خدمة الناس فی فکر الإمام الخمینی(قدس سره) | ||||
PDF (2665 K) | ||||
لطالما کانت الخدمة هی الهم الشاغل والشعار الذی یختصر حرکة الإمام الخمینی (رض)، حتى أنس الإمام کلمة خادم وکان یلقب نفسه بهذا اللقب ویصر علیه ویردد أننی خادم لها الشعب ولهذه الأمة ولهذا الدین... الخدمة کانت تعنی الکثیر للإمام الخمینی (رض) لیس على مستوى المفاهیم والکلمات فحسب بل حتى على مستوى الممارسة والحیاة، کانت أیامه وساعاته بل لحظاته وأنفاسه تحمل فی طیاتها کل أنواع الخیر والبرکة للمجتمع وللأمة وللأفراد فرداً فرداً. من منا لم تدرک عینیه ومضة من بریق نهجه، وهو الطبیب الذی استطاع أن یزیل رمد عیوننا ویطلق سراحها من أسر الظلمات بمسحة من یدیه المبارکتین!
أهمیة الخدمة:خدمة الناس هدف الأنبیاء إن لخدمة الناس مکانة خاصة عند الله سبحانه وتعالى أکدت علیها الکثیر من النصوص الإلهیة، وما إرسال الأنبیاء وإنزال الکتب إلا خدمة للناس کما تشیر إلیه الایات القرانیة الکریمة، حیث یقول تعالى ﴿الر کِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَیْکَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِیزِ الْحَمِیدِ﴾ فالکتاب لم ینزل إلا خدمة للناس لیخرجهم من الظلمات إلى النور وقد تحمل الأنبیاء ما تحملوه من الام ومصاعب وجهاد لتحقیق هذه الخدمة، فالأنبیاء جاؤوا لخدمة البشریة. یقول الإمام الخمینی (رض): «إن لأولیاء الله والأنبیاء نفس هذا الإحساس وهو أنهم جاؤوا لهدایة الناس وإرشادهم وأداء الخدمة لهم”. إنه لأمر عظیم هذا الذی جاء الأنبیاء لأجله وأنزلت الکتب الإلهیة لتحقیقه! لقد جاء الإسلام لیخدم الناس ویرفع النواقص التی یمکن أن تکون موجودة عندهم لاسیما لدى المستضعفین منهم الذین أُهملوا فی المجتمعات البشریة، یقول الإمام الخمینی (رض): «لقد جاء الإسلام من أجل المستضعفین وأولاهم الأهمیة الأولى”. أحب الخلق إلى الله قد یتبادر إلى الذهن السؤال التالی: کیف یکون الأنبیاء فی خدمة الناس وهم أفضل الناس؟ فعندما یرید التاجر مثلاً أن یصرف مالاً فهو یصرفه فی سبیل مال أوفر وأکثر، ولیس من الحکمة أن أصرف الکثیر لأحصل على القلیل، فکیف یصح أن نجعل النبی یصرف طاقاته فی خدمة من هو دونه؟ هذا السؤال والاستغراب سیزول عندما نعرف نظرة الله تعالى إلى خدمة عباده. إن الله سبحانه وتعالى یحب خدمة الناس ویحب من یخدمهم. حیث ورد فی الروایة عن النبی الأکرم(ص): الخلق کلهم عیال الله فأحب خلقه إلیه أنفعهم لعیاله). وعن الإمام الصادق علیه السلام: «سئل رسول الله (ص): من أحب الناس إلى الله؟ قال: أنفع الناس للناس». (بحار الأنوار، ج٧١، ص٣٣٩) فالأنبیاء والأوصیاء أعمالهم وخدمتهم هی فی طریق حب الله تعالى وقربه ولا تقف فی خلفیتها عند الإنسان المستفید من الخدمة فحسب ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُکُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِیدُ مِنکُمْ جَزَاء وَلَا شُکُورًا﴾. (سورة الإنسان، الایة/٩) خدمة الناس هی خدمة لله تعالى ومن هنا فإن حقیقة خدمة الناس هی خدمة لله سبحانه وتعالى کما أکدت الروایات، فعن الإمام الصادق علیه السلام: «من قضى لأخیه المسلم حاجة کان کمن خدم الله تعالى عمره». یذکر الإمام الخمینی (رض) ذلک فی کلماته حیث یقول: «لیهیئ الأحبة الأعزاء أنفسهم لخدمة الإسلام والشعب المحروم، ولیشدوا الأحزمة لخدمة العباد التی تعنی خدمة الله”. إن حقیقة أن خدمة الناس تعنی خدمة الله تعالى هی حقیقة أشارت إلیها العدید من الروایات عن المعصومین علیه السلام. فعن الإمام الصادق علیه السلام: «من قضى لأخیه المسلم حاجة کان کمن خدم الله تعالى عمره».( الرسالة السعدیة، ص١٦٩) فحق للأنبیاء أن یفنوا أعمارهم فی خدمة البشر والبشریة ما دامت هذه الخدمة فی واقعها هی محبة وقرب من الله تعالى وتحسب کخدمة له تعالى! ومن الطبیعی أیضاً أن تنزل الکتب السماویة لأجل ذلک. یقول الإمام الخمینی (رض): «لا أظن أن هناک عبادة أفضل من خدمة المحرومین». فخدمة الناس هی عبادة تقرب إلى الله تعالى وعلینا أن نقصد بها وجهه جل وعلا خصوصاً إذا کانت خدمة نرفع بها حرمان المحرومین ونلبی بها حوائج المحتاجین. الخدمة تکلیف إلهی: الخدمة هی المسؤولیة الإنسانیة یقول الإمام الخمینی (رض): «لا تلق عن کاهلک حمل المسؤولیة الإنسانیة التی هی خدمة الحق فی صورة خدمة الخلق». یشیر الإمام الخمینی (رض) إلى أن المسؤولیة الإنسانیة التی ألقاها الله تعالى على کاهل الإنسان والتی ینبغی تحملها والإلتفات إلیها هی خدمة الناس، فالخدمة هی محور حرکة الإنسان فی هذه الدنیا. وعلینا أن لا نتخلى عن هذه المسؤولیة فی أی موقع کنا، قد تتغیر العناوین والأسماء ولکن حقیقة الأمر سترجع إلى خدمة الناس، یقول الإمام الخمینی (رض): «نحن مکلفون بإنقاذ المحرومین المظلومین، ومأمورون بإعانة المظلومین ومناوأة الظالمین کما ورد ذلک فی وصیة أمیر المؤمنین علیه السلام لولدیه: وکونا للظالم خصماً وللمظلوم عونا». ویقول (رض): «یجب علیکم الان التعاون والتعاضد والتعبئة من أجل الجهاد ضد الفقر والحرمان،وتعزموا هممکم وبتأیید الله تعالى على إنقاذ الجماهیر المستضعفة». إن هذه الکلمات وهذه التوجیهات من الإمام الخمینی تحمل الروح الإسلامیة الأصیلة، التی أشار إلیها القران والکثیر من روایات الائمة المعصومین. لماذا نخدم؟المعاناة التاریخیة للمحرومین یقول الإمام الخمینی (رض): «أوصی الجمیع ببذل سعیهم من أجل رفاهیة الطبقات المحرومة إذ أن خیر دنیاکم واخرتکم هو فی حل مشاکل المحرومین فی المجتمع الذین کانوا یعانون دوماً على طول التاریخ الملکی والاقطاعی». طالما ظلم الإنسان أخیه الإنسان فی المجتمعات وعاثت فئة صغیرة من الناس بالبلاد والعباد فساداً وعاشت الترف الغیر شرعی والأنانیة على حساب شرائح المجتمع الواسعة بشکل أفرز فی نتیجة الأمر طبقة مترفة ومرفهة صغیرة تستولی على خیرات المجتمع کله وطبقة مستضعفة محرومة واسعة منعت من حقوقها وغصب حقها على الدوام. إن علاج هذا الظلم التاریخی یحتاج إلى بذل مجهود مضاعف لخدمة ودعم المستضعفین ورفع الحرمان عنهم، ومن هنا کان للخدمة أهدافها المتعددة، التی نختصرها بما یلی: ١-إزالة الحرمان یقول الإمام الخمینی (رض): «ینبغی القول أن مجموعة التوقعات والإنتظارات الإسلامیة لأبناء الشعب من المجلس وهی إزالة المشاکل والحرمان، وتغییر النظام الإداری المعقد للدولة هی توقعات حقة ینبغی النظر إلیها”. إن إزالة حالة الحرمان من المجتمع هی من الأهداف الإسلامیة التی ینظر إلیها الفرد والنظام ویطمح إلى تحقیقها فی خدمته للمجتمع وإزالة جذور الفقر والاستضعاف، یقول الإمام الخمینی (رض): (لقد وصلنا الان إلى مرحلة حساسة من عهد ثورتنا الإسلامیة، إنها مرحلة البناء، مرحلة استفادة الجماهیر المحرومة والمظلومة الإیرانیة من ثمار ثورتنا، المرحلة التی یجب أن تلمسوا فیها عظمة النظام الإسلامی العادل، المرحلة التی یجب أن تتکاتف فیها الجهود من أجل القضاء على جذور الفقر والاستضعاف... یجب علیکم الان التعاون والتعاضد والتعبئة من أجل الجهاد ضد الفقر والحرمان وتعزموا هممکم وبتأیید الله تعالى على إنقاذ الجماهیر المستضعفة”. وقد أکد الإمام أن السیاسات یجب أن توضع لخدمة المحرومین على الدوام، یقول (رض): «لا أبقانا الله لذلک الیوم الذی تتخلى فیه سیاستنا وسیاسة مسؤولی بلدنا عن الدفاع عن المحرومین وتلتزم حمایة أصحاب رؤوس الأموال”. ٢- رفاهیة المستضعفین إن الإسلام عندما ینتقد المرفهین فهو ینتقد تلک الطبقة التی تعیش على حساب شرائح المجتمع الواسعة، والتی تجمع ثروتها على مائدة بؤس الشعوب واستضعافهم، فالإسلام فی الحقیقة یرید العدالة الاجتماعیة. أما الرفاهیة التی لا تکون على حساب المستضعفین، بل تکون لهذا الشعب بشرائحه، فهذا أمر مطلوب، وهو هدف من الأهداف، وسیکون یوم عید لنا عندما نصل إلى رفاهیة الشعوب المستضعفة، یقول الإمام الخمینی (رض): «إنه یوم عید بالنسبة لنا ذلک الیوم الذی تتحقق فیه لمستضعفینا الحیاة المرفهة والسالمة والتربیة الإسلامیة القویمة”. العامل الناجح: رصد مواضع الحاجة صحیح أن الخدمة هی للناس بشکل عام، ولکنها من جهة عملیة تابعة للحاجة، فمعنى خدمة الإنسان عملیاً أن أکفیه من حاجة واسد له نوعاً من أنواع الافتقار واکمل له نقصاً ابتلی به. وبناء علیه فالخدمة یجب أن نلاحظ فیها مواضع الحاجة، ویجب أن تکون بشکل عام للمحتاجین، یقول الإمام الخمینی (رض): «إن کل المدراء والمعنیین والزعماء وعلماء الدین فی نظام حکومة العدل مکلفون بإقامة العلاقة والصداقة والأخوة مع الحفاة أکثر منها مع المتمکنین والمرفهین، إذ أن الوقوف إلى جانب المعوزین والحفاة ورؤیة النفس مثلهم والبقاء فی مصافهم هو فخر کبیر حظی به الأولیاء”. وقد رکز الإمام الخمینی (رض) على بعض الشرائح من المجتمع وأشار إلى ضرورة خدمتهم، ومن هذه الشرائح: ١-المجاهدین یقول الإمام الخمینی (رض): «مرة أخرى أوصی المسؤولین المحترمین فی الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة وهی وصیة ونصیحة دائمة أن یعرفوا قدر هذه النعم الإلهیة العظیم وأن یعطوا الأولویة فی الظروف الحالیة وفی المستقبل البعید لهؤلاء الأعزة الذین جاهدوا وضحوا بدمائهم من أجل الإسلام”. ٢- الأرحام یذکر الإمام الخمینی (رض) فی وصیته لابنه السید أحمد رضی الله عنه: «ابذل جهدک فی خدمة الأرحام خصوصاً أمک التی لها علینا حقوقاً، واحصل على رضاهم”. ٣- المحرومین ورد فی الروایة عن الإمام الصادق علیه السلام: «أوحى الله عزوجل إلى داود علیه السلام: إن العبد من عبادی لیأتینی بالحسنة فأبیحه جنتی قال: فقال داود: یا رب وما تلک الحسنة؟ قال: یدخل على عبدی المؤمن سرورا ولو بتمرة، قال: فقال داود علیه السلام: حق لمن عرفک أن لا یقطع رجاءه منک». إن هذه الأمور التی یستصغرها الإنسان قد تکون مصیریة بالنسبة إلى اخرته، فهذه التمرة الصغیرة التی یعطیها لمحروم ومحتاج یسره بها ویفرج عنه قد تکون سبباً لسروره الخالد والدائم فی جنان الله سبحانه وتعالى! قد تصبح حاسمة فی میزان الأعمال لترجح کفة الأعمال الصالحة. فصحیح أنها قلیلة فی نظرنا ولکنها فی نظر المحروم منها أساسیة ومهمة، یکفی أن تنظر إلى الفرحة التی تظهر فی عینیه لتعرف قیمة هذه التمرة الصغیرة والعمل المتواضع عند الله سبحانه وتعالى. سئل رسول الله (ص) أی الاعمال أحب إلى الله؟ قال: «اتباع سرور المسلم، قیل: یا رسول الله وما اتباع سرور المسلم؟ قال: شبعة جوعه، وتنفیس کربته، وقضاء دینه». یقول الإمام الخمینی (رض): «من الأمور الهامة التی ینبغی أن أوصی بها الحرص على إعانة عباد الله خصوصاً المحرومین والمساکین المظلومین الذین لا ملاذ لهم فی المجتمعات فابذل ما فی وسعک فی خدمتهم، فذلک خیر زاد وهو من أفضل الأعمال لدى الله تعالى”. ویقول: «وأوصی الجمیع ببذل سعیهم من أجل رفاهیة الطبقات المحرومة، إذ أن خیر دنیاکم واخرتکم هو فی حل مشاکل المحرومین فی المجتمع، الذین کانوا یعانون دوماً على طول التاریخ الملکی والاقطاعی”. إن دعم المحرومین وخدمتهم کان من الأمور الأساسیة التی اهتم بها الإمام الخمینی (رض)، وقد انشئت مؤسسات تهتم بهذا الجانب، وقد أظهر الإمام سروره بعمل هذه المؤسسات، ومن کلماته فی حقها: «بحمد الله إن جهود جهاد البناء تفرح قلب الإنسان ونأمل أن یبذل جهد أکثر من ذلک للقرى وللمستضعفین والمحرومین الذین کانوا محرومین طوال التاریخ وأن یصار إلى الاهتمام بهم أکثر، وإننی أشکر هذه الجهود”. ٤-المظلومین إن دعم المظلوم ورفع الظلم عنه من الأمور التی اهتم بها الإسلام وأکد علیها الإمام الخمینی (رض) حیث یقول: «اسع فی خدمة المظلومین وفی حمایتهم من المستکبرین والظالمین”. ٥-خدمة الإسلام والنظام مما ذکره الإمام الخمینی (رض) فی وصیته لابنه السید أحمد رضی الله عنه: «قد تعرض علیک بعدی المناصب فإن کانت نیتک خدمة الجمهوریة الإسلامیة والإسلام العزیز فلا ترفض، ولکن إذا کانت نیتک لا قدر الله إطاعة هوى النفس وإرضاء الشهوات فاجتنب القبول إذ لا قیمة للمقامات والمناصب الدنیویة کی تضیع نفسک من أجله”. إن خدمة النظام وخدمة الدین هو الأمر الأساسی الذی یرجع إلیه کل أنواع الخدمة السابقة فالذی یخدم المحرومین یخدم الاسلام وکذلک الذی یخدم المجاهدین والأرحام والمظلومین. یقول الإمام الخمینی (رض): «کذلک فإن من الأمور الهامة التی ینبغی أن أوصی بها: الحرص على إعانة عباد الله خصوصاً المحرومین والمساکین المظلومین، الذین لا ملاذ لهم فی المجتمعات، فابذل ما فی وسعک فی خدمتهم فذلک خیر زاد، وهو من أفضل الأعمال لدى الله تعالى، ومن أفضل الخدمات التی تقدم للإسلام العظیم». کیف نخدم؟ تنوع الوسائل إن خدمة الناس لیست مجرد شعار یستحضره الإنسان لیطلقه عند حماسه ویتغنى به فی عروضه ومناظراته، بل هو برنامج لا بد أن ینتهجه وخطوات لا بد أن یسیر بها، فما لم تتحول الخدمة من مجرد شعار إلى برنامج وخطوات عملیة مدروسة ومنسقة ومتکاملة لن تتمکن من تحقیق أهدافها، ولن تکون جدیة وبالمستوى المطلوب الذی یواجه الحرمان والحاجة... والخدمة لا تنحصر بالأمور المادیة فقط، بل لها طرقها المتعددة، فبالإضافة إلى بذل المال فی سبیل الخدمة الذی تشیر إلیه العدید من الروایات. فعن الإمام الصادق علیه السلام: «من أحب الأعمال إلى الله عز وجل إدخال السرور على المؤمن: إشباع جوعته أو تنفیس کربته أو قضاء دینه». یمکن الاستفادة من الجاه أیضاً. فعن رسول الله (ص): «إن الله تعالى لیسأل العبد فی جاهه کما یسأل فی ماله، فیقول یا عبدی رزقتک جاها، فهل أعنت به مظلوما أو أعنت به ملهوف». وعن الإمام الصادق علیه السلام: «من کان وصلة لأخیه المسلم إلى ذی سلطان فی منفعة بر أو تیسیر عسر، أعین على إجازة الصراط یوم دحض الأقدام». ویمکن أن تکون الخدمة من خلال حفظ کرامته وصونه من بذل ماء وجهه. ففی الروایة عن النبی الأکرم (ص): «إن فی شیعتنا لمن یهب الله تعالى له فی الجنان من الدرجات والمنازل والخیرات ما لا تکون الدنیا وخیراتها فی جنبها إلا کالرملة فی البدایة الفضفاضة فما هو إلا أن یرى أخا له مؤمنا فقیراً فیتواضع له ویکرمه ویعینه ویمونه ویصونه عن بذل وجهه له حتى یرى الملائکة الموکلین بتلک المنازل والقصور وقد تضاعفت...». وقد تکون الخدمة مجرد دعاء یدعوه المؤمن بحق أخیه المؤمن. فعن الإمام الصادق علیه السلام: «وما من مؤمن یدعو لأخیه بظهر الغیب إلا وکل الله به ملکاً یقول: ولک مثل ذلک». (مستدرک الوسائل، ج٢١، ص٣٨٩٣). ویمکن أن تکون الخدمة على شکل کلمة تشکل نصیحة یحتاج إلیها الناس، وتساعدهم على حل مشاکلهم. وقد وضع الإسلام برامج اقتصادیة کاملة لضمان تحقیق ذلک، وقد أشار الإمام الخمینی (رض) فی کلماته إلى العدید من هذه الخطوات والبرامج، منها:
١-الاهتمام بالمحرومین والإطلاع على أحوالهم: لا بد من الاهتمام بالشرائح المحرومة فی المجتمع ورصد حاجاتها لکی نتفاعل مع هذه الحاجات بالشکل الصحیح، یقول الإمام الخمینی (رض): «لیت المترفین یطلعون على حال المحرومین لکی لا یساهموا فی زیادة جنایات الحکومة الأمریکیة المتجبرة”. ویقول (رض): «نأمل أن یبذل جهد أکثر من ذلک للقرى وللمستضعفین والمحرومین الذین کانوا محرومین طوال التاریخ، وأن یصار إلى الاهتمام بهم أکثر”. فالمطلوب أن نشعر مع المحرومین ونتألم لمحنتهم لنکون متفاعلین دائماً معهم لمساعدتهم ودعمهم عند القدرة على ذلک، فإن لم نوفق فحالة الاهتمام بنفسها سبب لدخول الجنة ورضا الله سبحانه وتعالى. ٢-الاستعداد للخدمة: یجب على الناس أن یعدوا العدة على المستوى المادی والنفسی للخدمة، یقول الإمام الخمینی (رض): «لیهیئ الأحبة الأعزاء أنفسهم لخدمة الإسلام والشعب المحروم، ولیشدوا الأحزمة لخدمة العباد التی تعنی خدمة الله”. هذه الخدمة التی یکون الهم فیها تلبیة الحاجات لا التخلص من الزوائد الفائضة عن الإنسان، یقول الإمام الخمینی (رض): «واختر فی خدمة عباد الله ما هو الأکثر نفعاً لهم ولیس ما هو الأنفع لک ولأصدقائک، فمثل هذا الاختیار هو علامة الاخلاص لله جل وعلی”. ٣- السیاسة لخدمة المحرومین: إن للدولة دور کبیر فی خدمة الناس ووضع البرامج لتلبیة حاجاتهم من خلال وضع سیاسة مناسبة لذلک، وهذه مسؤولیة کبیرة إنسانیة وأخلاقیة ودینیة تقع على عاتق الدولة والنظام، یقول الإمام الخمینی (رض): «لا أبقانا الله لذلک الیوم الذی تتخلى فیه سیاستنا وسیاسة مسؤولی بلدنا عن الدفاع عن المحرومین”. ٤-لیدعم الأغنیاء الفقراء: یقول الإمام الخمینی (رض): «کم هو جمیل أن تقدم الطبقات المتمکنة (مادیاً) وبصورة تطوعیة على توفیر المسکن والرفاه لبعض ساکنی الأکواخ، ولیطمئنوا بأن فی ذلک خیر الدنیا والاخرة”. ٥-الأسواق ورعایة الفقراء: یقول الإمام الخمینی (رض): «إن السوق الذی یشتری البضاعة بتومان واحد ویبیعها بثلاثین توماناً لهؤلاء الفقراء والضعفاء لیس سوقاً إسلامیاً، وإن السوق الذی یجلب البضائع المهربة ویبیعها بأسعار باهظة ویرید إیجاد الفوضى فی الاقتصاد الإسلامی لا یعتبر إسلامیاً، یجب أن یصبح هذا السوق إسلامیاً، لیقوموا بأنفسهم بأسلمة السوق، إن السوق الذی لا یفکر بالفقراء والضعفاء ولا یهتم بالضعیف الموجود إلى جانبه لیس إسلامی”. ٦-الخمس یکفی لرفع المعاناة: لقد من الله تبارک وتعالى على المسلمین بفریضة الخمس التی لو التزم بها المسلمون لما بقی محروم صاحب حاجة مادیة بینهم، یقول الإمام الخمینی (رض): «إن خمس أرباح سوق بغداد یکفی السادة وجمیع الحوزات العلمیة وجمیع فقراء المسلمین، فضلاً عن أسواق طهران واسطنبول والقاهرة وغیره”. ٧-قضاء العمر وصرف الأوقات فی الخدمة: إن الخدمة لیست أمراً طارئاً ومرحلیاً، بل هو برنامج الحیاة کلها، ویجب أن نتعاطى معها بهذا النفس وعلى هذا الأساس، یقول الإمام الخمینی (رض): «إن شاء الله تعالى سوف أمضی عمری فی سبیل الله تعالى الذی هو خدمتکم”. ویقول (رض): «إننی أقدم عمری المتواضع وغیر الکفء على طبق الإخلاص من أجل خدمة الإسلام والشعب الشریف”. فینبغی أن نعیش دائماً حالة الخدمة بل أن نعیش حالة التسابق والمسارعة إلى الخدمة. وقد ورد عن الإمام الصادق علیه السلام قال: «إن الرجل لیسألنی الحاجة فابادر بقضائها مخافة أن یستغنی عنها، فلا یجد لها موقعا إذا جاءته”. روحیة الخدمة: النظرة إلى الفقراء هل الفقراء سبب نقص أم کمال فی الأمة؟ قد یبدو هذا السؤال غریباً، ولکن جوابه سیحدد لنا أننا عندما نخدم هؤلاء الفقراء والمحرومین، هل نخدمهم رحمة وشفقة منا لمجرد رفع محرومیتهم بعد ابتلائهم بالنقص، أم أننا نخدمهم من باب الوفاء ببعض حقوقهم بسبب کمالاتهم التی جادوا بها على الأمة؟ یجیب الإمام الخمینی (رض) فی العدید من کلماته عن هذا السؤال لیحدد بشکل واضح أننا نخدمهم من باب الوفاء ببعض حقوقهم، نخدمهم وهم أهل الکمال، لا شفقة ورحمة لرفع النقص المادی، فلنطالع معاً بعض کلماته: ١-هم حفظة الفقه: یقول (رض): «عندما نطالع مذهبنا ونلاحظ فقهنا وفلسفتنا ونتعرف على الذین وصلوا بهذا الفقه إلى الغنى وأوصلوا الفلسفة إلى هذا الغنى سنرى أنهم من سکان الأکواخ، لا من سکان القصور”. ٢-حفظوا الأمة من الانحراف: یقول الإمام الخمینی (رض): «لقد نزل بنا مصائب کثیرة فی أحداث الحرکة الدستوریة کان السبب فیها المترفین من سکان القصور، وکانت مجالسنا مملوءة بالمترفین ولم یکن بینهم إلا عدد کبیر من سکان الأکواخ، غیر أن هذا العدد القلیل استطاع أن یوقف الکثیر من الانحرافات”. ٣-هم أهل الرفعة: یقول (رض): «إذا تخلى رئیس جمهوریتنا لا سمح الله عن طبائع الفقراء وأصبح على طباع المترفین، فإنه سیتعرض هو ومن حوله للانحطاط”. ٤-حفظوا الإسلام: یقول (رض): «إنکم أیها الشباب المعطاؤون ورغم سکناکم الأکواخ، أسمى موقعاً من أولئک المترفین، فأنتم الذین حفظتم الإسلام”. ٥-استقرار الحکومة: یقول (رض): «لولا تأیید الطبقات المحرومة لما استطاعت الحکومة أن تستقر”. ویقول (رض): «إن الذین هم معنا حتى النهایة هم أولئک المتجرعین لآلام الفقر والحرمان والاستضعاف”. بعد کل ذلک نفهم معنى کلمة الإمام (رض): «اخدموا المستضعفین والمحتاجین وساکنی الأکواخ فهم أولیاء نعمتنا “. الإخلاص بالنیة إن الخدمة لوجه الله تعالى هی من الصفات التی ذکرها القران الکریم فی حق أهل البیت علیه السلام ومدحهم علیها ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُکُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِیدُ مِنکُمْ جَزَاء وَلَا شُکُورًا ﴾(سورة الإنسان، الایة/٩). هذه هی النیة التی یجب أن تقف وراء الخدمة، یقول الإمام الخمینی (رض): «ولا تسعى لکسب السمعة والمحبوبیة من خلال هذه الخدمة فهذه بحد ذاتها من حبائل الشیطان التی یوقعنا به». ویقول (رض): «ولا تتعب نفسک للحصول على مقام مهما کان سواء المقام المعنوی أو المادی متذرعاً بأنی أرید أن أقترب من المعارف الإلهیة أکثر أو أنی أرید أن أخدم عباد الله، فإن التوجه إلى ذلک من الشیطان، فضلاً عن بذل الجهد للحصول علیها والموعظة الإلهیة الفریدة اسمعها بالقلب والروح واقبلها بکل قوتک وسر فی خطها «قل إنما أعظکم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى». شکر الخالق من خلال خدمة الناس یقول الإمام الخمینی (رض): «ولدی ما دمنا عاجزین عن شکره وشکر نعمائه التی لا نهایة لها فما أفضل لنا من أن لا نغفل عن خدمة عباده، فخدمتهم خدمة للحق تعالى، فالجمیع منه». الخدمة نعمة إلهیة تؤکد الروایات عن المعصومین علیهم السلام أن الخدمة هی نعمة الله سبحانه وتعالى على عباده، وهی توفیق منه تعالى. فعن الإمام الحسین علیه السلام: «إن حوائج الناس إلیکم من نعم الله علیکم، فلا تملوا النعم فتتحول إلى غیرکم». وفی روایة عن الامام الکاظم علیه السلام: «من أتاه أخوه المؤمن فی حاجة فإنما هی رحمة من الله ساقها إلیه، فان فعل ذلک فقد وصله بولایتنا، وهی موصولة بولایة الله عز وجل وإن رده عن حاجته وهو یقدر علیها فقد ظلم نفسه وأساء إلیه») مستدرک الوسائل، ج٢١، ص٤٠٤). عدم المنة ما دامت الخدمة هی نوع شکر للخالق تعالى وهی رحمة إلهیة فمن الطبیعی أن لا یبقى مجال للإنسان للمنة على من خدمه، وهل یملک شاکر النعمة المنة على شکره؟!. یقول الإمام الخمینی (رض): «علینا أن لا نرى أنفسنا أبداً دائنین لخلق الله عندما نخدمهم، بل هم الذین یمنون علینا حقاً لکونهم وسیلة لخدمة الله جل وعلا”. الخاتمة علینا أن نعرف کیف نترجم المنهجیة التی رسمها الإمام الخمینی (رض) لخدمة الناس وتحقیق الأهداف الإلهیة برفع الحرمان الاستضعاف فإن للمؤمن کرامة خاصة عند الله تعالى ولقضاء حوائجه موضعاً خاصاً فی جنب الله، حتى نصل إلى ذلک الیوم الذی یشیر إلیه الإمام الخمینی (رض) ویعتبره عیداً: «إنه یوم عید بالنسبة لنا ذلک الیوم الذی تتحقق فیه لمستضعفینا الحیاة المرفهة والسالمة والتربیة الإسلامیة القویمة”. متى نستطیع أن نحقق تلک الأمنیة التی أطلقها الإمام الخمینی (رض) ونجعل جمیع أیامنا عیداً. والحمد لله رب العالمین | ||||
الإحصائيات مشاهدة: 216 تنزیل PDF: 102 |
||||