القائد الذی جمع خصال المجد من جمیع أطرافها | ||
القائد الذی جمع خصال المجد من جمیع أطرافها سعید کاظم لم تکن مجموعة الخصائص والخصال التی تتمیز بها شخصیة الامام الخامنئی قد وجدت فیه فجأة وبلا مقدمات، بل إن هذه الأخلاق والسجایا الکریمة کانت تعتمل فی داخله منذ ان کان طفلاً یتنقل فی طفولته بین موطنه الأصلی فی مدینة مشهد المقدسة ثم فی مدینة قم المقدسة ، وبین السکن الفعلی فی العاصمة (طهران). وبین مشهد التی کان یعیش فیها طفولته وبدایة شبابه، ثم قم وطهران .تمکّن أن یبنی لنفسه منهج حیاة متکامل...فهو قد نشأ فی بیت متدین ملتزم تعرَّف من خلاله إلى نور الإسلام الذی ملأ قلبه حتى أنار له طریقه حتى النهایة... ولم یکن الذین تعرَّفوا إلیه عن کثب وصادقوه وأحبوه، یعلمون عنه من الصفات إلا تلک الصفات التی عرفها عنه کل الناس فیما بعد والتی اکتسبها من خلال فهمه للإسلام وعیشه له، فهو وإن کان طفلاً إلا أنه یفکر بعقل الإنسان الواعی الکبیر.. لقد کان یلعب کبقیة أقرانه ولکن لم یکن اللعب لیأخذ منه کل وقته بل یعطیه ما یستحق من الوقت بحسب حاجات ذلک ((الطفل)) آنذاک... وهذه المزایا کانت حدیث الأقارب والناس الذین عرفوا السید الخامنئی فی ذلک الوقت.. ولئن لم یقدّر لنا أن نتعرّف عن کثب على تلک المرحلة المهمة من حیاته الشریفة ـ فإن سیرة السید القائد طفلاً کانت موجودة على لسان أقرانه وأقربائه...ویتحدثون بها على أنها أمر متواتر وثابت ولاغبار علیه. لقد تمکن هذا ((الطفل)) وببساطة أن یکوَّن شخصیته الممیزة بدءاً من اهتمامه بالقضایا الکبیرة وعیشه لها، إلى علاقاته بأصناف الناس وکأنها مقدمة لأمر کبیر سوف یقوم بتحمل أعبائه... إلى ثقة عالیة بالنفس نابعة من ثقة کاملة بالله تعالى...إلى اعتقاده بأن التقدم إلى الأمام لایمکن أن یحصل من خلال الآخرین، وإنما الإنسان هو صاحب حرکة التغییر فی المجتمع، ((إن الله لایغیر مابقوم حتى یغیروا ما بأنفسهم)). مختلف العلوم والمعارف لقد تعلّم فی حوزة مشهد والنجف وقم ، واکتسب فیها. ولکنه لم یعتمد على ذلک وحده فی حیاته، بل إن ما تعلّمه من مدرسة الحیاة واکتسبه کان أکبر بکثیر مما یمکن لمدارس التعلیم أن تعطیه لإنسان أو لمجموعة من الناس. ـ لقد تمیزت هذه الشخصیة بمجموعة ممیزة من الأوصاف التی ینبغی أن یتحلّى بها القائد لیأخذ بمجامع القلوب ولیکون له دوره الممیز على مستوى قیادة الأمة الإسلامیة من خلال هذه المواصفات عبر ذلک المجاهد الفذّ لیصل إلى قلوب المؤمنین. أولاً ـ الخلق الکریم وهذا الخلق لیس عبارة عن امور تذکر فی المناسبات ولیس موضوع الأخلاق عندما نرید أن نصنّفها فی خانة الممیزات، هو مجرّد وصف یضاف إلى غیره من الأوصاف. لقد کان الخطاب لرسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم) قد أشار إلى هذا المعنى حیث یقول الله تبارک وتعالى فی کتابه العزیز: (( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو کنت فظاً غلیظ القلب لانفضوا من حولک)). وفی هذا الصدد یقول أمیرالمؤمنین علی علیه السلام: ((آلة الرئاسة سعة الصدر)). ومن یعرف السید الخامنئی یرى نفسه أمام رجل هو مصداق حقیقی لهذا الکلام الإلهی فهو لایخرج عن طوره لامن خلال محاورة مع شخص ولامن خلال إساءة قام بها شخص بحقه مهما کانت هذه الإساءة کبیرة ومن خلال معرفة رفاقه الوثیقة به طیلة 50 عاماً لم یرونه یوماً إلا ممن یرد الإساءة بالحسنى، کما یقول الله تعالى: ((ولاتستوی الحسنة ولا السیئة إدفع بالتی هی أحسن فإذا الذی بینک وبینه عداوة کأنه ولی حمیم وما یلقاها إلا الذین صبروا وما یلقّاها إلا ذوحظ عظیم))، لقد کان هذا السید حقیقةَ مصداقاً لهذه الآیة المبارکة وعاملاً بها حق العمل. والحقیقة إن إحدى ممیزات الحدیث لیکون مؤثراً هو أن یکون نابعاً من القلب، ولکی یکون کذلک ینبغی أن یکون صادراً من موقع الرحمة للإنسان المخاطب ولیس من موقع تسجیل انتصار على ذلک الإنسان وهذا ما یمیز کلام وأفعال آیة الله الخامنئی، سواء کان فی معرض الخطاب أم الحدیث أو المحاورة والرد على سؤال، فهناک هدف وضعه أمامه وهو هدایة الطرف الآخر إلى جادة الصواب ما استطاع إلى ذلک سبیلاً، وإذا لم یتمکن من أن یصل إلى ذلک فهو على الأقل یعمل بأخلاق الله تبارک وتعالى وهذا فعلاً ما یشعر به أولئک الذین یخاطبهم من على المنبر أو یتحدث إلیهم أو یحاورهم أو یردّ على أسئلتهم وهذه میزة لایتعلمها الإنسان فی مدرسة أو فی معهد بل هی ناشئة من توفیق الله تعالى لمن أرادها وأخلص فی طلبها، ویجب أن یعتنی بها کل من یعمل فی سبیل الله مهما صغر حجم المسؤولیة التی یضطلع بها وتزداد أهمیتها کلما زادت المسؤولیة وکبُر حجمها، ولم یکن السید الخامنئی ممن ینتظر الآخرین حتى یفتح لهم الطریق إلیه أو یسألوه أمراً أو أن یقوموا بأی عمل یمکن أن یعبّر عن حاجة فی صدورهم بل هو المبادر إلى السؤال لعله یتمکن من إزالة الحزن من وجه إنسان أو المساهمة فی قضاء حاجة إنسان آخر وفی کل ذلک یشعر الجمیع منه الحنان الأبوی بکل معانیه، وهو تعبیرحقیقی عن قول أهل البیت علیهم السلام، ((إنکم لن تسعوا الناس بأموالکم فسعوهم بأخلاقکم)). هذه هی إحدى رکائز القیادة، لکن لابمعنى أن تتحول الأخلاق إلى عامل تجاری بل بمعنى أن تصبح طبیعة فی الإنسان العامل تعود فائدتها علیه قبل ان تعود على الآخرین وإذا قُدّر لإنسان أن یکون من خلال خلقه الکریم سبباً فی هدایة إنسان إلى نور الإیمان فهذا من توفیق الله تبارک وتعالى وحسن عنایته، ورسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم) یقول لأمیرالمؤمنین علیه السلام: ((یا علی لئن یهدی الله بک رجلاً خیر لک مما طلعت علیه الشمس)). وکم من المرات کان هذا السید المجاهد سبباً فی إحداث تحوُّل فی حیاة الآخرین، إنه ذلک الخلق الکریم الذی رآه فی ملامح ونبرات الامام الخمینی الراحل، فهو للمرة الأولى یرى فیها عالماً یعامله بمثل هذه المعاملة حیث لمس منه المحبة الصادقة بکل معانیها . وهی الخصال والمعانی النبیلة التی انطلق بها السید نحو قلب الإنسان، ولیست هذه المسألة فریدة فی حیاة القائد، فکم من الأشخاص الذین تعاملوا معه کانوا یشعرون بالإنجذاب نحو أخلاقه العالیة فکانت سبباً فی زیادة إیمانهم أو فی ثباتهم فی هذا الطریق، وهنا أستطیع أن أجزم أن کل من یقرأ هذه الکلمات ممن کانت تربطهم علاقة به سوف یستحضر فی ذهنه موقفاً أو مواقف عاین من خلالها هذه المسألة، وکانت دافعاً له لیکمل الطریق، ولم یکن المرء لیحتاج إلى وقت طویل لیدرک تلک الصفات فی هذا الرجل فإنه یدرکها حتى ولو کان لقاؤه معه للمرة الأولى فنحن نؤمن بأن الإخلاص یجعل من المرء قریباً محبوباً من الله تعالى وإذا أحب الله عبداً حبَّبه إلى الناس وکان وسیلة لهؤلاء الناس لیشدهم إلى طریق الخیر والصلاح. ثانیاً ـ الثقة بالناس وهی خصلة فی غایة الأهمیة للعاملین وخصوصاً لمن هو فی موقع قیادی متمیز، فإن فقدان الثقة بالناس من خلال نظرة متشائمة إلى الحاضر، تجعل الإنسان یقف عاجزاً عن القیام بأی حرکة تغییریة لأن الناس هم الذین سیجری بحقهم ذلک التغییر، قد لایتحول فی المستقبل بعض هؤلاء الناس إلى أدوات تغییر ولکن بالحد الأدنى یمکن أن یتحولوا إلى موالین بأی نحو من الأنحاء وإذا لم یتحولوا إلى موالین فإننا باستطاعتنا أن نضمن عدم عدائیة هؤلاء وهذا سر کبیر من أسرار استقطاب السید القائد لمختلف الشرائح الاجتماعیة، حیث إنه یعتبر أن لکل دوره فی حرکة المجتمع ولعلنا نجد الکثیر من أصحاب الطاقات فی وسط المجتمع الایرانی وفی مختلف الأحوال نجد هؤلاء معطّلین لا لأنهم یرغبون بالقعود،وإنما لاعتقادهم بأنهم لادورلهم بالمیدان وأن آراءهم لاتستحق أن یعلنوا عنها، إن الکشف عن مثل هذه الکنوز أمر یستحق الوقوف عنده ملیاً وذلک لأن التعامل السلبی مع هذه الحالات لایهدرها فحسب بل قد یجعل جزءاً من طاقات الأمة یقف ضد مصلحتها فی کثیر من الحالات، لقد کانت الثقة بمختلف الناس مسلکاً للسید الخامنئی ولیس شعاراً فحسب فهذا جزء من اعتقاده بالمسؤولیة تجاه أفراد الأمة وقد تکون الثقة بفلان من الناس فی غیرمحلها ولکن إذا وضعنا یدنا على مصداق خاطئ لهذه الثقة فلایجوز أن یتحول ذلک إلى مبرر لفقدان الثقة بجمیع الأفراد، لقد کان ینطلق من هذه القاعدة وهی أن الأصل فی الإنسان هو أن یکون نافعاً فی حرکة المجتمع، وقد نخطئ فی بعض الأفراد بینما الکثیرون ینطلقون من قاعدة أن الأصل فی الإنسان أن لایکون نافعاً إلا ما خرج بالدلیل. وإن من یتعمق فی سیرة الإمام الخمینی قدس سره الشریف یجد موضوع الثقة بجماهیر الأمة تأخذ دوراً کبیراً عند الإمام بغض النظر عن عوامل الضعف التی یمکن أن تصیب هذه الجماهیر فی بعض الحالات فإن هؤلاء ومن خلالهم تمکَّن الإمام (رضوان الله علیه) من تحقیق أحلام الأنبیاء والأولیاء (علیهم السلام) فی إقامة حکومة الله فی الأرض ومن خلالهم حافظت الثورة الإسلامیة على وجودها ومن خلالهم وصلت أشعة الثورة الإسلامیة المبارکة إلى مختلف دیار الإسلام وحیث هناک مستضعفون، هذا ما یعتقده سماحة القائد الخامنئی عن إمام الأمة وکان یمارسه هو فعلاَ فی حیاته عندما کان یعمل، وفی مختلف المراحل، ولسنا فی هذا المجال بصدد أن نمدح إنساناً لمسلک معین وإنما نسجّل هذه المسألة للتأریخ حتى یستطیع کل إنسان یعرّج على سیرة هذا المجاهد أو غیره ممن کانت فیه هذه الصفات، أن یأخذ هذه الصفة ویضعها فی عقله وفی قلبه لأنها وسیلة لها دور فعّال فی قیادة الأمة الإسلامیة إلى شاطئ الأمان. ثالثاً ـ حمل الهم یعیش آیة الله الخامنئی معاناة الآخرین، أفراداً وفئات وشعوباً وهو حرکة دائبة فی طریق تخفیف أو إزالة هذه المعاناة، لم یکن الفکر وحده هو الذی یمتلکه لیمارس دوره، بل إنه یستوعب قول النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله وسلم): ((من بات ولم یهتم بأمور المسلمین فلیس بمسلم)) وانعکس ذلک فی حیاته العلمیة والعملیة على حد سواء وکان نقطة انطلاق أساسیة فی التغییر، لقد کان الهم الذی حمله یرافقه إلى حیث ذهب، فعائلته تحمل معه هذا الهم، ورفاقه وأخوانه وطلابه کذلک، حتى أنه عندما کان یذهب الى مهمة سیاسیة او جهادیة او علمیة فإنه لاینسى أن یحمل معه مختلف هموم الأمة لیطرحها فی النهایة بین یدی الأخوة لعل الجمیع یستطیعون من خلال التداول فیها أن یصلوا إلى نتیجة ولو یسیرة، لقد کان یحتاج هو قبل الآخرین إلى راحة نفسیة وبدنیة تخفف عنه جزءاً من التعب الذی لحقه من جراء عمله المتواصل، ولکنه یفکر بأن الاستراحة لیست هی خاتمة العمل بل هی مقدمة لعمل آخر، وأما الراحة الحقیقیة فلیست فی هذه الدار، وهذا ما یوضح لنا لماذا هناک عاطفة من قبل الآخرین تجاهه ، فإنه یحمل همومهم أکثر مما یحملونها هم فی بعض الحالات وهذا ما نراه فی حمله هم المجاهدین وبالمقابل عاطفة المجاهدین تجاه من حمل همهم. وفی علاقته سماحته بالمستضعفین والفقراء وما یقابلونه به وفی نظرته وشعوره وإحساسه بمختلف الشعوب الإسلامیة فی فلسطین والعراق ولبنان وأفغانستان ومصر والیمن وغیرها وبالمقابل بما یبادل به من هؤلاء، هذه الهموم التی یعایشها فی قلبه ومشاعره دافعاً له لیتکلم فیها فی کل محفل حتى أنه عندما کان رئیساً للجمهوریة، یذهب للقاء ولی أمر المسلمین الامام الراحل لیضع بین یدیه إنجازات المجاهدین فی لبنان وفلسطین ومشاکلهم، کان لاینسى أن یتحدث معه عن مشاکل المسلمین فی مختلف الأصقاع فکان الامام (قدس سره) یکبر فیه هذا الاهتمام العالی بأمور المسلمین والمستضعفین، ولیست هذه المسألة بحیث یمکن للإنسان أن یعبر عنها وأن یمرّ بها مرور الکرام بل إن حمل الهمّ فیما نعتقد هو الشیء الذی ینبغی أن یضعه فی نفسه کل من أراد أن یمارس مسؤولیة تجاه الآخرین، فإن هؤلاء الذین لایحملون الهموم یمکن لهم أن یعالجوا المشاکل من خلال عقولهم ومن خلال حسابات عادیة تقودهم إلى بعض النتائج، ولکن فرق کبیر بین من یفکّر فی مشاکل الآخرین بعقله وبین من یفکّر بهذه المشاکل بعقله وقلبه وجوارحه جمیعاً. رابعاً ـ الطمأنینة لم یکن الامام الخامنئی یخاف على المستقبل، لاعلى مستقبله الفردی ولاعلى مستقبل الأمة، وبالرغم مما قدّمنا سابقاً من عیشه للهمّ الدائم إلا أن هذا لایعنی بحال أنه قریب من الیأس، إن الیأس لم یستطع أن یخطو إلى قلبه مقدار أنملة واحدة، هو یشعر دائماً أن الأمور بید الله تبارک وتعالى وأنه إذا قمنا بما ینبغی علینا أن نقوم به فینبغی أن لانهتم بعد ذلک کیف تجری تلک الأمور، إن الخوف الذی یمکن أن ینتاب العاملین والمجاهدین لم یکن یعرف إلى قلبه سبیلاً، ومع أن الواقع المعاش آنذاک لم یکن على ما یرام وینذر بمستقبل أشد منه ولکن النفس المطمئنة الواثقة بالله تعالى لاتعرف الهزیمة والانکسار، هو یعتقد بأن لامجال للهزیمة وکما هو یعیش الطمأنینة على مستوى الأمة وهذا ما لمسه الجمیع عندما کان یتحدث إلیهم عن زوال الاحتلال ، کذلک یعیش الطمأنینة على المستوى الشخصی فلم یکن هناک شیء من قدرة الاعداء یمکن ان تدخل الخوف إلى قلبه وهذه المسألة التی نتحدث عنها شیء متأصل فی نفسه المبارکة ولا أظن أن هناک إنساناً تعرّف علیه یقول بأنه رآه خائفاَ فی یوم من الأیام. وکم من المرّات عندما کانت القضایا المخیفة تعصف بالآخرین ولکنها بالنسبة إلیه لم یکن لها أی أثر على الإطلاق، وفی هذه المسألة یمکن لنا أن نراقب مختلف مراحل حیاة السید الخامنئی ولاسیما تلک المرحلة التی کان الاعداء لایترکون موقعاَ ولا مرکزاً إلا ویهددونه فیه ، کیف کان السید القائد یقف أمام هذه الحالة، لقد کان مطمئناً بأن کل شیء یسیر إنما هو بأمر الله تبارک وتعالى. خامساَ ـ الزهد فی الدنیا وهی میزة الأولیاء الصالحین والأبرار المتقین وما عندالله خیر للأبرار، فلیست هذه الدنیا تساوی شیئاً عند هؤلاء، هکذا فهم سماحة ولی امر المسلمین الدنیا على طریقة أجداده الطاهرین، فهی مزرعة الآخرة وهی دار الممر، ولیس فیها ما یستحق من الإنسان خاطرة من فکر أو لحظة من زمان لأن من أراد الآخرة وسعى لها سعیها فلابد من نقطة انطلاق، ونقطة انطلاق فی درجات هذه الدنیا الدنیة: ((تلک الدار الآخرة نجعلها للذین لایریدون علواً فی الأرض ولافساداً والعاقبة للمتقین)). لم یملک هذا السید الخامنئی شیئاً من حطام الدنیا وهو الذی کان قادراً على أن یحصل على الکثیر إلا أنه یعیش هماً فی داخل قلبه هو أن یخرج من الدنیا کما دخل إلیها ووصل إلى مبتغاه.ولم یمکن المال الذی یدخل إلى جیبه ملکاً له بل یکون لأول صاحب حاجة یلتقیه. ومن الواضح لمن یتتبع سیرته أنه لایجد لشیء سلطاناً على نفسه فلا المادة بکل أشکالها تحرک له جفناً ولاکل المقامات المعنویة یمکن أن تأخذ شیئاً من اهتمامه. والدنیا هی هذا أو ذاک أو کلاهما وهی بکل ما فیها لاتعنیه على الإطلاق. کل من دخل إلى منزله سواء عندما کان یسکن فی مشهد اوقم او عندما استقر فی طهران، یدرک البساطة الشدیدة التی یتصف بها هذا البیت فکل ما فیه عدا ما تضمنته المکتبة من کتب ومصنفات. من أقل الموجود کلفة وأخفها مؤونة، ورغم أن بعض الإخوة عرضوا علیه مراراً تغییر أثاث البیت لیکون مناسباً أکثر لوضعه إلا أنه کان یرفض باستمرار وکان یعبّر بأن هذا الأثاث الموجود فعلاَ یشعر معه بالإسراف، لأن بعض الناس، لاقدرة له على تملکه وکان مقتنعاً بهذه المسألة، وکأنه کان مضطراً لاقتناء مثل هذا الأثاث بسبب وضعه الاجتماعی الذی یفرض هذا الأمر، وأما طعامه فلم یکن أفضل حالاً وکان یشعر بالأسى الشدید لذلک. وکان هذا الأمر بالنسبة إلیه یعینه على الإخلاص لله تعالى وتیسیر الحساب بین یدیه، قد یمر أحدهم بفترة یزهد فیها بشیء، أو بأشیاء ولکن هذا الرجل الإلهی قد زهد بکل شیء وفی کل أحواله وأوقاته. لقد کان الزهد والبساطة فی هذه الدنیا ولایزالان صفة ملازمة له بشکل لایخفی على أحد من الناس والى یومنا هذا وهو قائد الامة . سادساً ـ العبادة عندما ننظر إلى هذه الصفة فی هذا القائد والعالم الربانی فإننا لانتجاوزها بسهولة، إن ثمة من یتصور بأن هذا العبد الصالح الذی ترهقه الأعمال القیادیة والسیاسیة والجهادیة لاطاقة له على العبادة وهو سوف یستسلم للراحة بمجرد الوصول إلى البیت أو المرکز أو أنَ من یقوم بتلک الأعمال الصالحة فقد قام بما علیه وهی خیر عبادة. إلا أن من یطلع على أعماله بشیء من التفصیل یشعر أنه أمام إنسان یعیش العبودیة لله تعالى بما تعنیه فی تعاطیه مع الناس والمجتمع من جهة وعندما یخلو بنفسه من جهة اخرى حیث تطیب له المناجاة والأذکار والرکوع والسجود للخالق عزوجل. إنه فعلاً أحد رهبان اللیل کما عبر أمیرالمؤمنین علیه السلام. کل الصلوات التی یقیمها سماحة السید على هذه الطریقة وخشوع وتذلل إلى الله تعالى، ولم یره احد مرة واحدة یؤدی الصلاة بسرعة حتى عندما یکون فی غایة الانشغال بسبب ضغوط الأعمال الأخرى حتى الجهادیة منها إذ إن الصلاة عنده هی الأساس والمحور. الصلاة بالنسبة للقائد الخامنئی محطة وقود یتزود فیها بما یشده لإکمال المسیرة ولذلک یراه المرافقون له یهتم بها وبتعقیباتها اهتماماً بالغاً وهکذا بالنسبة إلى بقیة العبادات الأخرى حیث کان الدعاء میزة أساسیة له ولا تزال. وکل من یعایش السید القائد عن کثب یذکر کیف یتم إحیاء لیالی القدر المبارکة بحضوره الممیز حیث صار لهذه اللیالی وقع خاص من خلال دعائه وأذکاره وخشوعه وبکائه فیها. والحدیث عن هذا الجانب من حیاته المبارکة لیس حدیثاً عن شیء عابر بل إنه أصل القضیة لدیه. | ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,528 |
||