الفتاة المؤمنة والام التائبة | ||
الفتاة المؤمنة والام التائبة القسم الاول رباب عصفور
تفتحت عینا "هناء" على خالة حنون جداً، کانت بالنسبة لها بمنزلة الأم الرؤوم، وزوج خالة مؤمن، وأولاد وبنات خالة کانوا یکنون لها الحب والمودة الشدیدة. وحینما کبرت "هناء"شیئا فشیئا، أحبّت أسرتها أکثرمن ذی قبل. کانت خالتها "زینب" وزوجها یداومان على اداء صلاة الفجر وعلى إیقاظ أبنائهما لیؤدوا الصلاة جماعة. ولقد حرصت على الوقوف معهم وتقلیدهم منذ أن کان عمرها خمس سنوات. کان زوج "کریم" خالتها حافظا للقرآن الکریم ، وکان صوته شجیا عذبا . وکان رجلا متدفقا بالحنان والعطاء وخاصة بالنسبة لها . وکان یعتبرها آخر أبناءه ، وکان یداعبها دائما. وفى الأعیاد کانت تزورهم سیدة أنیقة وهى تحمل الکثیر من الهدایا لها . وکانت تحتضنها وتقبّلها فتقول لها : شکرا یاسیدة. وعندما بلغت السابعة علمت "هناء" أن السیدة هی أمها "سمر" وأن عملها یستغرق کل وقتها ولذلک اضطرت أن تترکها عند خالتها. وفى یوم عید میلاد "هناء" الثانی عشر حزمت أمها حقائبها واصطحبتها إلى بیتها. کان بیت أمها "سمر" أنیقاً فسیحاً فی منطقة المهندسین . وکان لدیها جیش من الخدم والحرس والمعاونین . وکان جمیع من یحیطون بها یتسابقون لتلبیة أوامرها وکأنها ملکة متوجة! ورغم کل مظاهر الثراء المحیطة بها إلا أنها شعرت بالغربة ، وأحسّت وکأنها جزیرة منعزلة فی قلب المحیط ! کانت رائحة امها "سمر" مزیج من رائحة العطور والسجائر ورائحة أخرى غریبة علمت فیما بعد أنها رائحة الخمر! ألا تعلمین أنی أعمل ممثلة ؟ ألم تخبرک خالتک ؟ فأجبت "هناء" بالنفی . فقالت "سمر" بالطبع لم تخبرک فهی لا ترضى عن عملی . إنها تعتبره حراما . کم هی ساذجة! إن الفن الذی أمارسه یخدم رسالة نبیلة . إنه یهذب الوجدان ویسمو بالشعور . ثم جذبتها من یدها للصالون وقالت : سوف أجعلک تشاهدین کل أفلامی. ووضعت الام "سمر" شریطا فی الفیدیو . وجلست لتشاهد ولأول مرة فی حیاتها فیلما لامها. کان الفیلم یتضمن مشاهد کثیرة لها بالمایوهات الساخنة وبأقمصة النوم الشفافة ، ومشاهد عدیدة مع رجال. لم تکن "هناء" قد شاهدت شیئا کهذا من قبل ، حیث کان زوج خالتها "کریم" یمارس رقابة شدیدة على ما یشاهدونه فی التلفاز . وکان یأمرهم أحیانا بغلقه حینما تأتی بعض المشاهد ، ویغلقه تماماً حینما تأتی بعض الأفلام والتی علمت فیما بعد أنها کانت من بطولة أمها. لم تعرف "هناء" ماذا تفعل وهی تشاهد أمها فی تلک الأوضاع . کل ما استطاعت القیام به هو الانحناء برأسها والنظر إلى الأرض . أما الام "سمر" فقد ضحکت على من أعماقها حتى طفرت الدموع من عینیها ! وکبرت "هناء" وأصبحت فی الثامنة عشرة من العمر ، وحرجها من مشاهد أمها یزداد ، ومشاهدها تزداد سخونة وعریاً ، ونظرات زملائها لها فی مدرستها المشترکة تقتلها فی الیوم ألف مرة. کانوا ینظرون لها کفتاة رخیصة سهلة المنال ، رغم أنها لیست کذلک ولم تکن أبدا کذلک. على العکس . کانت حریصة منذ صغرها على آداء فروض دینها وعلى اجتناب مانهى الله عنه. وکانت تشعر بالحزن العمیق وهی ترى أمها وهی تشرب الخمر فی نهار رمضان . وتشعر بالأسى وهی تراها لا تکاد تعرف عدد رکعات کل صلاة. لقد کانت کل ما تعرفه عن الإسلام الشهادتین فقط! لعل هناک من یرید أن یسألها الآن : لماذا لم تعترضی علیها حینما کنت فی ذلک العمر ؟ أجابت: من قال أننی لم أعترض ؟! مؤکدة بأنها صارحتها مراراً ا بأن أسلوبها فی الحیاة لا یرضیها ، وتوسّلت إلیها أن تعتزل التمثیل وأن تبحث عن عمل آخر . فکانت تسخر منها أحیانا . وأحیانا تتظاهر بالموافقة على طلبها . وأحیانا تثور علیها وتتهمها بالجحود وتقول : ماذا تریدین بالضبط ؟! إننی أعاملک کأمیرة . لقد اشتریت لک المرسیدس رغم أنک مازلت فی الثانویة . کل فساتینک من أوروبا . کل عام أصطحبک إلى عواصم العالم. باختصار کل أحلامک أوامر! وحینما ترد قائلة : حلمی الأکبر أن أراک محتشمة کما أرى کل الأمهات . تصیح قائلة : المشاهد التی لا تروق لک هی التی تکفل لک هذه الحیاة الرغیدة التی تنعمین بها والتی تحسدک علیها کل البنات . لکنک عمیاء لا تستطیعین الرؤیة! وأمام رغبتها الجامحة للأضواء والشهرة والمال تضطر "هناء" إلى أن تبتلع اعتراضها فی مرارة . فاندهشت أمها "سمر" وقالت : وهل هناک مکان فی العالم لم نزره؟! قالت "هناء" : نعم یاماما . نحن لم نزر مکة .المکرّمة. فتجمدت أمّها للحظات وقالت : مکة! فنظرت إلیها "هناء" فی توسل وقالت : أرجوک یاماما لبی لی هذا الطلب . فابتسمت وقالت : وهل أستطیع أن أرفض لک طلبا یا حبیبتی ! وکانت رحلتهما إلى الأراضی المقدسة! لم تستطع "هناء" أن تصف شعورها حینما وطأت قدماها الأرض الطاهرة . کان إحساسها وکأنها تمشی على السحاب! وجاءها هاتف یؤکد لها أن الله تعالى قد استجاب لدعائها وأنه سیصلح من أحوال أمّها. وتعجبت "هناء" کیف جاءها ذلک الهاتف على الرغم من أن أمها کان یسیطر علیها الشعور بالملل طیلة الفترة التی قضیاها بمکة المکرمة وأدّیا العمرة وعادا إلى القاهرة وارتدت "هناء" الحجاب. واندهشت الام "سمر" من تلک الخطوة ولم تعلّق علیها فی البدایة ، وانشغلت فی تصویر بعض الأفلام والمسلسلات . کانت ترمقها بنظرات ساخرة وتقول : ما هذه العمامة التی ترتدینها ؟ ما هذا التخلف ؟ هل صار لدیک ستون عاماً حتى ترتدی هذا الحجاب؟! ماذا سیقول عنی الناس وأنا أسیر بجانبک؟ - طبعا سیقولون أننی أصبحت أم الحاجة! - أنا التی أمثل دور الحبیبة حتى الآن أصبح أم الحاجة ؟! - ما الذی سأفعله بفساتینک التی أحضرتها لک من أوروبا ؟ - هل أسکب علیها بنزین وأحرقها ؟! ذات مرة واتت "هناء" الشجاعة وقالت لها : أنا على استعداد أن أعیش مع خالتی حتى لا أسبب لک حرجاً . فقالت "هناء" : حسناً . دعینى أعیش حیاتی بالأسلوب الذی یرضینی. فنظرت إلیها فی حدة ثم قالت فی سخط : أنت حرّة! ومر عام على تلک المناقشات الساخنة والعلاقة بینهما فی فتور حتى حدث تغیر مفاجىء علیها بعد عودتها من تصویر أحد أفلامها فی باریس. لقد أصبح الحزن یکسو ملامحها والقلق یفترسها . أمرتها ألا تقود السیارة بنفسها خوفا على حیاتها واستأجرت لها سائقاً خاصاً . صارت لا تنام اللیل إلا و"هناء" بین أحضانها ! . وحینما کانت تسألها عن سر هذا الحزن والقلق کانت تصطنع ابتسامة وتقول : لیس هناک حزن أو قلق . وحاولت "هناء" أن تعرف سر هذا التغیر من مدیرة أعمالها ، والتی کانت تلازمها کظلها . وبعد ضغط وإلحاح منها قالت : حدث موقف غیر ظریف فی باریس. لقد قابلت والدتک ابن عمها المهندس أحمد هناک بالصدفة . کان یعقد إحدى الصفقات لشرکته . وعندما اقتحمت علیه المکان لتصافحه قال لها فی جفاء : إنه سیء الحظ أمام هذه المصادفة ، وأنها صدیقة للشیطان . وأنها بأفلامها تثیر غرائز الشباب ، وأنها تدمن الخمر ولا تسترجسدها. ثم قال لها المهندس: أنا أعلم أن روحک فی ابنتک الوحیدة . احذری أن ینصب غضب السماء على ابنتک لتکتوی أنت بنارها! حینما أنهت مدیرة الأعمال حدیثها معها کانت تشعر وکأن أحدا ضربها بمطرقة فوق رأسها . کان قریبهم مُحقاً فی نهیه لها عما تفعله من منکر . لکنه کان قاسیا وغیر عادل حین هددها بأن یحل انتقام الله فی "هناء"، لأن الله تعالى لا یأخذ أحد بجریرة آخر . ألم یقل فی کتابه الکریم :( ولا تزر وازرة وزر أخرى )؟ | ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,403 |
||