العلمانیة وعلاقتها بقضیة المرأة | ||
العلمانیة وعلاقتها بقضیة المرأة
فؤاد عبدالکریم نبذت أوربا الدین والأخلاق، وأصبحت القیم العلیا عندها هی المصلحة وحدها، لأن الدین الذی نبذته أوربا حین قامت علمانیتها، لم یکن حقیقة الدین المنزل من السماء، بل کان بقایا الدین المتناثرة فی بعض مجالات الحیاة الاوربیة، أو فی أفکار الناس ووجدانه. فمثلا، کان مفهوم دعوى (تحریر المرأة) – السائد فی أوربا – یؤکد أن على المرأة أن تنبذ الدین لتحصل على حقوقها، فإذا لم تنبذ الدین، فلن تحصل على هذه الحقوق. وهکذا أرادوا من المرأة أن تتحرر من دینها، ومن شرفها، ومن قیمها، حتى یتهدم بیتها، ومن ثم یتهدم المجتمع، وتنتشر الفوضى والرذیلة، ولم یکتفوا بذلک، بل أرادوا أن یهدموا المجتمع المسلم – وذلک من خلال الذین تربوا على موائدهم وشربوا من ألبانهم – فقاموا بدورهم خیر قیام ونفذوا تعالیم اسیادهم ونشروا الفساد فی الأرض، وادعوا أن الإسلام ظلم المرأة إلى غیرها من الدعاوى الباطلة. ومن أمثلة هؤلاء (رفاعة الطهطاوی)، فکل ما کتبه إنما هو صدى لتفکیر أوربا – وبخاصة فرنسا - ، وأفکاره تظهر – لأول مرة – فی المجتمع المسلم، فقد وضع البذور، من أجل الأخذ بنظم الغرب العلمانیة، ثم تعهّد هذه من جاء بعده بالسقی والرعایة، حتى نمت وضربت جذورها فی الأرض[1]. (فلأول مرة فی البیئة المسلمة نجد کلاماً عن الحریة بوصفها الأساس فی نهضة أیة أمّة، وفی تقدمها...، ثم نرى – بعد ذلک – کلاماً کثیراً عن المرأة، لاشک أنه من وحی الحیاة الاجتماعیة الأوربیة، مثل: تعلیم البنات،ومنع تعدد الزوجات، واختلاط الجنسین)[2]. وکذلک من هؤلاء[3]من فی مقال أسماه (ردة فی عالم المرأة)[4] یهاجم فیه المرأة المسلمة، ویهاجم الدین والمتدینین، ویدعو فیه المرأة المسلمة إلى خلع الحجاب، وإلقائه فی البحر، لیصبح نسیاً منسیاًّ!!، کما یدعو المرأة المسلمة إلى محاکاة المرأة الغریبة فی کل ما تأتی وما تذر[5]. فالقضیة – إذن – لیست تشکیکاً وشبهات، بل سلخ وعلمنة واجتثاث، ثم محاولة للإذابة فی کیان آخر وثقافة مغایرة، هی العلمانیة التی یرون أنها الأحدث والأرقى[6]. وکانت بعض الجوانب الاجتماعیة تحکمها أعراف مستمدة من روح الدین، ومن ذلک: الحفاظ على الأسرة، والزواج البکر، وقوامة الرجل وقیامه بالإنفاق، واستقرار المرأة فی بیتها وتفرّغها للأمومة وتدبیر المنزل ورعایة النشء، ومحافظتها على عرْضها قبل الزواج وبعده، واعتبار ذلک جزءاً من مقومات الاسرة ورکناً أساسیاً من أرکانها، والتعاون بین أفراد المجتمع..، وما إلى ذلک من العلاقات الإجتماعیة القائمة على وصایا الدین، ولکن ذلک کله لم یرق لاعداء الدین فقرروا تغییره، وإنشاء بدیل منه لا یقوم على أساس الدین. کان التغییر فی المبدأ هو تغییر(السند)، أو(المنبع)، مع محاولة المحافظة على شیء من الاخلاق، أی البحث عن منبع آخر للقیم الاجتماعیة غیر الدین، فلیکن هو(الطبیعة)، أو لیکن هو (النفس الإنسانیة) ذاتها، المهم ألا یکون المرجع الذی تستمد منه القیم هو الوحی الربانی. ولکن القیم لم تکن لتستمر فی فاعلیتها بعد أن تنقطع عن معینها الحقیقی، وهو الدین والوحی الربانی - ، ثم إن الهزات العنیفة التی أحدثتها الثورة الصناعیة فی أوربا جاءت والقیم مهتزة بالفعل، قائمة على غیر أساس حقیقی یقیها من الهزات، فإذا انهارت هذه القیم سریعاً فلا عجب، وإذا أفلح المفسدون فی هدمها بوسائلهم الشریرة بعد أن استعصت علیهم خلال عدد یتطاول من القرون، فلا عجب کذلک...، فالجدار القائم على غیر أساس ینتظر من یهزه لیسقط إذا لم یتداع من تلقاء نفسه، بینما الجدار القائم على أساس متین لا یتزلزل إلا بالجهد الجهید[7]. قضیة حقوق المرأة فی العالم الإسلامی: لقد رکّز أعداء الإسلام على قضیة حقوق المرأة – وهم یعلمون أنها دعوى باطلة - ، لأنهم یعلمون نتائجها المتعددة، التی منها: -الطعن فی الشریعة ذاتها، لأنها سبب احتقار المرأة بزعمهم. - نشر الإباحیة والانحلال فی المجتمع الإسلامی. - القضاء على الأسرة، ومن ثم تجهیل النشء بدینه، وتربیة أبناء الإسلام کما یشاؤون. لقد کان مفهوم حقوق المرأة فی أوربا مرتبطاً بتحریرها من الدین، فإذا لم تنبذ الدین، فلن تحصل على هذه الحقوق، وروج لهذا المفهوم بعض المبتعثین إلى أوربا . وهکذا نجحت العلمانیة فی إفساد المرأة المسلمة وإشاعة الدیاثة فی المجتمع، فوضعت المخططات الماکرة لهدم المجتمعات الإسلامیة – وینطبق هذا الأمر على المطالبین بالمساواة بین الجنسین فی الخروج إلى العمل، وفی کافة مناحی الحیاة، وهذه الدعوة العلمانیة أعقبتها فتنة عظیمة فانحسر الحجاب، وعمّ السفور واختلط الرجال بالنساء بحجة زمالة التعلیم والعمل، وأصبحت الأخلاق فی خطر عظیم، وانحلت الأسر، وضاع الأولاد. إن ما یریده أعداء الإسلام الیوم، هو سلب المرأة کرامتها وانتزاع حقوقها. إن أعداء الإسلام الیوم – بل أعداء الإنسانیة من الکفار والمنافقین والذین فی قلوبهم مرض، أغاظهم ما نالته المرأة المسلمة من کرامة وعزة وصیانة فی الإسلام، لأن أعداء الإسلام من الکفار والمنافقین یریدون أن تکون المرأة أداة تدمیر، وحبالة یصطادون بها ضعاف الإیمان وأصحاب الغرائز الجانحة، بعد أن یشبعوا منها شهواتهم المسعورة، کما قال الله – تعالى - :النساء 27 والذین فی قلوبهم مرض من المسلمین یریدون من المرأة أن تکون سلعة رخیصة فی معرض أصحاب الشهوات والنزعات الشیطانیة، سلعة مکشوفة أمام إعینهم یتمتعون بجمال منظرها أو یصلون منها إلى ما هو أقبح من ذلک. ولذلک حرصوا على أن تخرج من بیتها لتشارک الرجال فی أعمالهم جنباً إلى جنب، أو لتخدم الرجال ممرضة فی المستشفى، أو مضیفة فی الطائرة، أو دارسة أو مدرّسة فی فصول الدراسة المختلطة، أو ممثلة فی المسرح، أو مغنیة، أو مذیعة فی وسائل الإعلام المختلفة، سافرة فاتنة بصورتها وصوتها. وبسبب هذه الإجراءات الخاطئة تخلت النساء عن وظیفتهن الحقیقیة فی البیوت، مما اضطر أزواجهن إلى جلب الخادمات الأجنبیات لتربیة أولادهم وتنظیم شؤون بیوتهم، مما سبب کثیراً من الفتن وجلب شروراً عظیمة[8]. کما وصل الحال بحریة المرأة الشخصیة إلى رفض الزواج کنظام فی بناء الأسرة، وإیثار العلاقة المؤقتة بین الرجل والمرأة على السن والإقامة المستمرة، وممارسة العلاقة الجنسیة بینهما، کی تبتعد کلیة عن قیود الطلاق المعقدة هناک، وهی التی تفرضها المجتمعات الغربیة فی الأحوال الشخصیة[9]. نقد علاقة العلمانیة بقضیة المرأة: وعلى الرغم من تلک الدعوات نجد بعض الأصوات داخل المجتمعات الغربیة قد أجهدها المسار غیر الطبیعی للفطرة الإنسانیة فی قضیة المرأة، فعبّرت عن واقعها الداخلی بموضوعیة، فتقول إحدى السیدات الغربیات: ((لا أحد یصدّق أنی – بالفعل – اخترت البقاء بجوار طفلی وفضّلت هذه على الجمع بین العمل والبیت، وربما اکون موضة قدیمة، ولکن یوماً ما سیعتبر الآخرون أن قراری بتکریس ذکائی وحیویتی و قدرتی على الابتکار من أجل طفلی أمراً طبیعیاً)).ثم تستطرد الکاتبة معللة ضرورة وجودها فی البیت فی أبلغ تعبیر فتقول:(( لیس هناک مدرسة فی العالم فی حاجة إلیّ، مثل حاجة أطفالی إلیّ))[10]. یقول أحد العلماء الغربیین[11]: ((الإسلام هو الدین الوحید بین جمیع الأدیان الذی أوجد بتعالیمه السامیة عقبات کثیرة تجاه میل الشعوب إلى الفسق والفجور، ویکفیه فخراً أنه قدس النسل وعظمه، لیرغب الرجل بالزواج، ویعوّض عن الزنى المحرّم شرعاً وتشریعاً، وإن الإسلام قد حلّ – بعقلیة عالیة عادلة – أغلب المسائل الاجتماعیة التی لم تزل إلى الآن تشغل مشرّعی الغرب بتعقیداتها)). علاقة العلمانیة بقضایا المرأة فی المؤتمرات الدولیة: إن علاقة قضایا المرأة، وحل مشاکلها، ونیلها لحقوقها، - المدنیة، والأخلاقیة، والاجتماعیة، والأقتصادیة، والسیاسیة، والصحیة .. وغیرها من الحقوق – بالعلمانیة التی تفصل هذه القضایا والحقوق عن الدین، یظهر جلیاً فی مناقشة هذه القضایا فی المؤتمرات الدولیة التی یشرف علیها الغرب، ممثلاً بهیئة الأمم المتحدة - ، فجمیع قضایا المرأة التی نوقشت فی هذه المؤتمرات لم یکن للدین فیها ذکر، وإنما دینهم الذی یستندون إلیه فی حل مشاکل المرأة، والمطالبة بحقوقها – من وجهة نظرهم – هو دستور هیئة الأمم المتحدة ومیثاقها[12] - الذی أبرم فی سان فرانسیسکو بتاریخ(16/7/1364هـ - 26/6/1945م)، وما تبعه من الإعلان العالمی لحقوق الإنسان – الذی أعلن فی عام(1367هـ1948م)[13] . الإسلام والحضارة الغربیة محمد محمد حسین ص 18،19[1] أصول الفکر العربی الحدیث عند الطهطاوی محمود فهمی حجازی ص 64،65[2] وهو الدکتور(زکی نجیب محمود)[3] نشر هذا المقال بصحیفة (الأهرام) – العدد الصادر فی 9/7/1404هـ الموافق 9/4/1984م.[4] انظر:صحوة فی عالم المرأة/عبدالحی الفرماوی،ص3.[5] وسائل مقاومة الغز والفکری/حسان محمد حسان،ص56.[6] مذاهب فکریة معاصرة/محمد قطب ص 477.[7] تنبیهات على أحکام تختص بالمؤمنات/صالح بن فوزان الفوزان ص 5،6[8] انظر: الفکر الإسلامی والمجتمع المعاصر/محمد البهی ص 196وما بعدها، ومجلة الدعوة العدد (1344)،بتاریخ 3/12/1412.[9] انظر: رسالة المرأة بین منهج الإسلام وإسقاطات العلمانیة/حسنی محمود جادالکریم ص 62[10] اسمه(بولدی کلا)نقلاً عن: سقوط العلمانیة/أنور الجندی ص 197.[11] انظر:هذا الدستور فی موقع الأمم المتحدة على الشبکة العنکبوتیة – الإینترنت – وعنوانه: [12] http:www.un orgarabicaboutunchartercharter [13] اعتمد هذا الإعلان ونشر بقرار الجمعیة العامة رقم 217ألف(د – 3)،المؤرخ فی 10 کانون الأول/دیسمبر1948م. انظر:حقوق الإنسان فی الإسلام/محمد الزحیلی ص 393،وحقوق الإنسان/محمود بسیونی وآخرون ج1ص 17 | ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,292 |
||