الإمــــــــــام الراحــــــــل والتغیــــــیر الاجتماعی | ||||
PDF (372 K) | ||||
إنّ صورة المجتمع التی أرادها الإمام الخمینی الراحل فی إیران والعالم الإسلامی کله هی نفسها الصورة التی رسمها الإسلام للمجتمع الإسلامی، وأن تغییب ملامح منهجه(قدس سره) العملی سیحرم الأمّة من أثرى وأغنى تجاربها، وسیقلّل من فرص الاستمرار بالنجاح الذی آلت إلیه حرکته المبارکة، وُستحرم بالتالی مراکز التأثیر الاجتماعی من عناصر القوة التی تمکنها من الاستمرار فی صیانة المجتمع الإسلامی الملتزم. فما هی أسس منهج الإمام الخمینی فی التغییر والتحصین الاجتماعی التی ینبغی على القوى المسؤولة أن تتبعها لکی یستکمل المجتمع عملیة استعادة ثقافته الأصلیة وسلوکه الإنسانی النبیل؟ إنّ کلمات وتوجیهات الإمام الراحل تتضمن خلاصة فکره فی تأسیس دور للأوساط المعنیة، یحملها مسؤولیة الحفاظ على صورة المجتمع الإسلامی، والسعی الفعلی لا مجرد الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر بصورتها العامّة، بل فی التدخل العملی لمواجهة ومنع آثار الغزو الثقافی وتدخّله فی بنیة المجتمع الإسلامی الإیرانی، سواء أیام الحکم الطاغوتی البائد أو بعده. فالرسالة الاجتماعیّة تتجدد بفهم الإسلام الصحیح، والعمل على توریث المجتمع سلوکیاً واعیاً للأجیال القادمة. ولا یخفى أنّ الإمام الراحل أراد ـ فیما أراد ـ من المرأة أن تبادر إلى الفعل والتغییر لواقع تعتبر هی، وبالظروف الشرعیة، أنّها مظلومة أو لا تستطیع العیش فیه. وقد وصف إمامنا هذا السبیل الشرعی بأنّه طریق سهل أمام المرأة. وفی سیاق حدیث الإمام الخمینی عن المرأة یضع فعل کلّ الحرکات الإصلاحیّة والاجتماعیّة فی کفة، وحرکة المرأة الصالحة فی المجتمع فی کفة أخرى موازیة للأولى، لا بل أنّ مبرّر وجود الحرکات الأولى ینتفی بمجرد أداء المرأة لدورها الإصلاحی والتربوی. وفی هذا إشارة إلى عنصر قوة داخلی فی المجتمع الإسلامی الذی یتطلّع الإمام (قدس سره) إلى تغییره، وهو حرکة المرأة فصلاح أی مجتمع وفساده منوطان بصلاح نسائه وفسادهن، فالمرأة هی الوحیدة القادرة على أن تربّى فی حجرها أفراداً صالحین للمجتمع، وقد یکون هؤلاء السبب فی سموّ المجتمعات واستقامتها، وفی الوقت نفسه، یمکن للمرأة أن تربّى أفراداً على العکس من ذلک تماماً، کما ورد ذلک فی إحدى خطابات الإمام الراحل. ولکن أی قاعدة ینبغی أن تنطلق منها المرأة لتکون صالحة فی فهم الإمام؟ نقرأ ذلک فیما طلبه من زوجته بعد الزواج، وهو التزام الواجبات الشرعیة، والابتعاد عن الحرام فقط، ولا دخل له فی ما تقوم هی به من المستحبات والمباحات، أما فی الشؤون الخاصة، فإن لزوجته فی ذلک کامل الحرّیة. وإذا کانت رؤیة الإمام الخمینی لصلاح المرأة المسلمة هو هذا، فکیف تراه ینظر إلى صلاح المرأة غیر المسلمة؟ یجیب الإمام على طلب فتاة أوروبیة بالنصح لها: حاولی أن تکونی مفیدة للمجتمع، حاولی أن لا تخضعی للقوة الشیطانیّة، حاولی أن تکونی إنسانة ملتزمة. لقد تنبّه الإمام (رضوان الله علیه) إلى الأسلوب الاستکباری الأثیم لإفساده المرأة، ولذا نجده قد خصّ المرأة المسلمة بجانب کبیر من اهتماماته وتوجیهاته، حتى غدت المرأة المسلمة ـ لیس فقط حاضنة جیدة وزوجة صالحة ومدبرة بیت منظمة ـ بل بطلة ثائرة على الظلم والطغیان، وعنصراً جوهریاً فی التصدی للکفر، وإسقاط النظام المقبور، حیث قدّمت النساء أنفسهن بسخاء، وشجعن أولادهنّ وأزواجهنّ على المضی فی طریق الشهادة فی سبیل الإسلام. یقول (قدس سره) بهذا الصدد: إننی أعتز بنساء إیران المکرّمات، إذ حصل فیهن ذلک التحول الذی استطعن به إحباط الخطط الشیطانیّة التی دامت لمدة تفوق الخمسین عاماً. ومضى قائلاً: النصر والعزة للنهضة الإسلامیّة لنساء إیران المعظمات، والفخر لهذه الفئة العظیمة التی ساهمت کثیراً فی انتصار الثورة بحضورها بکل بسالة فی ساحة الدفاع عن الوطن الإسلامی والقرآن الکریم. ولبیان مزید اهتمام الثورة الإسلامیّة بالمرأة الإیرانیّة المسلمة، فقد أفرد لها عنوان خاص فی مقدمة دستور الجمهوریة الإسلامیّة هو (المرأة فی الدستور)، ومما جاء فیه: فی ظل بناء المجتمع الإسلامی، لابد للطاقات البشریّة والتی ظلت حتى الیوم فی خدمة الاستغلال الأجنبی أن تستعید هویتها الحقیقیة وحقوقها الإنسانیّة. والمرأة باعتبارها عانت المزید من ظلم النظام الطاغوتی، فمن الطبیعی أن تنال القسط الأوفر من هذه الحقوق. وتشارک المرأة فی میادین الحیاة العملیة الى جانب الرجل فی إطار الإسلام. کما ضمنت المادتّان: (20 ـ 21 ببنودها الخمس) جمیع الحقوق المادیّة والمعنویّة للمرأة المسلمة فی الجمهوریّة الإسلامیّة الإیرانیة. إنّ الاستکبار العالمی الحاقد لم یفلح فی إخضاع الأمّة الإسلامیّة وقهرها، إلا عندما عمل على تحطیم العنصر الأخلاقی فی نفوس أبنائها، من هنا تنّبه الإمام الراحل إلى هذه الحقیقة الجوهریّة، فوجه جزءاً کبیراً من طاقته نحو ضرورة تدعیم الأخلاق، ووضع أسس تربیة أخلاقیّة متینة، والعمل على تحصین المجتمع ضدّ مزالق التحلّل والمیوعة والتهتک، ودفعه نحو تصعید روحیّته، وذلک انطلاقاً من مسؤولیّته القیادیّة للأمّة، فشدّد على ضرورة تهذیب المجتمع ـ نساءً ورجالاً ـ وترویض أنبائه أخلاقیّاً وروحیّاً حتى تصبح لدیهم الأهلیة لتربیة الجیل القادم، ولذلک نجده (قدس سره) یخاطبهم فی کتابه القیم(جهاد النفس)، قائلاً: قد تمتدّ أیدی السوء، وتنفث السموم من أجل تقلیل الاهتمام بالشؤون التربویّة وبرامج الإصلاح، وتعیب على ذوی المقام العلمی أن یمارسوا القیام بدور التوجیه. وألحّ الإمام الراحل على العلماء بالذات لیتّصفوا بالخصال الحمیدة والصفات الخُلقیّة السامیة، ویخلصوا نیّاتهم لله باعتبار أنّهم القدوة والأسوة، فإذا کانوا کذلک فإنّ الأمة ستقتفی آثارهم، وتنشدّ نحوهم، ممّا یکون له أکبر الأثر فی تربیتها والتزامها بآداب الإسلام العظیمة التی تکفل للإنسان سعادة الدارین، وتحوّل المجتمع الإنسانی إلى مجتمع نظیف طاهر، وتقربه إلى مرتبة المجتمع المثالی فی الأرض. لاشکّ أنّ المجتمعات الإسلامیّة تحفل بالمشاکل الأسریّة والاجتماعیّة، ولیس ذلک بسبب الابتعاد عن الإسلام فحسب، بل أیضاً، بسبب القول المغایر للفعل، والفعل الذی لا یستند إلى المبدأ، وفی الإسلام نجد الکثیر من التفاصیل لضبط حیاة الأسرة والمجتمع على النسق الإسلامی، فیبقى أن المشکلة هی فیمن یطبق، وفیمن یقول ویفعل. ولقد کان الإمام الخمینی الراحل خیر من قال، وعمل بالإسلام فی عصرنا هذا، وخیر أسوة وقدوة تقارب سیرتها بالإطلاع والمعرفة، وتقارب مرتبتها بالسعی المستمر على نهجها. | ||||
الإحصائيات مشاهدة: 125 تنزیل PDF: 33 |
||||