أضواء على أفکار الأدیبة الکویتیة خولة القزوینی .. صاحبة القلم الملتزم | ||
أضواء على أفکار الأدیبة الکویتیة خولة القزوینی .. صاحبة القلم الملتزم
هی روائیة مشهورة، لها طریقة خاصة تصدرت بها الروائیات العربیات عن جدارة، تطلق على نفسها صاحبة "القلم المُلتزم"، وکذلک یعرفها الآخرون عن کثب، رافقها الامتیاز فی الأخلاق والإبداع، تفرغت لتنویرالمرأة وتثقیفها ومحاولة وضع یدها على حقوقها، ولفت أنظارها إلى جوانب الخیر والضوء، فی حیاتها، حملت رسالة الإسلام ومبادئه القیمة لتضیء بها حروف کلماتها. عرفها الناس کاتبة روائیة وصحافیة، إمتهنت ولعدة سنوات حقل الصحافة ومنذ کانت طالبة فی الجامعة، کتبت فی جریدة آفاق الجامعیة فی الکویت، ومحرّرة الصفحة الثقافیة فی مجلة "صوت الخلیج" فی بدایة الثمانینات، ومن ثَم کاتبة فی جریدة "القبس" الکویتیة، ومحرة باب الأسرة فی مجلة "العصر" الثقافیة الاجتماعیة، والآن تکتب فی مجلة الیقظة "البیت السعید" بأبوابها المختلفة، کما انها عضو فی رابطة الأدباء الکویتیة، وعضو فی رابطة الأدب الإسلامی العالمیة، وعضو فی الشبکة العالمیة للمرأة المسلمة، وباحثة فی مرکز البحوث التربویة إدارة المکتبات. کما شارکت فی العدید من المؤتمرات الثقافیة واشترکت فی لجان تربویة لعمل بحوث ودراسات خاصة فی مشاکل التربیة والتعلیم. أول روایة (مذکرات مغتربة) کتبتها حینما کان عمرها سبعة عشرة عاماً وأحب الروایات إلى قلبها (رجل تکتبه الشمس) لأنها تشعر أنها عبرت عن نضجها الأدبی فقد خاضت فی أعماق النفس الإنسانیة وتغلغلت فی البواطن حتى العمق وعبّرت فیها عن عواطفها، مشاعرها، وجدانها، مبادئها بطلاقة وحلقت فی فضاءات واسعة دون قید أو شرط، وعدد مؤلفاتها هی (21) مؤلفاً تقریباً ما بین روایة وقصص ومقالات وبحوث، وحالیاً تکتب حلقات روایة (زینب بنت الأجاوید) فی مجلة الیقظة. واجهت خولة الداعمین والمعوقین ولم تبالِ، فالأهم والدها الذی کان یهوى الشعر والأدب غذى داخلها حب الأدب وغرس فیها توقاً إلى قراءة الروایة والقصة، ونمّى لغتها العربیة عبر توجیهه المستمر لمفرداتها، ولقواعد النحو،وإلى البلاغة وجمالها فانصقلت ذائقتها الأدبیة بشکل جید، لکن والدها توفى وقلمها ما زال غضاً حیث کانت فی السنة الأولى من الجامعة. تنطلق کالقطار نحو أهدافها التی رسمتها، وبهذه الطریقة وازنت بین حیاتها وعملها. هکذا هی حیاتها منذ أن وعت رسالتها وتکلیفها فی الحیاة، إذ خططت مسارها وإستراتیجیتها نحو هدف یجسد رؤیتها الشاملة للحیاة، مستمدة طاقتها الحراریة ووقودها من الهدف الأعلى المطلق للبشریة، الله سبحانه وتعالى لأنها خُلقت لتکدح، لتعمل وتکافح هی والآخرین من أجل تعمیرالأرض وبناء الحضارات بکل ما یملکون من طاقات ومؤهلات وذخیرة، فعملها الأدبی لیس من أجل صناعة مجد شخصی أوشهرة زائفة، بل رسالة ومسؤولیة، ولهذا کان توفیقها من عند الله سبحانه هو من سددها لأنها استعانت به حینما خذلها الناس، استنجدت به فقوّمها، دعته فلباها، فما من عمل أنجزته إلا ونجح، توفقت فی تحقیق التوازن بین بیتها وأعمالها الأدبیة وأنشطتها الاجتماعیة، فأولادها کلهم فی أفضل الجامعات وبیتها مستقر واستطاعت أن تدخل قلوب الجماهیر بکل بساطة وتواضع وفی جمیع بقاع العالم، وکله بفضل الله ودعمه. فی إعتقاد خولة القزوینی إن أهم قیمة ینبغی أن یتحلى بها أی کاتب هی (المصداقیة) التی تتمثل فی الانسجام بین معتقداته وسلوکه وکتاباته، فإن تحقق هذا التناغم بین العناصر الثلاثة هذهن تمکّن من جذب المتلقی والتأثیر علیه، خصوصاً عندما یکون مؤمناً بالفکرة متحمساً لها فإن حروفه تتحول إلى کائنات حیة تنبض عاطفة وإحساس، فتتغلغل إلى وجدان المتلقی وتسری فی شرایینه کالدم، وقد کانت تکتب من واقع شخصیتها البسیطة والعفویة وإحساسها بالناس وعواطفها تجاههم، وردود أفعالها التلقائیة تجاه قضایا الناس مع شحنات الجذب والانجذاب نحو الناس بکل شرائحهم ومعادنهم وطوائفهم وأمزحتهم، فما من مرة کتبت متکلفة أو مفتعلة، لأن الکلمات تختزن طاقة تخترق المتلقی أو تنفره، فیلفظ وجدانه ذلک النص مبرراً أن الروایة لا تجذبه أو مملّة والسبب عدم مصداقیة الکاتب واختلال العناصر الثلاثة، فجاءت نصوصه باردة، متکلفة، ناهیکم عن مرجعیتها الفکریة التی تعود إلى دینها والذی طبع روایاتها بطابع عقائدی ینضح قیماً ومبادئ، وهی بطبیعة الحال تحمل أبعاداً إنسانیة عالمیة لأن الإسلام دین الإنسان، دین الفطرة، دین البشریة یصلح لکل زمان ومکان، فالتصنیف الحقیقی للأدب الإسلامی هو أدب إنسانی بالمعنى الشامل لأنه یلتزم بقضایا الإنسان أینما کان وفی سیاق المفاهیم التی نادت بها کل الأدیان. رسالة الأدیب – فی رأیها - هی امتداد لرسالة الأنبیاء والعلماء وفی ذات الرؤیة الإنسانیة، لکن الأدیب یصیغ القیم فی إطار فنی، وفی قوالب أدبیة رصینة ویرطب المفاهیم الفکریة بنداوة عاطفیة تستمیل المتلقی بتلقائیة وانبساط، والمهارة هنا أن یغذّی روایته أو قضیته بهذه المفاهیم وبشکل مبطن بعیداً عن المباشرة والوعظ فیأتی النص حیاً، نابضاً مفعماً یعزف على أوتار القلب والوجدان فیتفاعل المتلقی ویستوعب الرسالة بذهن منفتح وذائقة سلیمة، فالأدب لیس هدفاً بذاته إنما هو القالب لمضمون فکری وإطار لمحتوى یعبر عن رؤیة الکاتب، معتقداته، توجهه فإن کان کاتباً رسالیاً قولب أفکاره فی هذا السیاق وإن کان علمانیاً بالمثل أطر فکرته بنفس الإطار، والسؤال ما الذی یمیز الاثنین؟ بالتأکید المضمون لا القالب الفنی فمن خلال المضمون یمکن للقارىء أن یشخص هویة الکاتب ومرجعیته الفکریة وهذا ما یستقرءه القارئ ویهمه بکل تأکید. وتعتقد الاستاذة خولة أن الأدب النسائی أو الأدیبات الکاتبات لازلن فی طور النمو وحضورهن على الساحة الأدبیة هشاً ضعیفاً، إذ ینقصهن الثقة بالنفس والإیمان بالذات، لأنهن خاطبن المجتمع بلغة عدوانیة صادمة وکأنهن الجواری الهاربات من الخباء یعبّرن عن سخطهن ومرارة الأنوثة المستنکرة فی عرف البعض والتخبط فی أفکار متناقضة، فتارة یکتبن تمرداً على الدین والتقالید وتارة یهاجمن الرجال، ولو أن المرأة تجردت عن عقلیتها التصادمیة مع الرجل وانتزعت تلک الفکرة السلبیة التی تعیق نموها الفکری لکان لها موقعاً راسخاً محترماً اجتماعیاً ولآمنت أنها الإنسان المکلّف فی صناعة الحضارة على الأرض کما الرجل من واقع الالتزام والمسئولیة الشرعیة فالکاتبات العربیات بحاجة أن یتحررن من ضعفهن الداخلی أن یتمردن على العقلیة الانسحابیة المهزومة لیتعبأن فکریاً بالعقیدة الإلهیة لتنضح نصوصهن قیماً هادفة یحترمها المجتمع فللأسف تنغمر بعض الکاتبات فی الکتابة الإباحیة والإسفاف الذی یسطح عقلیة المجتمع ویحسبْنه إبداعاً فحتماً سیجدن إعراضاً ونفوراً کبیرین لأنهن کتبن بنمط مختلف عن نمط مجتمعاتهن الإسلامیة العربیة المحافظة، إذن النساء مسؤولات عن هذا الضعف فلا یحق إتهام الموروثات والعادات والتقالید، ففی الجاهلیة کانت هناک شاعرات فصیحات وأدیبات بلیغات فرضن وجودهن بکل شجاعة، ولهذا على المرأة أن تتحرر من عقدة النقص داخلها وتبنی شخصیتها من الأساس بالتأکید ستقدم نصاً متیناً وهادفاً یتلقاه الناس بشفافیة ووعی. وأکثر الکُتاب الموهوبین ینخدعون ببریق الأضواء فیتعجلون السیر حتى تستهلکهم الدعایة والإعلام حتى الاحتراق فینطفئ نور الإبداع داخلهم، فهذا النور یسطع من التوحد مع الذات لاستقراء الأفکار المشحونة بالانفعالات الشجیة والعواطف السخیة التی تجعل لأقلامهم عُمقاً ولأسلوبهم دفقاً ولکلماتهم وهجاً، فالمبدعون فی الغالب یجنحون إلى العزلة الاستفهامیة التی تعصف الأفکار فی الذهن عصفاً عبر طرح أسئلة متلاحقة فتتجلى الأفکار وبعد محاکاة داخلیة ینعتق فیها المبدع عن عالم المادة ویتحوّل هذا النور إلى ومضة تنساب على الورق نصوصاً تتنفس من رئته وترشح من وجدانه. وترى خولة القزوینی ان أهم مشکلة تعانی منها المرأة الکاتبة هی القلق وعدم الثقة بنفسها وهذا نابع من إرث فکری کرّسه الفکر اللیبرالی فی ذهن المرأة فجعلها تعتقد أنها مضطهدة من الرجل وأن المجتمع ذکوری فکانت المواجهة الندیّة والصراع العدائی الذی یرهق تفکیرها، فلو فهمت کل کاتبة أن التجربة الأدبیة ما هی إلا رسالة اجتماعیة لغذّت داخلها کل عوامل القوة والعزیمة فطالما هی تکتب لذاتها، لشخصها للمعتها الأدبیة فستبقى دوماً قلقة، قلقة من نقد الآخر، قلقة من الفشل، قلقة من المجتمع لهذا تأتی کلماتها مهزوزة لا تنطلق عن یقین ثابت کی تبقى صامدة فی وجه العاصفة. المشکلة الثانیة: (الفوضویة فی الحیاة) فالمرأة التی لا تبرمج یومیاتها وتجدول أعمالها ستفشل فی تحقیق التوازن بین حیاتها الخاصة ونشاطها الأدبی وربما تضطر فی بعض الأحیان أن تتنازل عن حیاتها الخاصة من أجل وهم الإبداع، فکثیرمن الأدیبات مطلقات بإرادتهن واختیارهن، وهذا هو الفخ الذی یعجّل فی نهایة المبدعة لأن المتلقی لا یقرأ کتاباً بل یقرأ أعماق الکاتبة، فکرها وحینما یعتقد أنها امرأة فشلت فی حیاتها، اهتز بنیانها الأسری لن یجد نفسه متحمساً للقراءة لها فهو یتساءل: ((ما المادة النافعة التی ستقدمها إنسانة لم تعرف کیف تصون حیاتها)) فالمجتمع دائماً ینظر إلى الکُتاب وکأنهم قدوة ومُثُل والمشکلة الأخرى هی (عقدة الرجل) وکأن الرجل واقف لها بالمرصاد،"هو العائق هو الجلاد" ونسیت أن هذا الرجل ولدته امرأة، صنعت شخصیته امرأة مثلها،لذا ینبغی أن تتحررالمرأه من هذه العقدة، وتثق بقدراتها. والمکانة التی تتمناها القزوینی للمرأة هی (الأمومة) بکل معناها الرسالی الهادف، أن تحتضن أسرتها وأولادها وتربیهم تربیة دینیة وتثقفهم بمختلف قضایا الحیاة، فهم الطلائع القادمة التی ستقود المجتمع نحو درب العزة والکرامة، فلا نستهین بدورالأم وعظمتها فإن هزت المهد بیمینها حرکت العالم بیسارها، وأن تکف عن اللهاث خلف سراب الموضة والتجمیل أو النهم إلى السلطة والوجاهة والظهورالاجتماعی الزائف والذی غیّب وعیها الأمومی وحضورها الفاعل داخل أسرتها فأهملت الأبناء، وترکت البیت نهباً للخادمات اللاتی یأتین من أصول غامضة هن فی الغالب یعانین من عقد نفسیة واجتماعیة مخیفة فکیف نترک فی أحضانهن أطفالاً فی غضاضة العمر ونفضل المطامح الأنانیة والأهداف الشخصیة على حساب البیت، فرسول الله "صلى الله علیه وآله وسلم" یقول: (الجنة تحت أقدام الأمهات) ولم یقل الطبیات، الکاتبات، المهندسات أو حتى البرلمانیات فینبغی أن تنتبه المرأة إلى أسرتها وتهتم بتوعیة أبناءها وتثقیفهم وتحصینهم ضد الانحراف والفساد والتطرف. ورسالة الادیبة خولة القزوینی التی توجهها للمرأة کی تشغل طاقاتها المعطلة بإرادتها أو بإرادة غیرها أن تعید تشکیل شخصیتها من جدید وفق معاییر دینها الإسلامی الذی کرمها وعظمها وتحدد برنامج حیاتها بشکل فعّال وواضح وذلک أن تسأل نفسها لتوجه مسارها (ماذا أفعل؟ ولماذا أفعل؟ ومتى أفعل؟ وکیف أفعل؟ وماذا بعد؟). أن تکتب هذه الأسئلة على ورقة لتحدد وجهتها بکل شفافیة، ولابد أنها من خلال هذه الأسئلة تکتشف أن داخلها طاقات وقدرات لأنها نفضت عن ذاتها الفوضى والعشوائیة التی تشتتها فی کل اتجاه، فعقل الإنسان وعاء وسبب تعطل طاقة المرأة عقلها الوعاء الذی یختزن الغث والسمین من الأفکار والمعلومات ولهذا فهی لا تفکر بشکل صحیح وبالتالی لا تعرف ماذا ترید وأین تتجه رغم طاقاتها الدفینة المجمدة، وحینما ترتب أفکارها تفهم موقعها فی الحیاة ورسالتها على وجه الأرض، لأن الطاقات المخبوءة تطفو على سطح الذاکرة فتبدأ بتنمیتها واستغلالها وذلک عبر القراءات الهادفة أو الدورات فی التنمیة البشریة والمحاضرات التثقیفیة، سیتجدد کیانها وباطنها وعقلها وحتى لو کانت جلیسة البیت یمکن أن تکون عالمة فی بیتها، فقد قال أحد العلماء یوماً بإمکان المرأة أن تکون عالمة حتى وهی جلیسة الدار إذ تتمکن من تثقیف نفسها تثقیفاً ذاتیاً، فلا تبرر ضعفها وهوانها وتلقی باللائمة على الظروف حولها، فهی إن أرادت فعلت وإن صممت عن إرادة عزم نفذت، فلتستعین بالله عز وجل فهو سبحانه نعم المولى ونعم الوکیل . | ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,872 |
||