة من خلال مشارکتها فی الثورة الإسلامیة لتکون نموذجا مختلفا عما سبق، وأثبتت بأن المشکلة کانت فی التطبیق ولیس فی التعالیم، فالإسلام جاء لیعترف بأن المرأة هی نصف المجتمع وبأنها مسؤولة إلى جانب الرجل فی بناء المجتمع وبالتالی بناء الکون، فشارکت المرأة الإیرانیة الرجل فی الثورة ضد الظلم وإنتصرت معه وسارت بالمجتمع کما سار الرجل أیضا إلى أفضل حال. وقد أعطى الإمام الخمینی(قدس) المرأة دفعا إلى الأمام عندما قال فیها کلاما لم یقله أحد فی إمرأة بعد قول رسول الله(ص) فی إبنته فاطمة (ع)، فهی عند الإمام "نصف المجتمع وتشارک الرجل فی نصفه الثانی" وکذلک " المرأة کالقرآن، کلاهما أوکل إلیه مهمة صنع الرجال." ویحیل لها الفضل الأکبر فی الإنتصاربقوله: "إن إنتصار الثورة کان هدیة النساء لنا قبل أن یکون حصیلة جهاد الرجال".[2][38] ویقول الشیخ هاشمی رفسنجانی فی إنتصار الثورة الإسلامیة التی قادها الإمام الخمینی والمرأة: "إن الثورة الإسلامیة فی إیران إنتصرت، وأفکار الإمام الخمینی أثبتت أن التعالیم الدینیة یمکنها أن تبعث الحرکة فی الناس وتقودهم نحو الإصلاح السیاسی والإقتصادی والثقافی والاجتماعی. وفی هذا السیاق دخلت المرأة المسلمة الى مختلف المجالات الاجتماعیة، من خلال التأسی بقدوة وهی سیدة نساء العالمین السیدة فاطمة الزهراء (ع)، والإستفادة من الدعم المستمر الذی کان یقدمه الامام الخمینی، وإشادة الإمام بمقام ومکانة المرأة والنابع بدوره من التعالیم القرآنیة الأصیلة. فحققت المرأة بذلک نجاحات ممیزة فی المجالات التعلیمیة والبحثیة والصناعیة والإجتماعیة. وکان لها الکثیر من الإبداعات والإبتکارات والإختراعات". ویظهر بوضوح إزدیاد معدل نجاح المرأة فی الجامعات، والمسابقات العلمیة، وحضورها اللافت فی تأسیس وإدارة المؤسسات التعلیمیة والإقتصادیة، فنسبة الخریجات فی بعض الإختصاصات تصل إلى أکثر من 70% بحسب الإحصاءات. کما أن المرأة فی إیران یمکنها أن تشارک فی العملیة السیاسیة وأن تترشح للإنتخابات النیابیة ولکذلک لمناصب أخرى حکومیة وغیرها فی الدولة. صحوة المرأة فی جنوب لبنان: یرى بعض المثقفین بأن لدى المرأة اللبنانیة وعیا وثقافة تختلف عن المرأة فی سائر دول المنطقة بسبب التعدد الطائفی الموجود فی المجتمع اللبنانی فینعکس تعددا ثقافیا ممیزاً. خاضت المرأة الجنوبیة مع الرجل معرکة البقاء من ناحیة الوجود والثبات فی الأرض بحکم الجغرافیة ووجود فلسطین على الحدود مع لبنان، وکانت أرض واحدة لم یفصل بینها حدود حتى جاء الإحتلال وکان إتفاق سایکس- بیکو الذی قسّم الترکة العثمانیة، فکان لبنان من حصة فرنسا وفلسطین من حصة بریطانیا، وفیما بعد سلّمت بریطانیا فلسطین للیهود لیبنوا دولتهم ذات العنوان الیهودی المحض، ولیطردوا سکانها الأصلیین کما فعل الأوروبیون المهاجرون إلى أمیرکا الشمالیة حیث قتلوا وأبادوا حضارة السکان الأصلیین بکاملها وبنوا دولتهم. تأثر الجنوب اللبنانی بإحتلال فلسطین بحکم الجغرافیا والعلاقات التی کانت المتنفس لکلا الجانبین من الناحیة الإقتصادیة. ولم تتوقف إسرائیل عند إحتلال أرض فلسطین فقط، بل تابعت محاولاتها لإحتلالات أخرى لدول مجاورة لفلسطین ومنها لبنان، ناهیک عن الإعتداءات التی کانت شبه یومیة على القرى والبلدات الجنوبیة، والتی کان یسقط بنتیجتها الکثیر من الضحایا. کل ذلک والدولة اللبنانیة عاجزة عن حمایة المواطنین من الإعتداءات بسبب عجزها العسکری من جهة، وعدم وجود رغبة بتغییر هذا العجز من جهة ثانیة، فکان لا بد من حراک ذاتی یقوم به أهل المنطقة الجنوبیة حفاظا على بقائهم إستنادا إلى سنة الحیاة والرغبة فی البقاء وأیضا نتیجة للتربیة الحسینیة التی تربوا علیها برفض الظلم والوقوف فی وجه الطاغوت، وهذه من مفارقات وجود الأکثریة من سکان الجنوب اللبنانی على الحدود من فلسطین المحتلة ممن یحملون الإیدیولجیة الحسینیة. فکانت من أهم المفاعیل التربویة لثورة الإِمام الخمینی فی لبنان، حیث إلتقف التواقون إلى مسار إسلامی صحیح وإلى نموذج جدید یعید الأمة إلى عزّها وإلى ما کانت علیه فی بدایات الدعوة المحمدیة ثورة الإمام الخمینی، وبدأ عاشقو الرسول ورسالته فی رحلة جدیدة فیها الکثیر من الأمل بتحقیق العدل الإلهی، وبایعوا الإمام الخمینی وآزروه فی ثورته، من خلال المواقف التی هی فی عصرنا الحدیث لها ثقل لا یقل عن المؤازة من خلال حملة عسکریة کما کان الحال فی العصور السابقة. وبالرغم من أن الإسلام لا یحده حدود دولة ولکن التقسیم العالمی لحدود الدول جعل الناس مرغمة على إستخدام مصطلحات هذا التقسیم وأن ینتمی کل إنسان إلى مکان جغرافی محدد فکان هناک الإیرانی والأفغانی واللبنانی والعراقی والسوری والفلسطینی إلخ .. من التسمیات. وبطبیعة الحال فإن التطور التربوی الدینی الذی شهده لبنان وخاصة الشیعة کان له إنعکاساته على المجتمع ککل.[3][40] والمرأة اللبنانیة الشیعیة التی تربت على ثورة الإمام الحسین لم تجد صعوبة فی المماثلة بالتأثر بثورة الإمام الخمینی، فقامت بدورها بتربیة أطفالها على ما تربت هی علیه.
التجربة الخاصة للمرأة فی المقاومة اعتمدت المقاومة منذ تأسیسها على مشارکة المرأة فی مجالات عدیدة وشجّعتها على متابعة التحصیل العلمی الذی هو أساس التنمیة الإجتماعیة. فکانت جنباً إلى جنب مع الرجل، لا بل سبقت الرجل فی میدان العمل الإجتماعی بالإضافة إلى مشارکته فی میادین أخرى، ووصلت إلى أعلى مستوات التعلیم ورفدت المجتمع بطبیبات ومحامیات وأستاذات جامعیات وباحثات وإعلامیات، وکانت خیر مثال لقول الإمام الخمینی(قدس): "المرأة نصف المجتمع وتشارک الرجل فی النصف الآخر". حققت المقاومة نجاحات نوعیة کثیرة، إستحقت من خلالها أن تکون مثالاً وقدوة للأحرار ونموذجا عالمیا لمقاومة المحتل، وکانت المرأة موجودة فی کل هذا الإنجاز رغم عدم مشارکتها فی العمل العسکری المباشر، إلاّ أن وجودها خلف المقاومة کداعمة وداعیة وحاضنة، کان له الدور الفعّال فی النتائج الإیجابیة، حتى أن العدو الإسرائیلی نفسه إعترف بدورها الفعّال المساند للمقاومة، وفی ذلک یقول الکاتب الإسرائیلی تسافی بارئیل فی صحیفة هآرتس: "إذا کان الرجال یشکلّون النواة المقاتلة لحزب الله، فإن النساء یُشکّلن الداخل الإجتماعی. وإذا کان وجود النساء فی الکثیر من الأحزاب والحرکات الدینیة یُعتبر هامشیاً، فإن النساء فی حزب الله یُعتبرن عنصرا حیویا لإستمرار حیاة حزب الله." [4][41] ونقلا عن الأمین العام لحزب الله السید حسن نصرالله أنه قال: "أن دعوة حزب الله المرأة للمشارکة فی أنشطة حزب الله لم تنطلق من ظروف الإحتلال وإنما من المنطلقات الإیمانیة والفکریة والفقهیة". [5][42]
المرأة والصحوة الإسلامیة فی العالم العربی لا زلت التجربة التی تخوضها المرأة فی العالم العربی جدیدة بحیث لا توجد الکتابات الکثیرة عنها، إلا فی بعض ما یُکتب کمقالات وتحلیلات صغیرة حول دور المرأة فی الصحوة الإسلامیة، ولذلک نحن نرى أن ما سنوضحه فی هذا البحث یستند إلى وسائل الإعلام وبعض المقالات القصیرة. ولا شک أن هذا الحراک الذی تقوم به المرأة إلى جانب الرجل هو بالغ الأهمیة نظرا إلى الوقت الطویل من الإذلال الذی عاشه هذا الشعب فی ظل حکام مستبدین ظالمین، وهو ملفت للنظر أیضا فی ظل الهجمة الإعلامیة التی کانت تصور المرأة المسلمة على انها تابعة فقط، ولیس لها أی دور فی المشارکة فی الشأن العام، فإذا بوسائل الإعلام الأجنبیة ترى بنفسها ومن خلال عدسات کامیراتها کیف ان المرأة المحجبة فی مصر وفی الیمن وفی البحرین تخرج على الحاکم وتطالب بالحقوق السیاسیة والإجتماعیة من أجل غد أفضل، حتى فی المملکة العربیة السعودیة حیث التعتیم الإعلامی فإن المرأة تتحرک لتنهض بمجتمعها من الظلم والإستبداد. لقد أثبتت المرأة من خلال مشارکتها الکثیفة فی الاحتجاجات الشعبیة التی تجتاح الوطن العربی، أن للمرأة العربیة ما للرجل من مصلحة حیویة فی التغییر والاصلاح. وقد ألزمت المرأة الإعلام الغربی من خلال حراکها أن یعترف بها وبقدرتها على التغییر. فقد نشرت صحیفة الغاردیان البریطانیة فی الرابع والعشرین من شهر نیسان ابریل تحقیقا عن دور المرأة فی الصحوة ومما نشرته المجلة: "إن دور المرأة العربیة فی هذه الانتفاضة، أنهى الصورة النمطیة السلبیة عنها فی الغرب الذی شاهد بحراًس من الوجوه النسائیة المجلببة بالسواد والغاضبة، ویزحف من أجل تغییر النظام ووضع نهایة للاستبداد والافراج عن الأحبة، أو شاهدها وهی تخاطب الجموع أو تعالج الجرحى أو تطعم المعتصمین فی القاهرة والمنامة". أ. فی البحرین حققت المرأة فی البحرین رقما قیاسیا فی المشارکة إذا ما قسنا هذا التحرک کما تقاس الأرقام فی موسوعة غینیز، وما یمیز مشارکة المرأة فی البحرین بالصحوة هو أنها تتعرض للإعتقال وللتعذیب داخل السجون، کما للإعتداء على حرمتها فی کثیر من الأحیان فی عملیة ضغط علیها وعلى عائلتها، لأن حکام البحرین الذین یدّعون بأنهم عربا یعرفون أن المسّ بالنساء هو من الخطوط الحمراء لدى شعوب المنطقة وخاصة المسلمین لما له من ردة فعل سلبیة، ویعرفون أن الرجال فی البحرین لن یتحمّلوا مسألة أن یُعتدى على نسائهم وعلى عرضهم، لذلک هم یبتزون الرجال من خلال الإعتداء على النساء. المرأة فی البحرین تعانی فی سبیل صحوتها الأمرّین، هی لا تعانی فقط من الاعتداء على الزوج والولد، وأیضا تعانی من الإعتداء علیها، وهذا ما لم یحصل مع ای تحرک قامت به المرأة إلى جانب الرجل فی أی من البلدان الأخرى التی حصلت فیها الصحوات، ولکنها ب. فی فلسطین عانت المرأة الفلسطینیة ولا زالت تعانی من تبعات زرع الکیان الصهیونی فی أرض فلسطین من قبل القوى المستکبرة، وتعانی من الظلم والإعتداء على مرأى ومسمع العالم، ولکنها إلى الآن لم توقّف تحرکها فی الوقوف فی وجه الآلة الإسرائیلیة المتغطرسة، وقد شارکت فی حقبات متعددة من النضال التی مر بها الشعب الفلسطینی، وشارکت فی المقاومة وکان هناک بعض الإستشهادیات، وکذلک تعرضت للأسر والإعتقال ولکنها لم ترضخ للإسرائیلی، کما فعلت هناء الشلبی التی أعلنت إضرابها عن الطعام وقالت الموت أو الکرامة، وأصبحت رمزا للنضال والصبر تحتذی بها نساء فلسطین. الاستنتاج کان للمرأة نشاط فی کل العصور سواء بالصمت أم بالتحرک. وفی العصور القدیمة لم تملک المرأة آلیة التحرک والتغییر، ولم تنصفها بعض الحضارات أو الأدیان القدیمة، فعاشت مقهورة لا حول لها ولا قوة. وجاء الإسلام وأوقف أنفاس الزمن للحظات وأعلن عن المرأة الإنسانة التی تستحق الحیاة کما یستحقها الرجل، وکانت السیدة خدیجة والسیدة فاطمة والسیدة زینب من أوائل النساء اللواتی قمت بالصحوة الإسلامیة، وهناک الکثیر من الأحادیث النبویة عن السیدة خدیجة والسیدة فاطمة، وکذلک الأدوار التی قمن بها، مما أعطى صورة مختلفة عن التعاطی والتعامل مع المرأة فیما بعد کونها إمرأة متمکنة منذ فجر الإسلام وهناک الکثیر من الأمثلة عن نساء أخریات کان لهن دور فعّال فی بناء مجتمعاتهن. وکان لکل حقبة إسلامیة شأن خاص بالنسبة للمرأة، وإختلف الفقهاء فی تفسیر مشارکة المرأة فی المجتمع، فکانت هناک بعض الأفکار والأیدیولوجیات التی حدّت من مشارکة المرأة، بینما أعطتها إیدیولوجیات وأفکار أخرى مجالاّ واسعا للمشارکة. ومن بینها کانت تجربة المرأة الإیرانیة، وتجربة المرأة اللبنانیة وخاصة المرأة المشارکة فی المقاومة بعد ثورة الإمام الخمینی(قدس) فی إیران، بتأثیرات الثورة الإسلامیة وفکر الإمام الخمینی. إلا ان هذه الصحوة بحاجة إلى إستراتیجیات للحفاظ علیها، ولإستمراریة المکتسبات، ونحن نرى أن المرأة التی نهضت بوضعها وطالبت بالوصول إلى حقوقها السیاسیة والإجتماعیة من أجل بناء مجتمع أفضل، علیها أن تعی الخطر الذی لا زال قائما ویهدد صحوتها من خلال محاولة الغرب الآن الإلتفاف على صحوة الشعوب وعدم تحقیق الأهداف. لقد أوصى السید القائد الإمام الخامنئی شباب الصحوة الإسلامیة فی المؤتمر الذی عُقد فی إیران هذا العام بالمحافظة على إنجازات الصحوة التی حققوها بقوله: " الصحوة الإسلامیة تواجه تحدی وهو وضع إستراتیجیات تربویة وإعلامیة لنهضة الأمة الإسلامیة من أجل تحقیق عالمیة الإسلام وتحقیق السیادة الفکریة للشعوب الإسلامیة من خلال الإجتماع على ثقافة إسلامیة تواجه النظام الثقافی الآحادی الجانب الذی فرضته العولمة وهیمنت على خصوصیات ثقافات العالم الإسلامی من خلاله".[6][44] لا زال یطمح الإستعمار ببلادنا، ولهذا یدرک مخاطر الصحوة الإسلامیة على مشروعه، مما جعله یکثف الدراسات الإستراتیجیة، ویرسم الخطط لوقف هذه الصحوات، ویشوهها. وابراز أفکار استقلالیة ونهضویة على الشاکلة الغربیة عبر بعض المثقفین، الذین ینقلون أفکار المشاریع الغربیة ویریدون تطبیقها فی بلادنا دون الأخذ بعین الإعتبار إختلاف البیئة والعادات والعقلیة وإمکانیة التطبیق. وهناک بعض علماء الإجتماع یدعون إلى دراسة علم إجتماع المجتمعات التی تحصل فیه الصحوات. بعد أن تبیّن أن الصحوة قد صدمت النخبة المتغرّبة التی کانت تظن أن تغریبها قد مسخ الأمة فنسیت دینها فإذا بهذه الصحوة تجمدهم مشدوهین أمام أمر مزعج لأحلامهم. ففرقت الصحوة هؤلاء المتغربین فی غیاب البدائل.
المصادر
مواقع ألکترونیة
| ||
الإحصائيات مشاهدة: 7,558 |
||