زینب(علیها السلام) تواصل المهمة الأساسیة | ||
زینب(علیها السلام) تواصل المهمة الأساسیة
بدأ دور زینب لإکمال رسالة الثورة التی قادها الحسین(ع )، ووهبها دمه وروحه الطاهر لإنقاذ الأمّة والرسالة، ولاستئصال جذور الردة والطغیان.. بدأ دور زینب (ع) الإعلامی فی التعریف بالثورة وبمظلومیة أهل البیت (ع) وإیقاظ الرأی العام وتحریکه ضدّ الطغاة المتسلطین.. لقد خرجت الکوفة عن بکرة أبیها لمشاهدة السبایا القادمین، فلمّا عرف الناس أنّهم سبایا أهل بیت محمّد (ع) ارتفعت الأصوات بالبکاء والنحیب وندبوا الحسین وأهل الحسین.. نظرت زینب إلى هذا الجمع الهائل المحتشد فانبرت خطیبة فصیحة فصاحة أبیها علی (ع).. تحدّث الرّواة عن ذلک الموقف الخالد لزینب (ع).. الموقف الذی جسّد دور المرأة المسلمة، وبمستوى زینب سیِّدة أهل البیت النبوی یومها، جسّد دور المرأة فی السیاسة والأمر بالمعروف والنهی عن المنکر ومقاومة الطغیان والفساد.. وقفت زینب خطیبة فی تلک الجموع الحاشدة بعد أن أومأت إلى الناس أن اسکتوا فسکتوا .. انطلقت فی خطابها مقرِّعة الجبناء المتخاذلین عن نصرة الحسین (ع) معرّفة بمقام آل البیت فقالت: «الحمد لله، والصلاة على محمّد وآله الطیّبین الأخیار، أمّا بعد یا أهل الکوفة، یا أهل الخَتْل والغدر، أتبکون؟ فلا رقأت الدّمعة، ولا هدأت الرنّة، إنمّا مثلکم کمثلِ التی نقضَت غزلها من بعد قوّة أنکاثاً، تتخذون أیمانکم دخلاً بینکم، ألا وهل فیکم إلاّ الصّلف والنطف والکذب والشنف، وملق الإماء، وغمز الأعداء؟ أو کمرعى على دمنة، أو کفضّة على ملحودة، ألا ساء ما قدّمت لکم أنفسکم أن سخط الله علیکم، وفی العذاب أنتم خالدون. أتبکون وتنتحبون؟ إی والله فابکوا کثیراً واضحکوا قلیلاً، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها، ولن ترحضوها بغسل بعدها أبداً، وأنّى ترحضون قتل سلیل خاتم النبوّة، ومعدن الرسالة، وسیِّد شباب أهل الجنّة، وملاذ خیرتکم، ومفزع نازلتکم، ومنار حجّتکم، ومدرة سنتکم، ألا ساء ما تزرون، وبعداً لکم وسحقاً، فلقد خاب السعی، وبُتّت الأیدی، وخسرت الصفقة، وبُؤتم بغضب من الله، وضربت علیکم الذلّة والمسکنة. ویلکم یا أهل الکوفة، أتدرون أیّ کبد لرسول الله فریتم، وأی کریمة له أبرزتم، وأی دم له سفکتم، وأی حرمة له انتهکتم؟ لقد جئتم بها صلعاء عنقاء، سوداء فقماء، خرقاء شوهاء، کطلاع الأرض، أو املاء السماء، أفعجبتم أن أمطرت السماء دماً ولعذاب الآخرة أخزى وأنتم لا تنصرون، فلا یستخفّنکم المهل، فانّه لا یحفزه البدار، ولا یخاف فوت الثأر، وانّ ربّکم لبالمرصاد. قال الراوی: فوالله لقد رأیت الناس یومئذ حیاری یبکون، وقد وضعوا أیدیهم فی أفواههم، ورأیت شـیخاً واقفاً إلى جنبی یبکی حتى اخضلت لحیته بالدمـوع، وهو یقول: بأبی أنتم وأمّی کهولکم خیر الکهول، وشبابکم خیر الشباب، ونساؤکم خیر النِّساء، ونسلکم خیر النسل، لا یخزى ولا یبزى». وسار موکب زینب(ع) حتى أدخلت ومن معها من عیال الحسین قصر الإمارة، انحازت زینب فی جانب من القصر، وحولها لُمّة من نسائها..نظر ابن زیاد إلى زینب(ع) فلم یعرفها.. وجّه ابن زیاد سؤاله نحو زینب قائلاً: «مَن هذه المرأة المنحازة فی ناحیة من القصر». فلم تجبه زینب احتقاراً له، واستهانة به، ثمّ کرر السؤال ثانیة فلم تجبه .. أجابت بعض نسائها الجالسات من حولها: «هذه زینب بنت فاطمة بنت رسول الله (ص)». لقد استفز التعریف نفسه الشریرة، فأراد أن یتشفّی من آل محمّد (ع) بکلمات الشماتة والعدوان، فقال لها: «الحمد لله الذی فضحکم وقتلکم، وأکذب اُحدوثتکم». فقالت زینب (ع): «الحمد لله الذی أکرمنا بنبیّه محمّد (ص) وطهّرنا من الرِّجس تطهیراً، إنّما یفتضح الفاسق، ویکذب الفاجر، وهو غیرنا، والحمد لله». لم یکتف ابن زیاد بذلک بل أراد أن یتشفّی منها بنکء جراحها، والشماتة بها، فقال لها: «کیف رأیت فعل الله بأهل بیتک؟ قالت: کتب الله علیهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم، وسیجمع الله بینک وبینهم فتحاجون إلیه، وتختصمون عنده». وقعت کلمات زینـب (ع) وقع الصاعقة على رأسه، فاستشاط غضباً، فقال لها ابن زیاد: «قد شفى الله نفسی من طاغیتک، والعُصاة من أهل بیتک ... ». رَقّت زینب وبکت، وقالت له: «لعـمری، لقد قتلـتَ کهلی، وأبّرتَ أهلی، وقطعتَ فرعی، واجتثثتَ أصلی، فإن یشفک هذا فقد شفیت». شعر ابن زیاد بالهزیمة أمام زینب (ع) ولم یسـتطع النّـیل من صبرها، وعزّة نفسها، وصـلابة موقفها وتفوّق منطـقها، وانتهى ذلک الیوم والکوفة تموج بالندم والبکاء من عموم الناس وممّن یوالون أهل البیت (ع) وقد غلبوا على أمرهم، کما کانت الأحقاد تتفجر فی قلب عبیدالله بن زیاد وحزبه على الحسین حتى بعد مقتله .. لقد أصبحت أجواء الکوفة ثورة إعلامیة صاخبة على الحکم الأموی .. أدواتها الدموع والندم والسخط على الطغاة القتلة، ولکی یزرع الحکم الأموی مزیداً من الرّعـب والإرهاب أمر عبـیدالله بن زیاد بأن یُطاف برأس الحسـین (ع) ورؤوس أصحابه سکک الکوفة، وهی مرفوعة فوق الرماح. وبعد کارثة الطف الألیمة انطوى قلب زینب على فواجع الحزن والأسى، ولکنّها لم تستسلم لضغوط المحنة، بل استمرت زینب بحمل رسالتها الإعلامیة وإحیاء الأهداف الکبرى لثورة الحسین (ع) فی المجتمع الإسلامی .. فراحت تعرّف بما حلّ بآل البیت النبوی فی کربلاء .. والمدینة تتألب على یزید بن معاویة وتغلی وتتهیّأ للإنفجار. استمرت زینب تؤلب الناس على السلطة الأمویة، وتدعو إلى الثأر لدم الحسین، وقد أصبحت المدینـة مرجلاً یغلی، وتوشک على الإنفجار .. ذکرت بعض الروایات التأریخیة أن عمرو بن سعید الوالی الأموی على المدینة، قد خاف من انطلاق ثورة فی المدینة، نتیجة لما أحدثته زینب (ع) من تحریک الرأی العام ضدّ الجریمة الأمـویة البشعة، وتعاطف کبیر مع فاجعة آل البیت النبوی (ع) فی کربلاء . فکتب تقریراً عن الوضع السیاسی القائم فی مدینة الرسول (ص) إلى الخلیفة الأموی یزید بن معاویة، والدور الخطیر الذی تقوم به زینب، فی المدینة المنورة .. فأصدر إلیه یزید الأوامر بالتفریق بین زینب (ع) والناس .. فأمر الوالی الأموی بإخراج زینب من المدینة إلى أی بلد تختاره. فرفضت الخروج وقالت: «قد علم الله ما صار بنا، وسقنا کما تساق الأنعام، وحملنا على الأقتاب، فوالله لا أخرج، وان أهرقت دماؤنا، فقالت لها زینب بنت عقیل: یا ابنة عمّاه، قد صدقنا الله وعده، وأورثنا الأرض نتبوّأ منها حیث نشاء، فطیبی نفساً، وقرّی عیناً، وسیجزی الله الظالمین، أتریدین بعد هذا هواناً ؟! ارحلی إلى بلد آمن، ثمّ اجتمعت علیها نساء بنی هاشم، وتلطفن معها فی الکلام، فاختارت مصر، وخرجت معها نساء بنی هاشم فاطمة بنت الحسین وسکینة، فدخلت مصر لأیام بقیت من ذی الحجّة. محمد جعفر
| ||
الإحصائيات مشاهدة: 1,436 |
||