زواج الفصل فی العراق: بین العرف العشائری وبین الشریعة والقانون | ||
لکل مجتمع من المجتمعات فی العالم أعراف وتقالید وعادات متأصلة ربما یکون بعضها خارج نطاق قوانین تلک الدولة بل ولعلها تحظى من القدسیة والاحترام بحیث لا یمکن المساس بها وتوجیه الانتقاد الیها، وأما الخروج علیها فهو بمثابة الجحود والمروق عن الدین .. والعراق لیس مستثناة من هذه القاعدة شأنه فی ذلک شأن بقیة المجتمعات العربیة والمجاورة التی تجمعها عادة مشترکات کثیرة والتی فیها الکثیرة من تلک العادات والتقالید والأعراف. العادات العشائریة الساریة فی العراق تضرب بجذورها فی أعماق تاریخ المجتمع العراقی ذات الطبیعة العشائریة عادة وقد توارث الابناء تلک العادات أبا عن جد ما یشیر إلى تأصلها فی النفوس ورسوخها الشدید بحیث لا تزول رغم مرور الأیام ورغم التغیرات التی تطرأ عادة على طبیعة الانسان وفهمه للأمور وأسلوب تعامله مع الحیاة. ومن تلک العادات والتقالید ما یسمى ( زواج الفصل )الشائع منذ القدیم بین أبناء العشائر العراقیة والذی یعتبر وسیلة لفض بعض النزاعات العشائریة التی تحدث عادة وبدیلا عن الدیة التی شرعها الاسلام لوأد الفتنة التی قد تحدث بین طرفین أو عشیرتین بسبب حوادث القتل لسبب أو لآخر . ویعنی هذا الزواج أن یتزوج أحد أفراد عشیرة أو عائلة القتیل إمرأة من عائلة القاتل من دون مهر طبعا ورضى المرأة التی لا یکون لها رأی فی الزواج ولا تجری استشارتها بل تجبر على الزواج رغما عنها لأنها فی العرف العشائری لا تملک أمرها وتشعر بالحیاء فی أن تبوح أصلا برغبتها وإرادتها فی موضوع الزواج. الهدف من هذا الزواج کما قلنا هو وأد الفتنة أولا وایجاد نوع من التقارب والصلة الدائمة بین العشیرتین خاصة إذا أنجبت المرأة جیلا من الاولاد الذین یکونون فی المستقبل حلقة الوصل بین الطرفین المتخاصمین فیزول بذلک کل أسباب العداوة والحقد والبغضاء وطلب الثأر فیحقن الدماء التی یمکن أن تسفک دماء وقد تذهب عشرات الضحایا الأبریاء من الجانبین. وإذا نظرنا إلى الأمر یظهر أن لهذه العادة غایات وأهداف نبیلة وآثار ایجابیة مفیدة جدا لکن ینبغی تأطیر مثل هذه العادات والتقالید فی إطار القانون والشریعة حتى لا تتحول إلى ممارسات لها مردودات سلبیة ولا ینتهک فی ظلها حقوق أی إنسان . فالمرأة طبقا لهذه العادة یجری تزویجها رغما عنها وتقاد لتکون زوجة رجل قد یختلف عنها فی کثیر من الأمور کأن لا یکون من مستواها فی الثقافة والتعلیم والموقع الاجتماعی أو قد لا یکون ممن تتمناه شریکا لها فی الحیاة أو قد لا تشعر معه بالهدوء والسکینة والاطمئنان أو قد یکون منحرفا .. کل ذلک ترفضه الشریعة الاسلامیة ولا تقر به مبادئ حقوق الانسان.. فالاسلام یعتبر مثل هذا الزواج خاصة إذا کانت المرأة مرغمة علیه زواج غصب وهو ما یتعارض مع شروط الزواج الشرعی الذی یترک أولا للمرأة حق الاختیار ثم یترک لها حق المطالبة بالمهر أو الصداق فالزواج الذی یجری دون موافقة أحد طرفی العقد ولا یتضمن المهر یعتبر باطلا . لکن العشائر وبفضل الوعی الدینی تدرک ذلک جیدا لذلک تقول إنها تترک للمرأة حریة إختیار فرد واحد من بین عدد من أفراد العشیرة المقابلة ووفق قناعتها وبذلک یصبح الزواج شرعیا لا غبار علیه .وما ینطبق على المرأة ینطبق على الرجل أیضا فقد لا تتوفر القناعة لدیه فی الزواج من إمرأة معینة خارج نطاق رغبته وإختیاره لذلک أیضا یجری طرح عدة نساء علیه من الطرف المقابل لیختار واحدة من بینهن. وتدافع العشائر عن زواج الفصل فتقول إن الزوجة الفصلیة من شانها أن تخلق جوا عائلیا حمیمیا وتبنی أواصر الصداقة والقربى وتمد جسور الثقة بین العشیرتین المتخاصمتین لأن أولادها یخلقون فی المستقبل الأرضیة المناسبة لبناء علاقات إیجابیة وتنتهی حالات الثأر بین الطرفین . ویقولون أیضا أن العرف العشائری بمثابة قانون للعقوبات أو شبیه بها فیبدأ بالجرائم البسیطة حتى یصل إلى القتل حیث یحسم العرف الأمر خلال جلسة عشائریة واحدة فیما تستغرق المحاکم فترة طویلة وربما سنوات للبت فی مثل هذه الجرائم وإصدار الحکم النهائی بشأنها... ومع زیادة الوعی لدى العشائر ، ینبغی إزالة الاعراف والتقالید التی تخالف الاسلام، کی تتم تقویة أسس المجتمع المسلم فی تلک المناطق بعیداً عما تملیه الکثیر من اعراف العشائر التی طالما تبتعد عن جذور الاسلام الحقیقیة، وتخلق جواً مخیفاً للاسرة وخاصة المرأة التی تأمل ان تتحرر من هذه القوانین الظالمة التی تعود الى زمن الجاهلیة، والتی لا تقر بحقوق المرأة التی منحها ایاها الاسلام، فلابد من صحوة عشائریة بحق المرأة لکی تحصل على حقوقها وتمنحها الحریة ضمن الضوابط الاسلامیة.
جعفر عبد الامیر | ||
الإحصائيات مشاهدة: 4,187 |
||