أمّ المعتقلین تحمل صورهم وتبکی بصمت | ||
أمّ المعتقلین تحمل صورهم وتبکی بصمت زینب الخالصی
یبدو ان معاناة ومأساة الأسرى والأسیرات فی السجون الصهیونیة، مستمرة بإستمرار الاحتلال الصهیونی البغیض. تتحدث إحداهن قائلة بأنه تم اعتقالأخیها قبل عشر سنوات حیث داهمت القوات الصهیونیة منزلهم حوالی الساعة الرابعة فجرا وکان الجو یومها ممطراً ، فی البدایة سمعوا صوت حجارة تقذف على الباب ثم صوت الجنود الاسرائیلیین یصرخون بأعلى صوتهم: افتحوا الباب ، خرجت والدتهم لفتح الباب وبدأ الابناء بارتداء ثیابهم لیتدفأوا من البرد الشدید، وخلال أقل من عشرة ثوان کانت ساحة البیت قد امتلأت بالجنود، وتجمهروا حول اخوتها وحولها صارخین بها إذا کان أحد هناک فی البیت أم لا غیرهم وإن کان أحد لم یخبروهم عنه فسوف یقتلونه فأجابتهم ببساطة : إن وجدتم أحد اقتلوه !! وساروا بهم لبیت جدتهم حیث جمعوهم فی غرفة واحدة وأخذوها معهم لکی یفتشوا البیت لأنها استطاعت التفاهم معهم عن طریق اللغة الإنجلیزیة بحجة أنهم لا یتحدثون إلا العبریة فقط ، اکملوا تفتیش الغرفة بینما عائلتها مع عمها وجدتها جالسین فی الغرفة المجاورة ،والجنود یحیطون بهم ثم حضر الکابتن وسأل أخیها بهاء عن اسمه بالکامل وعن رقم هویته ،وأخذوا عمی لبیتهم وفتشوه وعثروا على جهازی الجوال وأخذوه معهم، ثم مرت ربع ساعة وأخذوا بهاء معهم حتى أنهم لم یدعوهم یودعونه کما حدث مع ابن عمها وشقیقتها مریم وعندما سألت الجندی الواقف لحراستهم: لماذا تریدون أخذ أخی فهو لم یفعل شیء ؟ هز رأسه وقال : بلى لقد فعل ویجب أن یحاسب ، أما بالنسبة لعملیة اعتقال مریم کانت الساعة الثانیة عشر قفز الجنود إلى الساحة وکانت هی ومریم مستیقظات وعندما شعرا بهم رکضا إلى الغرفة لیوقظا والدتهما وإخوتهما، فطرق الجنود بقوة وهم یصرخون کعادتهم، فتحت الامّ الباب، وکانت الساحة قد امتلأت بالجنود، وأخرجوهم إلى الخارج، وکان الجو باردا جدا ولم یدَعوهم یرتدون ثیابا تقیهم البرد، وبالذات مریم المسکینة، ودخلوا البیت ومعهم ألاخ الصغیر لیفتشوه، فطلبت مریم أن یسمحوا لها بأن تدخل وتحضر سترتها، فوافقوا بعد تردد ثم حضر الکابتن وطلب من والدتها بأن تدخلهم إلى البیت ثم تصرح بأسماء بناتها وطلب منها هویتها وهویة مریم وعندما لم تستطع الوالدة أن تجد هویة مریم، طلبت من الکابتن أن یسمح لمریم بأن تحضر هویتها بنفسها، ودخلوا الغرفة بینما بقیت هی مع أختها الصغیرة وأخیها الصغیر فی المطبخ والجنود حولهم، ومما لفت انتباهها حینها، وجود مجنّدة معهم فی المطبخ، وفجأة سمعت صوت أمّها تصرخ: تریدون مریم أن تأتی معکم هذا مستحیل ، مریم بنت ، صاح الکابتن الصهیونی باستهجان : وماذا یعنی بنت؟؟ وحاولت الامّ کثیرا بأن تدَعهم یأخذوها مع مریم لکنهم أبوا، أما بالنسبة لمریم فقد خافت واستغربت الموضوع کثیراً، قائلة لهم بأنها لم تفعل شیئاً وأنها لن تخرج مع جنود رجال، حینها نادى الکابتن على المجنّدة سارة، قائلا لها : نحن نعلم بأنک لن تخرجی مع الجنود لذا أحضرنا معنا مجنّدة لأخذک. کانت صدمة لکل من فی البیت وانهارت الامّ تماماً ، حینها قال الکابتن : لا تقلقوا على مریم، سنأخذها لنسألها بعض الأسئلة ثم نعیدها غدا اطمئنوا ، وسمحوا لمریم بأن تودّعهم فرداً فرداً، وکم طلب أخوها الصغیر "صالح" من الکابتن بأن یأخذوه بدلا عنها لکنهم أبوا، تتذکر المتحدّثة "نضال" بأنها حضنت "مریم" بقوة وهمست لها فی أذنها، بأن تکون شُجاعة، وبأن الله معها ،وأن لا تخاف منهم وهی وصتها على الامّ، وهمّت بالخروج معهم، لکن أمّهم أخذت تصرخ فعادت إلیها مرة أخرى والجنود یصرخون علیها، والمجندة تشدّها من ذراعها، وأخذت "مریم" تواسی والدتها وتشدّ من أزرها، ثم أخرجوا "مریم" بالقوة من البیت وحاولت أمّها اللحاق بها فلم یسمح لها الجنود الواقفون بالباب، وبعدها انهارت . هل هناک تهم واضحة وجهت لهما ؟ بخصوص "صالح" وُجهت له تهمة الانتماء لسرایا القدس - الجناح العسکری لحرکة الجهاد الإسلامی - ، أما "مریم" فکانوا یجهلون سبب أخذها فی ذلک الیوم وحتى بعد یومین اکتشفت بأنهم وجّهوا لها تهمة تنفیذ عملیة استشهادیة وقد ساعدهم مکتب الشکاوی مشکوراً، إذ عندما تم اعتقال "صالح" فی الیوم الثانی طمنأوهم بأنه حی سالم، و"مریم" فی نفس الیوم الذی أُعتقلت فیه صباحا، أعلموهم بأنها فی سجن "الجلمة"، وزار بعدها الهلال الأحمر "صالح" فی عاشر یوم من اعتقاله، وقد أخبرهم ب"صالح" بأنه لولا تدخّل الهلال الأحمر فی آخر فترة قضاها فی مرکز "بیتح تکفا" للتحقیق لکان قد مات من شدة المعاناة التی کان یعانیها فی الزنازین، وکذلک الأمر مع "مریم" فقد زارها الهلال الاحمر، وطمأنهم علیها بعد ثلاثة عشر یوما من الاعتقال على ما تذکر .هل قدم الاحتلال الصهیونی دلیلاً قاطعاً على هذه التهم، أم أنها مجرد تلفیق ؟ بصراحة لا توجد أی براهین قویة على هذا، إلا أن الضغط النفسی على المعتقلین فی الزنازین والتعذیب والحرمان من النوم والضرب المبرح، یکون حافزاً لقول أی شیء لینتهی المعتقل من مرارة الزنازین والتحقیق. ماذا عن المحاکمة التی أجریت لهما معاً فی نفس الیوم؟ تعتقد "نضال"، کانت المرة الأولى التی یرى فیها "صالح" و"مریم" بعضهما بعد عملیة الاعتقال لکلیهما، وقد کان "صالح" لا یعلم فی البدایة بأن " مریم" قد تم اعتقالها، إلا بعد مرور شهرین حین اخبره أحد الأسرى بذلک، أما عن أجواءها فقد کانت تجری المحکمة فی معتقل "سالوم" بعد عناء طویل والشمس تحرق رؤوس العباد حتى یسمحوا بإدخال الناس لساحة المعسکر، وبعد الانتظار للتفتیش کانوا یسمحون ثانیة للناس بالدخول لصالة المحکمة، حیث ینتشر الجنود هناک ویمنعون الحاضرین أن یصدروا أی همسة أو صوت حتى یأذن القاضی بذلک، کما یُمنع على أهالی الأسرى الذهاب إلى الاستراحة ومحادثة أبنائهم، وإذا فعلوا ذلک قلیلا، یصرخ علیهم الجنود ویمنعونهم من مواصلة حدیثهم، وأحیانا لم یکونوا یروا "صالح" فی جلسات المحاکم، إلا لدقائق معدودة جدا ویأخذونه دون أن یسمعوا صوته، حتى فی یوم المحکمة بالذات لم یسمحوا لهم بأن یودّعوه بعد أن نطق القاضی بحکمه، فقد سحبوه بسرعة من غرفة المحکمة، وکان من المقرر أن یسمحوا لمریم بأن تحدث "صالح" وأن یودعوا الاثنین معا، لکنهم غدروا بهم بالضبط، وحُکم على "صالح" الذی کان من المقرر أن یُحکم من ب 8 سنوات، ب15 سنة، و"مریم"کان من المقرر أن یُحکم علیها ب5 سنوات فقط، حُکمت ب7 سنوات. هل لمسوا شیئاً من النزاهة فی هذه المحکمة ؟لا ، ولا بأی شکل من الأشکال ، إذ بعد المحاکمة بأربعة شهور سمحوا بزیارة "مریم"، وحینها أخبرت والدها ووالدتها بأن فی لائحة الاتهام أمور لا تدری من أین أحضروها، وکذلک الأمر مع "صالح". کانت "مریم" ترتدی النظارات وقد أضاعت نظاراتها قبل اعتقالها بشهر، وکانت تنوی إحضار نظارات أخرى، وعندما وُضعت فی سجن "الرملة"، طالبت إدارة السجن بأن یتم عرضها على طبیب العیون، ولکن دون جدوى، ومنذ أعوام وهی تعانی، و بسبب رطوبة الغرف القاتلة، أُصیبت بالفطریات فی قدمها وقدّموا لها کریماً إلا أنها کتبت لهم ضاحکة : " أصبحت قدمی لونها خضراء "، أما بخصوص "صالح" فکان یعانی قبل أن یسجن من حساسیة فی الصدر . وبخصوص "مریم" فالزنازین تحت الأرض لا تدخلها أشعة الشمس نهائیا ، یوجد طاق قدیم عمیق فی الحائط لکن لا تدخله أشعة الشمس، الأسرّة قریبة من بعضها البعض والحمام قدیم ورائحته النتنة تعبق الزنزانة، بالإضافة إلى عدم وجود باب له، ناهیکم عن قذارة الزنزانة والجدران وانتشار الصراصیر والجرذان بصورة غیر طبیعیة، ومیاه المجاری التی تفیض بین الحین والآخر. بخصوص الطعام یُقدم من إدارة السجن ولم یکن هناک شیء یؤکل سوى الشای والخبز أحیاناً، وهذا الأمر ینطبق مع "صالح" فی سجن" مجدو" بعد أن تم تحویله إلى سجن مرکزی ، حیث أخبرهم "صالح"بأن الجوع ینهشهم، ولا یوجد طعام سوى الرغیف البائت، ناهیکم عن تکاثر الجرذان بطریقة أیضا منفرة، ولا توجد عیادات طبیة تشرف على المرضى . فی العید وفی أی مناسبة أخرى تحّن الاسرة کثیرا لهما، وتستیقظ ألامّ صباحا ویرونها تحمل صورهما وتبکی بصمت على الرغم من أنها تزورهم، ولا یثیر مشاعرهم حقا إلا عندما یرون بعض الأسرى الذین یخرجون بالإفراج أو بغیرها ویرکضون لأحضان أهالیهم، کأنهم ولدوا من جدید، هذه هی الحسرة التی تصیبهم جمیعا، ولاریب ان هذا الاشتیاق یصیب کل أمهات المعتقلین نحو أبنائهن وإخوانهن، ولکن یبقى الأمل فی الله وحده، وبأن شمس الحریة ستشرق عما قریب، وأن الله لا یضیع أجر الصابرین . فهناک أسرى بحاجة ماسة للعلاج ، بحاجة ماسة لأن یشعر العالم کم هم محرومون من أبسط حقوق الإنسان، بحاجة للسماح لعائلاتهم بزیارتهم، فهناک أسرى فی سجون إسرائیلیة، لا یعلم الناس بهم، ولا تصلهم الرسائل منهم مطلقاً، ولا تصل عنهم الأخبار إلى ذویهم ، ولا یُعلم کیف یعیشون وماذا یأکلون ؟؟ فإلى متى سیبقى العالم یسمع عن الأسرى وعن معاناتهم دون أن یحرک ساکنا لهم . | ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,140 |
||