منافع الحج بنظر المفسرین المعاصرین | ||
رکّز بعض المفسّرین المعاصرین على التعلیل أو الغایة: }لیشهدوا منافع لهم{ ، ورسموا الأبعاد المتنوّعة والمتعدّدة لهذه المنافع ، التی أراد الله تعالى أن یشهدها موسم الحج فی مکّة المکرّمة . * العلاّمة الطباطبائی فی تفسیره (المیزان (نبّه إلى إطلاق تعبیر (منافع) ، وعدم تقییده بالدنیویة أو الأخرویة ، ممّا یعنی شمولهما معاً ، وقد عرّف المنافع الدنیویّة بأنّها تلک )التی تتقدّم بها حیاة الإنسان الاجتماعیة ، ویصفو بها العیش ، وترفع بها الحوائج المتنوعة ، وتکمل بها النواقص المختلفة من أنواع التجارة والسیاسة والولایة والتدبیر وأقسام الرسوم والآداب والسنن والعادات ، ومختلف التعاندات والتعاضدات الاجتماعیة وغیرها) . ثمّ أعطى العلاّمة مصادیق هذه المنافع الدنیویة مشیراً إلى الأمور التالیة: أولا: التعارف بین المسلمین القادمین من أصقاع الأرض المختلفة . ثانیاً: اتحاد المسلمین على کلمة واحدة هی کلمة الحق . ثالثاً: التعاون فیما بینهم فی سبیل حلّ مشاکلهم . رابعاً: امتزاج المجتمعات الإسلامیة لتکون «مجتمعاً وسیعاً له من القوّة والعدّة ما لا تقوم له الجبال الرواسی ، ولا تقوى علیه أیّ قوّة جبّارة طاحنة ، ولا وسیلة إلى حلّ مشکلات الحیاة کالتعاضد ، ولا سبیل إلى التعاضد کالتفاهم ، ولا تفاهم کتفاهم الدِین»( المیزان 14 : 369 ـ 370 .( ومن المفسِّرین المعاصرین الذین أعطوا لآیة المنافع دلالاتها وأبعادها ، هو صاحب کتاب (فی ظلال القرآن) سیّد قطب ، حیث یقول: (والمنافع التی یشهدها الحجّ کثیرة ، فالحجّ موسمٌ ومؤتمر .الحجّ موسم تجارة وموسم عبادة. والحجّ مؤتمر اجتماع وتعارف، ومؤتمر تنسیق وتعاون، وهو الفریضة التی تلتقی فیها الدنیا والآخرة ، کما تلتقی فیها ذکریات العقیدة البعیدة والقریبة. ثمّ یعدّد هذه المنافع الکثیرة ، ویرسم بریشته الفنّیة الأرواح وهی ترفّ حول بیت الله وتستروح الذکریات التی تحوم علیه وترفّ کالأطیاف . طیف إبراهیم الخلیل(علیه السلام) وهو یودّع البیت فلذة کبده إسماعیل وأمّه ، ویتوجّه بقلبه الخافق الواجف إلى ربِّه: (ربّنا انّی أسکنت من ذرّیتی بواد غیر ذی زرع عند بیتک المحرّم . . .(. وطیف هاجر ، وهی تستروح الماء لنفسها ولطفلها الرضیع فی تلک الحرّة الملتهبة حول البیت ، وهی تهرول بین الصفا والمروة وقد نهکها العطش ، وهدّها الجهد وأضناها الاشفاق على الطفل . . ثمّ ترجع فی الجولة السابعة وقد حطّمها الیأس لتجد النبع یتدفّق بین یدی الرضیع الوضیء . وإذا هی زمزم ینبوع الرحمة فی صحراء الیأس والجدب . وطیف إبراهیم(علیه السلام) وهو یرى الرؤیا ، فلا یتردّد فی التضحیة بفلذة کبده . . . وطیف إبراهیم وإسماعیل(علیهما السلام) یرفعان القواعد من البیت، فی إنابة وخشوع... »( فی ظلال القرآن 4 .( 2419- ویستمرّ (سیِّد) فی رسم تلک الأطیاف . . إلى أن یقول: (والحجّ بعد ذلک کلّه مؤتمر جامع للمسلمین قاطبة . مؤتمرٌ یجدون فیه أصلهم العریق الضارب فی أعماق الزمن منذ أبیهم إبراهیم الخلیل: (ملّة أبیکم إبراهیم هو سمّاکم المسلمین من قبل وفی هذا....) ویجدون محورهم الذی یشدّهم جمیعاً إلیه: هذه القبلة التی یتوجّهون إلیها جمیعاً ، ویلتقون علیها جمیعاً . . ویجدون قوّتهم التی قد ینسونها حیناً . قوّة التجمّع والتوحّد والترابط الذی یضمّ الملایین . الملایین التی لا یقف لها أحد لو فاءت إلى رایتها الواحدة التی لا تتعدّد . . رایة العقیدة والتوحید). (وهو مؤتمر للتعارف والتشاور وتنسیق الخطط وتوحید القوى ، وتبادل المنافع والسلع والمعارف والتجارب ، وتنظیم ذلک العالم الإسلامی الواحد الکامل المتکامل مرّة فی کلّ عام) . . . . ویرى صاحب (فی ظلال القرآن) أنّ کلّ ذلک یمثِّل «بعض ما أراده الله بالحجّ یوم فرضه على المسلمین ، وأمر إبراهیم(علیه السلام) أن یؤذن به فی الناس» )لیشهدوا منافع لهم) . . فإنّ کلّ جیل یشهد تلک المنافع (بحسب ظروفه وحاجاته وتجاربه ومقتضیاته موقع: تبیان
| ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,229 |
||