کلمة سماحة السید عبدالفتاح نواب ممثل ولی امر المسلمین و امیر الحجاج الایرانیین فی مؤتمر الوحدة الاسلامیة فی ظل القرآن و السنة و محوریة اهل البیت | ||||
PDF (2823 K) | ||||
بسم الله الرحمن الرحیم الحمدُ للهِ رَبِّ العالمین، والصَّلاةُ والسَّلامُ على خاتَمِ الأنبیاءِ والمرسلین، نبیِّنا وحبیبِنا سیِّدِنا محمدٍ، وعلى آلِهِ الطَّاهرینَ، وصحبه المنتجبین و من تبعهم باحسان الی یوم الدین. السادة الحضور؛ الاساتذه و العلماء المحترمین؛ اصحاب الاعلام و الصحافة؛ الاخوه و الاخوات الاعزاء؛ ایها الضیوف الرحمن؛ السلام علیکم ورحمة الله وبرکاته أَود فی بدایة کلمتی أن اعبر عن سعادتی بلقاء حضراتکم الیوم و مشارکتی فی هذا المؤتمر العلمی الذی یناقش واحده من القضایا الاسلامیة التی تهم عالمنا المعاصر و هی قضیة الوحدة الاسلامیة و التی أصبحت جزء لا یتجزء من عوامل وعناصر التنمیة و الرقی فی بلادنا الاسلامیة و أرجو أن یخرج بنتائج طیبة و بخاصة فی تثقیف امتنا الاسلامیة و یساهم فی التقدم نحو الحضارة الاسلامیة الجدیدة التی اعلن فکرتها الامام آیه العظمی السید علی الخامنئی حفظه المولی کما اننی انتهز الفرصة و اتقدم بجزیل التقدیر و الامتنان لمشارکتکم البنائه فی هذا الموتمر و خاصة للباحثین والعلماء الذین نستفید من محاضراتهم القیمة و الشکر الجزیل للذین ساهموا فی عقد هذا الموتمر و بذلوا جهوداً مشکورة ثمینة من أجل ایصال صوت الحق الی العالم کله من هذا المنبر و من هذا المکان المقدس الذی وصفه الله تعالی بانه «قیاما للناس». ایها الحفل الکریم السبیل الوحید للقضاء على الأفکار المتطرفة و الإرهابیة البغیضة التی تدعو إلى الصدام وتثیر الفتنة بین أبناء الدین الواحد انما هو یکمن فی نشر صوت الوحدة و الوسطیة ونشر رسالة التعایش و التسامح و التخطیط الجید المتقن، والخطط العلمیة الدقیقة، والمنهجیة الصحیحة نحو امة واحدة وضائه و مستقبل مشرق زاهر. السادة الحضور الکرام لقد استوقفنی کثیراً عنوان هذا المؤتمر العالمی المبارک، فالعنوان یحمل الکثیر من المعانی العمیقة والدلالات الدقیقة، التی أصبح طرحها وبحثها أمراً ملحاً وضروریاً لأمتنا الإسلامیة، لذلک فإننی أرى أن طرح هذا الموضوع الدقیق فی هذا التوقیت الحرج وفی تلک الظروف الدقیقة التی یمر بها العالم الآن فی غایة الأهمیة، فقد عانى العالم وعانت الشعوب کثیرا بسبب النزاعات والحروب السیاسیة، کما أثبتت لنا أزمة انتشار وباء کوفید ١٩ المعروف بالکورونا باننا بحاجة ماسة إلى التعاون من أجل نشر ثقافة الحوار والتعایش والتعاون والحب والسلام التی دعانا الله تعالى إلیها فی کتابه الکریم بقوله (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان). ان القرآن الکریم کمصدر اصیل لفهم الدین الاسلامی و کمنبع للحیاة الطیبة، حث فی مواضع متعددة و کثیرة على ضرورة وحدة الأمة، من أجل رفعتها، ومن أجل کرامة الإنسان. و کما أقر القرآن الکریم الوحدة، فقد جاءت الأحادیث النبویة ایضاً تدعو لها وتبشر بها. و کما ان اهل البیت علیهم السلام حثوا اتباعهم للوحدة و اجتماع کلمتهم و نبذ التفرقة و التشتت کأصل من أصول الدین و کقاعدة من قواعده الرصینة. الوحدة الاسلامیة فی القرآن الکریم ١. و ما أعظم و ما أرقى و ما أجمل الخطاب القرآنی الخالد الذی یدعو البشریة کلها إلى الترابط والتعاون والتعایش والحوار، مع التنبیه على أننا جمیعا على تعدد ألسنتنا وألواننا وأعراقنا وأفکارنا وعقائدنا ننحدر من أصل واحد هو آدم علیه السلام قال الله تعالى «یَاأَیُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاکُمْ مِنْ ذَکَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاکُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَکْرَمَکُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاکُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِیمٌ خَبِیر» فالله تعالى خلقنا مختلفین وجعل غایة هذا الاختلاف هو التعارف ولیس التنازع. ٢. و قال سبحانه تعالی : «شَرَعَ لَکُم مِّنَ الدِّینِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِی أَوْحَیْنَا إِلَیْکَ وَمَا وَصَّیْنَا بِهِ إِبْرَاهِیمَ وَمُوسَى وَعِیسَى أَنْ أَقِیمُوا الدِّینَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِیهِ» فقد بعث الله الأنبیاء کلهم بإقامة الدین والألفة والجماعة وترک الفرقة والمخالفة کم قیل او یقال: بأن قیام الدین على رکنین هما: کلمة التوحید، وتوحید الکلمة، ولا یستقیم أمور المسلمین فی الدین والدنیا إلا بهما. ٣. و قال عز وجل: «یا أیها الذین آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتون إلا وأنتم مسلمون * واعتصموا بحبل الله جمیعاً ولا تفرقوا واذکروا نعمتَ الله علیکم إذ کنتم أعداءً فألف بین قلوبکم فأصبحتم بنعمته إخواناً وکنتم على شفا حفرة من النار فأنقذکم منها کذلک یبین الله لکم آیاته لعلکم تهتدون» الوحدة الاسلامیة فی السنة النبویة السادة الحضور الکرام، إنه مما لا یشک فیه مفکر أن الدعوة إلى التعارف والحوار مبدأ دعا إلیه القرآن الکریم، وأیضًا طبقه رسول الله(ص) عندما هاجر إلى المدینة المنورة، وکانت المدینة مجتمعاً یعج بالثقافات والأدیان والعقائد والقبائل المختلفة، و من ثم فقد وضع رسول الله(ص) بالاتفاق مع جمیع الأطیاف الموجودة فی المدینة وثیقة المدینة التاریخیة التی رسخت دستوریٌا مبادیء التعاون والتعایش السلمی والاعتراف بالآخر واعتبار المدینة وطنا واحدا یسع جمیع هذه الأطیاف وتتساوى فیه الحقوق والواجبات، وتحترم فیه الخصوصیة الدینیة والانتماء العرقی: ١. فقد روی عن عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَیْهِ وَ آله و سَلَّمَ: «النَّاسُ سَوَاسِیَةٌ کَأَسْنَانِ الْمِشْطِ وَإِنَّمَا یَتَفَاضَلُونَ بِالْعَافِیَةِ، وَالْمَرْءُ کَثِیرٌ بِأَخِیهِ , وَلَا خَیْرَ فِی صُحْبَةِ مَنْ لَا یَرَى لَکَ مِنَ الْحَقِّ مِثْلَ مَا تَرَى لَهُ». ٢. و کما قال(ص): علیکم بالجماعة وإیاکم والفرقة، فإن الشیطان مع الواحد، وهو من الاثنین أبعد، من أراد بحبوحة الجنة فیلزم الجماعة) وقد تکرر منه صلى الله علیه و آله و سلم هذا الأمر بلزوم الجماعة فی أحادیث أخرى کثیرة. ٣. و فی ما روی عن النبی انه قال (ص): "الناس کأسنان المشط" و التی تدل علی التناسق و التعادل و التفاهم بین آحاد و شرائح و طوائف المسلمین فان مناسک الحج تعتبر من اهم ما یبعث علی الاتحاد و التلاحم و التعاطف خاصة بین اتباع المذاهب المختلفة المشارکة معًا فی صفوف متحدة فی الطواف و السعی و المشعر و العرفات و صفوف الجماعة فی مختلف المساجد. الوحدة الإسلامیة عند أهل البیت عندما نقرأ أقوال أهل البیت وننظر إلى سیرتهم المبارکة نکتشف رؤیة جلیة ومتکاملة ومنسجمة تماما مع الرؤیة القرآنیة للوحدة بین المسلمین و انهم أحرص ما یکون على وحدة الأمة الإسلامیة بما ینسجم مع منطلقاتهم وأهدافهم کقادة لهذه الأمة. یرى أهل البیت: أن وحدة الأمة هی الرکیزة الأولى لقوة الأمة والفرقة هی العامل الأول لضعفها کما هی رؤیة القرآن الکریم فی ذلک حیث یقول الله جل وعلا : «ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ریحکم» و قد قال الإمام علی(ص) «انه لم یجتمع قوم قط على أمر واحد إلا اشتد أمرهم واستحکمت عقدتهم» و هذه هی الرؤیة الحضاریة للإسلام والتی تدعوا إلى البناء القوی. و یسعدنی ان انقل لکم نبذه یسیره من کلماتهم و اتحدث قیلا من سلوکهم فی سبیل تحقیق الوحدة الاسلامیة و التجنب عن التفرقة و التشتت: ١. سکوتهم عن حقهم من الحکم فانهم علیهم السلام مع انهم احق بالحکم و زعامة الناس و قیادتهم نحو الرقی و الکمال الدنیوی و الاخروی، لکنهم صبروا علی سلب هذا الحق کما هو الأمر فی سکوت أمیر المؤمنین(ص) لمدة خمس وعشرین سنة وقد لخص الامام(ص) السبب فی سکوته بقوله «لأسالمن ما سلمت أمور المسلمین ما لم یکن فیها جور إلا علی خاصة». وکذلک قبول الإمام الحسن(ص) للصلح مع معاویة رعایة لمصلحة الأمة. ٢. تاسیس العلاقه مع سائر المسلمین فقد فتح أهل البیت مدارسهم العلمیة للمسلمین کافة من دون حصر لفئة دون أخرى ولم یبخل أهل البیت على احد من المسلمین من الفیض علیه من شتى العلوم والمعارف المختلفة وأعطوا للآخرین حریة إبداء الرأی والحوار بکل شفافیة دون أن تکون للاختلافات الفکریة والعقدیة أی أثر سلبی على هذه الشفافیة فی العلاقة. کما هی العلاقة بین الإمام الصادق(ص) وأبی حنیفة و کذلک العلاقة بین الإمام الصادق(ص) والإمام مالک فقد ذکر العلامة ألمجلسی عن الإمام مالک «کنت ادخل إلى الصادق جعفر بن محمد فیقدم لی مخدة ویعرف لی قدرا ویقول: «یا مالک إنی احبک فکنت اسر بذلک وأحمد الله علیه». فإذا کانت العلاقة بین الإمام الصادق(ص) وأئمة المذاهب بهذا المستوى فبالأولى أن تکون مثل هذه العلاقة التی هی من أهم مظاهر الوحدة بین أتباع المذاهب من الشیعة والسنة. ٣. توجیه شیعتهم إلى توطید أواصر الوحدة مع سائر المذاهب فقد ورد الکثیر من الروایات التی تؤکد على هذا ومنها قول الإمام الحسن العسکری(ص) المعروف: «صلوا فی عشائرهم واشهدوا جنائزهم وعودوا مرضاهم وأدوا حقوقهم». ٤. تحذیر الناس من وقوع الفتنة کان الإمام علی(ص) أول من وقف موقف الحریص على وحدة الأمة بعد ما جرى فی السقیفة فقد وئد الفتنة التی کادت أن تذهب بالأمة إلى التقاتل بینها حینما قال له ابوسفیان «إن شئت لأملأنها علیهم خیلا و رجالا ولأسدنها علیهم من أقطارها وقد أجابه الإمام (ع) قائلاً: « إنک والله ما أردت بهذا إلا الفتنة وإنک والله طالما بغیت للإسلام شرا لا حاجة لنا فی نصیحتک». ثم قال(ص) کما «أیها الناس شقوا أمواج الفتن بسفن النجاة وعرجوا عن طریق المنافرة وضعوا تیجان المفاخرة أفلح من نهض بجناح أو استسلم فأراح هذا ماء أجن ولقمة یغص بها آکلها و مجتنی الثمرة لغیر وقت إیناعها کالزارع بغیر أرضه» الوحده من منظور عقلائی السادة الحضور الکرام إذا نظرنا إلى تاریخ البشریة بإمعان وإلى حرکة التطور والعمران الإنسانی، ونظرنا کذلک إلى التطور العلمی والتنامی الحضاری، نجد أن ذلک کله کان نتاجاً جیداً للتعارف الفکری والتبادل المعرفی بین أبناء الشعوب و الثقافات المختلفة، فالمعرفة بطبیعتها تحتاج إلى عقول متواصلة ومتعاونة حتى تثمر تلک الثمرة التی تعود بالنفع العام على البشریة، ورأینا فی واقعنا المعاصر کیف استطاعت دول العالم عن طریق التعاون والتبادل المعرفی والعلمی أن تقلل بشکل کبیر من الآثار الناجمة عن اجتیاح فیروس کورونا، وهذه النتیجة التی عادت بالنفع والخیر على البشریة کلها هی نتیجة حتمیة بإذن الله تعالى لکل جهد مبذول فی سبیل الوحده ولا یکون ذلک إلا بالحوار بین أبناء الأدیان و المذاهب و الثقافات و الحضارات المختلفة. السادة الحضور الکرام لقد اهتم الجمهوریة الاسلامیة الایرانیة منذ تاسیسها اهتماماً بلیغاً بهذا الملف و عین الامام الخمینی الراحل رضوان الله اسبوعاً باسم «اسبوع الوحدة» و تابع هذا الدرب و السنة السنیة خلفه المبارک سماحة آیة الله العظمی الامام السید علی الخامنئی، کما بذلت الجمهوریة الایرانیة الاسلامیة جهداً عالیاً لإصدرات و للبحوث العلمیة و عقدت العدید من المؤتمرات فی مختلف البلدان و لله الشکر و کما ان بعثة الحج الایرانیة عقدت منظومة من الموتمرات مع اصحاب الفکر و الثقافه فی ارض الوحی و الوحدة و تبادلت الخبرات من أجل نشر ثقافة المحبة و القضاء على العنف و التطرف و الارهاب. السادة الحضور الکرام إن هذه القضیة الهامة التی اجتمعنا من أجل بحثها ودراستها والتأصیل لها فی القرآن الکریم و السنة الشریفة و عند اهل البیت أمر فی غایة الأهمیة. و فی الختام أتوجه بالدعاء إلى الله تعالى ان یوفقنا إلى تحقیق هذه الغایة السامیة التی اجتمعنا لأجلها و ان یوحد جهودنا وان یوفقنا لما یحب ویرضى وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمین والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته. عندما نقرأ أقوال أهل البیت وننظر إلى سیرتهم المبارکة نکتشف رؤیة جلیة ومتکاملة ومنسجمة تماما مع الرؤیة القرآنیة للوحدة بین المسلمین و انهم أحرص ما یکون على وحدة الأمة الإسلامیة بما ینسجم مع منطلقاتهم وأهدافهم کقادة لهذه الأمة. | ||||
الإحصائيات مشاهدة: 400 تنزیل PDF: 150 |
||||