الرد الإیرانی بالصواریخ والطائرات المسیّرة على الکیان الصهیونی بدایة لتشکیل معادلات أقلیمیة جدیدة | ||||
PDF (379 K) | ||||
مساء یوم السبت الموافق لـ(13/أبریل2024م)، شنّت الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة عملیة عسکریة واسعة النطاق ضد الإحتلال الصهیونی، تحت مسمى «الوعد الصادق»، والتی تُعد نقطة تحول فی تاریخ غرب آسیا، وتعتبر عملیة دفاعیة شاملة وفقاً للقوانین الدولیة ومبادئ الدفاع عن النفس المنصوص فی المادة (51) من میثاق الأمم المتحدة، والتی جاءت رداً على الإعتداءات المتکررة والهجمات العسکریة الصهیونیة، وإنتهاکها للمعاهدات الدولیة فیما یتعلق بإغتیال مستشارین عسکریین رسمیین متواجدین فی سوریا بدعوة من الحکومة السوریة، Top of Formووالإعتداءات الأخیرة على الأماکن الدبلوماسیة الإیرانیة فی سوریا، الهدف من هذه العملیات تحقیق الردع وتذکیر العدو بمکانة وحقوق الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة، لمنع تکرار الإعتداءات العدوانیة فی المستقبل، فکان لا بد من اتخاذ إجراءات عسکریة لعرض الهیبة الإیرانیة وتعزیز الردع ضد أی إعتداء جدید. العملیة التی نفذتها جمهوریة إیران الإسلامیة بالطائرات المسیّرة والصواریخ أظهرت أنها ما زالت تتبع سیاسة دفاعیة ترکز على الردع من خلال أربعة عناصر رئیسیة وهی: (القدرة، الإرادة، إیصال الرسائل، والتصرف العقلانی)، والهدف من الهجمة هو منع تنفیذ إعتداءات عسکریة من قبل الکیان الصهیونی، کما أن استراتیجیة الردع لیست لغرض إعلان الحرب، بل لمنع وقوع الحرب والحفاظ على السلام ولإقناع الطرف الآخر بأن الحرب هی الخیار الأقل فائدة والأکثر تکلفة من بین الخیارات المتاحة، وسعت الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة عرض إرادتها وشجاعتها، لإیجاد الردع وتحطیم الوهم وإمکانیة الرد بشکل مباشر ومناسب على الکیان الصهیونی. ان عملیة الوعد «المحدودة والمعقدة والناجحة» من قبل الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة، أسقطت الهیبة المستمرة للعدو منذ (76) عاماً، وغیرت القواعد التی کانت تحکم جمیع المعادلات السابقة فی المنطقة، من خلال رد فعل لائق، ومتناسب، وردعی لأعمال التطرف الصهیونی، وذلک مباشرةً من عمق الأراضی الإیرانیة وسعت من خلال هذه العملیة النوعیة إلى تغییر قواعد اللعبة فی المنطقة، وتغییر حسابات الکیان الصهیونی التی کانت تعتقد أن الهجوم هو الخیار الأفضل فی مواجهة طهران. المعنى الإستراتیجی لعملیة «الوعد الصادق» الناجحة أن زمن «الصبر الإستراتیجی» فی وجه التطرف الصهیونی قد ولى، وأن الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة حطمت استراتیجیة الکیان الصهیونی المبنیة على «الحرب بین الحروب»، التی کانت تـَحَکُمُ منطقتنا لفترة تقارب العقد، الآن تغیرت المعادلة الإستراتیجیة: «أی هجوم أو إستهداف لقوات أو المصالح الإیرانیة سیواجه بالرد المناسب والمباشر». أظهرت عملیة «الوعد الصادق» بالطائرات المسیّرة والصواریخ أن أمن وإستقرار الکیان الصهیونی لن یعود إلى ما کان علیه قبل ۱۳ أبریل، بالإضافة إلى ذلک، کان الرد علاجاً لجراح الشعب الفلسطینی، وبشکل خاص لسکان غزة الذین یعیشون تحت القصف الشدید والهمجی من قبل الإحتلال الصهیونی منذ أکثر من ستة أشهر، مما أدى إلى إستشهاد أکثر من 34 ألف شخص، من النساء والأطفال والشباب الفلسطینیین. «الوعد الصادق» کان عملاً شجاعاً وحاسماً وذکیاً ومحدوداً وفعالاً من قبل الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة، و بلسماً لقلوب المظلومین فی فلسطین، الذین أحتفلوا فی الشوارع بعد سماعهم بأنباء الرد الإیرانی ورؤیة الطائرات المسیّرة والصواریخ الإیرانیة فی سماء فلسطین المحتلة. فی الوقت الذی أعلنت فیه الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة استعدادها للرد على الهجوم الإرهابی للکیان الصهیونی على مبنى قنصلیتها فی سوریا، بدأت السلطة الأمریکیة إلى اللجوء للتحالف مع دول أخرى على أمل إبعاد العملیة الإیرانیة عن الرد المؤثر، ومع ذلک قررت الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة اتخاذ إجراءات رادعة لهذا الرد، بهدف معاقبة الکیان الإسرائیلی ومنعها من القیام بمثل هذه الأعمال فی المستقبل. فی الحقیقة أن الکیان الصهیونی هو المبادر للتصعید العسکری، والإعتداء على القنصلیة الإیرانیة فی دمشق خیرُ دلیل، وهو ما أشعل فتیل التوتر، وکان یتعین على الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة الرد، وأعلنت طهران من خلال الدول العربیة أنّ «إذا ردّت الولایات المتحدة الأمریکیة بعد رد إیران على إسرائیل بهدف توسیع الصراع، فسیتم استهداف قواعدها فی المنطقة»، کانت رسالة إیران واضحة: «سنرد على أی قوى تهاجمنا، لذا لا تجبرونا على مواجهتکم» ، وکانت هذه الخطوة نوعاً من العقاب للمعتدی، على الرغم من التحذیرات الصریحة من القوى الکبرى الغربیة للجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة بشأن هذه الخطوة، والتی تمثل «عرضاً للقوة» من الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة على نطاق یفوق تصور الغرب. قبل أن تحطم الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة رادارات ونُظُم الدفاعات الجویة متعددة الطبقات للکیان الصهیونی-الأمریکی یوم السبت 13 أبریل، کانت قد مرت بمرحلة من الدفاع السیاسی الأمریکی، الضربة التی وقعت یوم السبت کانت بمثابة تعبیر عن قوة الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة، «حجم الهجوم الصاروخی والطائرات المسیّرة من الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة على الکیان الصهیونی لم یسبق له مثیل فی تاریخ المعارک المعاصرة»، فی الواقع عملت الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة على تشویش وتشتیت نظام الدفاع الإسرائیلی بموجات من الطائرات المسیّرة لفتح المجال أمام الصواریخ البالیستیة والکروز وضرب أهدافها. ولم تتمکن إسرائیل برغم من إستخدامها لثلاثة أنظمة لدفاعاتها الجویة متعددة الطبقات مثل: (القبة الحدیدة ، مقلاع داود ، ارو(السهم)) وما عندها من الرادارات، بالإضافة إلى أنظمة الدفاعات الجویة «الأمریکیة والبریطانیة والفرنسیة والأردنیة والکردیة العراقیة» التی کانت لها الدور المباشر فی الإبلاغ وتتبع الطائرات المسیّرة الإیرانیة من صد الصواریخ الایرانیة وان ، وقسم کبیر من هذه الصواریخ والطائرات المسیّرة تمکنت من الوصول إلى أهدافها بدقة بعد تجاوز کل هذه الأنظمة الدفاعیة. الصواریخ المجنحة الإیرانیة أصابت قواعد جویة فی نواتیم (مرکز قوة الجو الإسرائیلیة) ورامون فی جنوب فلسطین المحتلة (فی منطقة النقب، التی تبتعد قلیلا عن مفاعل دیمونا النووی والتی تضم طائرات إف-35)، وقاعدة المراقبة الإلکترونیة «مرکز المعلوماتیة لجهاز الموساد» فی منطقة ام الفحم (بین میناء حیفا وتل أبیب)، وکذلک قاعدة عسکریة فی حرمون الجولان (بإعتبارها القاعدة الجاسوسیة التی قامت بتنفیذ الهجوم على المبنى الدبلوماسی الإیرانی فی دمشق). هذا الحدث الذی لم یسبق له مثیل فی العقود السبعة الماضیة، وکان من الناحیة التقنیة والتطبیقیة ومن ناحیة التخطیط، ومستوی التنفیذ، یتمتع بدرجة کبیرة من التنسیق والنجاح، فی إستهداف قواعد عسکریة فی جنوب ووسط الأراضی المحتلة، فی الوقت الذی لم ترَ إیران ضرورة لإستخدام إمکانیاتها الصواریخیة والطائرات المسیّرة المتطورة مثل الصواریخ فائقة الصوت وبعض الأسلحة التی لم یتم الکشف عنها بعد، وکان تخطّی الطائرات المسیّرة والصواریخ لأنظمة الدفاعات متعدد الطبقات الإسرائیلیة وحلفائها حدثاً غیر مسبوق ویحمل فی طیاته محاسابات أقلیمیة جدیدة. وقد قامت ایران فی أول هجوم مباشر لها علی اسرائیل بإطلاق أکثر من (300) طائرة مسیّرة وصاروخ، یتضمن (185) طائرة مسیّرة، و(36) صاروخ کروز، و(103) صاروخ بالیستی أرض-أرض، من عمق الأراضی الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة على إسرائیل بهدف عرض قدرات وإمکانیات الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة العسکریة، بالإضافة إلى الإستفادة من هذه الفرصة الإستثنائیة لمعرفة نقاط ضعف نظام الدفاع متعددة الطبقات الإسرائیلیة وحلفائها، وکانت عملیة جمع المعلومات والمعطیات مفیدة للجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة. کما أظهرت العملیة المذکورة عجز أفضل أجهزة الرادارات التجسسیة و الأنظمة الدفاعیة الصاروخیة المتطورة فی العالم، عن مواجهة الصواریخ والمسیرات الإیرانیة، وکما اختبرت الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة فی هذه العملیة بالتزامن «امکانیاتها وقدرتها» و»القدرات الدفاعیة لجبهة إسرائیل». بحیث تم اعتبار هذه العملیة اکبر عملیة فی التاریخ بالطائرات المسیّرة والصواریخ مقابل أکبر الدفاعات الجویة ومضادات الصواریخ، وقد تم تنفیذ هذا الدفاع الصاروخی بالتعاون الواسع مع أنظمة الدفاعات الجویة الإسرائیلیة وحلفائها من الدول العربیة المؤیدة للتطبیع، وفرنسا وبریطانیا والولایات المتحدة بکل قدراتهم وإمکانیاتهم، اضافة الی ذلک برهن الهجوم الإیرانی المباشر علی تفوق القدرة الهجومیة للأسلحة الایرانیة مقابل القدرة الدفاعیة لإسرائیل التی تحظی بالدعم الکامل الأمریکی والفرنسی والبریطانی (الناتو) والأردن. ولو کانت إیران تسعى لقیمة عسکریة، فمن الناحیة المنطقیة للعملیات،کانت ملزمة بمراعاة مبدأ المفاجأة، ولکن الطائرات المسیّرة المرئیة ومجموعات الطائرات المسیّرة الإنتحاریة کبدایة لهذه العملیة تشیر إلى الأهمیة النفسیة والسیاسیة لهذا العمل، کما ان ابلاغ دول المنطقة بهذه العملیة قبل (72) ساعة من بدء هذه العملیة یبرهن فی نفس الوقت على الرد المسؤول للجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة وقدرتها علی ضبط النفس بعدم استهداف المراکز الإقتصادیة أو البنى التحتیة للمدن، والترکیز فقط على المواقع الأمنیة والعسکریة وهذا بدوره یؤکد ایضاً على الإرادة السیاسیة لهذه العملیة. وهذه الدّقة فی العملیة ، والتفوق فی اختیار الأهداف وتفادی المضادات الجویة الإسرائیلیة، واستخدام مجموعة متنوعة من الصواریخ والمسیّرات، والنجاح فی التخطیط الجغرافی الواسع، وإکتساب المعلومات حول نظام الدفاع الجوی الإسرائیلی والقدرة على التعامل مع التوترات الإقلیمیة بشکل فعال، کلها تشیر الی نجاح الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة فی تنفیذ هجومها على الکیان الصهیونی ،اذ کان الهدف من هذه العملیة النوعیة هو عرض وإثبات القوة الإیرانیة لبعض الدول فی المنطقة، بما فی ذلک إسرائیل والعالم، ولأول مرة سجلت إیران مشاهد تاریخیة، مثل عبور الصواریخ فوق المسجد الأقصى، ونجحت فی جعل إسرائیل هدفاً وان تحطم الهیمنة الصهیونیة. واما عن تداعیات هذالعملیة العسکریة الناجحة التی شنتها ایران فی 13 نیسان/أبریل فنلاحظ ان هذه العملیة ، أدت إلى زیادة شعبیة إیران فی الرأی العام فی منطقة غرب آسیا بسبب إرادتها القویة ودعمها لفلسطین. وفی أعقاب هذه العملیة، زاد الدعم لجمهوریة إیران الإسلامیة بین الفلسطینیین والمجتمعات العربیة الإسلامیة. ومع الهجمات المباشرة على إسرائیل، اکتسبت إیران مصداقیة سیاسیة وأمنیة جدیدة ودخلت مرحلة جدیدة من حیاتها السیاسیة. ومن الآن فصاعداً، لن یکون لدى دول المنطقة فحسب، بل أیضاً لدی دول خارج المنطقة، حسابات جدیدة حول الدور الذی تلعبه إیران فی المعادلات الإقلیمیة والدولیة. وفی الوقت نفسه، برزت مساحة جدیدة للجهات الفاعلة الإقلیمیة لمواصلة اللعب فی المنطقة الرمادیة بمزیج من عدم التماثل والغموض والسیاسات التدریجیة وإبقاء صراعات المنطقة الرمادیة تحت عتبة الحرب التقلیدیة. لقد حدد الرد الإیرانی القواعد الجدیدة للعبة فی الشرق الأوسط وأعاد تحدید خط أحمر جدید فی الحرب الباردة التی دامت 45 عاماً بین إیران وإسرائیل. وبهذه الطریقة، أظهر هجوم الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة حدود الردع الأمریکی، وأضعف قوة الردع الإسرائیلیة، وبرهن للجمیع هشاشة القدرات الدفاعیة لهذا الکیان ، وأبرز حاجة هذا الکیان الغاصب إلى الاعتماد أکثر علی الولایات المتحدة فی الدفاع عن نفسه. | ||||
الإحصائيات مشاهدة: 82 تنزیل PDF: 25 |
||||