التشاور مع البنت | ||
التشاور مع البنت کوثر مهدی من الامور اللازم الأخذ بها اثناء إجراء مراسم الخطبة، أخذ رأی البنت فی الشاب المتقدم لخطبتها، ویتعین على والیها توضیح کل مایلزم توضیحه لها، لکی تکون على بینة فی اتخاذ الرأی الصحیح والمناسب فی حیاتها المقبلة. اذ ان قرارها هذا یعتبر قرارأ مصیریاً لمستقبل عمرها ومستقبل اسرتها الجدیدة، فینبغی لها أن تقرر هذا الأمر عن درایة کافیة ودراسة واضحة وألا تکون بعیدة عن الواقع فی أعطاء رأیها. ومن الضروری ألا یغفل الوالدان عن اعطاء هذه الفرصة المهمة للبنت فی انتخاب زوجها الذی ستقاسمه الشطر الاکبر فی عمرها، وتعیش الى جنبه بقیة عمرها. لانها ان سُلبت هذا الحق وضعت منه فانها ستبقى ناقمة على أهلها طیلة حیاتها ان کان زواجها غیرموفقاً، وتحمّلهم ابداً مسؤولیة شقائها ولاترى للهناءة وجهاً فی حیاتها. ولقد اکد الاسلام فی تعالیمه الناصعة على ضرورة التشاور مع البنت فی هذه القضیة الخاصة بها، وشدّد نکیره على من یُکره ابنته على الزواج ممن لاتحب، والسنّة النبویة وهی ثانی مصادر التشریع المهمة فی الاسلام أرشدتنا أیضاً الى ضرورة احترام اختیار ورأی البنت فی شریک حیاتها، وعدم التنصل عن القیام بهذا الأمر بحجة صغر عمر الفتاة، وعدم قدرتها على اتخاذ القرار الصائب لنفسها، وقد أثبت رسول الانسانیة ومعلّمها الأول هذا الأمر یشکل عملی لنا وجعله سنّة باقیة لیعمل بهدیها جمیع الآباء فی مثل هذه المناسبة مع بناتهم. وذلک فی زواج ابنته فاطمة الزهراء "علیها السلام"، فقد جاء فی الروایة عن النبی "صلى الله علیه وآله وسلم"، إنه لما خطبها الامام علی "علیه السلام"، وکان قبله قد تقدم لخطبتها الکثیر من رجالات قریش وکبارها، قال له: یا علی قد ذکرها رجال قبلک، فذکرت ذلک لها فرأیت الکراهة فی وجهها ولکن على رسلک حتى أخرج الیک، فدخل علیها فقامت فأخذت رداءه ونزعت نعلیه وأتته بالوضوء فوضأته بیدها وغسلت رجلیه ثم قعدت. فقال: یا فاطمة! فقالت: لبیک لبیک حاجتک یا رسول الله؟ فقال: ان علی بن أبی طالب من قد عرفت قرابته وفضله وإسلامه وانی قد سألت ربی أن یزوجک خیر خلقه واحبه الیهم! وقد ذکر من امرک شیئاً تخاترین؟ فسکتت ولم تول وجهه، ولم یر فیه رسول الله "صلوات الله علی" کراهة!! فقام، وهو یقول: الله اکبر سکوتها اقرارها. (1) درس وعبرة: واذا یمکننا أن نستلهم من هذه الروایة من دروس وعبر. اذ ان رسول الله "صلى الله علیه وآله وسلم" مع ماکان یمتلکه من مکانة اجتماعیة شامخة، فهو سید المرسلین وخاتم البنیین، وانه لاینطق عن الهوى إن هو إلا وحی یوحى، وانه ان اختار شیئاً او ارتضاه لا یرتضیه لعاطفة او مصلحة شخصیة او هوى دنیوی او عرض مادی – هذا ماأثر عنه من سیرته المشرقة مع أصحابه وقومه، فکیف مع أهله وذویه وأقرب الناس إلیه وأعزهم على قلبه من بنیه – فانه کان بامکانه "صلوات الله علیه" وهو صاحب الرأی الصائب، والعلم الغزیر – مدینة العلم والحکمة – وخازن اسرار الشریعة والهدى، أن لایستشیر ابنته ذی التسعة أعوام فقط وأن یقتصر على ابداء رأیه فی الخاطبین لها ورأیه مورد قبول وموضع تسلیم وتقریر ابنته التی کانت تعرف حقاً مقامه ومنزلته بل ومورد احترام سائر المسلمین دون شک ولاتردد، فالشریعة الاسلامیة هی التی تأمر بإتّباع کل مایقوله الرسول وکل ما یأتی به من فعل وتقریر، ((ما أتاکم الرسول فخذوه وما نهاکم عنه فانتهوا)) (2) ((فلا وربک لایؤمنون حتى یحکموک فیما شجر بینهم ثم لایجدوا فی أنفسهم حرجاً مما قضیت ویسلموا تسلیما)) (3) اذاً فما الذی دعاء الى استشارة ابنته فی هذا الأمر وهو قائد الأمة وسیدها ورأیه مطاع فی کل الاحوال، والجواب واضح ان رسول الانسانیة ومعلّمها کان فی أعلى مراتب الاخلاق والاحترام لرأی الأخرین وبالذات فی الأمور الخاصة بهم، واختیار الزوج شأن خاصاً بابنته وهو اکرم الناس خلقا فلیس من خلقه أن یقرر شیئاً خاصاً لغیره دون أن یستشیره فی ذلک حتى وان کانت ابنته، هذا فضلاً عن انه أراد ان یبقى هذا السلوک سنّة یعمل به أتباعه من بعده. الخطبة وأدابها فی الاسلام اذن الولی مما اشترطه الفقهاء فی صحة زواج البنت البکر، اذن أبیها أوجدها لأبیها حتى ولو کانت بالغة رشیده وهذا الرأی أجمع علیه اکثر الفقهاء إلا البعض فی المتأخرین الذی أهل زواج البکر دون اذن أبیها اذا کانت بالغة رشیدة. قال الامام الصادق علیه السلام: لاتُزوج ذوات الآباء فی الابکار إلا باذن أبائها (4) ((لایجوز للصغیرة العقد على نفسها إلا باذن الأب والجد، ولایجوز للبالغة البکر غیر الرشیدة ان تجری العقد إلا بإذنهما، فان عقدت بغیر إذنها خالفت السنّة وکان العقد موقوفاً على امضائهما)) (5) وأما المرأة الثیب فانها لاتحتاج الى اذن ولیها فی اختیار الزوج، وسبب ذلک واضحاً لانها بتجربتها الزوجیة – المرأة الثیب أن تکون مات عنها زوجها أو خلعت عنه بالطلاق – تکون قد خبرت الحیاة وأصبحت لدیها القدرة فی تقریر مصیرها بمفردها دون ولایة أبیها أوجدها. وأما لماذا اعتبر الاسلام ولایة الأب على البنت الباکر شرطاً فی صحة العقد الشرعی لها؟ ألا یعد ذلک تقلیلاً لشأنها وتنکّراً لرأیها وانتقاصاً لقدرتها على الاختیار الصائب والصحیح؟ ومن ثم ألیس اذن الولی سلباً لحریة المرأة فی اتخاذها لقرارها الشخصی فی الزواج والذی هو حق مسلم لها؟ للجواب عن هذه الاشکالات المطروحة ینبغی التذکیر بعدة امور مهمة ولازمة فی تحریر الرؤیة الصائبة للاسلام حول زواج البکر وهی: اولاً: وکما ذکرنا سابقاً فی الحدیث عن ضرورة ابداء البنت لرأیها فی الزواج واحراز رضاها فیمن ترید الزواج منه، وقلنا ان الاسلام ضمن هذا الحق للبنت وألزم الأبوین ذلک واعتبرها هی صاحبة القرار النهائی، ولیس لأبویها الحق على ارغامها أو قسرها على الزواج ممن لاترغب فیه او تکره الزواج منه، وهذا الأمر مما أجمع الفقهاء علیه ولامناقشة فیه باعتباره أمراً منوطاً بارادتها واختیارها اولاً ثم بعد ذلک بأی اذن الولی. ثانیاً: ان ولایة الولی تسقط اذا منعها من التزویج بالرجل الکفؤ، ولم یکن هناک مبرراً عقلانیاً یدعوه للرفض. ((تسقط الولایة فی حالة منعها البنت البالغة الرشیدة من الزواج بالاکفاء، فلها الحق ان تجری العقد بغیر اذن منهما، ولم یکن لهما الفسخ)) (6) ثالثاً: یشترط فی ولایة الولی ان یکون رشیداً عاقلاً وان یکون حریصاً على مصلحة ابنته، فلایقدم مصالحه ومصالح الطرف الأخر من هذا الزواج على مصلحة ابنته. وأما لماذا اشترط الاسلام اذن الولی. فانما اشترطه لیس الغاءاً لرأیها، أو تنقیصاً لقدرها بل لمصالح ضروریة أخرى ینطوی علیها الأمر، ولاتستطیع البنت بمفردها استکافها ومعرفتها. فللبنت اظهار رأیها فیما یمکنها معرفته وإدراکه من احوال الفتى المتقدم للزواج منها وللأب الذی عرک الحیاة ومحض التجارب ان یدلی برأیه فی الجوانب الأخرى التی قد لاتصل مدارک البنت الیها. وعلى هذا فیمکننا إجمال فلسفة وجوب اذن الأب فی زواج البنت الباکرة فی الملاحظات التالیة: اولاً: انه ضرب من الاحسان والبر بالمقابل لمن أنفق طاقات عمره علیها وعاشت دهراً فی کنف بره واحسانه، فأحرى بها وهی ترید الانفصال عن البیت الذی قضت فیه شطراً من حیاتها الى بیت جدید تشرع فیه حیاة اسریة أخرى ان تستأذن ولی أمرها فی ذلک. ثانیاً: المعرفة بالمثل اکثر، جعل الاسلام اذن الولی شرطاً فی عقد الفتاة باعتبار ان الولی القیم علیها اکثر تجربة فی معرفة الرجال والأقران مثله، ومعرفة مکنونات شخصیاتهم وطبائع نفوسهم ولغتهم التفاهم معهم، وبما ان البنت فی ظل قیم الاسلام، وبفضل حیائها وتجسیدها للآداب الاسلامیة والقیم الاخلاقیة الرفیعة التی تکره لها الاختلاط بالرجال او التکلم معهم إلا فیما یجب، لذا فهی مهما کانت بالغة ورشیدة إلا إنها فی هذا المجال قلیلة التجربة ولیس لها القدرة الکافیة فی تمیز المخادعین وذوی النیات السیئة من الرجال وممن انطوى على حیلة منهم، لذا فانها تحتاج الى صاحب الخبرة والبصیرة فی هذه الامور ولیس أقرب الیها وأخلص وداً ونفعاً لها عن والدها. فالاحتکام الى رأیه فی هذه ضرورة لازمة لها ولسلامة مستقبلها. ثالثاً: المرأة سریعة الانفعال وشدیدة التأثر بالمظاهر الکلامیة والشکلیة، وخاصة البنت الحدیث السن والتی لم تخض غمار الحیاة بعد، فقد یخدعها رجل لکلام جمیل سمعته منه، أو معروفاً أسداه الیها، وتغفل عن جوانب شخصیته الأخرى أو فی بعض الاحیان ونتیجه لانفعال العاطفی، تفقد توازنها الفکری او خطاب وجدانی من أحد الشباب من یخرجها عن سمتها وشخصیتها فلابد فی مثل هذه الاحوال من وجود فرد عاقل یحتکم الیه لمعرفة جواهر الأفراد وتمحیصهم. رابعاً: من عامة الخاطبین المبالغة والمصانعة للنفوذ الى قلب الخطیبة وذویها وفی مثل هذه الاحوال، ولأجل ان یعرف الخاطب ان علیه ان یتجاوز عقبة الأب للوصول الى البنت، وانها درة ثمینة لایمکنه الحصول علیها بسهولة أو بالمراوغة. (1) وسائل الشیعة، ج14، ص206، ح3، الحر العاملی، بحارالانوار، ج32، ص93. (2) (3) (4) تهذیب الاحکام، الطوسی، محمد بن الحسن، 7/379. (5) الکافی فی الفقه، تقی الدین من نجم الدین المعروف ابوصلاح الجلبی المتوفی 447هـ، 292، ونحوه فی جواهر الکلام. 89: 183 – 182. (6) جامع المقاصد 12/103 – الکافی فی الفقه/ 292. | ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,805 |
||