دبلوماسیة الاربعین و القوة الایرانیة الناعمة فی بلورة القیم الاخلاقیة والاجتماعیة | ||||
PDF (122 K) | ||||
یؤکد الدین الاسلامی على المناسک الجماعیة جنباً الى جنب مع الاهتمام بالمناسک الفردیة، وذلک لإرساء التقارب والتعاضد وبلورة الامة الاسلامیة الواحدة. وان نفس هذا التأکید یستبدل مسیرة الاربعین من مناسک فردیة، الى تحرک شعبوی تشارک فیه عشرات الملایین، ویمدها بحیاة سیاسیة وثقافیة خاصة، وحتى انها تخلق تحرکات واسعة على الصعید الاقتصادی بین الشعبین الایرانی والعراقی. مسیرة الاربعین عبارة عن شعائر اسلامیة، تکمن عظمتها وجذابیتها باحتضان اتباع الادیان الاخرى بما فیهم المسیحیون وضمّهم الى صفوف الاربعین، بل واستطاعت ان تبدل البعض الى رائد للتعریف بالاسلام الاصیل ونهج أهل البیت والمدرسة الفکریة لعاشوراء. ولا یخفى ان مثل هذه المناسک الجمعیة العظیمة، إنما هی من سیاق الحیاة الاجتماعیة للتشیع، ای نابعة من التحرک المعارض للغطرسة السیاسیة الاستکباریة، ولعل من ابرز واهم تداعیاتها: تجسید الهویة، وبناء الرمز، والتعاون والتعامل الثقافی والاجتماعی. ان هذا التحرک الخاص وبوحی من أبعاده الدینیة والاجتماعیة والثقافیة والسیاسیة، یستعرض صورة الاسلام الجماهیریة الشعبویة، التی تفضی الى خلق وایجاد نوع فرید من الدبلوماسیة، تحاول فی کل عام البرهنة على طاقاتها وقدراتها فی التعبیر عن نفسها بنحو متجدد یستحوذ على الاهتمام ویبهر الابصار. ان دبلوماسیة الاربعین تبذل ما بوسعها لتقدیم صورة سلیمة عن قیام عاشوراء والایمان بالولایة، ورسم صورة واضحة لتوحد الامة الاسلامیة. وفی هذا الصدد لا تغفل عن لفت الانظار الى العناصر الثقافیة لتعریف شعوب العالم بالصورة الحقیقیة للاسلام والتشیع. وفی هذا الصدد یقول سماحة القائد: " الشعائر تتمحور فی الاساس حول الظواهر، ولفت الانظار، والاستعراض وابقائها حیة ماثلة للعیان " (آیة الله الخامنئی، ٨ / ٦ / ١٣٨٤ شمسی). فی الحقیقة ان دبلوماسیة الاربعین الثقافیة تتمحور حول استخدام العناصر الثقافیة لإیصال الصورة الحقیقیة لنهضة سید الشهداء الى شعوب العالم، وبذلک تلفت الانظار الى هذا التحرک العظیم الذی یعبّر عن نجاح وموفقیة الدبلوماسیة الثقافیة للاربعین. وعلى حد تعبیر سماحة القائد، ان مسیرة الاربعین باتت تشکل جانباً من الشعائر الالهیة. وفی ذلک یقول سماحته : " ان هؤلاء الذین یقطعون کل هذا الطریق، ویقومون بهذا التحرک الایمانی المفعم بالمحبة والعشق، هم فی الحقیقة یؤدون حسنة من الحسنات. فهو عبارة عن شعیرة عظیمة، ولا شک انها من شعائر الله، فلا تُحِلّوا شَعائِرَ الله ". (آیة الله خامنئی، ٩ / ٩ / ١٣٩٤). دبلوماسیة الاربعین وعالمیة قیم الاسلام الاخلاقیة والاجتماعیة من نتائج دبلوماسیة الاربعین، عالمیة القیم الاخلاقیة والاجتماعیة. ذلک ان التعایش السلمی بین عشرات الملایین فی أیام الاربعین فی ظروف واحدة وبطبیعة الحال صعبة، بعیداً عن النظرة القومیة، والعشائریة، والقبلیة، والاهم من کل ذلک هو اعتبار هذا التحرک الجماهیری البحت، الذی لا یتوانى عن خدمة زائری أبی عبد الله الحسین، مدعاة للفخر والاعتزاز، ویلیق بان یتعرف العالم علیه. وفی هذه الاثناء یضطلع اللاعبون بأداء دور محوری ملفت فی هذا الصدد، حیث یتولون مهمة مواصلة دور المشارکین والتوجهات المحوریة على الصعید الدبلوماسی. المعنیون بدبلوماسیة الاربعین ان لساحة الاربعین الدبلوماسیة نشطاء یعملون على إیصال رسائل هذا الحدث العظیم الى شعوب العالم. ولاشک فی ان اهم وابرز لاعب فی هذا المیدان الدبلوماسی هو ایران والایرانیون.. دبلوماسیة الاربعین حافلة بالحلول التی تتمحور حول التقارب الاقلیمی بین الدول الاسلامیة. لقد استطاعت ایران بوحی من دبلوماسیة الاربعین، لفت انظار العالم الى أمة اسلامیة حدیثة تستحوذ على تأمل واهتمام دولیین. فی عالم الیوم ان هذا النوع من الدبلوماسیة، الذی یمکن النظر الیه بمثابة دبلوماسیة عامة ایضاً، یمکن الاستعانة به للاستحواذ على الرأی العام العالمی بدلاً من القوة الاقتصادیة والعسکریة، وتمهید الارضیة المناسبة لبروز القوة الناعمة. ان ایران باعتباها ابرز لاعب فی الساحة الدبلوماسیة الخاصة بالاربعین، استطاعت ان تستخدم طاقاتها وقدراتها لنشر رسالة الاسلام للعالم بأبهى صورة. وبطبیعة الحال ان الارتقاء بمتطلبات ارساء اسس وقواعد ترسیخ عالمیة الاربعین بمثابة ضرورة، یتطلب المزید. ولاشک ان تأسیس وسائل اعلام عالمیة تتحدث اللغة الانجلیزیة، تتولى مهمة تبیین مواقف الاسلام السیاسیة والاجتماعیة والاخلاقیة، یعد احد ابرز السبل والاسالیب القادرة على تحویل التهدیدات الغربیة الناعمة المناهضة للاسلام، الى فرص لنشر الاسلام وتوسیع دائرة نفوذه. دبلوماسیة الاربعین باعتبارها احد وسائل استخدام القوة الناعمة للاضطلاع بدور فاعل ومؤثر فی التعریف بتوجهات الثورة الاسلامیة المناهضة للاستکبار، وترویج رؤیتها الکونیة فی اوساط الدول الأخرى، القادرة ـ دون ادنى شک ـ على توعیة الجماهیر، سیما المستضعفین، لمواجهة المستکبرین والتصدی لمخططاتهم. و من ناحیة ثانیة، ان هذه الدبلوماسیة تفضی الى المزید من التقارب والتعاضد والتوحد بین المسلمین خاصة الشعب العراقی، ولا یخفى مدى اهمیة ذلک فی ثبات واستقرار المنطقة. دبلوماسیة الاربعین الفاعلة والمؤثرة، قادرة على ارساء قوة واقتدار ایران والدول الاسلامیة على الصعید العالمی، خاصة ترسیخ هذا الاقتدار یعتبر اکثر تأثیراً واستحکاماً بالنسبة لایران. ذلک ان ایران تعمل سنویاً على توفیر الامن لهذا الحدث العظیم. وینبغی ان لا ننسى ان دبلوماسیة الاربعین تعمل على انتقال القیم الاخلاقیة والاجتماعیة لنهضة سید الشهداء الى العالم بشکل ثابت وبکلفة أقل .. القیم التی تشکل جذور الثورة الاسلامیة. ولعل مقارعة الظلم، وارساء العدالة، والامر بالمعروف والنهی عن المنکر، والثبات فی مواجهة الاستکبار والتصدى لغطرسته، تعد من ابرز الرسائل الاخلاقیة والاجتماعیة لدبلوماسیة الاربعین، التی تشکل بمثابة ادوات القوة الناعمة التی هی فی متناولة اللاعبین فی میدان الاربعین. وان الاستخدام السلیم وفی الوقت المناسب، باستطاعته التغلب بکل بساطة على المصادر التقلیدیة للقوة، بما فی ذلک القوة العسکریة والاقتصادیة. وفی ضوء کل ذلک، یمکن ان نعی اهمیة دبلوماسیة الاربعین فی تغییر ماهیة القوة، وایجاد تنوع فی اللاعبین الدولیین. وفی الحقیقة ان دبلوماسیة الاربیعین تعتبر بالنسبة للمعنیین بها اوسع منظومة لانتاج الثروة الثقافیة، وبامکانها ارسال رسائل سیاسیة واخلاقیة واجتماعیة عمیقة الى العالم. الابعاد الاستراتیجیة القدوة المقدسة لمسیرة الاربعین، سواء کانت ولیدة مسیرة جابر بن عبد الله الانصاری، او الاقتفاء بمسیرة السیدة زینب (سلام الله علیها) ومن کان معها فی رحلة العودة الى المدینة ؛ فهی تهدف الى تعریف العالم بهویة التشیع، واحیاء التمحور حول أصل الولایة، ومحاولة التصدی للظلم، ومحاربة الفساد الاخلاقی والاقتصادی. والاستراتیجة الابرز فی هذا الصدد، تتمثل فی ترسیخ المزید من تداعیات هویة التشیع، والابتعاد عن اختلاق القصص ومحاولة زیادة الهوة والابتعاد عن حقیقة ما جرى فی واقعة الطف وفی کربلاء. ولاشک ان الامام الحسین واصحابه، هم اکثر القدوات الحقیقیة لیاقة وتأهیلاً بالنسبة لجمیع الاحرار. علماً ان الاستعانة بالاساطیر والخرافات لنشر نداء الاربعین والتعریف برسالة عاشوراء، یعد آفة الدبلوماسیة الاربعینیة. البعد الاستراتیجی الآخر، هو تنزیه المنابر من الخرافات والاخطاء الاستراتیجیة بالنسبة لقیام عاشوراء. وبالتالی فان الاستراتیجیة الابرز والاهم هی تلک التی تتمتل فی محاولة دراسة شخصیة الامام الحسین واصحابه بکافة ابعادها. ذلک ان حیاة الامام الحسین السیاسیة والاجتماعیة والاخلاقیة لا تقتصر على العاشر من محرم، وطالما اقتصر وعینا لموقف للحسین وفهمنا لواقعة عاشوراء، فاننا لن نوفق فی نقل ندائه ورسالته الى شعوب العالم. ان التضامن، التناغم والانسجام، الرأفة والمودة، العواطف، التسامح، التعاضد، الهم المشترک، الضیافة، الشعور (الجمعی)؛ کل ذلک بإمکانه تحویل مسیرة الاربعین الى منبع عظیم للقوة الناعمة بالنسبة للعالم الاسلامی، والاستفادة منها بمثابة آلیة فاعلة ومؤثرة للتحرک باتجاه تقارب العالم الاسلامی وتعاضده. والامر الهام هو التأکید على اهمیة الاستفادة من الطاقات الکامنة فی الاربعین لتعزیز عالمیة الاسلام وتحقق التقارب الاقلیمی والدولی، اضافة الى الاستفادة من التوجهات الثقافیة والاعلامیة بالنسبة لموضوع التقارب، والتأکید على الدبلوماسیة الثقافیة التی لا تتحقق دون الاخذ بالاعتبار الاستراتیجیات آنفة الذکر. کلنا أمل فی ان یتمکن الناشطون فی الساحة السیاسیة، وذلک عبر البرمجة والتخطیط واتخاذ الاجراءات المناسبة، وعن طریق الانشطة الثقافیة والاعلامیة، من اتخاذ خطوات فاعلة ومؤثرة على طریق ایجاد قوة اقلیمیة وعالمیة تترجم الاسلام الحقیقی، وتعمل على ترویج وتعمیق المعارف والتعالیم الاسلامیة الاصیلة، وارساء التقارب ومتطلبات وحدة الامة الاسلامیة، والتخلص من الصورة غیر المناسبة وغیر الواقعیة عن الاسلام، التی عملت على الترویج لها بعض الدول الغربیة من خلال حملاتها الاعلامیة الواسعة والمسعورة. | ||||
الإحصائيات مشاهدة: 51 تنزیل PDF: 33 |
||||